بقلم أحمد الخميسي

وحّد البنك المركزي الليبي سعر صرف العملة في أنحاء البلاد عند 4.48 دنانير للدولار الواحد، بدلاً من السعر الرسمي الذي كان محدداً عند 1.4 دينار.

هذه الخطوة لم تفلح في السيطرة على السوق السوداء. فقد هبط سعر العملة الليبية في السوق الموازية من 5.5 دنانير مقابل الدولار إلى ستة دنانير مباشرة بعد الإعلان عن توحيد سعر الصرف.

واعتبر عدد من المحللين أن هذه الخطوة ستزيد الأزمة المعيشية للسكان، بسبب غياب الرقابة على الأسواق، إذ سيرتفع التضخم في مقابل تثبيت الرواتب. فيما رأى آخرون أن هذا الإجراء يؤسس للاستقرار الاقتصادي في البلاد على المديين المتوسط والبعيد.

وقال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب عبد المنعم بالكور في تصريحات لـ “العربي الجديد” إن سعر الصرف الجديد وُضع وفق حجم احتياطيات مصرف ليبيا المركزي من النقد الأجنبي، وإن هذا السعر ممكن الدفاع عنه من أجل تحقيق الاستدامة المالية لمدة ثلات سنوات، بالإضافة إلى معالجة عرض النقود في الأسواق وصولًا لتسجيل المعدلات الطبيعية.

وأوضح أن موازنة سعر الصرف تتم عبر ثلاثة مقاييس، هي الإنفاق الحكومي وإيرادات مبيعات النقد الأجنبي وكذلك الإقراض المحلي، منوهًا بأن الأسعار ستنخفض في الأسواق مع توحيد سعر الصرف، في حال انخفاض سعر الدينار في السوق الموازية وثباته.

وأشار عضو اللجنة الفنية المعنية بسعر الصرف في البنك المركزي عمران الشايبي إلى أن الدينار لن يكون ثابتاً عند السعر الموحد بشكل دائم، وإنما من المرشح أن يرتفع أكثر مع ازدياد الإنتاج النفطي وصعود أسعار النفط العالمية خاصة في ظل التقارير التي ترجح ارتفاع الطلب بعد توزيع لقاح كورونا.

وأضاف الشايبي في حديث مع “العربي الجديد” أن كل أسعار السلع مرتبطة بقوة الدينار، إذ يتم بيع البضائع بسعر السوق الموازية أو ما يعادل 5.5 إلى ستة دنانير للدولار، ومع توحيد سعر الصرف ستتراجع الأسعار على المواطنين.

لكن ماذا عن هبوط الدينار بعد إجراء البنك المركزي؟ أجاب الشايبي أن المضاربات على سعر الصرف ليست سوى “رقصة أخيرة”، إذ سيتراجع الطلب على الدولار خلال الفترة المقبلة، وسيتم استيراد السلع وفقاً للسعر الموحد، كما سيتراجع حجم التهريب الذي كان يتعزز بسبب فارق سعر صرف الدولار بالمقارنة مع دول الجوار.

\ومن جانبه، حذر المحلل الاقتصادي علي الصلح من ركود اقتصادي بسبب ارتفاع الأسعار وعزوف الناس عن الاستهلاك لأن سعر الصرف الجديد لا يتناسب مع القوة الشرائية للدينار. واعتبر أن التضخم سيدفع الناس للمطالبة برفع سقف الأجور لمواجهة الأعباء المعيشية.

وأشار إلى أن الاقتصاد يعاني من ضعف الخدمات، فيما ينقطع التيار الكهربائي لساعات طويلة وتغيب المياه عن بعض المناطق، ما سيزيد السخط الشعبي.

ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في السعر الموحد بحيث يترافق مع حزمة من الإجراءات الاقتصادية ترتبط بالسياسات المالية والتجارية وتعزيز الرقابة. وقال إن اعتبار السعر الموحد إصلاحاً لا يخفي نواقصه التي ستعقد عملية ردم الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي.

وتعتبر عائدات النفط المصدر الوحيد لعرض النقد الأجنبي في ليبيا، في حين يتزايد الطلب على الدولار في ظل جمود الإنتاج الوطني وتراكم الأزمات المعيشية. كذلك، رأى مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية أحمد أبولسين، أن تخفيض سعر صرف الدينار ليس سوى مجرد ضريبة إضافية على المواطن المنهك أصلا بارتفاع مستوى الأسعار، وهو محاولة لخفض حجم الدين العام الذي يناهز 130 مليار دينار عبر جيوب الناس.

وأكد لـ “العربي الجديد” أن إدخال الاقتصاد في حالة من عدم الاستقرار وخلق بيئة تضخمية يفقدان الدينار المزيد من قيمته وبمعدلات أعلى مما هي عليه الآن، حيث سيؤدي ذلك إلى زيادة عجز الموازنة وارتفاع فاتورة الواردات وتبعا لذلك العجز التجاري. وشدد على أن هذه العوامل ستضعف قدرة البنك المركزي في الدفاع عن سعر الدينار الموحد، خاصة في حال تأثر الاحتياطات الأجنبية انخفاضاً.

