عبدالمنعم الجهيمي

أخيراً وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الإخفاق المتكرر، نجح رئيس الحكومة الليبية الجديدة عبدالحميد الدبيبة في تقديم تشكيلته الحكومية ونيل ثقة مجلس النواب عليها.

نجاح الدبيبة هذه المرة يعود إلى أن تلك الحكومة ضمت شخصيات محسوبة على أطراف مختلفة من المشهد السياسي الليبي، كما مثلت من الأقاليم الليبية الثلاثة (برقة فزان طرابلس). ويعتبر الباحث في القانون محمد الصيد أن هذه الحكومة نالت الثقة بسبب حرص رئيسها على ترضية أغلب الأطراف المحلية الفاعلة في المشهد الليبي.

مشهد معقد

منذ اندلاع الثورة الليبية والبلاد تشهد انقسامات واقتتالاً أهلياً زاد من حدته تحول ليبيا إلى ساحة صراع دولي بين قوى اقليمية مختلفة المصالح والاهداف.

وفي مسار موازٍ، كانت بعثة الأمم المتحدة تسعى لتقريب وجهات النظر عبر المفاوضات التي قادها مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون وأفضت لاتفاق الصخيرات، الذي تشكلت بموجبه حكومة الوفاق الوطني، وباشرت تلك الحكومة أعمالها في طرابلس في نيسان/إبريل عام 2016، بدون أن تحظى بثقة مجلس النواب.

وتعزز الانقسام في ليبيا بين حكومة الوفاق في الغرب، والحكومة الليبيةالتي يرأسها عبدالله الثني في المنطقة الشرقية، وظل الوضع كذلك حتى نيسان/أبريل من العام 2019، عندما تقدمت قوات الجيش الليبي نحو العاصمة الغربية طرابلس في محاولة للسيطرة عليها، وهو ما أشعل الحرب بين قوات الجيش الوطني الليبيفي الشرق، وقوات حكومة الوفاق الوطني. استمرت الحرب عاماً وعدة أشهر، قبل أن تنسحب قوات الجيش إلى خط سرت الجفرة وتتمركز هناك، لتعاود الأمم المتحدة تدخلها وفرضها على الفرقاء الليبيين الدخول في جولة مفاوضات جديدة.

بالرغم من شبهة الرشى التي تحيط بحصول الدبيبة على منصبه، سارع رئيس الحكومة الجديد إلى عقد مشاوراته من أجل تشكيل الحكومة، التي تواجهها عدة مشاكل وملفات، فهي كانت حكومة محاصصة بامتياز كما يقول الدبلوماسي السابق الطاهر اعريفة لرصيف22

اختارت مبعوثة الأمم المتحدة ستيفاني ويليامز جنيف ساحة للمباحثات بين الأطراف السياسية الليبية، التي بدأت جولات طويلة من التفاوض، توصلت بعدها لتثبيت وقف لإطلاق النار، واختيار 75 شخصية من أقاليم البلاد الثلاثة الشرق والغرب والجنوب، يكون على عاتقهم مسؤولية اختيار مجلس رئاسي جديد ورئيس للحكومة، ويتكون المجلس الرئاسي من ثلاث شخصيات: الرئيس من المنطقة الشرقية ونائبيه من الغرب والجنوب، ورئيس الحكومة من المنطقة الغربية.

وعلى رئيس الحكومة أن يقدم تشكيلته الحكومية لمجلس النواب خلال واحد وعشرين يوماً من إقراره رئيساً.

وتوكل لتلك الحكومة عدد من المهام، على رأسها توحيد مؤسسات الدولة، والإعداد للانتخابات التي تقرر لها الرابع والعشرين من أيلول/ديسمبر المقبل.

رأب الصدوع 

 تقدم للمنصب عدة شخصيات ودارت المنافسة بين بضع قوائم، لكن محمد المنفي السفير الليبي السابق لدى اليونان نال ثقة مجلس الـ75، وكان معه نائباه موسى الكوني ومحمد اللافي ورئيس الحكومة المسؤول في النظام السابق عبدالحميد الدبيبة الذي حسمت قائمته الانتخابات بحصولها على 39 صوتاً من مجموع 73.

