هنريك تراوتمان و أنطونيا ماري دي ميو

قد تم إجراء الكثير من البحوث من أجل إعداد هذا التقرير قبل نهاية عام 2020، ومع أن عددا من التغييرات السياسية قد حدثت في أوائل عام 2021، بما في ذلك إنشاء حكومة الوحدة الوطنية وتعيين الوزراء، فإن التوصيات الواردة في هذا التقرير يمكن أن تكون مفيدة لحكومة الوحدة الوطنية وكذلك للمسؤولين الآخرين وأصحاب المصلحة الدوليين

الجزء السادس

تهريب المخدرات

منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي تحولت ليبيا إلى منطقة عبور وسوق صغير للمخدرات. وبعد عام 2011 ، أصبح الاتجار والتهريب أكثر لامركزية، مما أدى إلى زيادة كبيرة في تدفق المخدرات غير المشروعة وانتشار أسواق المخدرات المحلية.

الترتيب الهرمي للربح في الأسواق غير المشروعة في ليبيا وأهميتها الاستراتيجية الجغرافية، ليس فقط أسواق المخدرات ولكن أيضا أسواق الأسلحة والمهاجرين والسلع مثل الوقود، له آثار بالغة على ديناميكيات الصراع في البلاد. يتداخل الاتجار بالمخدرات ويتشابك مع جميع التدفقات الأخرى تقريبا في الاقتصاد الليبي غير المشروع المعقد. وفي نهاية المطاف، فإن الاتجار بالمخدرات يغذي العنف ويتغذى عليه.

غالبا ما يتم التغاضي عن استهلاك المخدرات غير المشروعة والاتجار بها داخل ليبيا وعبرها كعوامل مسببة للوضع الهش في البلاد. لكن ديناميكيات الاتجار غير المشروع بالمخدرات واستخدامها في ليبيا ليست سوى مظهر واحد من التحدي المتعاظم الذي تمثله المخدرات في البلاد. يتزايد إنتاج هذه المواد والاتجار بها واستهلاكها ويتحول في جميع أنحاء المنطقة، مما يشكل تحديا متزايدا للاستقرار والأمن والصحة العامة في ليبيا.

تنتشر تجارة القنب غير المشروعة بشكل كبير في ليبيا، نظرا لدور هذا البلد كمنطقة عبور للقنب الذي يتم تهريبه من المغرب إلى البلقان. وتمول هذه التجارة عددا من الشبكات الإجرامية التي تنقل المنتوج. انخفضت مضبوطات الهيروين في ليبيا بعد عام 2011 . ومن المرجح أن تهريب الهيروين إلى ليبيا أو عبرها، سواء للإستهلاك المحلي أو العبور إلى أوروبا، لا يزال مستمراً، لكنه أصبح ظاهرة لا يتم الإبالغ عنها.

تجارة عقار الترامادول والمخدرات الإصطناعية

وعلى نفس المنوال، فإن تجارة المخدرات الاصطناعية في ليبيا مرتفعة للغاية بسبب تزايد انتشار عقار الترامادول وغيره من الأدوية الموصوفة، التي يتم تهريبها من الخارج عبر موانئ البلاد، وكذلك عبر حدودها الجنوبية. يتلقى جنوب ليبيا شحنات من المنطقة الساحلية الليبية وكذلك من البلدان المجاورة على الحدود الجنوبية.

ويبدو أن ليبيا تمثل البوابة الرئيسية للترامادول إلى المنطقة، سواء للإستهلاك المحلي أو للعبور و/أو الاتجار نحو دول أخرى. تعد إيطاليا نقطة عبور مهمة للترامادول الذي يتم تهريبه إلى ليبيا، مما يشير إلى صلات محتملة مع عصابات الجريمة الإيطالية وأيضًا مع جماعات من الهند وسريالنكا. في عام 2017 ، قامت سلطات إنفاذ القانون الإيطالية بمصادرة 61 مليون حبة ترامادول مصدرها من الهند كانت موجهة إلى ليبيا.

تهريب النفط والبنزين والديزل

إن تهريب الموارد غير المتجددة يعد سببا رئيسيا في عدم استقرار البلاد. فقد سجلت ليبيا مستويات عالية جدا في الجرائم المتعلقة بالموارد غير المتجددة، وهي واحدة من أعلى المستويات في القارة. تحتل المنتجات النفطية، مثل البنزين والديزل، مركزا جوهريا في نشاطات التهريب إلى خارج البلاد، لكن الكثير من الوقود المهرب في الواقع مستورد وليس منتجا في البلاد.

