علي عبداللطيف اللافي

وسط جدل بين أن يكُون سيف القذافيزعيما للمشروع أومجرد رافعة له ينعقد مساء اليوم الخميس 15 جويلية/يوليو الحالي بأحد نزل الضاحية الشمالية، لقاء/ندوة لعرض مشروع “ليبيا الغد” في نسخته الجديدة.

الجزء الأول

رغم غموض الدعوة المُوجهة للإعلاميين والمهتمين، فإن الثابت أن مشروع 2008 والذي مات سريريا بانطلاق ثورة 17 فبراير 2011 قد تم احيائه من جديد وها هو يُعاد للواجهة.

والثابت أن لقاء اليوم ليس الأول من نوعه، فقد سبق للمحامي “خالد لغويل” أن دعا للقاء سنة 2018 وآخر سنة 2020 كما تم عقد لقاءات أخرى معلنة وأخرى سرية وتم التكتم عليها لغايات غير معلومة.

كما أن بعض مُناصري “سيف” على غرار “الغويل” و”الرميح” وآخرين قد حضروا لقاءات وندوات صحفية وأيضا بعض حلقات نقاش وقد تمت في القاهرة مثل اطلاق قناة تلفزية قريبة من سيف وبرنامجه تحت مسمى “قناة لبيا الغد”.

البعض في ليبيا اليوم يعتقد أنه بناء على أن “التاريخ لا يعود للخلف وان تم ذلك ففي شكل مهزلة”، فان شخص “سيف القذافي” انتهى سياسيا ولا يُمكن له العودة للساحة وللواجهة وأن كل ما يفعله البعض هو أنهم يبنون استراتيجيا لحصول أنصار القذافي على كتلة برلمانية وازنة خدمة لعملية توازن وتوافق سياسي واجتماعي وبناء على تكيف مع تطورات مرتقبة إقليميا ودوليا.

تبقى صحة فرضية أن “بعض قوى دولية وإقليمية تسعى لإعادة “سيف ” لأعلى هرم السلطة في ليبيا…”، أمر قائما وحكاية مُتداولة حتى أن قائما بالأعمال لدى طرف دولي وازن قد طرح ذلك في أوج تمكن تيار فبراير سياسيا واجتماعيا وتحديدا في سنة 2012، كما أن البعض يعتقد انه سيتم اليوم قبل الغد تطويع الأحداث والرهانات والأمور في اتجاه تولية “سيف القذافي” السلطة في 2024 حتى أن البعض ذهب لحد التخمين انه سييتم التمديد لـ”عبدالحميد دبيبة” لمدة سنتين وأن كل ما يجري الآن ما هو الا مقدمة لذلك.

ومعلوم أن رئيس الحكومة الحالي هو مُناصر وداعم سابق لمشروع “ليبيا الغد” الذي بُعث سنة 2008 والذي ضم يومها سياسيين ليبيين موجودون اليوم في الواجهة على غرار زعامات وقيادات حزبية معروفة ( هناك اليوم 100 حزبا مقننا وفقا لتحيين 17 جوان/يونيو الماضي).

بناء على ما سبق وفي ظل تطورات الأحداث في ليبيا وفي الإقليم، يُمكن التساؤل هل أن مشروع ليبيا الغد قد عاد فعلا للواجهة بناء على تكامل رغبات سياسية واجتماعية في الداخل والخارج الليبي؟

أم بناء على ما يُعرف بلعبة الأمم المعقدة خاصة وان محافل دولية لها علاقة بذلك المشروع منذ عهد القذافي؟

مُعطيات أساسية لا يُمكن تغييبها حول “سيف” وحول مشروعه؟

في عهد “القذافي” لعب نجله الأكبر من زوجته الثانية “صفية فركاش البرعصي”، دورا رئيسيا في الحياة السياسية طيلة أكثر من خمس سنوات بل أنه اصطدم يومها مع القوى المحافظة في النظام وتوسّع مشروعه ليشمل بعض السياسيين من مشارب فكرية وسياسية مختلفة ونجح يومها في دفع النظام لخطوات وإجراءات ما يكن ليقوم بها تلقائيا – وهي في الواقع خطوات واجراءات عديدة كميا وكيفيا.

من بينها طبعا وكما هو معلوم اطلاق سجناء بعض المجموعات الجهادية، ولكن “سيف القذافي” والذي اختلطت في مسيرته مسمى وعقلية ابن الزعيم، والمتوثّب يومها لقلب سياسات واصطفاف النظام وان بهدوء وعبر آليات ناعمة، وهو أيضا الشاب البذخ الذي أقام علاقات ممتدة وبعضها خاص به على غرار علاقاته بنساء عديدات (العارضتين التركية والبريطانية وهذه الأخيرة هي من أصل اسرائيلي).