وبرغم شبهة الرشى التي تحيط بحصول الدبيبة على منصبه، سارع رئيس الحكومة الجديد إلى عقد مشاوراته من أجل تشكيل الحكومة، التي تواجهها عدة مشاكل وملفات، فهي كانت حكومة محاصصة بامتياز كما يقول الدبلوماسي السابق الطاهر اعريفة لرصيف22، إذ يرى أن كل التيارات السياسية أرادت أن يكون لها نصيب في هذه الحكومة، فضلاً عن أقاليم البلاد التي ترى أنه من حقها أن تمثل في الحكومة بوزارات مهمة.

ويضيف اعريفة أن الأحزاب السياسية ضغطت من أجل أن تنال مكاسب أكثر في الحكومة التي يفترض أن يكون عمرها عشرة أشهر، فحزب العدالة والبناء الذراع السياسي للإخوان سعى من أجل كسب عدة وزارات سيادية له أو لأطراف محسوبة عليه، فنافس على وزارة المالية والخارجية ووزارة الداخلية وسعى إلى أن تكون له قدم قوية في وزارتَي النفط والتعليم، بخلاف الأحزاب الأخرى الأقل حماساً من العدالة والبناء التي دارت مطالباتها ضمن وزارات أقل شأناً.

كما أن بقية المكونات الاجتماعية في البلاد تسعى للحصول على حصصها في الحكومة المقبلة، فمكون التبو حظي بوزارة العمل عبر عدة حكومات، إضافة لعدة مناصب مهمة في أكثر من وزارة، ولن يستغني بسهولة عن هذه المكاسب حتى مع الدبيبة، لذا سعى لكسب وزارة او مناصب أخرى حتى بعدما فاته حظه من وزارة العمل والتأهيل، والأمازيغ منقسمون في التفاعل مع الحكومة الجديدة، وكذلك سكان الجبل الغربي، بخلاف المنطقة الشرقية التي ضمنت حصتها في إدارة مصرف ليبيا المركزي، وضمنت وضعاً أفضل فيما يخص المؤسسة العسكرية التي ستكون من مهام الحكومة العمل على توحيدها.

تحديات النواب

اصطدم كل ذلك بوضع مجلس النواب، الذي وقعت على عاتقه مسؤولية التنظيم والتجهيز لجلسة مكتملة النصاب من أجل منح الثقة للحكومة المقترحة، يقول المحلل السياسي إدريس عبدالسلام لرصيف22 إن على الدبيبة بعد أن ينجح في خلق التوافق بين الفرقاء الليبيين ومطامح السياسيين في حكومته، أن يحافظ على ثقة النواب، الذين لم يجتمعوا في جلسة مكتملة النصاب منذ سنين، خاصة أن بعضهم كان لديه مرشحون يريد الدفع بهم في الحكومة، وبعضهم غير راضٍ عن الطريقة التي وقع بها انتخاب هذه الحكومة، وبعضهم كان ولا يزال متضامناً مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي فشلت قائمته أمام هذه الحكومة.

يتطلع الليبيون إلى أن تكون الحكومة الجديدة بداية النهاية لسنوات من الحرب والقتال والتهجير والنزوح والأزمات الاقتصادية، كما ينتظرون أن تضع الانتخابات المقبلة حداً للمراحل الإنتقالية التي لم تنتهِ منذ العام 2011 حتى الآن، راجين أن تكون حكومة الدبيبة بداية نهاية الأزمة الليبية

ويرى عدد من النواب أن الحكومة، بحكم أن عمرها عشرة أشهر أو أقل، عليها أن تكون حكومة مصغرة، تضم وزارات سيادية عددها خمس، والبقية تكون هيئات وزارية، ولكن هذا أيضاً اصطدم بتطلعات التيارات السياسية والأقاليم، وهو ما حدث في تشكيلة الوزارة المقدمة لمجلس النواب والتي ضمت ثلاثين وزارة، ناهيك بالهيئات والوكلاء.

بحسب اتفاق جنيف، فإنه في حال عجز مجلس النواب عن تقديم الثقة أو حجبها عن الحكومة المقترحة، ينتقل هذا الاختصاص لمجلس الـ75، وهو إجراء قد لا يرضي القيادات المتحكمة في مجلس النواب، لأنه يسحب منه صفة الشرعية التي تعتبر من صميم اختصاصه فيما يتعلق بشرعنة الجهة التنفيذية، لذلك توصل اليوم لمنح الثقة بغالبية 132 صوتاً.

ملفات الدبيبة

أمام الدبيبة الآن مهمة تفعيل حكومته، التي ستعالج ملفات مهمة، كما يرى الباحث في رئيس المناظرة والحوار بسبها، محمد الأنصاري، فأمام الحكومة ملف نازحي مدينة مرزق وتاورغاء وترهونة، وايضاً ملفات أضرار الحرب التي مرت بالبلاد خلال الأعوام الماضية، وملف البدء في تنمية المدن المتضررة من هذه الحروب وتأمين الطرق وإنعاش الاقتصاد المحلي، ووضع حلول جذرية لأزمة الكهرباء التي تنتظر البلاد في الصيف المقبل.

وستواجه الحكومة، كما يرى الأنصاري، صعوبات مختلفة في ما يخص مساعي المصالحة الوطنية وتنظيم الخدمات ومتابعة الخطاب الإعلامي التحريضي الذي كان سائداً بين أطراف الصراع الليبي، هذه المهام قد لا تنجز جميعها في فترة الأشهر العشرة.

يتطلع الليبيون إلى أن تكون الحكومة الجديدة بداية النهاية لسنوات من الحرب والقتال والتهجير والنزوح والأزمات الاقتصادية، كما ينتظرون أن تضع الانتخابات المقبلة حداً للمراحل الإنتقالية التي لم تنتهِ منذ العام 2011 حتى الآن، راجين أن تكون حكومة الدبيبة بداية نهاية الأزمة الليبية.

***

عبدالمنعم الجهيمي ـ صحفي وكاتب ليبي من مدينة سبها جنوب ليبيا

*************

قراءات من زوايا مُختلفة لجلسة النواب

ناقشت حلقة برنامج “البلاد”، أمس الاثنين، جلسة مجلس النواب في سرت، وأبرز التحفظات على التشكيلة الوزارية.

و يصف المهتم بالشأن السياسي محمد غميم جلسة النواب في سرت بـ”انتصار رهانات السياسة على رهانات الحرب”، وقال: هذا الشيء يسعد كل ليبي، أن يلتئم مجلس النواب وبالتالي ينتهي الانقسام المؤسسي وما يسمى برلمان طرابلس.

وتابع: الأوضاع تؤكد أن هناك رغبة من النواب في المضي لتحقيق شيء على الأرض، بعد الأوضاع السيئة التي يعيشها المواطن الليبي بسبب انقسامهم وخلافاتهم، وما يحدث في سرت شيء إيجابي في المشهد السياسي الليبي.

من جانبه، علق المحامي والحقوقي عبد الحفيظ غوقة على الموضوع بقوله: انتهاء الانقسام داخل مجلس النواب أمر جيد، وجلسة الاثنين عبارة عن ملاحظات حول التشكيلة الوزارية الموسعة وضرورة أن تكون مصغرة ومن الكفاءات وفق تم الاتفاق عليه في ملتقى الحوار السياسي الليبي، مع ضرورة تضمين ما تم الاتفاق عليه في تونس وجنيف في الإعلان الدستوري حتى تكتسب الحكومة الشرعية القانونية والدستورية. وكأننا في المشهد ذاته للعام 2016.

لا يتمنى عبد الحفيظ غوقة إرجاع التشكيلة الوزارية إلى رئيس الحكومة والطلب بأن تكون مصغرة كما حدث في العام 2016، عندما طُلب من “السراج” الإتيان بحكومة مصغرة لا يتجاوز عدد أعضاء عشرة، بعد أن جاء بحكومة من 30 وزيرًا، ولم يقدم “السراج” تشكيلته مرة أخرى بعد ذلك الاجتماع.

وأفاد “غوقة”: لا شك أن رئيس الحكومة انصاع للمحاصصة والمجاملة والضغوط التي تم ممارستها عليه ولكن كان يجب أن ينصاع إلى الرأي العام الليبي، من مهام هذه الحكومة معالجة بعض المشاكل خلال فترة وجيزة، ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات، لكن وزارة على هذا النحو موسعة واستحداث وزارات جديدة وتقسيم الوزارات القائمة إلى ثلاث وزارات لا تخدم المرحلة التمهيدية التي قصدها ملتقى الحوار.

يرى عبد الحفيظ غوقة أن رئيس الحكومة الجديدة لم يقلص عدد الوزارات الموجودة في الحكومتين “الوفاق والمؤقتة” بل سار على المسار نفسه.

وأضاف: مثلاً، وزارة التعليم تصبح ثلاث وزارات ووزارة للموارد المائية ووزارة للنفط والغاز، هذه الوزارات في الحقيقة تدار بموجب هيئات ومؤسسات وطنية قائمة وموجودة وبالإمكان أن تستمر طيلة السنة التمهيدية بجانب الوزارات السيادية الأربعة، نحن نحتاج إلى ست وزارات على الأكثر لإدارة المرحلة التمهيدية.

وتابع: المطلوب من الحكومة الجديدة تحقيق نوع من التعافي الاقتصادي، ونوع من الاستقرار ومعالجة الملفات المهمة ودعم المساريْن العسكري والأمني الذي هو الأساس لتحقيق الاستقرار والأمن.

وبحسب “غوقة”؛ فإن عبد الحميد الدبيبة لم يكن مُوفّقًا بهذه التشكيلة الوزارية الموسعة.

وطالب “غوقة” مجلس النواب بضرورة العمل بشكل أسرع، على أن يُضمن اليوم الثلاثاء ما تم الاتفاق عليه في الإعلان الدستوري، ولا يشترط التعديل أولاً ليضمن الإعلان الدستوري، أي يُضمن في الإعلان الدستوري ما تم التوافق عليه.

وتابع: المعروف أن مجلس النواب أقرّ كل مخرجات ملتقى الحوار في جنيف، أي قبل بالحكومة ورئاسة الحكومة، والآن؛ ينظر في تشكيلة الحكومة.

أوضح محمد غميم أن ما تابعه من نقاشات خلال الجلسة يستطيع القول إنه بنسبة 80٪ من النواب يتم الدفع بهذه التشكيلة الوزارية، رغم الكثير من الإشكاليات في التوسع والشبهات على أسماء بعض الشخصيات، وهناك من اتهم عبد الحميد الدبيبة بأنه لم يُراع المُحاصصة وأنه مارس الإقصاء وارتكن إلى سياسة الإرضاء والابتزاز.

وأضاف: المناخ العام داخل جلسة الحوار يؤكد وجود ميول عند الأغلبية من النواب إلى عرض خيارين أمام رئيس الحكومة هما: أما التعديل وإبعاد بعض الأسماء الجدلية وتمثيل بعض الكتل أو الدوائر الانتخابية أو أن يتحمّل المسؤولية في يكون له حكومة مصغرة يختارها دون تدخّل أو ابتزاز من أحد، وما حدث اليوم ما هو إلا تمهيد لرد تشكيلة الحكومة إلى الدبيبة. وتعديلها في مدة عشرة أيام.

ولا يتوقع محمد غميم أن تكون هناك خطة بديلة للتشكيلة الوزارية خاصة للبرلمان، ويضيف: وقع “الدبيبة” بين الترضيات والابتزاز ولم أتوقّع أن تتلقّى التشكيلة الوزارية هذه المعارضة الكبيرة من مجلس النواب.

ويتوقع عبد الحفيظ غوقة، أن “الدبيبة” سيوضح في جلسة الثلاثاء أمام مجلس النواب، لماذا لجأ إلى هذه الحكومة الموسعة، واستجابته للضغوط التي مورست عليه من قبل النواب وغيرهم من الأجسام المختلفة.

وأضاف: قد تمر هذه التشكيلة الوزارية بشكلها الحالي ولكن هذا ليس مرده ضغط الشارع، ولكن تآكل الشرعية بالنسبة لمجلس النواب، هذا المجلس فاقد للشرعية ولم يقدم للبلد أي شيء منذ انقسامه وحتى قبل انقسامه، هذه حقيقة لا يمكن أن نغفل عنها أبدًا، فشل مجلس النواب ككل الأجسام التي في المشهد، فشلت في تحقيق الأمن والسلامة للمواطن، أنا شخصيًا أنظر إلى مجلس النواب ومجلس الدولة كأمر واقع مفروض علينا.

من جانبه، يقول المحلل السياسي فرج فركاش، إن الأمر يتجّه إلى منح الثقة، ولكنه لا يتفّق مع “غميم” عندما قال إن تعديل التشكيلة يحتاج إلى عشرة أيام. مضيفًا: أعتقد أن هذا لن يحدث مالم يحدث تصويت، والنواب لن يصوتوا حتى يتم إدخال تعديل بسيط على بعض الأسماء.

ويتابع: وصلتني بعض التوضيحات بخصوص الأشخاص الذين عليهم تحفظات، أو أثيرت حولهم شائعات تورط في فساد أو تزوير، أمثال خالد الجازوي المرشح كوزير للصحة، وموسى المقريف المرشح لوزارة التعليم، وصلنا توضيح أن هناك شائعات يثيرها خصومهم.

__________


مواد ذات علاقة