عندما يدخل الوقود إلى البلاد، يتم عرضه في السوق بسعر مدعوم بنسبة كبيرة، مما يوفر هوامش ربح كبيرة للمهربين. ومنذ عام 2017 ، انخفضت بشدة كميات الوقود الذي يتم تهريبه بحراً، مع وجود ملامح النشاط الإجرامي المرتبط بهذه الصناعة. ولكن في الوقت نفسه، فإن تهريب الوقود برا عبر الحدود الليبية وداخل البلاد أمر شائع جدا.

وفي عام 2014 ، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2146/2014 الذي يحظر صادرات النفط الخام غير المشروعة من ليبيا ويسمح بتفتيش السفن المشبوهة في أعالي البحار.

تهريب النفط والبنزين والديزل كمصدر للدخل

تمثل مبيعات كميات النفط والبنزين والديزل المكتسبة بطرق غير قانونية ما يقدر ب 20 %من دخل الجماعات المسلحة غير الحكومية المنخرطة في الصراع، وكانت هذه المواد مصدر الدخل الرئيسي لداعش في عامي 2014 و2015 . يعتبر النفط أيضًا مصدر دخل للجماعات المتمردة والجريمة المنظمة، وتفيد التقارير بأن هذا الدخل مصدره تهريب البنزين والديزل في مناطق من ليبيا. وتفيد التقارير أيضا بأن كميات تقدر قيمتها ما بين 750 مليون دولار وبليون دولار من النفط الليبي يتم تهريبها إلى مالطا كل عام.

تصدّر العديد من الميليشيات الديزل من ليبيا. ففي عام 2017 ، فكّكت الشرطة الإيطالية جماعة كانت تهرب الديزل من خلال شبكة مافيا إيطالية كانت متورطة مع عصابة تهرب الوقود الليبي حيث تم بيع ما قيمته على الأقل 30 مليون يورو من الديزل في محطات الوقود الأوروبية.

غسل الأموال

يرتبط غسل الأموال بأنشطة غير مشروعة مثل الفساد وتهريب المخدرات والإتجار بالأسلحة والعقارات وصرف العملات وأسواق الأوراق المالية والكثير من الأنشطة الأخرى. وتسهل العديد من الاقتصادات الأفريقية الكبيرة، ذات الطابع غير الرسمي والقائمة على النقد، حركة الأموال عبر البلدان إلى خارج القارة، دون الإفصاح عن هوية أصحابها، ودون ترك آثار.

وترتبط أكثر قضايا غسل الأموال المعروفة على نطاق واسع في المنطقة بالفساد، ولا سيما تلك التي تورط فيها الأشخاص البارزون سياسيا الذين يسيئون استخدام وصولهم إلى الأموال العامة والمعرفة والقدرة على التحكم في الميزانيات والشركات العامة والعقود.

تتم معظم عمليات غسل الأموال في دول شمال أفريقيا بشكل أساسي من خلال الاقتصادات غير الرسمية، والتي تعتمد على النقد. يمكن أن يؤدي تأثير غسل إلى تسريع ”انهيار سيادة القانون، وفساد الموظفين العموميين، وزعزعة استقرار الاقتصادات، فضلا تهديد الاستقرار السياسي والديمقراطية والأسواق الحرة“.

ظلت ليبيا على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للبلدان التي لا تشكل مصدر قلق فوري ولكنها مهمة من حيث مراقبة وضع غسل الأموال. ليبيا عضو في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لكنها الدولة الوحيدة في شمال أفريقيا التي لم تخضع بعد للتقييم المتبادل. وبالإضافة إلى ذلك، لم يتم العثور على أرقام دقيقة أو تقديرات موثوقة أو تقييم مخاطر غسل الأموال في ليبيا خلال إنجاز هذا البحث.

منذ سقوط نظام القذافي عام 2011 ، لم يتم الحصول على الكثير من المعلومات أو البيانات الموثوقة حول نطاق نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في ليبيا، بما في ذلك التحقيقات ومصادرة الأصول والمحاكمات والإدانات. أعلن مصرف ليبيا المركزي عام 2018 عن اعتماد استراتيجية وطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في ليبيا. ومع ذلك، تفتقر ليبيا بشكل عام إلى القدرات والموارد اللازمة لإجراء تدريب فعال ومؤثر في مجال مكافحة غسل الأموال ومكافحة الفساد.

أنشأت وزارة الداخلية مؤخرا فريق عمل متعدد المؤسسات لمكافحة غسل الأموال؛ ولكن، بنهاية عام 2020 ، لم تظهر أي أدلة ملموسة (مثال، المزيد من عمليات الحجز أو المصادرة، أو إدانات بجريمة غسل الأموال، أو تفكيك شبكات الجريمة المنظمة) على النتائج التي حققتها فرقة العمل.

