طارق مجريسي

لقد كانت متابعة الأخبار الليبية في الأسابيع الأخيرة ملهمة، فالرسالة الإيجابية لحكومة الوحدة الجديدة تقدم تغييرًا جديدًا عن الوضع المعتاد للبلاد، فمشاهدة السفراء الأوروبيين يقفون في بهجة لالتقاط الصور في أثناء حفل أداء اليمين في 15 من مارس/آذار، يغفر لك نسيان أن هذه نفسها ليبيا التي تورطت مؤخرًا في حرب فوضوية للغاية سحبت إليها نحو عشرة بلدان أخرى.

وبينما تبدو الأخبار الأخيرة من ليبيا مبهجة بقدر ما هي استثنائية ورائعة، يجب على الأوروبيين الحذر من الانجراف بعيدًا في الوقت الراهن، فبعد عقد من الاختلال والفساد والدمار، يبدو أن فرحة ليبيا اليوم تخفي شيئًا خبيثًا غدًا.

منذ شهر فبراير/شباط عندما قادت الأمم المتحدة العملية التي أسفرت عن رئيس وزراء جديد عبد الحميد الدبيبة تحركت الأمور بشكل سريع وسلس للغاية بالنسبة لليبيا، فبعد أن هدد رئيس البرلمان الغاضب عقيلة صالح عيسى بحظر الموافقة على الحكومة، سافر إلى مصر في نهاية الأسبوع قبل أن تحدث عملية الموافقة.

عند عودته ترأس الجلسة البرلمانية للموافقة على الحكومة فورًا، كان الجميع حريصين على ضمان استمرار العرض كما يجب، حتى إن المرتزقة الروسيين المروعين تركوا الخطوط الأمامية لمدينة سرت حتى ينعقد البرلمان (ثم عادوا بعدها مرة أخرى).

هذه الحكومة الجديدة هي الكبرى في تاريخ ليبيا ما بعد الثورة مع ميزانية ضخمة تقارب 100 مليار دينار (22 مليار دولار)، وأجندة موسعة والكثير من الحديث عن إعادة الإعمار مع القليل من الإشارة إلى الانتخابات.

في الحقيقة، لقد مرّ العرض بسلاسة حتى إن الأمر أصبح مثيرًا للشك، على كل حال، تحول ليبيا من الحرب الأهلية العالمية إلى السلام دون حل حقيقي لأي من مشاكلها يقول إن القضية بأكملها قد تكون مدارة على عدة مراحل أكثر من كونها ثابتة، فبمجرد الانتقال خلف الوجوه الباسمة والعناق المتبادل، سنجد علامات تحذير هائلة.

الأكثر وقاحة هو صمت الجنرال الخائن خليفة حفتر، لقد كان حفتر البطل المحلي للحرب الليبية المعولمة خلال الخمس سنوات الماضية، فقد حاول التحالف غير المتوقع بين مصر وفرنسا وروسيا والإمارات الدفع به إلى السلطة.

كانت حصانته العدائية مخيفة للغاية حتى إن بعض النواب رفضوا السفر إلى المناطق التي يسيطر عليها لحضور جلسات البرلمان، بينما تعرض آخرون لمضايقات واختطاف (والاشتباه في مقتل بعضهم).

ميزانية ضخمة

إذًا، ما الذي تغير الآن؟

فبعد كل شيء، لا يحدث دائمًا أن يوافق مجرم مصاب بجنون العظمة على التنازل عن السلطة من أجل الصالح العام، بدلًا من ذلك يبدو أن حلفاءه الدوليين وعدوه بأنه بإمكانهم توجيه بقية مسار الأمم المتحدة لإعادة تمكينه في قلب جيش ليبي موحد، هذه الدول قد ترغب أيضًا في المشاركة ببعض الفرص التجارية التي تقدمها الحكومة الجديدة وميزانيتها الضخمة ورؤيتها الموسعة لإعادة التطوير.

إن السبب الذي يدفعهم لانتظار فرص تجارية من تلك الحكومة المؤقتة التي لديها انتداب لمدة 9 أشهر فقط ومهمتها الرسمية تنظيم الانتخابات في ديسمبر وتوحيد المؤسسات، هو علامة تحذيرية أخرى.

سوف تستمر الانفراجة ما دامت النقود متدفقة، لكن الوضع سينهار بمجرد أن تتصادم الخطط المتنافسة لتلك الدول للهيمنة على الأمن الليبي والإصلاحات السياسية .

في الحقيقة هذه الحكومة الجديدة هي الكبرىفي تاريخ ليبيا ما بعد الثورة مع ميزانية ضخمة تقارب الـ100 مليار دينار (22 مليار دولار)، وأجندة موسعة والكثير من الحديث عن إعادة الإعمار مع القليل من الإشارة إلى الانتخابات.

ينحدر رئيس الوزراء من عائلة معروفة باستخدام مشروعات المباني الحكومية لإثراء نفسها، هكذا تمكن من صنع ثروة في عهد القذافي، وتمكن من جمع 33 وزيرًا في الحكومة، لكن الدبيبة ادّعى أنه عين واحدًا فقط، أما البقية فهم من اختيار النواب

لقد منح الدبيبة النواب فرصة لتحقيق اختياراتهم في مقابل دعمه.

هذه الوحدة بين الدبيبة وعمالقة السياسية الليبية قد تكون مدمرة لذلك البلد الهش الذي يزداد فقرًا، خلال الخمس سنوات الماضية اجتمع البرلمان الليبي وعمل فقط على تأمين سلطات جديدة لنفسه، أو منع التطورات مثل الانتخابات التي قد يفقدها، لذا أن تكون في قلب هذه العلاقة الجديدة بين السلطة والإنفاق الحكومي، هو مكسب مفاجئ ستحاول بالتأكيد إطالة مداه قدر الإمكان.

المهمة لم تنته بعد

أكبر مخاوف الليبيين الآن أن توحيد حكومة الوحدة الليبية الجديدة مرهون بوعد فيضان من الفساد، إنه نفس الوعد الذي حاولت إخفاءه الرؤى المتنافسة من تركيا وروسيا والإمارات ومصر، الذين ما زالوا يملكون جنودًا على الأرض.

سوف تستمر الانفراجة ما دامت النقود متدفقة، لكن الوضع سينهار بمجرد أن تتصادم الخطط المتنافسة لتلك الدول للهيمنة على الأمن الليبي والإصلاحات السياسية (ناهيك بالبنية التحتية النفطية).

ما الذي يعنيه ذلك للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؟

رغم أنه من المفروض أن يشعروا بالراحة لرعايتهم ليبيا حتى الآن، فيجب أن لا يصدقوا أن المهمة انتهت، فاستمرار الضغط من أجل التقدم على الليبيين والدول المتدخلة على حد سواء سيشكل الفارق بين تكرار الخمس سنوات الماضية أو المضي قدمًا.

***

طارق المجريسي ـ محلل وباحث سياسي متخصص في ليبيا والشرق الأوسط

___________

المصدر: ميدل إيست آي (ترجمة حفصة جودة)

مواد ذات علاقة