على كل الأطراف الليبية الدفع نحو انجاز الانتخابات في موعدها مهما كانت العوائق الموضوعية وبذل الجميع للغالي والرخيص لتحقيق ذلك الهدف.

الجزء الأول

يبدو أن طبيعة الخطوات التي أعلن عنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية أول أمس الثلاثاء 6 يوليو والمتعلقة بدعم كل مسارات انجاز الاستحقاقات الانتخابية المحددة ليوم 24 ديسمبر 2021 هي أقرب للرسائل لنظرائه في الشرق الليبي وأيضا للمجتمع الدولي.

وذلك بناء على تطورات الاحداث وردا على التصريحات والرسائل التي وجهها له أنصار اللواء المتقاعد عشية الاثنين الماضي عندما حضر لطبرق لمناقشة الميزانية وخاصة عمد بعض عسكريين جمعهم مقربون من حفتر لإحراج “دبيبة” ومرافقيه بغض النظر عن صحة وجود مخطط لاغتياله أو ترهيبه.

لم يتوقف الجدل خلال الأسبوعين الماضيين بين الليبيين حول موضوع “هل يمكن التوافق والاتفاق على الآليات والأجواء السياسية والاجتماعية التي ستدار فيها الاستحقاقات الانتخابية ومن ثم التوصل الى طبيعة الأسس الدستورية التي ستجرى على أساسها تلك الاستحقاقات؟ .

يبدو أن الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي “فلادمير بوتين” ستكون حاسمة في دفع الأمور في اتجاه توافق نحو الذهاب للانتخابات بغض النظر عن إمكانية ارجائها لبعض أشهر من عدمه وما قد يدعم ذلك الرهان هو تواصل توازن القوى بين الأطراف الدولية والإقليمية المتداخلة في الملف الليبي.

ذلك أمر ستكون مؤثراته مباشرة على ليبيا وطبيعة اختيارات الناخبين ومن ثم قبول البعض بنتائج تلك الانتخابات نتيجة الترابط بين العديد من المكونات السياسية والاجتماعية من جهة وبين مشغليها الاقليميين ورعاتهم الدوليين من جهة ثانية خاصة في ظل رواج حديث نهاية 2020 مفاده نصيحة روسيا للجنرال حفتر باختيار منفى اختياري ينهي به حياته.

أهم قيادات أنصار القذافي الذين لم ولن يكونوا وحدة متكاملة لا سياسيا ولا اجتماعيا، يرغبون اليوم في أن يُسلم حفتر قيادة الجيش كما هي وعبر هيكلتها الحالية مع إبعاد بعض وجوه جدلية فيها.

وهو في الحقيقة توجه سيدفع بهؤلاء الى اللعب على الخيار الانتخابي وتحصيل كوتة برلمانية تسمح لهم بالتموقع الجيد والمشاركة في الحكم رغم ان بعضهم يتوجس من ذلك ويميل الى المغالبة وافتكاك السلطة في ما يراهن آخرون منهم على ارباك كل المسار التوافقي عبر الدفع للحرب.

وذلك ما يفكر فيه أيضا مقربون من “حفتر” وآخرون من قوات “بركان الغضب”، ومعنى ذلك فإنه ربما ووفقا لمشاورات بعينها قد تلتقي الارادات في العودة للحروب والصراعات ولغة الحسم اعتقادا من أولئك في القاعدة الكلاسيكية أن “الحرب هي لغة وطريق للتفاوض السليم على أسس تمهد لحل ممكن وغير معترض عليه لاحقا”.

المد والجزر بين خياري “الحرب” و”الانتخابات”، ستكون تبعاته الظرفية خطيرة على ليبيا وعلى منطقتي “شمال” و”غرب افريقيا”، ورغم أن طرابلس العاصمة تستقبل كل يوم وفود من المستثمرين الأجانب ورجال الأعمال العرب والغربيين بحثا عن الاستثمار والتخطيط لإعادة الاعمار، الا أن تجار الحروب يعدون وبعيدا عن الأضواء للأسوأ في مدن ليبية أخرى وفي عواصم عربية ودولية.

وذلك بحثا منهم عن نقطة فراغ ومدخل لإرباك معادلة توازن القوى – أو بالأحرى توازن الضعفبين الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، ومن هناك ستحدد الخيارات الحقيقة والحسم بين لغتي”الحروب” و”ارتقاب نتائج الصناديق”.

عديدة هي التطورات الجارية في الإقليم خلال الأسبوعين الماضيين والتي ستُؤثر بأشكال مختلفة في تشكيل المنطقة وفي الأجواء الاجتماعية والسياسية ودرجة التوافق بين الليبيين وهم يستعدون ويجرون انتخابات 24 ديسمبر 2021 وما سيترتب عليها من تشكيل للجسمين التشريعيين (مجلس النواب ومجلس الشيوخ).

