علي عبداللطيف اللافي

في عالم ينبني وقائم موضوعيا على التكتلات والصراع على مناطق النفوذ الاستراتيجية، تعيش البلدان المغاربية علاقات مضطربة فيما بينها وخاصة في ظل تواصل الخلاف الجزائري/المغربي منذ سنة 1994 (ومضاف اليه تنامي الخلافات حول موضوع الصحراء وغيره من الملفات).

الجزء الثاني

الجزائر: تراجعت فاعلية ونجاعة الدبلوماسية الجزائرية وحضورها القوي إقليميا بين سنتي 2014 و2020 وانكفأت الجزائر على نفسها قبل وبعد أشهر من استقالة بوتفليقة في أبريل 2019 وغاب دورها حتى مغاربيا على غير عادتها خلال العقود الخمس الماضية (خاصة بين سنتي 1965و2013).

خاصة وان ذلك حصل في ظل استمرار التوتر مع المغرب (وهو أمر متواصل منذ سنة 1994)، وقد تواصل ذلك على وتيرة مختلفة من سنة الى أخرى وخاصة بعد 2013 كما أن العلاقات مع ليبيا تراجعت منذ 2013 ليتم تقييم دورها منذ أشهر، على أنه ضعيف الحضور ولم يحضر فيه الاستراتيجي الا خلال الأسابيع الماضية، حيث عادت دبلوماسية الجزائر إلى مُربع المبادرة (قيادة المصالحة الوطنية تحديدا).

أما بخصوص تونس فقد حافظت الجزائر على قوة حضورها وحسن متابعة التطورات وعلى أنساق مصالحها الاستراتيجية وهو أمر حدث أيضا مع موريتانيا التي تحولت الى شريك وحليف للجزائر وخاصة خلال السنتين الماضيتين.

المغرب: استفادت المملكة المغربية من حالة الاستقرار السياسي منذ بداية الألفية الحالية وهو ما سمح لها بلعب أدوار خارج وداخل مربعات المنطقة المغاربية فتمكنت من ان تكون طرفا جامعا لليبيين سنتي 2015 و2020 وبينت المامها بالملف الليبي وابجدياته ومفرداته حيث سابقت المصريين والخليجيين وكل الأفارقة بل وبعض القوى الدولية.

كما أن علاقات المغرب بتونس تطورت بشكل مطرد خلال العشرية المنقضية واستطاعت دبلوماسيتها أن تستوعب المُتغيّرات الجارية في دبلوماسية “طرابلس” و”تونس”، ومقابل ذلك ورغم رسائل التهدئة المتبادلة مع الجزائريين في بعض محطات ومناسبات، فإنه لم يتم احتواء التوترات المفصلية مع الجزائريين وظهور نقاط خلاف مع “نواق الشط” (العاصمة الموريتانية) في أكثر من ملف وموضوع وهو ما تجسد في تحالف الموريتانيين مع الجزائريين في اشغال دورة البرلمان الافريقي وتحديدا في انتخاب ممثلي كتلة شمال افريقيا تحديدا ( رئيس الكتلة ونائبه ومقررها) وهو مثال للذكر لا الحصر.

موريتانيا، ضيَّع الرئيس الأسبق “ولد عبد العزيز” باصطفافه مع المحور المصري/السعودي/الاماراتي في يونيو 2017 الفرصة على موريتانيا أن تكون في موقع أفضل علاقاتيا مع كل البلدان وخاصة المغاربية بالذات، ورغم أن موريتانيا غير محاذية لتونس وليبيا تحديدا فإنها أرست معهما وخاصة بعد 2019 علاقات هادئة وغير متوترة وهي علاقات يمكن تطوريها في كل وقت.

ومقابل ذلك اختارت الاصطفاف مع الجزائر في موضوع الصحراء (وهو ما يعني توترا آليا مع المغرب)خاصة وان العلاقات مع المغرب توجد ملفات أخرى قديمة ولكنها غير ظاهرة للعيان بما يعني انها قابلة للاحتواء مثلما هي قابلة للانفجار.

متغيرات الإقليم وآثارها على مستقبل العلاقات المغاربية/المغاربية

1- الإقليم في الوقت الراهن هو في حالة تكيّف مستمرة مع التطورات الجارية دوليا (الصراع الروسي/ الأمريكي من جهة والصراع الأمريكي/الصيني من جهة ثانية) إضافة الى طبيعة تطور الاحداث في ملفات إيران واليمن وتركيا واقترابها الأخير مع مصر والسعودية مضاف اليه المصالحة الخليجية الجارية منذ أشهر وطبيعة التطورات المنتظرة.

