في ظل مُعادلات البحث عن توازنات أمنية جديدة في طرابلس وبنغازي

بقلم علي اللافي

ظن البعض خلال الساعات الماضية بعودة الصراعات المسلحة في كل من طرابلس وبنغازي بناء على إجراءات وخطوات وتصريحات وسجالات وبيانات وعودة اشخاص مثيرين للجدل امثال “البرغثي” و”التاجوري” لواجهة الأحداث ومطالبتهما مثلا للمعادلة الأمنية والعسكرية بعد غياب طويل لهما نسبيا وأيضا وبناء على عودة الاشتباكات القبلية في الشرق الليبي وعصيان أوامر أصدرها “حفتر” ولجنته الأمنية في بنغازي.

ولكن غاب عن أولئك جزء من المعادلة الرئيسية القائمة في ليبيا منذ أسابيع والتي مفادها أن الحوار السياسي لم ولن يسمح المجتمع الدولي (الأمريكيين أساسا بفشله) أو حتى بترنحه رغم تواصل مسلسلي “تمطيطه” و”ارجاء جولاته”، وهو حوار لن يفشل بناء على أن توازن الضعف (أو توازن القوى) محليا وإقليميا ودوليا سيُؤدي إلى مربعات نجاح ولو ضيّقة لحل سياسي بل في الحقيقة تسوية سياسية.

وهي تسوية تطبخ منذ مدة على نيران هادئة ضمن اطار أن المسارات الأربع تتقدم لتكتمل التسوية عبر توافقات محلية وإقليمية ودولية وبما يُمكّن من انجاز الاستحقاقات الانتخابية في 24 ديسمبر 2021 وعلى أسس دستورية يقبل بها جميع الفرقاء السياسيين والاجتماعيين.

أولا: ما سر عودة حرب البيانات والسجالات؟

التعثّر الظاهر لبعض مسارات الحل، دفع البعض للتفكير في رسم خريطة تحالفات جديدة والتي قد تعني في الظاهر إمكانية انجرار الساحة إلى مواجهات مسلحة شبيهة بتلك التي جدت في العاصمة في سبتمبر 2018، وطبعا الأمر يهم تحديدا “بنغازي” و”طرابلس” وربما مُدن أخرى بما في ذلك في الجنوب الليبي كترتب موضوعي للمتغيرات والتطورات لما قد يجدُ ويجري في المنطقتين الشرقية والغربية.

أ– الثنائي “كارا”/”التاجوري” وبحث البعض عن معادلة أمنية جديدة في العاصمة طرابلس

من المهم التأكيد أن الجميع ارتاح لهدوء حرب البيانات بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط “مصطفى صنع الله” ومحافظ البنك المركزي “الصديق الكبير” وعدول “بشاغا” عن خطوته بمنع “الكبير” من السفر في وقت سابق، وهما خطوتان أحدثتا جدلا قبل حسمهما بالحوار والمشاورات والتوافقات.

لكن حرب السجالات والبيانات عادت بأشكال أخرى وهذه المرة من باب المُربعات والمعادلات الأمنية وذلك عبر تصريحات وبيانات بناء على عودة شخصيات مُتصلة بقرار المجموعات المسلحة في طرابلس من جهة أولى، وعبر صدور قرارات وإجراءات وتفعيل أخرى قديمة من طرف حكومة الوفاق، وهي أيضا خطوات تعكس استمرار الصراع بينهم من جهة ثانية.

وعمليا شن قائد كتيبة ثوار طرابلس “هيثم التاجوري” (عاد إلى طرابلس منذ أيام بعد غياب لأكثر من سنة ونصف تقريبا)، هجوماً وُصف بالحاد على وزارة الداخلية والحكومة ككل متهما إيَّاهما بالضعف وعدم النجاعة داعيا إلى تغيير الترتيبات الأمنية، قبل أن يعود في بيان جديد أمس السبت، مطالباً “اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 بتوضيح سبب تأخير وعرقلة تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم في مدينة سرت قائلا أن بنود الاتفاق سالف الذكر لم يطبق منها أي بُند.

اتهامات “التاجوري” وتصريحاته تزامنت مع عودة وزير دفاع حكومة الوفاق السابق “المهدي البرغثي” إلى المشهد والذي طالب المجلس الرئاسي بإعادته لوظيفته بعد ثبوت براءته قضائيا من “مجزرة معسكر براك الشاطئ” (140 قتيلا بين مدني وعسكري منتصف عام 2017.

وعرفت العاصمة طرابلس انتشارا كثيفا لقوات الأمن خلال الأسبوعين الماضيين، ولكن ذلك لم يمنع من تنقل عشرات السيارات المسلحة بين معسكرات تابعة للمجموعات المسلحة في مناطق شرق وجنوب شرق طرابلس (مقرات كانت في وقت سابق تابعة لكتيبة ثوار طرابلس بقيادة “التاجوري” نفسه)، مُحاولة منه ومن حلفائه لتنسيق عودة “قوة حماية طرابلس” ومشاركتها في ضبط وقيادة المشهد الأمني حتى أنه وحلفائه وثوار كتيبته طالبوا بأن يكونوا على علم بكل من يُريد الدخول لطرابلس سواء كانت دوريات أو أي قوة تريد الانتشار في طرابلس.

بل أن التاجوري نفسه علق على الانتشار الكثيف لدوريات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، عبر القول “رغم ما يحدث الآن وما تعانيه ليبيا، لم نر لا وزارة داخلية ولا جيشا، اللهم إلا جيش الصعوبات الذي يخرج فجأة ويختفي فجأة”، مشيرا إلى أنه لن يخضع لقرارات وزارة الداخلية التي وضعته على “قوائم المطلوبين” وطالبت الجهات الأمنية، ومنها قوة الردع الخاصة، بسرعة القبض عليه وتسليمه.

وبالتوازي مع ذلك تناقل المدونون الليبيون وصفحات ومواقع ليبية مساء الأمس السبت وصبيحة اليوم الأحد 20 ديسمبر، قرارا لرئيس المجلس الرئاسي “فائز السراج”، يؤكد من خلاله نقل تبعية “قوة الدرع الخاصة”، أكبر القوى المسلحة في طرابلس، من وزارة الداخلية إلى المجلس الرئاسي مُباشرة بل أن ذلك القرار أكد على تمتّع نفس القُوة بـذمة مالية مستقلة وأن القانون يسمح لها بـإنشاء فروع وصلاحيات أخرى كـ”المساهمة في حماية وتأمين الحدود ومنافذ الدخول والخروج واتخاذ الإجراءات الأمنية”.

وكقراءة أولية يُمكن القول أن كُل هذه الإجراءات والتصريحات تأتي في ضمن إعادة تشكيل خريطة السلاح في طرابلس، وهي تُؤكد وجود تحالفات جديدة – والتي قد تؤدي الى حرب وصدامات في العاصمة- وإن كان ذلك صعب الحديث موضوعيا ولكنه ليس مُستحيلا ذلك أن نسبة حدوثه مرتبطة بمسارات الحوار السياسي وطبيعة المُتغيّرات المحلية في جوانب أخرى اجتماعية بالأساس إضافة للبعد الإقليمي ( خليجيا – تونس – الجزائر – مصر)…

ب– “حفتر” ومحاولة التصدي لمعادلات أمنية جديدة تبحث عن التمرد على اجراءاته وأوامره وقوانينه

الأمر في بنغازي ليس بعيدا عما يدور في طرابلس، ذلك أنه وعلى اثر سعي الجنرال “خليفة حفتر” وابنيه “خالد” و”صدام” لإعادة سيطرتهم على الأوضاع رفضت فصائل من مليشياتهم السابقة الخضوع لأوامر صدرت من “حفتر” نفسه بشأن تسليم سلاحها ومقارها، وهو ما استدعى إصدار قرار يسمح بـ”استعمال القوة وكذلك استعمال السلاح” ضد من يرفض عملية “فرض القانون” التي أطلقها الجنرال المتقاعد ومساعديه (وفقا لعبارات نص بيان المكتب الإعلامي للغرفة الأمنية في بنغازي مساء أمس السبت 19 ديسمبر)

وما سمي عملية “فرض القانون”، هي عمليا خطوات واجراءات أطلقها “حفتر” منتصف الشهر الماضي لمواجهة مُعارضيه القبليين المنحازين لصف خصمه التقليدي في معسكر شرق ليبيا أي رئيس البرلمان “عقيلة صالح”، وتؤكد مصادر أن الرافضين لتلك الإجراءات هم متعددون ومن مشارب مختلفة عكس السنوات الماضية وهو عمليا أنصار ومقربين من قبائل:

“البراغثة”، وهي تعتبر من أبرز القبائل المعارضة لـ”حفتر” منذ فترة طويلة ولها امتدادات واسعة داخل مدينة “بنغازي”، ومن أهم قادتها “مهدي البرغثي”(منشق عن “حفتر” ووزير دفاع سابق في حكومة الوفاق)، وهذا الأخير يقود منذ فترة قوة عسكرية تتموقع حاليا خارج طرابلس (تعد فعليا حوالي ألفي مقاتل وفقا لمعطيات صفحات قريبة منه).

