ريما ابراهيم

بدأت أزمة النفايات في طرابلس في نيسان/أبريل 2019 نتيجة النزاع المسلّح الذي اندلع بين حكومة الوفاق الوطني والقوات المسلحة العربية الليبية. وقد تزامن انتهائها مع نهاية النزاع المسلّح في حزيران/يونيو 2020، وأوضحت بعض التحديات الرئيسية التي تواجه السلطات الليبية في تقديم خدمات إدارة النفايات.

الجزء الثالث

النزعة الجهوية والتوتّر بين البلديات

أدت أزمة النفايات في العام 2019، إلى بروز التوتّر بين البلديات. فغياب دور المحافظة كوحدة إدارية تنسق بين البلديات، وضعف التمويل لإدارة خدمات تجميع النفايات، دفعا كل بلدية إلى تكوين علاقاتها المستقلة مع أصحاب المصلحة. فتعاونت البلديات مع بعض الجهات المسلّحة لتأمين الدخول إلى المكبّات، ما سمح بحكم ذاتي ونفوذ غير منظّم لتشغيل المكبّات، وأعاق البلديات الأخرى عن تقديم خدماتها.

ومثال على ذلك مكبّا تاجوراء وأبوسليم اللذان تحصلا على الحماية من قبل جهات مسلحة مختلفة، ورفضا شاحنات نقل القمامة من خارج نطاقهما.

آنذاك واجهت البلديات ذات الكثافة السكانية الأعلى تحدّيات التخلص من نفاياتها، ولا سيما في غياب مكبّات مرحلية في نطاقها. فأصدرت بلدية سوق الجمعة بيانا في تشرين الأول/اكتوبر 2019، حمّلت فيه شركة الخدمات العامة وبلدية تاجوراء مسؤولية عدم تعاونهما في استقبال نفايات بلدية سوق الجمعة للنقل إلى المكبّ المرحلي في تاجوراء“. ردًا على البيان، وضّح الإصحاح البيئي في تاجوراء أن المكبّ مقفل وخارج الخدمة، وسعته تحتمل النفايات التابعة لبلدية تاجوراء فقط.

فما كان من بلدية سوق الجمعة إلا أن استحدثت مكبّا مرحليا في معيتيقة، على الرغم من عدم تطابقه مع المواصفات المحلية لإنشاء المكبّات المرحلية.

ومع أن أزمة تراكم النفايات انتهت في حزيران\يونيو 2020، لا تزال خدمات إدارة النفايات تعمل بدون نظام واضح. فالمؤسسات المركزية والمحلية في طرابلس تعاني من قصور في الإطار التنظيمي والقانوني لإدارة النفايات، ناهيك عن الضعف في التفاعل والتنسيق في ما بين مؤسسات إدارة النفايات الصلبة المحلية.

وهو ما يؤكد أن إدارة النفايات في طرابلس لا تقتصر فقط على التحديات الناجمة عن النزاعات المسلحة. فقد برز أحد تحدّيات إدارة النفايات مباشرة بعد انتهاء الأزمة، حيث استحدث في أيلول\سبتمبر 2020 مكبّ مرحلي جديد في معسكر النقلية، في منطقة طريق المطار. وعلى الرغم من اعتراض سكان المنطقة على إنشائه، بدا المكبّ مفتوحا وغير مطابق للمواصفات المحلية.

خاتمة

سلّط النزاع المسلّح في جنوب طرابلس في العام 2019، وأزمة النفايات الناتجة عنه، على ضعف قطاع إدارة النفايات، وهو ضعف فاقمة غياب السياسات العامة والتخطيط المتكامل بين الجهات المسؤولة. وقد دلّ ذلك على أن أزمات النفايات تُعدّ طارئة فقط عندما تتراكم هذه الأخيرة في الشوراع، وأن التخلص منها تنتهي الأزمات.

يمكن وصف السياسة الحالية لإدارة النفايات بأنها نهج تنظيف، ويدلّ مصطلحا النظافةالمستخدمان بشكل رسمي وصف إدارة النفايات، على مدى التأخر في اعتماد الإدارة الحديثة للنفايات. فشركة الخدمات العامة ـ طرابلس ترى أن ليس من مسؤوليتها تقليل النفايات، أو إنشاء مرافق لمعالجتها وإعادة تدويرها، بل أن دورها يقتصر على تجميع النفايات ونقلها وردمها في المكبّات المرحلية والنهائية.

لكن قطاع إدارة النفايات يحتاج إلى سياسة عامة، وخطط مستدامة وبعيدة المدى، يمكن تنفيذها على أساس الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المحلية، وتكون مبدئية على الإدارة البيئية السليمة. فالسياسة العامة لإدارة النفايات تؤدي دورا مهما في إرساء إدارة متكاملة تجمع بين المستويين المركزي والمحلي، وتُشرك الأطراف وأصحاب المصلحة كافة في تقديم خدمات إدارة النفايات.

لقد أثبتت أزمة النفايات ضرورة حلّ التداخل بين صلاحيات شركة الخدمات العامة ـ طرابلس، التابعة لوزارة الحكم المحلي، وبين الاختصاصات الملزمة للبلديات في إدارة النفايات.

