عمر إبراهيم الحداد

عندما ينشب التنافس بين عدد من الأطراف على شيء يرونه بمثابة «الجائزة الكبرى»، مثال: رئاسة الدولة، يحتدم الصراع ويشتد، ويحرص الكل على إقصاء الكل للحيلولة دون ظفر أي منهم بها.

أحد الحلول في مثل هذه الحالة يكون بحجب الجائزة، وهو ما حدث فعلا في ليبيا طوال السنين التسع الأخيرة، بيد أن هذا لم يعد خيارا مقبولا لأسباب عديدة، ولأنه أيضا يؤجل الصراع ولا يفككه، والأفضل هو اللجوء إلى الحل الأمثل، لكن ذلك يتطلب توافر حالة نادرة من الرشد الجماعي.

لا بد من ملاحظة أن الليبيين لم يبد عليهم انزعاج كبير لاستمرار بلدهم من دون رئيس لنحو عقد كامل من الزمان.

ولا بد أيضا من ملاحظة أن الليبيين لا يبدون اعتراضات تذكر على الأشخاص الذين تأتي بهم عمليات الاقتراع على مختلف المستويات، بلدية كانت أو وطنية بل يظهرون استعدادا كبيرا لقبول حتى الأشخاص الذي يصعدون إلى صدارة المشهد بـ«الصدفة» ما دام جاؤوا عبر صندوق الاقتراع.

ومع ذلك، فإن آلية اختيار رأس الدولة تواجه دوما جدلا واسعا ينتهي إلى عدم تسليمها للانتخاب المباشر.

وفي غياب دستور حاكم وعقد اجتماعي فاعل وبعد سنين من الحروب الأهلية والانقسام العمودي والأفقي، يدرك الفاعلون في الصراع الليبي أن منصب الرئيس هو الجائزة الكبرى، الذي يحتدم حوله صراع خفي مؤجل، فمن يظفر به قد تتوافر له أدوات تمكنه من تشكيل مستقبل البلاد.

وفي وجود كل هذه المعطيات، لا مفر من إعطاء اعتبار للهواجس والمخاوف، حقيقية كانت أم متوهمة.

فالمنصب حساس جدا، وفعال جدا.

زد على ذلك ضخامة فرص الانحراف به عن مكتسبات إسقاط أربعة عقود من الدكتاتورية وحكم الفرد، خاصة في مجال حرية الرأي والتعبير وحرية التجمع السلمي وحقوق الإنسان.

وتجارب الانحراف بالديمقراطية وتمكين حكم الفرد والنظام الشمولي صارت ماثلة للعيان في عدد من بلدان العالم

ولا بد كذلك من تسجيل ملاحظة أن الليبيين غير راضين إلى حد كبير عن مخرجات العمليات الانتخابية التي شهدوها خلال السنوات الماضية.

وقد أدى ذلك إلى عزوف متزايد عن المشاركة في الانتخابات، منذ المشاركة الواسعة في انتخابات 7 يوليو 2012.

ليس من المتوقع أن ينتهي هذا العزوف عن المشاركة في انتخابات مقبلة تجرى في ظل تصحر المشهد السياسي المتمثل في غياب الأحزاب والمنابر السياسية.

فالاختيار بين المرشحين للمناصب لن يستند إلى التوجهات والأفكار والبرامج السياسية، بل تسيطر عليه حالة الاستقطاب الشديد على المستويات الفكرية والأيديولوجية والجهوية والإعلامية، ما يزيد من حيرة الناخب ويجنح به إلى العزوف، ما يزيد من احتمال تردي مخرجات الانتخابات المقبلة وضعف التفويض الشعبي للسلطة.

إن ما تحتاج إليه البلاد للخروج من أزمتها ومعاناة مواطنيها إلى بر الاستقرار هو تحييد الصراع على السلطة قدر الإمكان وفتح المجال أمام إدارة تنفيذية لبرامج اقتصادية وتنموية.

ولأن تأجيل وجود رأس الدولة لم يعد مقبولا وصار اختياره مطلبا من باب تجديد الشرعية، فإن الحل الأمثل يكون بحجب الجائزة الكبرى عن المتصارعين عليها، وقصر صراعهم (بل إشغالهم) بجوائز أدنى ومتكافئة، فينتقل الصراع بعيدا عن رأس الدولة إلى ما هو أقل خطورة على نظامها ووحدتها وأكثر فائدة لمواطنيها، وهما البرلمان والحكومة.

ما يجب الانتباه إليه هو أن النجاح في التوافق على آلية اختيار رأس الدولة، والنجاح في تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية وحتى قبول نتائجها، لا يضمن تفكيك الصراع الحقيقي الدائر في ليبيا.

الضمان هو في تحييد منصب رأس الدولة عن الصراعات السياسية (الأيديولوجية والمحاصصية) وتقليده من يمثل مظلة جامعة للأمة، يلم شعثها ويحفظ عقدها ويصون وحدتها؛

وهذا يتطلب حالة رشد جماعي لا تزال غائبة.
***
عمر إبراهيم الحداد ـ مدير المحتوى الإلكتروني، بوابة الوسط

____________

مواد ذات علاقة