البراعصة، وهي قبيلة مناوئة لحفتر ولكنها ابتعدت عن المشاركة في أيّ حراك سياسي أو عسكري منذ مداهمة مليشيات تابعة “حفتر” لمنزل ابن القبيلة “فرج البرعصي” (أي أبرز القادة العسكريين في القبيلة، مطلع عام 2017)، لكن اجتماعاتها الرافضة لسلطة “حفتر” عادت بعد مقتل الناشطة الحقوقية “حنان البرعصي” في نوفمبر الماضي وسط بنغازي، وتناقلت منصات التواصل الاجتماعي عددا من فيديوهات اجتماعات القبيلة التي تتهم فيها “صدام” (نجل “حفتر”) بالتورط في مقتل الناشطة الحقوقية.

ومنذ يومين حاول “حفتر” استثمار صدامات مسلحة عاشتها مدينة “طبرق” منذ أيام لصالحه حيث أعلنت قبائل “المنفة” و”القطعان” تخليها عن دعم عقيلة صالح، بعد موقف مؤيد من الأخير لصالح قبائل “مريم” (أي الطرف الآخر في الصدامات التي عاشتها المدينة) رغم نفي “صالح” مساء أمس السبت لذلك ورفضه الزج باسمه في أحداث طبرق الدامية”، وكل ما سبق يعني أن التوترات الاجتماعية قد تقوى وتيرتها بقوة في الشرق الليبي وذلك يعني أن ترتبات أخرى ستبني عليها…

ت- ماذا يعني تزامن السجالات والبحث عن مُعادلات أمنية جديدة في الشرق والغرب؟

لا يختلف اثنان أن هذه الحراكات الباحثة عن معادلات أمنية جديدة هي على صلة بشكل أو بآخر بفشل مسارات الحل وتعثر بعضهما وتعدد حلقات مسلسلي “التمطيط” و”الارجاء” المتبعين من طرف البعثة الأممية، وهي عملية بحث عن تحالفات جديدة بحثا عن إرساء خريطة سلاح جديدة لفرض أمر واقع استباقا لقدوم مبعوث أممي جديد قد يقدم تصورات جديد وحلولا أخرى لأزمة البلاد.

ما سبق التأكيد عليه أعلاه، سمح فعليا لأمثال “التاجوري” بالعودة سواء بدافع ذاتي أو بدفع وإصرار من بعض مُشغّلين اقليميين لهم أهداف مرحلية واستراتيجية، خاصة وأن عودة أولئك المُغيبين منذ مدة سواء في الشرق او في الغرب، قد تخلق على الأرض حالة من الصدام العسكري لعدة أيام لفرض شكل جديد من توزيع القوى.

ورغم أن الوضع في “طرابلس” أعقد نتاج ضعف المجلس الرئاسي وتعدد القوى الفاعلة فان “الشرق” تتوفر فيه خلافات أساسها قبلي، ومثلما أنه من الوارد أن يكون “حفتر” قادرا على بسط سيطرته عليها مُجددا كونه الطرف الأقوى عسكريا في المنطقة، ولكن انقلاب الأمور عليه ليس مستحيلا ولكن يتطلب تظافر عوامل عدة وتطورات بعينها.

الصدام في طرابلس وفي المنطقة الغربية قد يقع تجنبه إدراكا من الجميع أن قوات “حفتر” لا تزال قريبة ويمكنها استغلال حالة الخلافات في حال وصولها إلى الصدام والتسرب بينها، خصوصا أن مدينة “ترهونة” لا تزال مليشياتها قريبة منها وتحديدا في “سرت”، وعمليا يمكن الجزم بأن حالة الصراع بين القادة الميدانيين في “طرابلس” غير خافية ومعلومة للجميع.

لكنها لن تتجاوز حد إعادة توزيع المراكز، ومعلوم أن كل الشخصيات تتبعها مجموعات مسلحة قوية لا يمكنها أن ترجح نتائج أي معركة لصالحها، وقرار “السراج” بشأن قوة الردع كونها أكبر القوى التي يمكنه أن يشكل بها توازنا في طرابلس ويمنع انحدار الأوضاع إلى صدامات.

الثابت أن قرار السلاح ومنذ نهاية مايو الماضي لم يعد بيد الأطراف المحلية بل أصبح رهينا للأطراف الداعمة لها، ويؤكد أن المجتمع الدولي (وخاصة “الأمريكيين”) لن يسمح بعودة الحرب الحالية التي تعيشها البلاد التي يدفع فيها الأطراف إلى حوارات لإنتاج حل سلمي، ذلك أن أي حرب مفترضة لن تتوقف وستشتعل في كل مكان ولا يمكن وقتها السيطرة عليها من طرف أي كان وستكون عواقبها وخيمة على مصالح دول كبرى في كل المنطقة.

ثانيا: البعثة الأممية تواجه الارباك باستراتيجيات المضي والتكتم

“وليامز” اعتمدت من البداية التنزيل الهادئ لما خطّطته وخاطته مع اعتماد سياسات التمطيط والارجاء كردّ طبيعي على كل أنواع الارباك الذي تعمده الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي تسعى لتُطيل مسارات الحوار السياسي بحثا من تلك الأطراف لكسر معادلات توازن الضعف (أو توازن القوى).

وتلافيا لانهيار مسار الحوار السياسي والقدرة على اضعاف ذلك الارباك المُمنهج أعلنت البعثة الأممية الثلاثاء الماضي (15 ديسمبر الحالي)، عن تشكيل لجنتين استشارية وقانونية، تُقدم اللجنة الأولى “المساعدة لتقريب وجهات النظر” بين أعضاء الملتقى المختلفين حول تحديد آلية لاختيار السلطة التنفيذية الجديدة، بينما أوكل للجنة الثانية “مهمة الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية”.

وبالتوازي لجأت البعثة لإحياء محادثات المسار الاقتصادي لتوحيد المؤسسات الاقتصادية وتحديدا البنك المركزي، لإطلاق حزمة إصلاحات اقتصادية قد تخفف من وطأة الصراع الناتج عن حرب البيانات بين قادة مؤسسات اقتصادية، على رأسهم رئيس مؤسسة النفط ومحافظ البنك المركزي.

بعد قرار “حجب إيرادات النفط”، يعيش الاتفاق العسكري، وربما تمت المسارعة في ذلك بناء على تعطل فعلي لتنزيل نتائج حوارات أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 حيث لم يتمكن أعضاء اللجنة من تنفيذ أي من بنوده حتى الآن، وسط تزايد التحشيدات العسكرية من جانب طرفي الصراع وضبابية مواقف الأطراف الدولية الراعية.

كل ما سبق يُؤكد أن البعثة الأممية و”وليامز” تحديدا تتبع سياسات ظرفية ومؤقتة تعتمد الهدوء في التعاطي مع كل ارباك أو تعطيل في نفس الوقت الذي تعتمد فيها استراتيجيا المضي في ما خطته في بداية الحوار خاصة وأنها تعي انها تبحث عن تسوية بغطاء انتخابي/ديمقراطي ضمن أشغال ونقاشات لجنة الحوار وفي نفس الوقت تعتمد منطق التكتم على استراتيجيتها النهائية في الوصول للنتائج النهائية.

فهي تتقدم ببطء ولكنها في الحقيقة تتقدم مسار بمسار لتلتقي ضمن حل مُتكامل يفضي في الأخير لمغادرة كل الأطراف الأجنبية ومسار سياسي يؤدي لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية وهو ما يعني انها تعتمد أيضا استراتيجيا التكتم حتى لا يستطيع أي طرف لا محلي ولا إقليمي ان يلعب على الهوامش في نقض المخرجات قبل الإعلان عنها.

وفي كل الحالات فإنها ستُحقق الحد الأدنى وهو تدعيم المكسب الوحيد المحقق الآن وهو تأبيد وقف اطلاق النار ودفع الجميع لذهاب لانتخابات 24 ديسمبر 2021 وما منطق التحذيرات بالأرقام والمعطيات والانتقال من مسار لآخر بدون توضيح الخطوات اللاحقة الا دليل أنها تعرف الخطوات المضادة وطبيعة الارباك المنتظر في كل مرحلة إضافة لوجود آليات خفية لقياس ردات الفعل خاصة وان السفير الأمريكي يتحرك بالتوازي في خطوات بدت مكوكية ورئيسية (جولاته لعواصم عربية وغربية نهاية أكتوبر الماضي – لقاءات أخرى غير معلنة– محادثاته في “مصراتة” الأسبوع الماضي).