وقال الموظف المتقاعد محمد بن عبد الصمد لـ “العربي الجديد” إن راتبه الشهري لا يتعدى 450 ديناراً، أي أنه يوازي وفق سعر الصرف الجديد 100 دولار، ما يعني 3.3 دولارات يومياً. وشرح أن معدل دخل الفقير في ليبيا محدد عند خمسة دولارات بحسب أسعار 2020، وبالتالي فإن سعر الصرف الجديد لم يسعفه، بحيث إن راتبه لا يكفي لسداد النفقات المعيشية لأسرته لعشرة أيام.

**********

تعويم العملات واغراق المواطن

بقلم مصطفى عبد السلام

خلال أيام قليلة أقدمت دولتان عربيتان نفطيتان، هما ليبيا والعراق، على خفض قيمة عملتهما الوطنية أمام الدولار بنسبة كبيرة في محاولة منهما لوقف تهاوي قيمتهما خاصة في سوق الصرف السوداء النشطة.

فقد أعلنت الحكومة العراقية أمس السبت عن خفض جديد في قيمة الدينار أمام الدولار، بحجة معالجة الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد بسبب تهاوي أسعار النفط المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، ووقف تهاوي العملة في السوق السوداء.

والملفت في الحالة العراقية أنه بدلاً من استعادة الحكومة الأموال المنهوبة التي تقدر بنحو 450 مليار دولار، وفق أرقام عضو اللجنة المالية في البرلمان سابقاً رحيم الدراجي، وعدم توجيه اتهامات للصوص المال العام، راحت تختبر الحلول السهلة وهي خفض قيمة العملة، وزيادة الضرائب، وتقليل الإنفاق العام، وهي الأمور التي ستكون لها تأثيرات خطيرة على الاقتصاد والمواطن.

أما في ليبيا فقد خفض مجلس إدارة المصرف المركزي الدينار يوم الأربعاء الماضي عبر التوصية بتوحيد سعر صرف العملة المحلية، عند 4.48 دنانير للدولار بدلاً من السعر الرسمي الذي كان محدداً عند 1.4 دينار.

ورغم هذا الخفض الحاد إلا أن الدينار واصل تراجعه في السوق السوداء، وهو الأمر المتوقع حدوثه في العراق أيضاً.

وقبل أيام تكرر المشهد في اليمن حيث تتهاوى العملة الوطنية الريال مقابل الدولار بسبب استمرار الحرب الأهلية، وانقسام البنك المركزي في البلاد، وتهاوي تحويلات اليمنيين المغتربين، خاصة العاملين في السعودية، وتوقف دول التحالف عن تقديم موارد إضافية لاحتياطي البنك المركزي اليمني.

وسبقت الدول الثلاث دول أخرى، منها لبنان والسودان وسورية ومصر التي تراجعت قيم عملاتها الوطنية بشدة، وفي الطريق الجزائر وغيرها من الدول التي باتت تعاني من تراجع حاد في إيرادات النقد الأجنبي بسبب تهاوي أسعار النفط والخسائر الفادحة من جراء تفشي وباء كورونا، أو بسبب أعباء الدين الخارجي الذي تفاقمت أرقامه في السنوات الأخيرة، وعدم قدرة بعض الدول على سداد مستحقات ديونها كما حدث في لبنان.

خطورة الخفض المتواصل في قيمة العملات الوطنية لمعظم الدول العربية تترتب عليه أمور خطيرة، منها حدوث قفزات في أسعار السلع والخدمات، وخفض في القيمة الحقيقية للرواتب والدخول، وتهاوي في المدخرات الوطنية، وضعف في القدرة الشرائية للمواطن، وهي أعباء بات المواطن لا يستطع تحملها، خاصة مع ضعف الدخل، وزيادة تضخم الأسعار، وتراجع فرص العمل المتاحة.

لم تكتف الحكومات العربية بخفض قيمة العملات، بل راحت تفرض مزيداً من الضرائب والرسوم في محاولة لاستنزاف ما تبقى في جيب المواطن المغلوب على أمره، والنتيجة حدوث مزيد من الفقر والبطالة وركود الأسواق وإفلاس المصانع وتعثر الشركات، ومعها أزمات مجتمعية لا حصر لها.
الملفت أن بعض دول العالم تحرص على خفض عملاتها كما هو الحال في الصين والولايات المتحدة وسويسرا واليابان والهند وماليزيا وفيتنام وتايوان وتايلاند وسنغافورة وكوريا الجنوبية في محاولة لزيادة إيراداتها من النقد الأجنبي.

أما في المنطقة العربية فإن الخفض يؤدي إلى مزيد من التراجع، سواء للنقد الأجنبي أو لدخول المواطن، والسبب أن الحكومات تخفض قيمة العملات دون أن يكون لديها خطة للاستفادة من الخطوة في ترويج سلعها في الأسواق الخارجية، وزيادة صادراتها، وجذب مزيد من السياح والاستثمارات والأموال الأجنبية إلى الداخل.

الملفت في الأمر أنه في الوقت الذي يتلقى فيه الدولار ضربات في الأسواق العالمية، مع توقعات تراجع سعره 20% في العام المقبل حسب سيتي جروب، أكبر مصرف في العالم، خاصة مع تفاقم أزمات الاقتصاد الأميركي بسبب تداعيات تفشي كورونا، وحرص إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن على معالجتها، نجد الدولار يستأسد في دول المنطقة أمام عملات عربية تعاني من الضعف والفساد والنهب وتهريب الأموال وندرة النقد الأجنبي.

___________

مواد ذات علاقة