هنريك تراوتمان و أنطونيا ماري دي ميو

يعاني الاقتصاد الليبي، الذي يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط والغاز، منذ عام 2014 بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والاضطرابات في إنتاج النفط، وانخفاض أسعار النفط العالمية. تعثر الانتعاش الاقتصادي الأخير في أوائل عام 2019 بسبب أخطر أزمة سياسية منذ عام 2011 .

منع اندلاع الحرب حول طرابلس في أبريل 2019 ليبيا من مواصلة توسعها الاقتصادي. وبعد الركود العميق الذي عانى منه بين 2013 و2016 ، بسبب قلة إنتاج النفط، تمكن الاقتصاد الليبي من زيادة إنتاج النفط بشكل كبير في الفترة 2017-2019 .

ونتيجة لذلك، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط 21 %خلال الفترة 2017-2018 ، لكنه تباطأ بشكل حاد حيث انخفض إلى 2.5 %في عام 2019 .

السياق الاجتماعي والاقتصادي

أدى الصراع في ليبيا وما تلاه من فشل الخصوم السياسيين في التوصل إلى اتفاق سلام مستدام إلى خسائر فادحة في اقتصاد البلاد وحصاد أرواح كثيرة، وتسببت جائحة كوفيد-19 في المزيد من الخسائر.

وفي هذا السياق، توقف إنتاج وتصدير النفط بشكل شبه كلي في يناير 2020 بسبب إغلاق الموانئ والمحطات النفطية. ونتيجة لذلك، كان من المتوقع أن يتراجع نمو الناتج المحلي الجمالي ليكون سلبيا في عام 2020 (ناقص 19.4%) ولكن من الأرجح أن يتعافى بنسبة 2,22 % في عام 2021 ،ويستقر عند حوالي 1.4 %خلال الفترة 2021-2022 .

أدى التضخم المستمر وانخفاض إنتاج النفط إلى تفاقم الفقر في بلد مزقته الحرب الأهلية والهجمات الإرهابية المتكررة. نفّذت حكومة حكومة الوفاق الوطني سياسة نشطة لإحداث فرص العمل، خاصة في القطاع العام، لكن حسب وزارة العمل، بلغ معدل البطالة 18 % ويبقى حوالي نصف الشباب وربع النساء بلا عمل.

يبدو من الصعب استتباب السلام والاستقرار في المستقبل القريب لتضارب خطط جميع الأطراف المعنية. وقد يستمر توقف إنتاج النفط وتصديره لفترة أطول، مما سيؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة. وعلاوة على ذلك، فإن جائحة كوفيد-19 المستمرة في أوروبا تعطل توريد السلع وطلبها في ليبيا، مما يؤثر سلبا على تقديم الخدمات الأساسية وكذلك معدل الفقر.

تضم القوى العاملة في ليبيا 2.5 مليون شخص. حصة الزراعة في الاقتصاد الليبي ضئيلة، حيث شكلت 1.3 %من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 ، وتوظف 7.7 %من القوى العاملة. تشمل المنتجات الرئيسية القمح والشعير والزيتون والتمر والحمضيات والخضروات والفول السوداني وفول الصويا والماشية. يحد المناخ الجاف وسوء نوعية التربة الإنتاج الزراعي بشدة.

تعد الصناعة العمود الفقري للاقتصاد الليبي بفضل صناعة البتروكيماويات القوية، فهي تمثل 52.3 %من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف 26.5 %من السكان العاملين. يشمل الإنتاج النفط والبتروكيماويات والألمنيوم والحديد والصلب ومعالجة الأغذية والمنسوجات والحرف اليدوية والإسمنت. تمثل الخدمات 46.4 % من الناتج المحلي الإجمالي، وقد ارتفعت حصتها في إجمالي العمالة إلى 65.6 في المائة.

السياق السياسي والحوكمة

شكلت الثورة الليبية عام 2011 نقطة محورية في تطور الفساد والجريمة المنظمة في البلاد وجوارها الجنوبي. تغير النشاط الإلجرامي رفيع المستوى منذ الإطاحة بالقذافي، حيث فتحت الثورة فرصا لتطور صناعات إجرامية جديدة، مثل الإختطاف مقابل فدية، وهو أمر لا سابق له في البلاد قبل عام 2011.

أدى عدم سيطرة الحكومة الليبية على أقاليم البلاد ومؤسساتها إلى خلق فرص متزايدة للمجرمين للعمل في ليبيا. كما أن انعدام السيطرة هيأ الظروف لتوسيع الأسواق الإجرامية القائمة، مثل تهريب المخدرات وتهريب المهاجرين، حيث أن هذه الظواهر بلغت مستويات لم تشهدها ليبيا من قبل.

بلغت معدلات الإجرام في ليبيا أعلى المستويات في أفريقيا، حيث تحتل المرتبة السابعة في أفريقيا، والأعلى في شمال أفريقيا. هناك نوعان من الفاعلين الإجراميين الأكثر نفوذًا في ليبيا وهما جماعات مشكلة على نمط المافيا وجهات فاعلة في أجهزة الدولة.

