بقلم جونثان واينر

انتُخبت حكومة الوحدة الوطنية الليبية في الخامس من فبراير 2020 عبر تصويت أعضاء مُنتدى الحوار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المُتحدة، ومن المتوقع في 26 فبراير 2020 أن تُرسل حكومة الوحدة الوطنية الليبية قائمة التشكيل الوزاري المُقترح إلى مجلس النواب الليبي؛ ليُصادق عليها.

تصديق مجلس النواب الليبي على التشكيل الوزاري المُقترح سيُمثل نجاحا كبيرا لحكومة الوحدة الوطنية، ولرئيس الوزراء الليبي المُنتخب، عبد الحميد محمد دبيبة، كما أنه سيظهر الفرق الجوهري بينه وبين رئيس حكومة السابق فايز السراج الذي فشل في الحصول على مُصادقة مجلس النواب على التشكيلات الوزارية التي قدمها.

الإشكالية الراهنة هي مواجهة المُفسدين المُحتملين، وهذا التخوف كان متوقعا إن انتهى مُنتدى الحوار السياسي الليبي إلى إعلان نتيجة التصويت على رئاسة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة بفوز وزير الداخلية فتحي باشاغا، أو رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي تصرف على أنه رئيس ليبيا طوال السنوات الماضية.

صادق باشاغا على حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وسيمكنه الترشح لمنصب رفيع عندما تجري ليبيا الانتخابات المُقرر عقدها في 24 ديسمبر 2021. لكن عقيلة منذ عام 2016 نجح في المناورة؛ لمنع تصديق مجلس النواب على أي تشكيل حكومي قدمه السراج.

ورغم أن عقيلة صالح وافق على نتيجة مُنتدى الحوار السياسي الليبي الأخير، فإن الخطر يكمن في أنه قد يُعيد مناوراته السابقة؛ لمنع مُصادقة مجلس النواب على التشكيل الوزاري الذي قدمه دبيبة؛ بهدف إعادة الكرة إلى مُنتدى الحوار السياسي حيث يمكنه الحصول على فرصة أخرى؛ ليُنتخب كرئيس لحكومة الوحدة الوطنية.

ستظهر نوايا عقيلة صالح خلال أيام، فمن المُقرر أن يجتمع مجلس النواب الليبي في سرت بدعوة من صالح، وبمباركة أعضاء حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، بعدما اجتمع نواب الغرب الليبي في صبراتة الأسبوع الماضي. جدول أعمال اجتماع مجلس النواب في سرت يتضمن تبني مخرجات مُنتدى الحوار السياسي الليبي، وانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب على أن يكون من الجنوب الليبي، ما سيُنهي حق الفيتو الذي تمتع به عقيلة صالح طوال فترة رئاسته لمجلس النواب الليبي.

إذا نجح اجتماع مجلس النواب في سرت، فالخطوة التالية ستكون الإعلان عن التشكيل الوزاري المُقترح، وطرحه للتصويت، ومُصادقة مجلس النواب خلال 21 يوما. وإن فشلت عملية المُصادقة على التشكيل الوزاري المُقترح بحلول 19 مارس 2020، فيجب أن تعود حكومة الوحدة الوطنية إلى مُنتدى الحوار السياسي الليبي؛ لإعادة العملية برمتها من جديد.

أي أن عدم تصديق مجلس النواب الذي سيجتمع في سرت على التشكيل الوزاري سيُخاطر بإعادة ليبيا من جديد إلى الفوضى، وهو آخر ما تحتاجه ليبيا حاليا، كما ظهر خلال الحادث الذي تعرض له باشاغا في 21 فبراير والذي فُسِّر على أنه محاولة اغتيال عندما أطلق مُسلحون الرصاص على موكبه.

*************

محاذير التسوية في ليبيا

بقلم سامح

شهدت الأزمة الليبية تطورات إيجابية مهمة في الأسابيع الماضية، إلا أن المضي في انتشال ليبيا من مستنقع الصراع والمواجهات الدائرة منذ سنوات، يتطلب ما هو أكثر من التصريحات. بترجمة الظاهر من النيات إلى أعمال وإجراءات على الأرض.

وما يزيد الشكوك بشأن حقيقة تلك النوايا الظاهرية ذلك الاختلاف الذي يصل إلى حد التناقض بين مصالح وأهداف أطراف كثيرة معنية بالوضع في ليبيا. بعض تلك الأطراف منخرط بالفعل في مجريات الأزمة هناك منذ سنوات، لكن لها مواقف محدّدة وسياسات لم تتغير منذ سقوط معمر القذافي قبل ثماني سنوات.

إذ تقبل دول مهمة ومحورية في إدارة الأزمة الليبية أن تؤول الأوضاع في ليبيا إلى أي سيناريو، إلا أن يكون للإسلاميين هناك السيطرة أو النصيب الأكبر في إدارة الدولة، فضلاً عن التحكّم في الموارد النفطية بصفة خاصة.

وهناك أطراف أخرى دخلت حديثاً على خط الأزمة، بفعل حسابات ودوافع ليست مرتبطةً بالضرورة بالملف الليبي ذاته. وهو ما يزيد صعوبة التنبؤ بمواقفها، لأن بوصلة سياساتها ليست محكومةً بالأزمة وحدها، فتتداخل معها توازنات ومعطيات قضايا إقليمية أخرى.

في النطاق الأول، ليس مقبولاً لدى مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى أن تخضع ليبيا لحكم له صبغة إسلامية، مهما كانت معتدلة. ووصل الأمر، في الأعوام الماضية، إلى سعي بعض تلك الدول إلى استئصال أي وجود أو دور سياسي للإسلاميين في ليبيا، تحت عنوان الارتباط والتداخل بينهم وبين مليشيات مسلحة وعناصر إرهابية.

ولا توجد أي إشارة إلى حدوث تغيير في مواقف تلك الدول، ورؤيتها للنموذج المطلوب لمستقبل ليبيا. وكل ما حدث أن بعضها اضطر إلى التخلي، ولو مؤقتاً، عن الخيار العسكري، والرهان على استخدام القوة لاستئصال الإسلاميين من المشهد الليبي، حالاً ومستقبلاً.

مثلاً، طوّرت مصر أدواتها ورهاناتها التكتيكية لتحقيق رؤيتها، سياسة رفض التعامل مع طرابلس، وتخلت عن الرهان على حفتر كخيار أول وأخير. غير أن أطرافاً أخرى، مثل الإمارات وروسيا وفرنسا، لم تصدر عنها إشارات تغيير أو تحول في مواقفها.

ولذلك لا يزال الجنرال خليفة حفتر موجوداً ومطروحاً رقما مهما في معادلة ليبيا الحالية، وربما المستقبلية أيضاً.
في المقابل، نجحت الأطراف الأخرى التي تداخلت مع الأزمة الليبية، وتحديداً تركيا، في مأسسة حضورها الفعلي على الأرض وتوثيقه، باتفاقات اقتصادية ودفاعية.

وليس متوقعا أن تتخلى أنقرة بسهولة عن مكاسب جيواستراتيجية عاجلة، وأخرى اقتصادية آجلة. وهو ما ينطبق أيضاً على أطرافٍ أخرى، مثل إيطاليا، إذ يمثل النفط الليبي المحرّك الأساس لسياساتها الليبية.

ولما كانت التناقضات بين مصالح (وأهداف) كل تلك الأطراف عميقة ومتجذّرة، فإن التقدّم الكبير الذي تحقق على المسار السياسي، بفضل جولات التفاوض واللقاءات المباشرة فيما بين الأطراف الليبية خلال الأشهر الماضية، مرهونٌ بتأييد كل تلك الأطراف، ودعمها دعماً حقيقياً وعملياً، وليس فقط بتصريحات بروتوكولية.

ويستلزم هذا بدوره توفر شروط موضوعية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها. أهمها ألا يفضي الوضع السياسي الجديد في ليبيا إلى استئصال أو إقصاء قوى ليبية بعينها لصالح أخرى.

وكذلك عدم المصادرة المسبقة لتوجهات الشعب الليبي بشأن سياساته الداخلية وعلاقاته الخارجية. مع الحرص، في الوقت ذاته، على طمأنة (وتهدئة) المخاوف بشأن تركيبة المؤسسات والهياكل السياسية والأمنية الليبية وتوجهاتها، قد تسفر عنها المرحلة الانتقالية الحالية، والتي يفترض أن تنتهي بإجراء الانتخابات في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وما لم تتم مراعاة تلك المحاذير، فإن تلك الألغام المحيطة بليبيا والليبيين جاهزة للتفجير وقلب الطاولة في أية لحظة.

___________

مواد ذات علاقة