بقلم خليفة حداد

حال استكمال الأهداف المعلنة لعملية عاصفة السلامبالسيطرة على كامل المنطقة الغربية وتأمين العاصمة طرابلس وشل خطوط إمداد قوات حفتر، أطلقت حكومة الوفاق الوطني الليبية عملية دروب النصر، وأصدرت الأوامر إلى قواتها بالتقدم نحو مدينة سرت.

.الجزء الثاني

الجفرة: قاعدة متعددة الجنسيات

تقع منطقة الجفرة وسط ليبيا؛ جنوب سرت وجنوب غرب الهلال النفطي، وتضم ثلاث مدن رئيسية؛ هي هون وودان وسوكنة، ومدنا وبلدات وتجمعات سكانية أخرى أقل حجما؛ في الفقها وزلة.

تتميز منطقة الجفرة بمناخها الصحراوي وبتضاريسها التي تتنوع بين الامتدادات السهلية والوديان والجبال. تقع قاعدة الجفرة الجوية شمال منطقة الجفرة؛ على مسافة قصيرة من مدينتي؛ ودان وهون، وتعد من كبرى القواعد العسكرية بالمنطقة الوسطى، حيث تضم مهابط للطائرات؛ بما فيها طائرات الشحن الضخمة، ودشما ومنطقة سكنية، وهي قادرة على استيعاب عدد كبير من الطائرات والعسكريين.

وقعت القاعدة تحت سيطرة قوات حفتر في شهر حزيران/ يونيو من عام 2017، بعد أشهر من القصف الجوي العنيف الذي شنته طائرات حربية، يعتقد أن بعضها مصرية وإماراتية كانت تنطلق من قاعدتي؛ الخادم وبنينا.

لعبت القاعدة أدوارا حيوية، منذ انطلاق الهجوم الذي شنته قوات حفتر وداعموها على العاصمة طرابلس، في 4 أبريل/ نيسان 2019. فإلى جانب اتخاذها غرفة عمليات من طرف الضباط الإماراتيين والروس، يتم انطلاقا منها إقلاع وتوجيه الطيران؛ المسير والحربي، الذي يستهدف مصراتة وغريان ومحاور جنوب طرابلس، فقد تحولت إلى مركز رئيس لتجميع المرتزقة القادمين من دول الجوار الأفريقي؛ خاصة السودان وتشاد.

كما أظهرت تطبيقات تتبع حركة الطيران أن القاعدة أصبحت نقطة وصل لاستقبال طائرات الشحن القادمة من قاعدة الخادم الإماراتية؛ جنوب المرج، وقاعدة سويحان في أبوظبي، حيث تشحن منها الإمدادات، برا، لدعم قوات حفتر في جبهات القتال بالمنطقة الغربية.

وقد ساعد الموقع الحيوي للقاعدة قوات حفتر على التحرك غربا في بداية الهجوم على العاصمة والمنطقة الغربية، وكانت المنفذ الرئيس الذي عبرت منه أغلب القوات التي شاركت في الهجوم.

تعرضت القاعدة لضربات جوية من طرف طيران الكلية الجوية بمصراتة، في أكثر من مناسبة، وكان أشدها وقعا في شهر سبتمبر/ أيلول من العام المنقضي، حين أدت سلسلة غارات جوية ليلية إلى قتل ستة ضباط إماراتيين كبار وتدمير غرفة عمليات ومخازن للذخيرة وطائرة شحن إماراتية وطائرات مسيرة وأخرى نفاثة، بحسب ما نقلت، حينها، مصادر إعلامية متواترة.

كما تعرضت خطوط الإمداد القادمة منها إلى قوات حفتر بمحاور المنطقة الغربية، لقصف مكثف بالطيران المسير، خلال الشهرين الأخيرين، ما أدى، إلى جانب أسباب أخرى، إلى انهيار هذه المحاور.

أضحت القاعدة ملجأ لأغلب مرتزقة فاغنرالروس بعد انسحابهم من محاور ترهونة وجنوب طرابلس، إثر سيطرة قوات حكومة الوفاق عليهما، وشهدت الطريق المارة عبر بني وليد والشويرف وصولا إلى الجفرة أرتالا طويلة من الآليات على امتداد أيام، فيما تم نقل آخرين، جوا، من مطار بني وليد إلى القاعدة.

وإضافة إلى ذلك كشفت القيادة العسكرية الأمريكية أفريكومعن دخول فاعل عسكري نوعي جديد إلى القاعدة بوصول 14 طائرة حربية روسية، من طراز سوخوي وميغ، إليها، قادمة من قاعدة حميميم الروسية في سوريا، أواخر شهر أيار/ مايو.

ورغم أن القيادة الروسية مازالت تلتزم الصمت حول مهام الطائرات، فإن الجدل تصاعد بشأنها، بين من يرجح دخولها المعارك الجارية في سرت وما بعدها وبين من يستبعد تورطا رسميا روسيا واسعا على غرار ما يجري في سوريا، خاصة في ظل الأنباء المسربة عن بدء قوات حفتر إخلاء القاعدة والانسحاب إلى المنطقة الشرقية.

وفي كل الأحوال سيظل بسط السيطرة على القاعدة استحقاقا حيويا بالنسبة لحكومة الوفاق لتثبيت انتصاراتها وتأمين المناطق التي استرجعتها وتصفية بؤرة من بؤر التدخل الإقليمي في البلاد.

الهلال النفطي: الورقة الثمينة

يمتد الهلال النفطي على جغرافيا نصف دائرية من شرق سرت إلى جوار اجدابيا، وينطلق من ميناء السدرة غربا إلى ميناء الزويتينة شرقا، ويضم، إضافة إلى هذين المينائين، موانئ؛ رأس لانوف والبريقة.

وتحتوي منطقة الهلال النفطي على نسبة 80% من قطاع الطاقة الليبي المقدر حجمه بأكثر من 45 مليار برميل نفط، و52 تريليون قدم مكعب من الغاز.

ومن أكبر حقول النفط فيها السرير ومسلة والنافورة التي تنتج مجتمعة نحو 60% من إنتاج البلاد النفطي، كما تقع فيها أكبر مجمعات تكريره وموانئ تصديره إلى العالم“.

بسطت قوات حفتر سيطرتها على الهلال النفطي، لأول مرة، شهر أيلول/ سبتمبر 2016، غير أنها تعرضت لهجومين خاطفين اضطراها للانسحاب لعدة أسابيع، قبل أن تعود للسيطرة على الموانئ النفطية، بمساعدة جوية كبيرة من الطيران المصري والفرنسي، حيث كان الهجوم الأول من تنفيذ سرايا الدفاع عن بنغازي، المشكّلة من أبناء بنغازي الذين هجّرهم مسلحو حفتر، شهر مارس/ أذار 2017، فيما كان حرس المنشآت النفطية – فرع الوسطىبقيادة إبراهيم الجضران، وراء الهجوم الثاني، في شهر حزيران/ يونيو 2018.

ومنذ منتصف كانون الثاني/ يناير من هذا العام، شهدت منطقة الهلال النفطي تصعيدا جديدا بقيام مجاميع قبلية موالية لحفتر بإغلاق المنشآت النفطية، في محاولة لمحاصرة حكومة الوفاق وحرمانها من الموارد المالية المتأتية من تصدير الخام.

وفي أثناء ذلك، أفادت مصادر متواترة بأن عمليات التهريب تسارعت عبر ناقلات تعود ملكيتها لدول إقليمية متورطة في النزاع الليبي.

يدرك كل من حفتر وحكومة الوفاق الوطني بأن من يضع يده على هذه المنطقة الحيوية بمنشآتها وموانئها سيشحن رصيده بمكاسب ميدانية واقتصادية ثمينة؛ تؤهله لفرض شروطه في أي حلحلة سياسية قادمة، ما يجعل تقدم قوات الوفاق إليها، بعد الانتهاء من معركة سرت، احتمالا متوقعا تدعمه تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين الذين يربطون بين معركة سرت؛ الجارية الآن، من جهة، ومعركة الجفرة والهلال النفطي المتوقعة، من جهة ثانية.

وتضاعف السوابق التي شهدها الهلال النفطي من فرضية مضي قوات الوفاق في الخيار العسكري، إذ أثبتت الهجمات السابقة التي شنها كل من؛ مسلحي إبراهيم الجضران وسرايا الدفاع عن بنغازي، هشاشة المجموعات التي تسيطر على الهلال النفطي؛ والمكوّنة، أساسا، من مسلحين من قبيلة المغاربة، تحت مسمى حرس المنشآت النفطية“.

ولا يستبعد، في هذا السياق، أن تجري ترتيبات بين حكومة الوفاق والمكونات القبلية بالمنطقة، على غرار ما جرى بمناطق أخرى، تتخلى، بمقتضاها المجموعات المسلحة القبلية عن ولائها لحفتر، وتنسحب من المنشآت والموانئ النفطية، وتسلمها إلى قوات الوفاق.

وفي كل الأحوال، من غير المتوقع أن تشهد المنطقة عمليات عسكرية واسعة يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بالمنشآت وتدميرها، لحسابات إقليمية ودولية استراتيجية؛ يدركها الطرفان المتصارعان جيدا.

خاتمـة

بعد أكثر من شهرين من انقلاب المشهد العسكري لصالح قوات حكومة الوفاق الوطني، تواصل الأخيرة مراكمة مكاسبها الميدانية بالتقدم إلى تخوم مدينة سرت بعد بسط سيطرتها على مدن الشريط الساحلي الغربي وقاعدة الوطية الجوية وترهونة ومحاور جنوب طرابلس.

ورغم أن قوات الوفاق لم تتمكن، حتى الآن، من دخول مدينة سرت، فإن جل المؤشرات الميدانية تذهب إلى أن إلحاقها بالمدن المسترجعة مسألة وقت فقط، وأن سرت لن تكون، على الأقرب، نهاية الجغرافيا التي يقف عندها جنود حكومة الوفاق، وأن امتدادها الجغرافي في الجفرة، جنوبا، وفي الهلال النفطي، شمالا، سيكون من الجبهات الساخنة في المدى المنظور.

***

خليفة علي حداد ـ كاتب وصحفي وخبير في الشأنين التونسي والليبي

(وحدة ليبيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية بتونس)

__________________

مواد ذات علاقة