وخاصة تلك المترتبة على ما حدث في الأراضي الفلسطينية وإمكانية وان تنجح الإدارة الأمريكية الى إعادة ملف الصراع الفلسطيني/الاسرائيلي الى مربع الملفات النائمة بناء على أنها تخطط الى التفرغ كليا للصراع مع الصين وثانويا للملف الإيراني واشكالات شرق المتوسط، وطبعا ذلك التكيّف قد يسرّع الى إعادة بناء روح الفكرة المغاربية ومناقشة مدى قدرة الاتحاد المغاربي ان يكون إجابة موضوعية لها شعبيا ورسميا ونخبويا.

2- سقوط مشروع عسكرة كل المنطقة الشمال افريقية وترنح خطة “لا تحفل الثورتين التونسية والليبية بذكراهما العاشرة” وسقوط خياري “انتاج القذافي2 و”استنساخ سيسي ليبيا”، سيمكّن من بناء تجارب انتقال ديمقراطي في بلدان المنطقة المغاربية ويمكّن التجربة/الثورة التونسية من بسط جناحيها يسارا ويمينا.

والفضل في ذلك للثوار المقاتلين في طرابلس الغرب والذين كانوا أبطالا حيث تصدوا عشية 04 أبريل 2019 لمشروع العسكرة وطرحوه من المعادلات وهو ما مكّن انصار الديمقراطية في تونس من مجابهة الفوضى والانقلاب بغض النظر عن التفاصيل في كل محطة من محطاتها خلال السنوات الثلاث الماضية.

بل ومكّن من تواصل المسار الديمقراطي في كل من موريتانيا والمغرب وان بطرق غير مباشرة وهو أمر سيدفع المؤسسة العسكرية في الجزائر لرعاية المسار الديمقراطي وأخذ مساحات كبرى على التأثير في الحياة السياسية أو صناعة مربعاتها مثلما كان عليه الأمر خلال حقبة بوتفليقة وقبلها أيضا .

3- مثّلت الأزمة الخليجية الأولى في أغسطس 2014 بداية تأثير الدول الخليجية على المنطقة المغاربية، كما مثّلت الأزمة الخليجية الثانية إرساء وتعميق الحضور الخليجي القوي مغاربيا وكل ذلك أوجد حصيلة معطيات بل وتأثيرات جديدة بُنيت أساسا على عدد من المرتكزات سابقة للثورات العربية وقع مراكمتها عبر العقود والسنوات، وهي:

  • ضُمور فكرة واستراتيجيا التصدي الجزائري لأيّ تدخل مشرقي، وهي عمليا سياسة واستراتيجيا سابقة كانت ترتكز على مبدأ في العقيدة الدبلوماسية الجزائرية وهي القائلة أن “مشاكل دول المنطقة لا تتدخل فيها دول أخرى وانه حتى لو تم ذلك بأيّ شكل، فانه لابد من أن يتم عبر البوابة الجزائرية”.

وهي تعني وفق التفكير السياسي الرسمي والنخبوي الجزائري “بوابة افريقية” أيضا (ذلك أنه من المعروف أن الاشكالات القارية عادت ما يعود الأمر فيها الى “الجزائر” و”جنوب افريقيا” تحديدا).

ومثلما ذكرنا أعلاه فان مرحلة 2014-2020 مثلت تراجعا ملحوظا للتأثير الجزائري إقليميا بشكل عام ومغاربيا وإفريقيا أيضا مما يعني ترك مساحات للآخرين إقليميا وأولهم “المصريين” و”الخليجيين” (“السعوديين” بدرجة أولى و”الاماراتيين” و”القطريين” بدرجة ثانية).

  • التأثير الخليجي تاريخيا في الاقتصاديات المغاربية (باستثناء ليبيا باعتبار ثروتها النفطية الهائلة)، أمر قائم ومعلوم لكل الرسميين ولكل المتابعين، وخاصة منذ منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي حيث تم انشاء مؤسسات استثمارية وبنكية وتجارية في كل البلدان الأربع (المغرب – الجزائر – تونس – موريتانيا) ومن ثم التوسع نحو قطاعات استراتيجية بشكل مطّرد وهو ما أوجد مساحات تأثر مباشرة وعبر مسالك غير مباشرة وعبر مؤسسات إقليمية تحديدا – على غرار الجامعة العربية وقمتها الدورية سنوياوأيضا عبر مؤسسات أخرى على غرار مجلس وزراء الداخلية العرب كمثال للذكر لا الحصر.

  • قُدرة بعض الدول الخليجية على غرار “قطر” و”الامارات” و”السعودية” على الاستثمار في قطاعات استراتيجية ولوجستية خلال العقدين الماضيين كالموانئ وشركات الاتصال والتكنولوجيا الحديثة ومن ثم التأثير في الاقتصاديات المغاربية والتأثير غير المباشر في عدد من القرارات وتوظيف وكلاء محليين وتحويل بعضهم إلى وظيفيين لتلك الدول بغض النظر عن تفاصيل تلك الأدوار الوظيفية ومدى مسّها من السيادة الوطنية لتلك الدول بأي شكل من الاشكال

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

____________________________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة