بقلم عبدالرزاق العرادي

راقبت خلال الأيام الماضية سجالا عقيما انقسم فيه الناس أربعة أقسام؛ الأول والثاني كالأهلي والاتحاد، الأول ضد لأنه ضد، والثاني مع لأنه مع، وهناك فريق ثالث يحاول أن يفهم؛ بعضه يميل لرأي الاتحاد والثاني يميل لرأي الأهلي، حاولت أن أكون من الفريق الرابع.

هذا السجال يمكن تلخيصه في رؤيتين:

الأولى: يرى أصحابها: أن حل المشاكل العالقة وعلى رأسها مشروع الدستور إنما يكون من خلال إجراء الانتخابات. ويرفض هذا الفريق جميع من في المشهد، كما يرفض أي حوارات، ولا يثق في من يتم اختيارهم لهذه الحوارات، ولا في معايير اختيارهم، ولا في من اختارهم.

الثانية: يرى أصحابها أنه لا مفر من مرحلة تمهيدية يتم فيها توحيد المؤسسات وتهيئة الأرضية لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.

وهناك آراء أخرى، لكنها في الغالب متفرعة عن هذين الرأيين.

لن أناقش هنا أطروحات الفريق الذي مع الأهلي ولا ذاك الذي مع الاتحاد، لأن هدفهما التهييج والتهريج وغيرها من الأمراض التي لا تخدم وطنا ولا قضية، وتكون في الغالب انتصارا للنفس وتصفية للحسابات.

نبدأ بمناقشة مطلب الفريق الأول:

  • يطالب هذا الفريق بأجراء الانتخابات لحسم الوضع الحالي من خلال رد الأمر إلى الشعب الليبي صاحب الكلمة الأخيرة، وهذا مطلب لا يرفضه عاقل، ولكن عندما تسأل أصحاب هذا الرأي .. كيف ستجرى الانتخابات؟

تكون إجابتهم: من خلال استخدام قانون رقم 4/2012 أو باستخدام القانون رقم 10/2014 . وهنا يجب أن نعي أن قانون 2012 حل محله قانون 2014، وأن السند الدستوري الذي صدر على أساسه قانون 2014 قد أبطلته الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا وبالتالي أصبح عرضة للدفع ببطلانه بكل سهولة.

إذا لا يوجد لدينا قانون لإجراء الانتخابات ولا نص دستوري يخول لنا إجرائها. أما رفض هذا الفريق لمن في المشهد فهو رفض مبرر، ورفض تمثيلهم في الحوارات أيضا مبرر، ولكن رفض الحوارات ذاتها فهو رفض للحل الوحيد المتاح والذي نأمل أن يقودنا إلى حل الأزمة الليبية ومن تم المصالحة والتفاهم والاستقرار وحقن الدماء.

  • وأما الفريق الذي يطالب بمرحلة تمهيدية فهو يرى أنه من الضروري؛ توحيد المؤسسات، والاتفاق على القاعدة الدستورية التي على أساسها ستجرى الانتخابات، والبدأ في كل ما من شأنه أن ينهي حالة الصراع، ويمهد الطريق لانتخابات يقبلها الجميع، فهو رأي منطقي.. لماذا؟

قلب الأزمة وأم المشاكل

السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبقوة وإلحاح هو كيف سنصل إلى خيار الانتخابات أو خيار المرحلة التمهيدية؟.

الأزمة الرئيس التي تعيشه ليبيا الآن هي: تعطل المسار الدستوري والمسار التشريعي، فهي قلب الأزمة وأم المشاكل التي تعيشها ليبيا..

كيف؟

ليبيا تحتاج إلى إصدار تشريعات؛ أما في صورة تعديلات للاعلان الدستوري والاتفاق السياسي، أو تشريعات منهية للمراحل الانتقالية، أو تشريعات عادية تتطلبها المرحلة أو الحكومة.

تتطلب تعديلات الاعلان الدستوري، والاتفاق السياسي، أو تلك المنهية للمراحل الانتقالية، إلى توافق المجلسين، ويصدرها مجلس النواب كما هي. أما التشريعات العادية فيصدرها مجلس النواب. ولكن كل هذه التشريعات صار إصدارها في حكم المستحيل، بسبب تعطل مجلس النواب وتفككه، وعدم قدرته على عقد أي جلسة بنصاب قانوني، وبالتالي صار توافق المجلسين مستحيلا أيضا.

إذًا التعويل على التوصل إلى حل للأزمة الليبية بتوافق المجلسين هو تعويل على أمر مستحيل.

إذا لا مفر من التوجه إلى نفس المسار الذي صدر عنه الاتفاق السياسي في ديسمبر 2015. حينها كان هناك رأي قانوني معتبر يقول بأن ليبيا كانت تعيش فراغا في السلطة في الفترة ما بين 4 أغسطس 2014 وحتى 17 ديسمبر 2015.

أصحاب هذا الرأي يرون أن المؤتمر الوطني العام حُل بانعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، وانه بذلك كما ذكر الاستاذ معز الصادق أصبح “جزء من الماضي ولا يبعث حيا”، “ولمّا كان الحكم القضائي لاحقا لذلك… وأفضى إلى انعدام مجلس النواب وزوال أثاره يلتحق مجلس النواب بالمؤتمر في ذات المقبرة ويكونا في حكم الميت، والميت لا يبعث حيا”.

ليبيا كانت، طبقا لهذا الرأي، بلا رئيس وبلا سلطة تشريعية وبلا قائد أعلى للجيش الليبي خلال الفترة المذكورة أعلاه. لذلك قامت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، برعاية حوار نتج عنه الاتفاق السياسي الذي صدر به قرار من مجلس الأمن، فصار لليبيا عنوانا يتعامل معه العالم.

خرق جسيم

ليبيا الآن تعيش وضعا مشابها؛ تعطل للمسار التشريعي ناتج عن تعطل مجلس النواب، وعدم قدرته على التوافق مع المجلس الأعلى للدولة لتعديل أي بند في الاتفاق السياسي أو التوافق على إصدار أي تشريع ينهي المرحلة الانتقالية.

وبما أن هذا الأمر يعد خرقا جسيما لأكثر من بند من بنود الاتفاق السياسي، وبالنظر إلى أن البعثة هي الراعية للاتفاق وأحد الموقعين عليه؛ صار لازما عليها، وهي التي رعت الحوار في السابق وتقع ليبيا تحت ولايتها، أن تقوم بدورها استنادا إلى المادة 64 بتشكيل فريق للحوار، لتعديل الاتفاق السياسي، ولفتح نافدة تسمح بصدور التشريعات المستقبلية اللازمة لإنهاء المراحلة التمهيدية .

البعثة هي من اختارت فريق الحوار في السابق، وهي من يقع على عاتقها وضع معايير لاختيار الفريق هذه المرة، وكذلك القيام باختياره.

***

عبدالرزاق العرادي ـ عضو المجلس الانتقالي السابق

___________

مواد ذات علاقة