روعة قاسم

اعتبرت التوافقات الأخيرة التي حصلت في ليبيا والتي تمخضت عنها سلطة تنفيذية موحدة حظيت بثقة البرلمان وتواجدت صلبها الأقاليم الثلاثة المشكلة للكيان الليبي، خطوة هامة في درب تحقيق الاستقرار في هذا البلد المغاربي المترامي والغني بالثروات الطبيعية.

فلم يكن هينا بعد هذه العشرية الدموية من الاقتتال الأهلي، أن يشكل الليبيون سلطة موحدة وشرعية ومكلفة بمهام محددة من أبرزها تثبيت وقف إطلاق النار وتوحيد المؤسسات داخل الدولة الليبية وتنظيم الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر 2021.

وقد بنيت «ليبيا الجديدة» بالأساس على توافقات مناطقية جغرافية باعتبارها، وعلى غرار أغلب بلدان المغرب العربي، لا تتشكل تركيبتها السكانية من عدد كبير من الطوائف سواء العرقية أو المذهبية أو الدينية.

فالأقاليم الثلاثة التي شكلت ليبيا عبر التاريخ وهي طرابلس وبرقة وفزان ممثلة اليوم في الحكومة الجديدة وفي المجلس الرئاسي وكذا في بقية المناصب العليا في الدولة، وبالتالي لا يمكن لأي طرف أن يدعي التهميش أو عدم التمثيل في التوافقات الجديدة.

كما أن الأطراف الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي والفاعلة فيه، سواء الإقليمية أو الدولية، بدت ممثلة في هذه التوافقات الجديدة وهي التي دفعت باتجاه تحقيقها بعد أن حصل الإتفاق فيما بينها على ما يبدو على اقتسام النفوذ والثروات وعقود إعادة الإعمار في موطن عمر المختار.

فمن دون توافق الأطراف الخارجية وخصوصا الدول الكبرى، وبعض الوكلاء، لن يكتب لأي اتفاق ليبيليبي أن ينجح باعتبار أن أغلب المتصارعين من فرقاء الداخل يدينون بالولاء إلى الخارج الذي أعاق الاستقرار خلال السنوات الماضية.

وعلى غرار حكومة فائز السراج المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، فإن هذه الحكومة تتمتع بغطاء أممي باعتبارها منبثقة عن حوار رعته منظمة الأمم المتحدة وهو ما يضفي عليها شرعية أممية هي بحاجة ماسة إليها من الناحية المعنوية.

كما أن هذه الحكومة حظيت بما لم تحظ به حكومة السراج واتفاقية الصخيرات التي جاءت بها، وهي الشرعية الداخلية التي يعطيها البرلمان الذي كان محسوبا على فريق سياسي، والذي مثلت تزكيته للتفاهمات الأممية وللحكومة والمجلس الرئاسي دليلا على انخراط الشرق جديا في التوافقات الجديدة.

ورغم التوافقات الحاصلة حول اقتسام السلطة والأشخاص والبرنامج العام للحكومة الجديدة والذي تم إقراره أثناء المفاوضات التي حصلت في أكثر من مكان خارج الديار، إلا أن هناك معوقات عديدة يرى البعض أنها قد تحول دون أن تؤدي الحكومة الليبية الجديدة مهامها على الوجه الأكمل.

وتتعلق هذه المعوقات أساسا بجسامة المهام المنوطة بعهدة الحكومة الجديدة وبقصر المدة التي أعطيت لها لإنجاز هذه المهام والمقدرة بسنة واحدة، وإلى غياب الوسائل التي تمكنها من تحقيق أهدافها، إضافة إلى تعقيدات الأوضاع في الميدان وعدم رغبة بعض الفرقاء في نجاح العملية السياسية التي قد تحد من نفوذهم رغم انخراطهم الظاهري فيها.

تنظيم الانتخابات

فالتحضير لتنظيم الانتخابات في كانون الأول/ديسمبر المقبل، وتقديم الدعم لمفوضية الانتخابات التي ستشرف على هذا التنظيم ليس بالأمر الهين على حكومة تشكلت لتوها ولا تمتلك أسباب القوة وذلك بالرغم من أن ليبيا اعتادت رغم الاقتتال الأهلي في السنوات الأخيرة على تنظيم الانتخابات الحرة والنزيهة والتي تتوفر فيها أهم شروط المعايير الدولية.

لكن الشارع يبدو منفلتا هذه المرة أكثر من أي وقت مضى وتتحكم فيه الميليشيات المسلحة التي يصعب ضمان حيادها وعدم تأثيرها على سير العملية الانتخابية وعلى إرادة الناخبين بقوة السلاح والذي يصعب أن يكون بيد الدولة دون سواها في ذلك التاريخ القريب.

