تشهد مدينة سبها عاصمة الجنوب الليبي توتراً وترقباً شديدين، على خلفية الصدام المحتمل وقوعه بين الكتيبة 116 التي تتبع القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة حفتر، وبين كتيبة طارق بن زياد التابعة أيضاً للجيش نفسه، والتي وصلت وحداتها لتتمركز في قاعدة تمنهنت عند المدخل الشرقي للمدينة.

الكتيبة 116 من الكتائب المحلية في سبها، وكانت قبل أن تعلن تبعيتها للجيش تسمى بـقوة الردع، وكانت حينذاك تتبع قوة الردع في طرابلس، ولكن في عام 2017 أعلنت تبعيتها للجيش بقيادة حفتر، وسُميت حينها بالكتيبة 116، وساندت الجيش في العديد من الحروب والعمليات، لعل أهمها حرب الجيش مع قوة مصراتة في الجنوب، والتي انتهت بانسحابها، وأيضاً حروب الجيش لتحرير مدينة مرزق في آذار/ مارس عام 2019، ومكافحة الجماعات الإرهابية التي كانت تتخذ من مناطق الجنوب مخابئ لها.

يترأس الكتيبة مسعود جدي من قبيلة أولاد سليمان، وهو من الضباط المغمورين، وبرز نجمه بعد أحداث الثورة الليبية، ليقود كتيبته التي تُعدّ الآن أقوى كتائب الجنوب، إذ تنتشر وحداتها في مناطق واسعة تصل حتى مدينة أوباري والحقول النفطية التي تحميها وحدات منها.

بدأ الخلاف حين قررت القيادة العامة تغيير آمر الكتيبة 116، وتعيين شخصية أخرى مكانه، وهو ما رفضه جدي، فعرضت القيادة عليه أن ينضم إلى أحد الألوية العسكرية التابعة لها في الجنوب، ولكن جدي رفض هذا العرض، لأن له من المكانة والسطوة ما يجعله أكبر من الانضواء تحت لواء شخص آخر.

وصلت الأمور إلى نقطة عدم التفاهم بين الطرفين، ورأت القيادة العامة أن تلوّح بقوتها، وتفرض على مسعود جدي الإذعان، فبدأت منذ أواخر أيار/ مايو الماضي في إرسال وحدات عسكرية إلى قاعدة تمنهنت، تمهيداً لدخول مدينة سبها، وفرض الأوامر العسكرية على مسعود جدي وكتيبته.

تشهد مدينة سبها توتراً وترقباً شديدين، على خلفية الصدام المحتمل وقوعه بين الكتيبة 116 التي تتبع القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة حفتر، وبين كتيبة طارق بن زياد التابعة أيضاً للجيش نفسه.

في العشرين من حزيران/ يونيو الجاري، أصدر المجلس الرئاسي قراراً بتعيين كتائب عسكرية عدة في الجنوب ضمن قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب، ووضع على رأسها مسعود جدي، الذي عدّ القرار شرعياً كونه صادراً من أعلى سلطة معترف بها محلياً ودولياً.

وهو ما زاد من تفاقم الموقف مع قيادة الجيش الليبي الذي يتزعمه خليفة حفتر، ودفع بعض الكتائب للتقدم باتجاه بوابة قويرة المال التي تعد المدخل الشمالي للمدينة، وكانت تحت إدارة مسعود وكتيبته، فسيطر عليها الجيش بعد انسحاب الـ116.

هذا التحرك دفع مسعود جدي إلى إخراج وحدات من كتيبته، ونشرها في وسط المدينة، واتخاذها وضعية التأهب للقتال، فانتشرت في الشارع الواسع في قلب المدينة، وعلى جوانب شارع جمال عبدالناصر الذي يُعدّ الشارع الرئيسي الذي يشق المدينة نصفين، وفي المقابل انتشرت وحدات من الكتائب التابعة لجيش حفتر في النقاط المقابلة، واتخذت وضعية قتالية.

لم ينتهِ التوتر تلك الليلة حتى تدخل الأعيان، وأعطت كتائب الجيش مهلة ثلاثة أيام لكتيبة مسعود جدي حتى تذعن، وتسلم ما في يدها، وترضخ لقرار القيادة العامة.

المهلة التي ستنتهي في التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، والتي يبدو أن مسعود لن يوافق خلالها على شروط الجيش، خاصةً مع خروج بيانات شعبية عدة، ومن مؤسسات في سبها، وفي الجنوب تؤيد القرار الذي صدر عن المجلس الرئاسي.

هذا التوتر يضع اتفاق جنيف على المحك، فوقوع القتال يُعدّ خرقاً للهدنة الموقعة بين أطراف النزاع في جنيف، كما سينسف مساعي التهدئة والإعداد للانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة كلها، وسيعيد الجميع إلى المربع الأول.

يرى المحلل السياسي محمد الغريب أن حفتر لا يريد وقوع صدام مباشر مع قبيلة أولاد سليمان تحديداً في الجنوب، فدخوله في صراع معهم سيفقده حلفاءه منهم، خاصةً أنهم هم من مهّد لدخوله الجنوب وسيطرته عليه منذ أن أعلنوا دعمهم له.

ويزيد الغريب أن دخوله في الحرب مع جدي، وهو صاحب أكبر كتيبة ومحسوب على أولاد سليمان، سيدفع الفصيل السليماني الذي يقاتل معه إلى الانضمام لمسعود جدي.

ويضيف الغريب أن معاداة أولاد سليمان ستجعل حلفاءهم أيضاً يقفون أمام الجيش، وهم يتمركزون في مناطق ونقاط مهمة أبرزها الحقول النفطية، لذا يسعى حفتر للضغط على مسعود، والتلويح له بالقوة من دون استخدامها، وفي الوقت ذاته سيسعى إلى ألا يخرق الهدنة، فيقع تحت ضغط المجتمع الدولي.

يرى المحلل السياسي محمد الغريب أن حفتر لا يريد وقوع صدام مباشر مع قبيلة أولاد سليمان تحديداً في الجنوب، فدخوله في صراع معهم سيفقده حلفاءه منهم، خاصةً أنهم هم من مهّد لدخوله الجنوب وسيطرته عليه منذ أن أعلنوا دعمهم له.

من الجانب الآخر يرى عبد السلام الشيباني وهو متابع للشأن العام، أن مسعود قصد التمركز في وسط المدينة، ليُشْرِكَ أهلها كلهم في الحرب إن وقعت، فوجوده في قلب سبها حيث ستقع الحرب، سيعطل حياة الناس.

ومع الحرب ستزداد أعداد الضحايا من المدنيين، وهو ما سيدفع الجميع للنقمة عليها، وعلى القوة التي جاءت بها، وسيحاول مسعود استثمار هذه الحرب لصالحه، وإن سقط فيها مدنيون من سكان مدينته.

إلى الآن، لم تصدر أي ردود فعل رسمية من المؤسسات الليبية حول التوتر الحاصل في مدينة سبها، كما لم يحاول أي طرف السعي من أجل التهدئة، بينما يخيم شبح الحرب على سكان المدينة، وهي حرب ستنهي مفاوضات جنيف، ومساعي تثبيت الهدنة، وجهود الاستعداد للانتخابات المزمع عقدها في الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر المقبل كلها.

ما الذي يُخطط له حفتر في جنوب ليبيا؟

كشف آمر منطقة سبها العسكرية في ليبيا العميد أحمد العطايبي أن قوة مدجّجة بأسلحة ومدرّعات، يفوق عددها الـ300 آلية عسكرية، تتوافد من المنطقة الشرقية إلى سبها، كبرى مدن الجنوب، حيث تُعسكر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وذكر العطايبي، في رسالة إلى رئاسة الأركان العامة، أن القوات تمركزت في قاعدة تمنهنتالجوية التابعة للمنطقة الشرقية، من دون معرفة اتجاهها وغايتها.

ويأتي هذا الانتشار بعد أيام من وصول أعداد أخرى إلى بنغازي. وكشفت مصادر أن قوات جنّدتهم روسيا وصلت إلى بنغازي.

ونقل موقع ليبيا فاكت برسعن مراقبين قولهم: إن هذا الانتشار للقوات والآليات دليل على رغبة ميليشيات حفتر التمدّد باتجاه حقول النفط وتشكيل طوق على الغرب الليبي“.

وشرح العطايبي، في حديث تلفزيوني، أن أرتال عسكرية من الشرق وصلت إلى قاعدة تمنهنت بينهم مليشيات الكاني، مضيفًا أنه أرسل تحذيرات لوزارة الدفاع ورئاسة الأركان حول الأمر لكن لم يصلنا أي رد“.

بدورها، حذّرت المنطقة العسكرية في سبها، في بيان، قوات حفتر من خرق وقف إطلاق النار في الجنوب، مشيرة إلى أن حفتر يواصل حشد قواته وآلياتها المتوجّهة من المنطقة الشرقية إلى قاعدة تمنهنت.

وحمّلت المنطقة العسكرية في سبها وزارة الدفاع مسؤولية أي عمل عسكري تُقدم عليه قوات حفتر جنوبي البلاد، مؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تواصلت استفزازاته“.

وشهدت سبها، في السادس من الشهر الجاري، تفجيرًا تبنّاه تنظيم داعش، استهدف نقطة تفتيش على المدخل الشرقي للمدينة. وأثار الحادث تساؤلات حول توحيد المؤسسة العسكرية في ظل بوادر انقسام جديدة.

ورجّح مراقبون أن يتذرّع حفتر بـالإرهابلتحريك قواته ضد جماعات مسلّحة، خاصّة وأن المتحدث باسمه أحمد المسماري سارع مع وقوع التفجير إلى إطلاق الاتهامات ضدّ رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة.

وقد يتحرّك حفتر خارج أطر المجلس والحكومة، وقد سبق أن قدّم دلائل على ذلك عبر تنظيم عرض عسكري في بنغازي قبل أسابيع.

_______________

مواد ذات علاقة