بقلم مأمون خلف

سعت أطراف الحرب الليبية لتسويق انتصاراتها العسكرية إعلاميًّا وسياسيًّا، لكسب تأييد القوى الدولية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية. ولم يكن ليجد الليبيون أفضل من توظيف خدمات شركات الضغط السياسي في واشنطن لكسب هذا التأييد والتأثير في صنَّاع القرار.

نعرض في هذا التقرير الجهود التي بذلها خليفة حفتر، والدوائر الليبية القريبة منه، في استئجار خدمات شركات ضغط أمريكية للترويج لمصالحهم السياسية أو لشخص حفتر في دوائر الحكم الأمريكية، خاصة الكونجرس ووزارة الخارجية.

خليفة حفتر: لواء بشهيةٍ مفتوحة للحرب

كان صيف يوليو (تموز) 2017 حافلًا بالانتصارات العسكرية لقوات حفتر، المسماة بـ«الجيش الوطني الليبي»؛ إذ أعلن حفتر في خطابٍ متلفز آنذاك أن قوَّاته سيطرت بالكامل على مدينة بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، بعد معارك استمرت نحو ثلاث سنوات للسيطرة على المدينة، ضد مجموعات إسلامية وثورية مسلحة، كان على رأسها «مجلس شورى ثوار بنغازي».

في ذلك العام دخلت الحرب الأهلية الليبية عامها السادس منذ إسقاط نظام القذافي عام 2011، والثالث منذ عودة خليفة حفتر إلى ليبيا في 2014، بعد عقودٍ قضاها في الولايات المتحدة هاربًا إثر اشتراكه في محاولة انقلاب فاشلة على نظام معمر القذافي.

أنفق حفتر على اللوبيات في أربع سنوات ما يزيد على مليون و425 ألف دولار أمريكي، ووظَّف شركاتٍ للضغط على الكونجرس، ووزارة الخارجية الأمريكية، وللترويج له في وسائل الإعلام الأمريكية والدولية.

بحسب وثائق وزارة العدل الأمريكية

استغلَّ حفتر الواقع الليبي بعد الثورة ليعود مجددًا للواجهة، وجاء بشعار مواجهة «الميليشيات الإسلامية» المنتشرة في ليبيا المشتتة بالحرب والثورة، وإعادة الاستقرار للبلاد.

تمكَّن حفتر على هذا الأساس من الحصول على دعم مجلس النواب الليبي المشكَّل حديثًا آنذاك في مدينة طبرق. لكنَّ الأحداث الليبية وتطوراتها لم تمهل الليبيين كثيرًا؛ إذ أنه في عام 2015، الذي أصبح فيه خليفة حفتر قائدًا للجيش الوطني الليبي رسميًّا، انقسم الجيش إلى فصيلين، أحدهما يدعم حكومة مجلس النواب ومقرها مدينة طبرق الشرقية.

أمَّا القسم الآخر من الجيش الليبي، فدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، المعترف بها من الأمم المتحدة، والتي كانت تصرُّ على أن تكون قيادة الجيش الليبي خاضعة للحكومة الرسمية والمعترف بها دوليًّا.

وتمكن حفتر من السيطرة على المدن الرئيسية في بنغازي عام 2017، وفي درنة عام 2018، ودفَعَهُ للأمام سيطرة قواته على مرافئ نفطية إلى الجنوب والغرب من بنغازي، بعد أخذها من فصيلٍ متحالف مع حكومة الوفاق في سبتمبر (أيلول) 2016؛ ما أثار التكهنات حينها بأنه يضع غرب ليبيا، وطرابلس تحديدًا، نصب عينيه.

وفي الأعوام التالية عزَّزت تحركات حفتر هذا الخط، بعد سيطرة قواته على عِدَّة مُدن في البلاد.

هذا التقدم العسكري شجَّع حفتر على التوجه بقوَّاته مطلع عام 2019 نحو طرابلس، عاصمة الحكومة المعترف بها دوليًّا، للإطاحة بحكومة الوفاق الوطني من السلطة من خلال السيطرة على المدينة وما حولها. وفرض حفتر حصارًا خانقًا على عاصمة الغرب الليبي ومقر الحكومة فيها، وكان يسيطر حينها على أكثر من ثلثي أراضي البلاد، وأغنى مناطقها بالموارد النفطية.

وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، نشط حفتر في واشنطن بالتوازي مع التقدُّم العسكري على الأرض.

ضغط سياسي في واشنطن بملعقة الانتصارات العسكرية في ليبيا

رغم محاولة خليفة حفتر فرض أمر واقع على المجتمع الدولي المُنقسم في دعمه لأطراف الصراع الليبي بحسب سير المعارك، فإن مهمة إسقاط حكومة معترف بها أمميًّا ممثلةً شرعيةً للشعب الليبي لم تكن بالأمر الهين، خصوصًا بالطريقة العسكرية والدموية التي أرادها حفتر وداعموه.

كان لا بدَّ قبل ذلك من تمهيد الأرضية السياسية اللازمة في مراكز صناعة القرار الدولية، وتحديدًا في واشنطن، التي شهدت حينها فترة انتقالية بين إدارتين بعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016.

انتهت حقبة باراك أوباما، الذي ساند الوفاق، وأعلن فوز دونالد ترامب، ليدخل البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) 2016 بخطه الميَّال للامتناع عن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر، والعمل على دعم جهات محلية لحماية المصالح الأمريكية.

ومع قرب نهاية 2017، وعلى ضوء التقدم العسكري لمليشيات حفتر، تحديدًا يومي 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، سجَّلت شركتا ضغط سياسي، هما «كيستون للاستشارات الإستراتيجية »، وشركة «جراس روتس للاستشارات السياسية »، عقدين مع جهات ذات صلة بحفتر.

جاء عقد «كيستون» لصالح «محافظ شرق ليبيا»، دون ذكر اسم مباشر، ولكن موقع «بوليتيكو» كشف عن الاسم الحقيقي لصاحب العقد، وهو: عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان قوات خليفة حفتر. أما العقد الثاني فوقَّعه نجل حفتر، خالد خليفة حفتر، بصفته العسكرية في قوات والده.

هدفَ التعاقد مع شركة «جراس روتس» إلى الترويج لحفتر بصفته «صمَام أمان ليبيا المستقبلي ومنقذ البلاد». ونص الاتفاق بين الطرفين على أن تضغط الشركة على أعضاء الكونجرس لصالح «عائلة حفتر»، والترويج لمصالحها السياسية والعسكرية والإستراتيجية في الدوائر السياسية الأمريكية.

ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الشركة عملت لصالح زبون آخر من حلفاء الإمارات، هو المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي للانفصال عن اليمن.

العقد الأول: حفتر.. زعيم ديمقراطي و«مخلِّص ليبيا من الإرهاب»

بدأ العقد الأول لحفتر مع شركة «جراس روتس للاستشارات السياسية» ، في الأول من نوفمبر 2017.

عملت الشركة في هذا العقد على بناء سردية ترويجية لخليفة حفتر بصفته «محارب الإرهاب» في ليبيا، وتتضح سردية الشركة في واحدة من وثائقها، تقسِّم فيها «الإرهاب» لثلاث فئات متساوية؛

أولها: الإخوان المسلمون في ليبيا، الذين تقول الشركة إنهم متحالفون مع تنظيم القاعدة ومدعومون من الإخوان المسلمين في تركيا أيضًا.

ثانيها: تنظيم القاعدة، وتقول الشركة إن دولة قطر تموِّله،

وثالثها: قوات «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وتذكر وثيقة للشركة أن التعاقد معها جاء بهدف صدِّ جهود «الإخوان المسلمين» الرامية لـ«رفع الدعم» الأمريكي عن حفتر في شرق ليبيا.

يمتلك حفتر، «مكافح الإرهاب» كما تقول الشركة «رؤية مستقبلية ديمقراطية لليبيا»، وهو «قائد متفق عليه دوليًّا من أوروبا وبريطانيا وروسيا والاتحاد الأفريقي»، إضافة إلى بلد أخير هي: «دولة الإمارات العربية المتحدة». هكذا تسوِّق الشركة الجنرال.