لا تزال الأسواق الليبية قائمة بشكل أساسي على النقد، وهناك شبكات غير رسمية تنشط في مجال تحويل القيم المالية. وقد أدى نقص العملات الأجنبية إلى نمو السوق السوداء للعملات، ومن الأرجح أن نظام التحكم في العملة وعدم توفر العملات الأجنبية قد أديا إلى تفاقم ظاهرة غسل الأموال في ليبيا.

وتسبب تدفق العملة الليبية المزيفة المطبوعة في روسيا في السنوات الأخيرة إلى تفاقم التحديات الاقتصادية في ليبيا. على سبيل المثال، صادرت مالطا ما قيمته 1.1 بليون دولار من العملة الليبية المزيفة التي طبعتها شركة روسية مملوكة للدولة وطلبها كيان مواز غير شرعي.

يعد تحويل الأموال إلى خارج ليبيا دون موافقة مصرف ليبيا المركزي غير قانونيا، ويقدر أن ما يصل إلى عشرة بالمائة من التحويلات الأجنبية تتم من خلال وسائل غير قانونية (أي ليس من خلال البنك المركزي). هناك تقارير عن عمليات غسل أموال تتم من خلال إصدار فواتير كاذبة عن معاملات التجارة الخارجية. ويصعب على الحكومة الليبية مراقبة تحويلات الأموال من قبل العمال المهاجرين (معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء وآسيا).

ونظر لرداءة ومحدودية قدرات المراقبة لدى النظام المصرفي الليبي، يعتمد العديد من الليبيين والأجانب على آليات غير رسمية للمدفوعات والمعاملات النقدية. لا يزال مصرف ليبيا المركزي ينظر في الطرق التي يمكن من خلالها تشجيع الاقتصاد غير الرسمي لإضفاء الطابع الرسمي على الممارسات التجارية واستخدام المؤسسات المالية التجارية.

في عام 2015 ، أنشأ البنك المركزي وحدة الامتثال المصرفي للعمل مع دائرة مكافحة غسل الأموال .

في عام 2015 ، أحال مصرف ليبيا المركزي 30 شركة إلى مكتب المدعي العام للإشتباه في قيامها بغسل الأموال باستخدام وثائق مزورة بقيمة إجمالية تبلغ حوالي 2.2 بليون دولار. وفي عام 2012 ،حققت السلطات الأمريكية في ادعاءات تفيد بأن شركة إتش اس بي سي قامت بغسل أموال مصدرها دول خاضعة لعقوبات فرضها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، بما في ذلك ليبيا.

وفي عام 2010 ، دفع بنك رويال بنك أوف سكوتالند غرامة قدرها 500 مليون دولار بسبب معاملات قام بها بشكل غير قانوني مع زبائن في ليبيا. وفي عام 2009 ، دفع بنك كريدي سويس غرامة قدرها 538 مليون دولار لإخفاء معاملات قام بها زبائن من ليبيا. وفي العام نفسه، تجنبت مجموعة لويدز المصرفية الملاحقة القضائية بسبب تعاملاتها مع زبائن في ليبيا بدفع 350 مليون دولار.

الشبكات غير الرسمية لتحويل القيم المالية في ليبيا

أدت الصعوبة المتزايدة للحصول على العملة الصعبة من خلال القنوات الرسمية إلى هرع الناس إلى البنوك. رد الفعل هذا متوقع في بيئة حيث الوصول إلى الدولار أمر حيوي. كل السلع تقريبا التي يتم تداولها في ليبيا، تشترى من الخارج بالعملة الصعبة. فعندما قيد مصرف ليبيا المركزي قابلية تحويل العملة، كان رد فعل أصحاب المتاجر وأصحاب الأعمال الصغيرة سحب أموالهم من النظام المصرفي تماما، وسرعان ما حذت الأسر حذوهم.

وبالنظر إلى أن الدولار لم يعد متاحا من خلال القنوات الرسمية، فإن التجار والأسر لا يرون الآن أي سبب لإيداع دنانيرهم في البنوك. بدلا من ذلك، يودعون مبالغ كبيرة من أموالهم في السوق السوداء، حيث يحتفظ لهم تجار هذه السوق بالدينار كودائع غير رسمية. وباستخدام شبكة تشبه نظام الحوالة، يقومون أيضًا بالتحويلات والخدمات الأخرى، حتى أنهم يشترون الشيكات المصرفية من المستخدمين النهائيين بجزء صغير من قيمتها الإسمية.

يتبع في الجزء التالي

***

هنريك تراوتمان ـ المدير بالنيابة للجوار الجنوبي، مديرية سياسة الجوار الأوروبية ومفاوضات التوسع

أنطونيا ماري دي ميو ـ مديرة معهد الأمم المتحدة الأقاليمي لبحوث الجريمة والعدالة

_____________

مواد ذات علاقة