تسيطر جماعات مختلفة من الميليشيات الإجرامية على العديد من المناطق في جميع أنحاء البلاد، وهي متورطة بشكل كبير في العديد من الأسواق الإجرامية، بما في ذلك تهريب المخدرات وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر وتهريب النفط غير المشروع.

ليبيا لديها حكومتان متنافستان، لكل منهما صلات وثيقة بالميليشيات والجهات الفاعلة اإلجرامية. وفي بعض الحالات، تعتمد هذه الأطراف على بعضها البعض. هذه الجماعات مسلحة تسليحا جيدا وتهيمن على أسواق مختلفة، بما في ذلك تهريب المهاجرين ومدفوعات الحماية، والمخدرات، والوقود، والأسلحة، والاتجار بالبشر. وفي بعض المناطق، لديها نفوذ يفوق نفوذ السلطات الوطنية.

إن الجهات الفاعلة في أجهزة الدولة لها تأثير كبير. هيكل الدولة الليبية ضعيف ومشتت، وفي بعض المناطق تسيطر الميليشيات على أجهزة الدولة. يفسر قرب الميليشيات والجهات الإجرامية من الطبقة السياسية تطورات الفساد والجريمة المنظمة في ليبيا. وفي بعض الحالات، تكون هذه الأطراف مترابطة، مما يجعل العملية السياسية تعتمد بشكل غير مباشر على عائدات الجريمة المنظمة وتتأثر بها بشدة.

تتميز الشبكات الإجرامية في ليبيا عموما بسيطرة عائلات منفصلة تستخدم هياكل شبه مؤسسية لاستيراد وتصدير مجموعة واسعة من السلع. غالبا ما يكون لهذه الجهات الفاعلة انتماءات سياسية، وتعمل أيضًا في مجال تهريب المهاجرين.

ومن ناحية أخرى، فإن الجهات الأجنبية الفاعلة أقل انخراطا في الجريمة المنظمة في ليبيا مقارنة بمعظم الدول الأخرى في جميع أنحاء أفريقيا. ونظرا لتاريخ البلاد في السيطرة الواسعة على هياكل الدولة، لم تتمكن الكثير من الجهات الأجنبية الفاعلة من السيطرة على الأسواق الإجرامية. بدلا من ذلك، في كثير من الأحيان تكون هذه السيطرة في حوزة جهات حكومية فاسدة، وفي الفترة الأخيرة، في أيدي الميليشيات.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أحد الأسواق الإجرامية الرئيسية التي تلعب الجهات الإجرامية الأجنبية دورا فيها هو تهريب الأسلحة، وتزويد الميليشيات.

بلغ مؤشر الأسواق الإجرامية في ليبيا أعلى المستويات، حيث تحتل ليبيا المرتبة السادسة في أفريقيا في مؤشر الجريمة المنظمة. بلغت خمسة من بين عشرة أسواق إجرامية تم تسجيلها في المؤشر درجة عالية، ولها تأثير كبير على هياكل المجتمع والدولة. ويعتبر الاتجار بالبشر من أكثر الأسواق الإجرامية انتشارا في البلاد. وهذه أعلى درجة في أفريقيا ليس فقط بالنسبة للاتجار بالبشر، ولكن في أي من الأسواق الإجرامية العشرة.

أصبح اختطاف العمال المهاجرين من أجل الحصول على فدية أمرا شائعا للغاية في ليبيا. كما أن حالات الاستغلال في العمل والإكراه على الدعارة مرتفعة للغاية.

وعلى الرغم من قلة الوثائق وعدم وجود بيانات حقيقية حول هذا الموضوع، فإن نتائج الرصد الذي يتم في البلاد تشير بقوة إلى أن هذه الأنشطة قد ارتفعت في السنوات الأخيرة (2019-)017)لا سيما الاختطاف من أجل الحصول على فدية. وتجدر الإشارة إلى الاستغلال الوحشي للمهاجرين، وهو مبني على ثقافة راسخة ينتشر فيها استغلال عمل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الكبرى.

يشتمل هذا التقرير على وجه التحديد الأسواق غير المشروعة التالية في ليبيا: الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين وتهريب الأسلحة وتهريب المخدرات وتهريب النفط والبنزين والديزل، وتمويل اإلرهاب.

تجدر الإشارة إلى أن الفساد وغسل الأموال من القضايا المتداخلة التي تترابط مع كثير، إن لم يكن جميع أشكال النشاط الإجرامي المذكورة أعلاه. وطبقا للمعلومات المتاحة، فهذه الأسواق الإجرامية منتشرة بشكل كبير في المنطقة وتنطوي على أضرار محتملة مع وجود ترابط وثيق عبر الحدود والاتصال الدولي.

يتبع في الجزء التالي

***

هنريك تراوتمان ـ المدير بالنيابة للجوار الجنوبي، مديرية سياسة الجوار الأوروبية ومفاوضات التوسع

أنطونيا ماري دي ميو ـ مديرة معهد الأمم المتحدة الأقاليمي لبحوث الجريمة والعدالة

_____________

مواد ذات علاقة