ثالثا: طبيعة التسوية السياسية التي تُطبخ على نيران هادئة ولا بديل عن الحلول السياسية

من المُهم التذكير أن المبعوث الاممي الأسبق “غسان سلامة” قد قال سنة 2018 أنه “لا يكفي ان يتفق الليبيون لحل الازمة الليبية بل يجب ان يتفق المجتمع الدولي أولا”، وهو أمر تقف عليه “وليامز” كل يوم اثناء تسييرها اشغال ملتقى الحوار السياسي ذلك أنها كلما وفقت بين الليبيين وجدت نفسها امام اعاقات دولية وإقليمية للتقدم في الخطوة الموالية .

وفي الخلاصة أن اخراج الروس وبعض أطراف إقليمية من مربعات الساحة الليبية وتحقيق اختراقات في الصراعات القائمة والتي تتغذى بدءً من المحلي في اتجاه الإقليمي وصولا للدولي وفي مناسبات ومربعات ثانية انطلاقا من الدولي في اتجاه الإقليمي ووصولا للمحلي.

وبناء على ذلك فإن الحوار الليبي وان دخل منذ أشهر مربعات النجاح وتقلصت على ضوئه مربعات الفشل، إلا أن بعض عواصم عربية وأخرى غربية تسعى لتوسيعها وغلق مُربعات النجاح المُنجزة.

واليوم ورغم أن التحديات كبيرة والتفاصيل دقيقة والاستحقاقات المطلوبة ليست هيّنة، وتحقيقها يستوجب الحذر وحيزا زمنيا وصبر المتحاورين ودفعهم للإيجابية، ولعل جولة السفير الأمريكي لمصراتة وزيارات مدير المخابرات المصرية واهم المسؤولين الايطاليين للرجمة ومن ثم مقابلة “حفتر” و”عقيلة صالح” وزيارات “السراج” قبل ذلك لأنقرة (علنا) ثم روما (سرا)، ما هي الا علامات دالة أن التسوية سياسية بالأساس هي ليست عملية مغالبة عبر التصويت في لجنة الحوار.

بل أن هناك تسوية سياسية تطبخ على نيران هادئة رغم ان عملية الطبخ طالت مراحلها باعتبار أن الحوار عرف وسيعرف خلافات أخرى قد تكون عميقة كلما تقدم زمنيا، بل سيحضر المد والجزر في مسائل عدة يجعل بعض الأطراف تلوح بالانسحاب لتهدد أطرافا أخرى في نقاط تفصيلية.

ولكن الخطوات المقطوعة والأرضية الصلبة التي بُنيت سابقا في محطات سابقة على أكثر من 5 أشهر من جلسات التفاوض وعمق مآس تسببت فيها المعارك السابقة لوقف إطلاق النار ستمكن في الأخير من الوصول إلى التوافقات التي يبحث عنها الليبيون.

وذلك أمر محسوب ومرتب ولا خلاف إلا في التفاصيل أو وعود وعطايا اقتصادية للروس أولا ولكل المرتزقة ومن ثم إخراج ناعم لبعض فاعلين ومُتمرسين يريدون أن يقع تدويرهم أو حتى تدوير أبنائهم والمقربين منهم، وتلك عقلية كرستها عُقود الاستبداد بناء على أن الشخصية الليبية غلبت عليها خلال السنوات والعقود الماضية، عوامل “القبيلة” و”الغلبة” و”الغنيمة”.

ولعل من شاهد قناة الحدث التابعة لمقربين من “حفتر” استغربوا لغة الخطاب خلال اليومين الماضيين ولو استحضروا حقائق الأشياء في النزاع اللبي منذ 2014 وعددا من المعطيات السيسيولوجية، ما استغربوا وربما هو ما دفع بمدير المخابرات المصرية القدوم بنفسه هذه المرة للقاء “عقيلة” و”حفتر” مباشرة اثر زيارة كبار المسؤولين الايطاليين.

والثابت أنه لا حل الا الحل السياسي امام الفرقاء الليبيين وأنه ليس وراءهم إلا الحرب الأهلية – والتي لم ولن يسمح بها المجتمع الدولي مثلما لم ولن يسمح بالتقسيم ليس حبا في ليبيا ووحدتها بل حبا في مصالحه الآنية والاستراتيجية.

***

علي اللافيكاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

_________________

مواد ذات علاقة