كما سلّطت الضوء على الحاجة إلى تطوير التشريعات والقوانين المنظمة لإدارة النفايات وتفعيلها، في ما يتعلّق بالتحوّل من الحكم المركزي إلى الحكم المحلي. فكلّ من القانون رقم 59 للعام 2012 حول تأسيس البلديات، والقانون رقم 13 للعام 1984 المتعلّق بخدمات النظافة، يمنح صلاحيات تجميع النفايات ونقلها لكلّ من البلديات وشركات الخدمات العامة، بينما أي سياسات أو قرارات تنظيمية لتنسيق آليات العمل بينهما.

لذا يستدعى التحول إلى الحكم المحلي قرارا من مجلس الوزراء بحل الهيئات التي تتقاطع صلاحياتها مع صلاحيات وحدات الإدارة المحلية، وتوزيع صلاحيات إدارة النفايات بين البلديات وشركات الخدمات العامة.

ومن الحلول التي تدعم تفعيل دور البلديات في خدمات إدارة النفايات الاستقلالية المالية. حاليا، لا تزال البلديات تتلقّى تمويلها من وزارة الحكم المحلي، في حين أن القانون رقم 59 يمنحها الحقّ في فرص متنوّعة من التمويل، بما يحقّق لها عوائد دائمة ومستقلّة عن ميزانية الحكومة، التي تستلزم إجراءات قانونية وإدارية معقّدة.

فضلا عن ذلك، تغيب في الوقت الراهن سياسات إشراك القطاع الخاص في عملية إدارة النفايات، حيث يبقى الدور المهمّ الذين يمكن أو يؤدّيه هذا القطاع في الاستثمار وإعادة تدوير النفايات محدودا على الرغم من أهميته.

فوفقا لبعض الخبراء، لا يزال القطاع الخاص حاليا غير جاهز لوضع الحلول في إدارة النفايات، ناهيك عن أن الهياكل اللازمة لتسهيل دوره لم تُوضع بعد. ويعتقد الخبراء أيضا أن الاستثمار في إدارة النفايات غير مربح من وجهة نظر أصحاب الأعمال الذين يسعون إلى فرص ربحية سريعة، وأن الوضع غير المستقرّ في البلاد لا يسمح بمشاريع ذات تكلفة كبيرة لما تطوي عليه من مخاطر اقتصادية. لهذا السبب يتكوّن معظم القطاع الخاص من شركات أو أفراد يملكون آليات لتجميع القمامة ونقلها فقط.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن الشركات الخاصة تتلقّى تمويلها لأعمال نقل وتجميع من شركة الخدمات العامة، وفق عقود تحت مستمّى الشركات الوطنية المساهمة. بيد أن اعتماد القطاع الخاص على تمويل الحكومة المركزية يجعله قطاعا غير سليم ويضعف عمله. كذلك يلفت الخبراء في الإصحاح البيئي إلى أن شركات تجميع النفايات الخاصة لا تحصل أحيانا على مخصّصاتها المالية من الحكومة لفترات طويلة قد تصل لأكثر من سنة.

في المقابل، لم يلاحظ وجود دور فعال وقوي للمجتمع المدني في المراقبة أو المشاركة في وضع الحلول في ما يتعلّق بخدمات إدارة النفايات، بل أن دوره يقتصر على المستوى التوعوي. فبعض الجمعيات يكتفي بنشر التوعية وثقافة التخلّص الصحيح من النفايات لفئات مختلفة من المجتمع، إيمانا منه بأهمية البدء بالتوعية حول طرق تقليل النفايات ابتداءً من المصدر في المنازل.

لكن دور هذه الجمعيات في المساءلة أو المحاسبة في مجال خدمات إدارة النفايات يبقى غائبا. وعليه لابدّ من دعم مؤسسات المجتمع المدني وإشراكها بوصفها أصحاب مصلحة في أي سياسات وخطط ترمي إلى تطوير إدارة النفايات، وتزويدها بالكوادر المختصة، والبيانات اللازمة، بما يمكنها من الاضطلاع بدور أكثر فعالية.

يذكر أن الجهات الدولية تعمل على دعم الحكومات الليبية في المرحلة الإنتقالية لمواجهة التحديات التي تم بها. ومن بين الأولويات التي تركّز عليها دعم البلديات في التحوّل إلى اللامركزية وتقديم الخدمات، حيث يقدّم الدعم اللاوجستي من معدّات وآليات تتيح للبلديات توفير الخدمات العامة.

مع ذلك، ليس واضحا ما إذا كان هذا الدعم يحقّق استدامة في إدارة النفايات، طالما أن البلديات لا تزال غير ممكنة من الناحية القانونية أو المالية أو الإدارية لتنفيذ اختصاصاتها في إدارة النفايات. أضف إلى ذلك أن الجهات المسؤولة عن إدارة النفايات تفتقر إلى التأهيل والقدرة على وضع خطط استراتيجية لإدارة النفايات، ما قد يؤدي إلى سوء استخدام الدعم اللوجستي اوعدم فعاليته. فالخبراء يؤكّدون أن إدارة النفايات لا تحتاج إلى حلول عاجلة أو قصيرة المدى، إنما إلى دعم استراتيجي طويل المدى.

***

ريما إبراهيم ـ تعمل في معهد الشرق في بيروت كمساعدة بحثية منذ تموز 2019

________

مواد ذات علاقة