وأيضا في التوحيد الكامل للمؤسستين العسكرية والأمنية إضافة للمؤسسات السيادية وخاصة المالية والاستثمارية منها، ولكن ماهي تلك التطورات وخاصة في مربعي ومحيطي “دبيبة” و”حفتر”، وماهي أبعادها التكتيكية والاستراتيجية، وما هي معالم استراتيجيا بناء ليبيا في أفق ربيع سنة 2022؟

حكومة الوحدة الوطنية ومحاولات الدفع نحو مسار انجاز الاستحقاقات الانتخابية

1- أولا، كثيرة هي الخطوات التي سارع بها رئيس الحكومة “عبد الحميد دبيبة”(ومن وراءه ومعه من سند محلي واقليمي ودولي)، للدفع نحو مسار انجاز الانتخابات على غرار تشكيله اول أمس الثلاثاء لهيئة دعم للمسار الانتخابي بقيادة وزيره لسياسات للاتصال “وليد بن عمار اللافي”.

تلك الهيئة تتكون من ممثلين لاهم الوزارات والمؤسسات وهدفها الدعم اللوجستي والمادي والمعنوي وتوفير الأجواء والتوعية بأهمية انجاز الاستحقاقات الانتخابية. كما بدا الدبيبة حريصا عبر توجيه رسائل في كل الاتجاهات لكل الأطراف سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية.

2- ثانيا، منذ مباشرته لمهامه على رأس حكومة الوحدة الوطنية قام الرجل بزيارات مكوكية لأنقرة والقاهرة والعاصمة الجزائرية وروما وباريس وأبو ظبي، وهي زيارات رتبت على معنى التوازن الإقليمي (تركيا/مصر، القاهرة/الجزائر، باريس /روما …)

وأيضا على البحث عن كل أنواع الدعم والتشاور والتواصل الثنائي بناء على فهم ان الإشكال في ليبيا ليس محليا فقط بقدر ما هو قائم على جدلية المحلي والاقليمي والدولي.

إن المؤثرات تتنامى وتتزايد في الاتجاهين أي من المحلي في اتجاه الدولي مرورا بالإقليمي ومن الدولي في اتجاه الإقليمي وصولا للمحلي.

3- ثالثا، رغم غياب العقل السياسي الذي يتماهى مع اللحظ التاريخية لدى النخب السياسية المتصارعة في لبيا منذ 2014 باعتبار ان فعلها السياسي لا يفرق بين التكتيكي والاستراتيجي، حرص الرجل منذ خطابه الأول على التعاطي بواقعية مع ملفات البلد الشائكة.

فتحدث يومها عن أولويات أربع (الخدمات الاجتماعية – التوافق – كورونا – الانتخابات في الموعد المحدد لها)، ولكن الواقع على الأرض كان غير الافتراضات النظرية في خطاب الاستلام في 9 مارس ولا أيضا عشية فوز قائمته في 5 فبراير.

فبعد مائة يوم ورغم التقدم في عدد من النقاط سالفة الذكر الا أن التحديات في تصاعد والعرقلة مستمرة محليا وفي كل المناطق ذلك ان التحشيد على الجبهات مستمر وعقلية المغالبة لا تزال طاغية والمجتمعين الإقليمي والدولي غير متفهمان وكل يبحث عن مغانم مرحلية تهمه ومصالح استراتيجية مرتقبة.

4- رابعا، رغم الارباك الذي دفع اليه البعض ورغم الارتباك الذي غلب على فعل حكومة الوحدة الوطنية فقد حاول الرجل طمأنة كل المدن والجهات والأطراف المتداخلة وطنيا في قضايا البلد الراهنة والمرحلية.

فقد حاول ان يكون باثّا للأمل مرسّخا عقلية التجاوز والعمل ولعل خطواته في اتجاه تنمية الجنوب وحل مشاكل أهله الحياتية وهي مشاكل مستعصية منذ عقود وتعقدت خلال السنوات الماضية وعمليا بدأت أولى الخطوات لتجاوزها وذلك عبر خطط تفعيل المناطق الحرة.

وبدأت الخطوات بتشجيع انخراط القطاع الخاص في عملية دعم المناطق الحرة في المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية تهدف إلى تشجيع المستثمر الأجنبي، خصوصاً أن مواقع تلك المناطق الحرة استراتيجية وتربطها بأكثر من مجال، لا سيما في العمق الأفريقي الذي يعد هدفاً استراتيجياً للكثير من العواصم الكبرى ذات الثقل الاقتصادي.

وعمليا يعتبر المتابعون أن البرامج الموضوعة ستحقق استقراراً لمناطق الجنوب من خلال تشجيع الشراكة بين القطاعين الخاص المحلي والأجنبي، خصوصاً في الجنوب المليء بالمواد الخام القابلة للتصنيع وتعدد الموارد الطبيعية، ويبدو أن هذا الاتجاه اجتذب مؤسسات الدولة، فقد عقدت المؤسسة الوطنية للنفط اجتماعات مكثفة مع منطقة “مريسة” الحرة لتبني مشروع ربطها بمنطقة الكفرة في الجنوب.

***

علي عبد اللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

____________

المغاربي للدراسات والمباحث

مواد ذات علاقة