في الفترة الأولى لعمل الشركة ركَّزت على الترويج لتحرُّكات حفتر العسكرية، ثم نشطت في شنِّ حملاتٍ للدفاع عنه في الإعلام الأمريكي. واستمرَّ تعاقد حفتر مع الشركة لمدة عام وانتهى في31 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بكلفة وصلت إلى 200 ألف دولار، وفقًا لوثائق وزارة العدل الأمريكية.

يُدير الشركة دانيال فاراتشي، مستشار سياسي أمريكي، عمل لسنوات طويلة في الاستخبارات و«مكافحة الإرهاب» في البحرية الأمريكية، وفقًا لحسابه على منصة «لينكدإن».

وانتقد فاراتشي التدخُّل التركي العسكري شماليَ سوريا وندَّد بقرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا لتنفِّذ تركيا ضربات عسكرية ضدَّ جماعات كردية مسلحة تتهمها بـ«الإرهاب»، ورأى فاراتشي، مثل محللين أمريكيين كثر غيره، أنَّ هذا الانسحاب خذلان لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل حكومة إقليم كردستان، وقوات «قسد» الكرديَّة.

يمتدُّ موقف فاراتشي ضدَّ تركيا للساحة الليبية والصراع الدولي فيها، ويندِّد في لقاءات إعلامية ومن خلال حسابه في منصة «تويتر» بالوجود العسكري التركي فيها، ويُبشِّر بليبيا «التقدُّم والحرية» التي يعمل لأجلها اللواء حفتر، ويؤكِّد أنَّه يُقاتل «الإرهابيين» و«الجهاديين» في ليبيا، ويدعو لدعمه من حلف الناتو ومن الولايات المتحدة و«حتى روسيا»، الخصم التقليدي لأمريكا، وواحدة من أهم الرعاة الدوليين لحفتر، ومن اللافت للنظر ظهوره المُستمر على قناة «روسيا اليوم» التابعة للحكومة الروسية.

ضغطت الشركة على لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس، وتُظهر سجلات الشركة ضغطها على عضوين في الكونجرس، هما النائب الجمهوري ثيودور بو، رئيس اللجنة الفرعية بمجلس النواب لمكافحة الإرهاب، وعضو لجنتي الشؤون الخارجية والقضائية، وزميله الجمهوري باول جوسار، عضو لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي، وهو من أعضاء الكونجرس الذين عملوا على تحقيقات الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي عام 2012.

تحدَّث النائب ثيودور بو، في مارس (آذار) 2011، في جلسة استماع بعنوان «ليبيا: تحديد مصالح الأمن القومي الأمريكي»، وانتقدَ في حديثه تحرُّك الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، وتدخله العسكري ضدَّ نظام القذافي، مستنكرًا على أوباما تحرُّكه فقط بدوافع إنسانية للدفاع عن الليبيين، واستدعى تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي آنذاك، بوب جيتس، الذي أكَّد أن «التدخل في ليبيا ليس مصلحة مهمة للولايات المتحدة».

في حديث آخر للنائب ثيودور، قال إن القذافي في عام 2008 كان من أهم حلفاء الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، بحسب قادة عسكريين أمريكيين، وأنَّ التدخل الأمريكي ضدَّه في 2011 فتح المجال لحركات «إرهابية» لتنتعش في ليبيا وتستغلَّ الأخطاء السياسية لإدارة أوباما، الرئيس المنتمي للحزب الديمقراطي.

450 ألف دولار لطلب دعم عسكري

بدأ العقد الثاني لحفتر في وقت قريب من العقد الأول، بتاريخ 1 ديسمبر (كانون الأول) 2017، مع شركة «كيستون للاستشارات الإستراتيجية –»، واستمر العقد لمدة عام لينتهي في فبراير (شباط) 2018.

وُقِّع هذا العقد باسم «محافظ شرق ليبيا»، دون ذكر اسم مباشر، ولكن موقع «بوليتيكو» كشف عن أن صاحب العقد وهو: عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان قوات خليفة حفتر.

وينصُّ العقد على تقديم الشركة استشارات سياسية واتصالات إستراتيجية للناظوري، بما في ذلك مساعدته في مسائل السياسة والعلاقات الخارجية لـ«تطوير ليبيا ديمقراطية ومتعددة الأعراق»، ورغم قلَّة الأنشطة المُصرَّح عنها في وثائق الشركة فإنها تلقَّت 450 ألف دولار أمريكي مقابلها.

وربما يساعدنا على فهم الخدمات تصريحات الناظوري السابقة لمجلة «نيويوركر» الأمريكية في 2015؛ إذ قال آنذاك إنه يسعى للقاء ديفيد رودريجيز، قائد القوات الأمريكية في أفريقيا في ذلك الوقت، وصرَّح بأن الهدف من الرغبة في اللقاء يتعلق بـ«الحرب على الإرهاب»، ولمناقشة معسكرات تدريب الإسلاميين في ليبيا، وطرق تجارة تهريب البشر. وطلب وقتها من الجنرال الأمريكي الدعم والمعدَّات العسكرية للقيام «بالمهمة في ليبيا».

يمثِّل الشركة في هذا التعاقد فلاديمير بيتروفيك، سفير صربيا سابقًا إلى الولايات المتحدة (2009- 2013)، وهو أحد مديري الشركة ومُنفذ الخدمات في هذا التعاقد. واقتصرت أنشطة الشركة القليلة على لقاء مع جينا فوتيه، رئيسة موظفي عضو الكونجرس الجمهوري ثيودور بو، الذي تواصلت معه أيضًا الشركة الأولى لحفتر، شركة «جراس روتس».

بالإضافة لاتصالات مع النائب الجمهوري دانا روراباكر، وهو عضو مهم بلجنة الخارجية وترأس فيها لجنة فرعية عن «أوروبا وأوراسيا والتهديدات الناشئة الفرعية».

ترامب في اتصالٍ مع حفتر

هل نجحت جهود هذه الشركات؟ لا نملك إجابةً واضحة عن هذا السؤال، لكنَّ جهود حفتر وحلفائه نجحت بلا شكٍّ في حشد دعمٍ لقوات حفتر، ولو كان دعمًا اسميًّا، تمثَّل باتصالٍ هاتفي في أبريل (نيسان) 2019، بين الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وحفتر، أثنى فيه على الجنرال المندفع نحو طرابلس، وعلى جهوده العسكرية في «مكافحة الإرهاب».

دقَّ هذا الاتصال نواقيس الخطر لدى حكومة الوفاق الليبية، ودفعها لدخول عالم اللوبيات في أبريل 2019 لمواجهة نجم خليفة حفتر الصاعد في واشنطن.

تسويق «الحرب ضد الإرهاب» واستدعاء التدخُّل الأمريكي

في الوقت الذي بدا فيه أن دخول قوات حفتر لمدينة طرابلس بات وشيكًا، ومنعًا لأي ضرر قد تلحقه شركات الضغط السياسي التي وظَّفتها آنذاك حكومة الوفاق بصورة حفتر في الولايات المتحدة، وقَّع ما يعرف باسم «مركز دعم القرار» التابع لقوات حفتر، عقدًا مع شركة «ليندن للحلول الحكومي ».

سجِّل العقد في 19 مايو (أيار) 2019، أي بعد أقل من شهر من أول عقد لحكومة الوفاق في 25 أبريل 2019، ونصَّ العقد على أن تقدِّم الشركة خدمات علاقات عامة «لدعم الأهداف الدبلوماسية للجيش الوطني الليبي»، هذه الصيغة الناعمة للإشارة للعملية العسكرية التي شنَّها حفتر على العاصمة طرابلس، وباختصار: ضغطت الشركة ليكون الموقف الأمريكي أقرب لحفتر من الوفاق.

في سبيل هذه الغاية، تواصلت «ليندن» مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك السفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند (أغسطس 2019 وحتى الآن)، ومجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وأخيرًا وزارة الطاقة الأمريكية.

كما تواصلت مع عدد كبير من وسائل إعلام أمريكية ومراكز بحثية يمينية ومحافظة على مدار عام كامل، منذ منتصف مايو 2019 وحتى يونيو (حزيران) 2020، منهم جوشوا ميسيرفي، الباحث الأول في مؤسسة «هيريتج» البحثية، وهو مختص بشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، وتحدَّث عن ليبيا أكثر من مرة.

في واحدة من المرات، وفي ورقة بحثية نشرها في مايو 2017، ذكرَ فيها جهود حفتر وحملته العسكرية ضد ما أسماهم «المتطرفين» في شرق ليبيا، وذكر سريعًا الدعم الروسي له، وقال آنذاك إن لروسيا فرصة حقيقية للدخول في الصراع لأن الولايات المتحدة بعيدةٌ عنه، ولذا سيكون قليل الكلفة والخطورة على روسيا.

وشارك ميسيرفي في جلسة استماع بالكونجرس في ديسمبر 2019 عن «الإرهاب في أفريقيا»، قال فيها إن استقرار ليبيا مهم لوقف توسُّع «الإرهاب» في المنطقة، ورأى أن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على حل الأزمة الليبية بثقلها الدبلوماسي.

وفي جلسة استماع أخرى في سبتمبر 2020، تحدَّث ميسيرفي مجددًا عن الدور الروسي في أفريقيا، بما في ذلك دورها الكبير في الصراع الليبي، وقال إن الولايات المتحدة لن يكون في مصلحتها أن «تؤثِّر تركيا في حلفاء أمريكا في أفريقيا»، في إشارة للحضور التركي القوي في الصومال وفي ليبيا.

وتواصلت الشركة مع الباحث برادلي بومان من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مركز بحثي أمريكي يميني منحاز بالكامل للأجندة الإسرائيلية، والباحث بومان تحدث عن ليبيا ناقدًا حرب الوكالات التي شاركت فيها تركيا.

وصرَّحت الشركة في الوثائق بأن قيمة العقد الأصلية مليونا دولار، ولكنها حصلت فقط على775 ألف دولار أمريكي بانتهاء العلاقة في 19 يونيو 2020.

مع وزارة الخارجية

تُبرِز التفاصيل تكثيف الشركة اتصالاتها مع جهاتٍ حكومية أمريكية في سلك السياسة الخارجية من موظفين في وزارة الخارجية الأمريكية.

وتشير إلى لقاء وتواصل مع جوشوا هاريس، وهو دبلوماسي تسلَّم في يوليو (تموز) 2019 منصب نائب رئيس البعثة الأمريكية في طرابلس ليبيا، وعملَ من مكتب البعثة الخارجي في تونس. وقد عملَ قبلها على شؤون شرق أفريقيا، وأدار مكتب الشؤون المغاربية بالوزارة بين 2017 و2018.

وعقدت لقاءً آخر مع إليزابيث ليتكفيلد، القائمة بأعمال مكتب الشرق الأدنى في الخارجية وموظفة سابقة في مكتب ليبيا بالوزارة.

مع الكونجرس

تركَّز نشاط الشركة في الكونجرس على الاتصال والالتقاء بالأعضاء الجمهوريين، خصوصًا أعضاء لجان الشؤون الخارجية، والمخصصات، والتهديدات الناشئة، والقوَّات المسلحة، والاستخبارات.

وتظهر وثائق الشركة تواصلًا مكثفًا مع الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية؛ إذ تواصلت على الأقل مع 10 نواب، وسيناتورين جمهوريين. يبرز منهم اسم السيناتور تيد كروز، العضو في لجان الشؤون الخارجية، والقضاء، والنائب ستيف شابوت رئيس لجنة الأعمال الصغيرة، وعضو لجنتي العلاقات الخارجية، والقضاء.

أما عن اللجان الأمنية والعسكرية، فقد التقت الشركة بشكل مكثف مع شيوخ ونواب من لجنتي القوات المسلحة والاستخبارات، واللجنة الفرعية عن «مكافحة الإرهاب والتهديدات الناشئة».

وتظهر السجلات لقاءً مع نيك آدمز، من الفريق التشريعي لعضو الشيوخ الجمهورية، جوني إيرنست، رئيسة لجنة التهديدات الناشئة الفرعية في مجلس الشيوخ وعضو لجان القوَّات المسلحة، والقضاء. ولقاء مع كارثيك راجا، مستشار السياسة الخارجية للسيناتور الجمهوري جون كورنين، عضو لجنتي الاستخبارات والقضاء.

وفي السياق ذاته، جاء لقاء الشركة مع إيميلي ماننج، مستشار السياسة الخارجية والدفاع للسيناتور الجمهورية مارشا بلاكبيرن، عضوة لجان القوَّات المسلحة والقضاء. ولم يغب عن الشركة التواصل مع عدد من نواب الكونجرس في لجان مشابهة حتى تكتمل حلقة الضغط للتسويق لنشاطات قوات حفتر في ليبيا.

الهزيمة في طرابلس والتراجع في واشنطن

كان آخر محاور عمل الشركة هو الترويج لإعادة إعمار ليبيا، وبشكلٍ خاص تطوير وإعادة تأهيل الحقول النفطية وبنيتها التحتية في ليبيا.

نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤولين بالشركة أنهم مهتمون بمساعدة ليبيا على «إعادة تأهيل صناعتها النفطية»، وهو ما يفسِّر تواصلها ولقائها مع لاندون ديرينتز، مدير الطاقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي. ومع كل من جو أودو، وفينسنت ترفاتو، وتوماس مابيس، من وزارة الطاقة الأمريكية. إلى جانب عدد من شيوخ ونواب لجان الأعمال الصغيرة، والطاقة، والموارد الطبيعية.

هكذا وبكل قوَّة، دخل القائد العسكري الليبي خليفة حفتر على خط الضغط السياسي في الولايات المتحدة منذ وقتٍ مُبكِّر بغية تقريبه من طموحه السياسي والعسكري الأهم، المتمثل بفرض سيطرته على ليبيا وجمع شتاتها تحت نظام سياسي يكون هو رأس الهرم فيه.

إلا أن التغيُّر في موازين القوى الليبية منذ مطلع مايو 2020 لصالح حكومة الوفاق، وانسحاب قوات حفتر وتراجعها أطاح جهود سنواتٍ من العمل الدؤوب لتسويق حفتر، في مرحلة ليبيا ما بعد الوفاق.

وهي الفترة ذاتها التي شهدت إنهاء «مركز دعم القرار» نيابةً عن قوات حفتر عقده مع الشركة في 19 يونيو 2020 بُعيد أيام قليلة من هزيمة حفتر.

عقد سابق لوجوه الشرق الليبي مع آري بن ميناشي

وانتهى آخر العقود لصالح حفتر مع شركة «آدم جونز» للمحاماة بتاريخ 30 يونيو 2019.

بعد ثلاث سنوات من عمل الشركة لصالح مجموعة من وجوه الشرق الليبي: عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، وعبد الرازق الناظوري، رئيس أركان حفتر، وشخص رابع باسم مراد الشريف.

هذا العقد نسَّقه آري بن ميناشي، مسؤول الموساد الإسرائيلي السابق الذي وظَّف الشركة بعقدٍ من خلال شركته «ديكنز آند ماديسون كندا» في يوليو (تموز) 2017، لصالح مجلس نواب طبرق، بخصوص اتهامات بانتهاك قوَّات حفتر لحقوق الإنسان تصل لاحتمالية ارتكابها لجرائم حرب.

***

هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010- 2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكافة الوثائق متاحةٌ للتصفح على الإنترنت.

***

مأمون خلف ـ كاتب صحفي، و باحث فلسطيني/ إيطالي

____________

مواد ذات علاقة