ولعل السؤال الذي يطرح في هذا الإطار هل تستطيع هذه الحكومة تنظيم الانتخابات وتثبيت وقف إطلاق النار وإعادة توحيد ليبيا بتحقيق مصالحة شاملة في هذه الأشهر المتبقية من هذه السنة؟

أليس من الأفضل أن يقع التمديد في الآجال المحددة لهذه الحكومة لإتمام مهامها على الوجه الأكمل بدون ضغط الوقت والظروف الصعبة المحيطة؟

ألم يكن أجل السنة الذي أعطي لهذه الحكومة في الاتفاق الأممي قرارا متسرعا وغير مدروس من قبل فرقاء الصراع الذين جمعتهم طاولة المفاوضات في تونس وبوزنيقة المغربية وغيرها؟

كما لا يبدو أن هذه الحكومة قادرة على إخراج الجيوش والمرتزقة الأجانب من البلاد، وهو مطلب هام وملح من المجتمع الدولي وتم التطرق إليه في الخطاب الرسمي لهذه الحكومة سواء من خلال رئيسها عبد الحميد دبيبة أو وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش.

فالأطراف الخارجية التي تتبعها هذه القوات تتمتع بنفوذ كبير في ليبيا لدى أطراف سياسية وميليشياوية وهي قادرة من خلالها على الضغط على حكام ليبيا الجدد للتراجع عن مطالباتهم في ظل هذا الوهن الذي تعيشه السلطة الجديدة سواء الحكومة أو المجلس الرئاسي.

ولعل ما حصل مؤخرا في بنغازي من إعاقة لنزول طائرة رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة من قبل متضررين من الحل السياسي يعطلون أيضا أعمال اللجنة العسكرية المشتركة خمسة زائد خمسة، يؤكد حالة الوهن التي تميز هذه الحكومة حديثة العهد بتسلم مهامها.

فلا شيء يبدو أنه تغير في ليبيا منذ أن تم اختطاف رئيس الحكومة الأسبق علي زيدان في خريف ساخن عرفته البلاد سنة 2013 ساهم في صياغة مشهد سياسي ما زالت آثاره بادية للعيان إلى يوم الناس هذا.

فهل يمكن لحكومة يرأسها شخص يمنع من التواصل مع شعبه شرق البلاد أن تؤدي المهام المنوطة بعهدتها وتفرض سلطتها على كامل التراب الليبي وفي ظرف قياسي مثلما أريد لها؟

أليس ما حصل هو عودة إلى المربع الأول حين كان يمنع البرلمان الليبي من عقد جلساته في طرابلس واضطر ليرابط في طبرق في ظل الإنقسام الحاد بين الشرق والغرب أو بين طرابلس وبرقة اللذين ما زال البعض يعتبرهما بلدين منفصلين لم تنجح عملية دمجهما التي انطلقت زمن الملك إدريس السنوسي؟

الانفلات الأمني

يرى البعض أن اللواء خليفة حفتر العاجز عن فرض الأمن في بنغازي، خاصة بعد اغتيال أحد رجاله، محمود الورفلي، ومع الانفلات الأمني الرهيب الحاصل في المدينة والذي رأى فيه البعض دليلا على فقدان خليفة حفتر السيطرة على قواته بعد تراجع نفوذه، لم ينخرط فعليا مع من يسانده خارجيا في العملية السياسية، ويبدو أن لديه نية في التنصل من تعهداته حتى تنهار العملية السياسية برمتها باعتبار أن هذه العملية قد حدت من نفوذه السياسي وجعلته يخسر الكثير من المواقع والداعمين مقابل بروز أعضاء الحكومة الجدد وأعضاء المجلس الرئاسي.

وبالتالي فإن انقلاب حفتر ومن يدعمه خارج الديار الليبية على العملية السياسية هو أشد ما يخشاه كثير من الليبيين المتحمسين للعملية السياسية إضافة إلى فوضى السلاح المنتشر بيد الميليشيات والمرتزقة الأجانب والإنقسام الذي ما زال حاصلا بين الأقاليم.

وتضاف إلى كل ذلك كثرة المهام التي تم تكليف الحكومة الجديدة بها في مدة زمنية قياسية قد تدفع الفرقاء الليبيين ومن يدعمهم في الخارج إلى إبرام اتفاق جديد يقضي بالتمديد في هذه المدة غير الكافية.

اقتباس

انقلاب حفتر أشد ما يخشاه كثير من الليبيين.

___________

مواد ذات علاقة