ريما ابراهيم

بدأت أزمة النفايات في طرابلس في نيسان/أبريل 2019 نتيجة النزاع المسلّح الذي اندلع بين حكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة العربية الليبية. وقد تزامن انتهائها مع نهاية النزاع المسلّح في حزيران/يونيو 2020، وأوضحت بعض التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات الليبية في تقديم خدمات إدارة النفايات.

يشرح موجز السياسات هذا دور سلطات الدولة والبلديات في توفير الخدمات في ليبيا بشكل عام، ويشرح كيف تطوّر منذ العام 2011، ومع حلول أزمة النفايات خلال الفترة ما بين 2019-2020 . كما يسلّط الضوء على التحديات التي تواجه سياسات إدارة النفايات بشكل عام، ومنها: غياب التخطيط، وضعف الهيكل الإداري في طرابلس، وتداخل صلاحيات الجهات الإدارية في المدينة، وضعف دور الحكم المحلي.

الجزء الأول

مقدمة:

في نيسان\أبريل 2019، تواجهت حكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة العربية الليبية بقيادة خليفة حفتر في جنوب العاصمة طرابلس. تغيرت أولويات حكومة الوفاق الوطني، إذ ركّزت على تحقيق الاستقرار الأمني في طرابلس، والعمليات العسكرية في المنطقة الغربية. وأسفر النزاع الذي دام 14 شهرا عن أزمات عدة، كما أثر على قطاع الخدمات العامة إلى حد كبير، إذ ازداد انقطاع الكهرباء وإمدادات المياه، وتعرقلت إدارة النفايات في المدينة، الأمر الذي أثّر سلبا على جودة الحياة.

مع تقدّم الأشهر، تكدّست النفايات في معظم المكبّات، وخرجت عن سيطرة الجهات المسؤولة التي تخبّطت في إيجاد حلول عاجلة لتراكمها في المناطق السكنية والشوارع العامة.

وفي أواخر العام 2019، ومع استمرار النزاع، أصبح تراكم النفايات أزمة إدارية وبينية تهدد الصحة العامة وحركة السكان. هذا وشهدت إدارة النفايات تخبّطا وتواتّرات بين الجهات المسؤولة، وعلى مستوى الحكم المحلي، ما فاقم الأزمة.

لم تنته أزمة النفايات في طرابلس بشكل واضح إلا بعد انتهاء النزاع في حزيران\يونيو 2020، وعودة تشغيل المكبّ النهائي في سيدي السايح، وإطلاق حملة لتنظيف المدينة في آبد\أغسطس من العام نفسه. مع ذلك، يطرح واقع إدارة النفايات تساؤلات حول ما إذا كانت أزمات النفايات مؤقتة ومرتبطة بالتغيّرات الأمنية والاقتصادية والسياسية فقط، أم ما إذا كانت لها جذور إدارية وقانونية تقف أمام القدرة على الاستجابة لها، خصوصا إثناء النزاعات.

يوضح موجز السياسات هذا دور سلطات الدولة والبلديات في توفير خدمات إدارة النفايات في طرابلس بشكل عام، ويشرح كيف تطوّر منذ العام 2011، ومع حلول أزمة النفايات. كما يسلّط الضوء على التحدّيات التي تواجه سياسات إدارة النفايات، منها تداخل صلاحيات الجهات الإدارية في المدينة، وضعف الهيكل الإداري في طرابلس، وضعف دور الحكم المحلي، وغياب التخطيط.

أولا: أزمة إدارة النفايات للعام 2019 في طرابلس

أ ـ كيف بدأت الأزمة

بدأت أزمة إدارة النفايات في طرابلس نتيجة النزاع المسلّح الذي اندلع بين حكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة العربية الليبية في نيسان\أبريل 2019.

فقد تراكمت النفايات بعد أن تعذّر على آليات نقلها الوصول إلى المكبّ النهائي الخاص بالمدينة في بلدية سيدي السائح، بسبب وقوعه في خطّ النزاع المسلّح. يستوعب هذا المكبّ النفايات الصلبة المنتجة في بلديات طرابلس الكبرى بعد أن يتم تجميعها من المكبّات المرحلية المؤقتة في المدينة.

مع انقطاع الوصول إلى المكبّ النهائي في سيدي السائح، أخذت النفايات بالتكدّس في ثلاثة مكبّات مرحلية في طربلس، وهي مكبّ أبوسليم في بلدية أبوسليم، ومكبّ تاجوراء في بلدية تاجوراء، ومكبّ السواني في بلدية حيّ الأندلس.

لكن نظرا إلى أن المكبّات المرحلية مؤقتة وذات قدرة استيعابية محدودة، سرعان ما تأثرت خدمات النفايات في طرابلس. أضف إلى ذلك أن معدّلات إنتاج النفايات ازدادت مع نزوح العديد من العائلات من مناطق النزاع في جنوب طرابلس، مثل عين زارة وأبوسليم، نحو مركز المدينة.

وخلال شهر فقط، ازداد تراكم النفايات بشكل ملحوظ في بلديات طرابلس المركز، وسوق الجمعة، وحيّ الأندلس، حيث المساحات المتاحة لتجميع النفايات صغيرة، وحيث الكثافة السكانية عالية.

ومع حلول شهر رمضان في آيار\مايو 2019، كانت بلديات طرابلس الأكثر معاناة من تراكم النفايات تقود حملات لتجميع القمامة بالتنسيق مع فروع شركة الخدمات العامة ـ طرابلس، المسؤولة عن نقل النفايات وتجميعها. بالرغم من ذلك، ما عرقل قدرتها على إدارة نفاياتها. إضافة إلى ذلك، تأخر صرف مرتبات العاملين في تجميع النفايات ونقلها.

ووصفت سوق الجمعة تدهور خدمات إدارة النفايات في تموز\يوليو بأنها معاناة متكررة، ومشكلة بينية مستمرة“.

في الربع الثالث من العام 2019، كانت المشكلة الرئيسة التي واجهتها خدمات تجميع النفايات نقلها عدم وجود مكبّات مرحلية كافية لتغطية كميات النفايات المُنتَجة.

ففي أيلول\سبتمبر، أغلقت شركة الخدمات العامة ـ طرابلس مكبّ أبوسليم بعد وصول تراكم النفايات في إلى ارتفاع 25 مترا، واستيعابه ما يزيد عن 250 ألف طنّ من النفايات.

كذلك أقفل مكبّ السواني المرحلي، واعتبرت الشركة أنه ليس من مهامها إيجاد مكبّات بديلة، إنما فقط تشغيلها، معلنةً عن عدم وجود مواقع بديلة لاستقبال النفايات.

بعد إقفال مكبّي أبوسليم والسواني المرحليين، تنازعت البلديات على المكبّات التي تقع ضمن نطاقها، حيث اعتبرت أيّ نفايات تنقل من خارج نفود بلدية ما نفايات وافدة، وأمكن لبعض البلديات أن تفرض استقبال نفايات منقولة من بلديات أخرى. في المقابل، تواصل تكدّس النفايات في البلديات التي تخلو من مكبّات مرحلية، على غرار بلديتي طرابلس المركز وسوق الجمعة.

ب ـ آثار الأزمة على سكان طرابلس

كانت لأزمة النفايات المتمثّلة في المكبّات العشوائية، وامتلاء المكبّات المرحلية المخصّصة، أثارٌ صحية وبينية على سكان طرابلس، ناهيك عن أنها عرقلت قطاعات خدمية أخرى في المدينة. على سبيل المثال، بعد أن تراكمت النفايات في الشوارع وقرب المناطق السكنية، اضطّر السكان إلى إشعال النيران في المكبّات العشوائية في محاولة للتخلص مما تسبب به تلوّث وروائح كريهة، وزحام مروري، وتشويه للمظهر العام.

إلا أن إشعال النفايات يؤدّي إلى احتراق الباستيك، والمواد القابلة للاشتعال، وأحيانا المخلّفات الطبية، وإلى تصاعد غازات سامة، ومركبّات مسبّبة للسرطان.

ومن الآثار التي نتجت عن إشعال النيران في المكبّات العشوائية الأعطال التشغيلية في قطاع الكهرباء. فقد تعرّضت محطة في جنوب طرابلس إثناء الأزمة لخلل في توربينات توليد الكهرباء نتيجة الأدخنة المتصاعدة من المكبّ المرحلي الملاصق لها، ما اخرجها عن الخدمة مؤقتا، وأدّى إلى تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء في المدينة.

يكمن خطر المكبّات المفتوحة أيضا في الغازات المنبعثة من النفايات غير المعالجة نتيجة تحلل المواد العضوية فيها، كما يحدث مثلا في مكبّ عين زارة المتوقف عن العمل، الذي يتعرّض لانفجارات وحرائق بين الحين والآخر. فوفقا لخبراء الإصحاح البيئي في طرابلس، إن المكبّات المفتوحة غير المُعَاجلة هي بركان موقوت نتيجة امتلائها بغاز الميثان سريع الاشتعال، ولا بدّ من إغلاقها أو تنفيس الغازات المتصاعدة منها.

ومن الخدمات الأخرى التي تعرقلت بسبب تراكم النفايات تصريف مياه الأمطار في شوارع المدينة. ففي أيلول\سبتمبر 2019، بلغ تراكم النفايات ذروته مع اقتراب موسم هطول الأمطار، وأدّت المواد غير المتحلّلة مثل البلاستيك في النفايات الصلبة إلى انسداد غرف تصريف مياه الأمطار في الطرقات.

شكّلت هذه الانسدادات تحدّيا إضافيا للشركة العامة للصرف الصحّي، في حين أدى تداعي النبية التحتية جرّاء غرقها في المياه إلى زيادة التكلفة الاقتصادية على الدولة، وعرقلة الحياة العامة بسبب الإزدحام المروري.

ج ـ استجابة غير منظّمة للأزمة

جاءت استجابة حكومة الوفاق الوطني للأزمة في العام 2019 مرتبكة نتيجة القرارات التي فاقمت التداخل الإداري في صلاحيات إدارة النفايات. على سبيل المثال، تم توزيع الميزانية بين البلديات وشركة الخدمات العامة من دون معايير واضحة ما أسفر عن خلافات واعتراضات إدارية وقانونية ـ نتيجة استلام كل طرف نصف المخصّصات المالية فقط ـ وزاد ربكة إدارة النفايات.

وسعيا إلى التغلب على أزمة النفايات، عملت البلديات وشركة الخدمات العامة بشكل شبه مستقلّ واضح، وبميزانية مرتبكة دفعتها إلى البحث عن مصادر تمويل مختلفة. فعمدت بلدية سوق الجمعة إلى التخلّص من نفاياتها عبر رميها في المكبّ المرحلي الذي أنشأته على حدود مطار معيتيقة بموافقة من الهيئة العامة للبيئة، مع أنه وفقا للإصحاح البيئي غير مطابق لمواصفات مكبّ.

في المقابل، نسّقت بلدية طرابلس المركز مع بلدية سوق الجمعة، ووجدت في مكبّ المعمورة الواقع خارج طرابلس حلا لنفاياتها، بالتعاون مع المجموعة المسلحة المسؤولة عنه. وكانت لبلديات تاجوراء، وأبو سليم، وعين زارة، وحيّ الأندلس، فرصة للاستمرار في استخدام المكبّات المرحلية في البلديات أو المساحات الأوسع المتاحة لها.

بدأت أزمة تراكم النفايات بالانفراج مع توقّف النزاع المسلّح في طرابلس في حزيران\يونيو 2020. وفي تموز\يوليو، ساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا في توفير حاويات لتجميع النفايات التابعة لبلديات طرابلس المركز، وسوق الجمعة، وتاجوراء، وحيّ الاندلس، وعين زارة.

وازداد الاهتمام بتجميع النفايات في الشوراع في آب\أغسطس، حيث بدأت شركة الخدمات العامة بتنظيف المكبّات المرحلية، وأطلقت حملة لتنظيف الشوراع الرئيسة في طرابلس. هذا وأعلنت بلدية سوق الجمعة في تشرين الأول\أكتوبر 2020 عن إقفال مكبّ معيتيقة المرحلي بشكل تدريجي. أثمرت هذه الجهود عن تحسّن ملحوظ في خدمات إدارة النفايات وتجميعها.

***

ريما إبراهيم ـ تعمل في معهد الشرق في بيروت كمساعدة بحثية منذ تموز 2019

_________

مواد ذات علاقة