كما أقام في الواقع المشاريع التنموية في كل المناطق لكسب الأنصار والشباب والرافضين لنظام وسياساته الاجتماعية وتوصل فريقه لإقامة علاقات إقليمية ودولية بحثا عن مصالحات مع معارضين مقيمين في الغرب وبحثا عن غلق ملفات أرّقت أجهزة النظام ورجاله الرئيسيين.

وكل ذلك فتح على “سيف” مُواجهات عدة مع أركان النظام وأجهزته ومع أشقائه وخاصة مع “المعتصم” و”خميس” وأصبح لا مفر له إلا أن يكسب أو يخرج من المشهد بشكل مأسوي (حتى ان البعض أكد انه لو بقي النظام لأشهر أخرى فانه كان سيُغتال أو يُعدم).

ولكن حركة التاريخ إقليميا وفي ليبيا كانت لها انعطافة أخرى وفي اتجاه ثان وكانت نتيجتها في الأخير بأن رحل كل النظام عندما لم يستوعب الفاعلون الرئيسيين فيه طبيعة المتغيرات، ولم يقدر كنظام على التلاؤم مع ثورتي “تونس” و”مصر “ومُجريات وحقيقة الأحداث على حدوده الشرقية وعلى حدوده الغربية.

أثناء اعتداء وحرب قوات “حفتر” على جنوب العاصمة طرابلس أي في أبريل2019 وما بعده، تم ترويج رواية مفادها أن “سيف قد اجتمع بعشرات المقربين منه وأنه تم تزويدهم بمال ولوجستيك وأنه تم الاتفاق انه سيمسك بالسلطة ما بعد دخول قوات حفتر…”

ان كانت الرواية غريبة نوعا ما، فإنَّ الأغرب أن الذين يروونها سرا وفي الكواليس يؤكدون أنه تم الغاء الخطة في اللحظة صفر بل وقيل للمعنيين وفقا لنفس الرواية أن البرنامج أجل لخمس سنوات.

ومعلوم أيضا أنه تم تسريب معطيات مفادها أن “الفرنسيين وأطراف غربية بعينها قد اكتشفوا خطة مضمونها تصفية حفتر واهم المقربين منه بمجرد دخولهم المرتقب للعاصمة يومها ( نهاية الأسبوع الأول من أبريل 2019 كما هو مبرمج ومخطط له)”.

تحليلات عدة بعضها منشور وبعضها الآخر متداول في الكواليس، تُؤكد أن “سيف” هو ورقة الاماراتيين والفرنسيين والروس وما “حفتر” إلا مرحلة مؤقتة لإبراز “سيف” حتى أن البعض قد نقل مقوله تم تداولها على نطاق واسع نهاية سنة 2019 وبداية 2020 وتحديدا قبل مؤتمر “برلين1” حول علاقة الروس بحفتر “نحن نُلاعب حفتر ولكنه ليس لاعبُنا.

والثابت أن الروس قد توصلوا مع “سيف”سنتي 2015 و2016 عبر وسطاء وحتى أسابيع قبل اطلاق سراحه المتحدث عنه بداية من 17 جوان/يونيو 2017 .

قيل الكثير حول مصير “سيف”وهل هو سليم عقليا وهل هو معافى بدنيا؟

وهل هو في امارة العين او في بلد مغاربي؟

وهنا يؤكد البعض أنه لا يزال في الزنتان وتحديدا لدى كتيبة أبوبكر الصديق، ولكنه أيضا في وضع أفضل اجتماعيا واتصاليامما كان عليه قبل 2017.

والثابت أنه قابل والدته في نفس السنة، وأنه يُجري اليوم تواصلات عدة ويهنئ البعض بمناصبهم وبأفراحهم وأنه يتواصل مع الجميع وفي كل الاتجاهات وأنه ليس له أي خطوط حُمر في علاقاته السياسية والاجتماعية وخاصة منذ ربيع 2020 (باستثناء رفضه المطلق مستقبلا للتعاطي والتعامل مع الدكتور “علي الصلابي”، وربما يعود سبب ذلك الى مُلابسات الأحداث التي سبقت انطلاق أحداث ثورة 17 فبراير 2011).

والثابت أيضا أن لسيف مناكفات وتباينات مع رجال ورفاق والده وخاصة الأمنيين بالذات رغم أنه حتى الذين كانوا يُعادونه ويكرهونه منهم فان بعضهم يجلس ويتواصل معه اليوم ويعقد معه جلسات جدل وحوار وتخطيط ولكن بحذر ووفقا لحسابات بعينها-.

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة