وصف مركز أبحاث تركي، تغير مواقف بعض الدول الأوروبية من الحالة الليبية بأنه تغير لأجل المصلحة وسعي للحصول على قطعة من كعكة النفط والغاز وإعمار ما هدمته الحرب، محذرا من تلوّن بعض الدول.

الجزء الثاني

فرنسا

ويشير كل من الباحثين تيلجي وشفقاتلي إلى أن فرنسا كانت واحدة من الدول الأوروبية الأكثر تدخلا وفاعلية في العمليات السياسية في ليبيا، غير أنها زادت من حدة موقفها هذا في السنوات الأخيرة.

وبينما تسعى باريس لتحقيق أهداف اقتصادية وسياسية وعسكرية في ليبيا تتماشى ومصالحها الوطنية، فإن أهم عنصر في إستراتيجيتها الليبية تتمثل في خلق تصور عن نفسها كجهة أجنبية محايدة.

وتماشيا مع هذه الإستراتيجية، تحاول فرنسا كسب النفوذ بتولي دور الوسيط بين الأطراف الليبية، لتكون صاحبة كلمة في مستقبل ليبيا.

ويمكن القول بأن هذه إستراتيجية للتغطية على سياساتها التدخلية، إذ هي بهذه الطريقة، تحافظ على تأثيرها على العمليات السياسية في ليبيا دون أن تظهر بمظهر جهة فاعلة تدخلية.

المصالح المباشرة لفرنسا في ليبيا تشمل الأنشطة الاقتصادية والطاقة وصادرات التكنولوجيا العسكرية، وتراعي مصالح شركة توتالصاحبة استثمارات خليج سرت ومنطقة الهلال النفطي تحت سيطرة خليفة حفتر.

وهي تتعاطى مع ليبيا كمستعمرة سابقة تستورد منها نفطا رخيصا وآمنا عبر البحر الأبيض المتوسط، وفق رصد الباحثين، اللذين قالا: إن مصالح فرنسا في مجال الطاقة سبب دعمها السري لحفتر“.

ويعتبر وزير الدفاع آنذاك جان إيف لودريان العقل المدبر لدعم العمليات التي نفذها خليفة حفتر ضد ما زعموا بأنها جماعات إسلامية في شرق ليبيا بعد 2014.

ومع أن فرنسا أظهرت حيادا في موقفها تجاه حكومة الوفاق الوطني وحفتر بعد الاتفاق السياسي الليبي، إلا أن تحطم طائرة هليكوبتر في عام 2016 كشف عن سياسات فرنسا في ليبيا، بحسب المركز التركي.

وأوضح إذ اتبعت فرنسا سياسات مزدوجة باسم الدبلوماسية الفعالة، وشاركت في عمليات ضد حكومة الوفاق الوطني الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة“.

وبعد توليه منصبه في عام 2017، استضاف الرئيس إيمانويل ماكرون فايز السراج وخليفة حفتر في مدينة لاسيل سان كلو بالقرب من باريس، ليعلن بعدها عن التوصل لوقف إطلاق النار.

لكن ما حدث بعد ذلك كشف عن النوايا الحقيقية؛ إذ دعم ماكرون، الذي كان يتحدث عن حفتر كفاعل شرعي في كل فرصة، حفتر بالأسلحة وأوصلها له عبر مصر رغم حظر الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن.

وبالفعل، تم استخدام طائرات رافال الحربية التي باعتها فرنسا إلى مصر في العديد من العمليات الجوية بين أبريل 2019 ويونيو/حزيران 2020.

وقال المركز التركي: “لكن ومع تغير الفاعلين بعد منتدى الحوار السياسي الليبي، غيرت فرنسا في سياساتها الليبية وأظهرت دعمها للسلام الوطني والمصالحة من خلال إقامة علاقات وثيقة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي في طبرق، المنفي“. 

وفي هذا السياق، صرح الرئيس ماكرون خلال زيارة المنفي لفرنسا في 23 مارس/ آذار 2021، بأن عليه دينا لليبيا والليبيين، وأعرب عن دعمه لحكومة الوحدة الوطنية.

وشدد على ضرورة إخراج القوات التابعة لتركيا وروسيا من البلاد حتى تسير العملية كما هو مخطط لها.

كما وأعطت فرنسا، الضوء الأخضر لفتح قنصلية لها في بنغازي شرقي ليبيا، تماما مثل إيطاليا، بعد أن أعلنت في 29 مارس عن افتتاحها القنصلية الفرنسية في طرابلس بعد 7 سنوات.

وأثناء زيارته فرنسا، شدد دبيبة في البيان الصحفي المشترك الذي صدر عقب الاجتماع مع ماكرون على أهمية الجهود الدولية في الاعتراف بالشرعية السياسية لحكومة الوحدة الوطنية ودعم سيادة البلاد وإنهاء وجود القوى الأجنبية فيها.

وكان لقاء دبيبة مع اتحاد أرباب العمل الفرنسي وبعض الشركات الفرنسية من المعالم البارزة الأخرى في زيارته لفرنسا.

وحضر الاجتماعات وزراء الاقتصاد والصحة والنقل والنفط وكبار المدراء التنفيذيين في شركات دينوسوسانوفيوفينشيوتوتالالعملاقة للطاقة.

من ناحية أخرى، يمكن القول بأن فرنسا التي شاركت في مؤتمر برلين الثاني، كانت أحد المسؤولين الرئيسيين عن انتهاء المؤتمر دون إيجاد حلول ملزمة.

إذ جعلت من وجود تركيا المشروع في ليبيا موضوع النقاش الرئيس، بينما كانت المشاكل المهمة مثل أزمة الميزانية في مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية، والمناقشات الدستورية ومحاولات حفتر لعرقلة حكومة دبيبة تنتظر النقاش. بحسب ما يراه معدا البحث.

وأردفا: “مع أن قرار مؤتمر برلين بشأن معايير الترشح كان من شأنه أن يقلل الأصوات المؤيدة لحفتر منتدى الحوار السياسي الليبي ويمهد الطريق لاتباع خارطة طريق موازية لعملية المصالحة السياسية الليبية“.

وأضافا: “لقد عزز فشل القمم الدولية والمحلية المتتالية من قوة جانب حفتر، إذ أعلن الأخير إغلاق الحدود الجزائرية متذرعا بالهجوم الإرهابي في الجنوب“.

وبما أن هذا الإعلان جاء بعد إعلان فرنسا رغبتها في إنهاء عملية برخان في النيجر وتشاد ومالي، فإن هذا يعني بأن فرنسا ربما تعين وكلاء جدد في المنطقة من خلال دعم حفتر سرا، وفق رؤية المركز.

ويوضح: يمكن تفسير مثل هذا السيناريو على أنه استراتيجية حتمية ستدعم فيها فرنسا مرة أخرى خليفة حفتر وما يسمى بالجيش الوطني الليبي، في حال تعرقل العملية السياسية“.

ويرى أن ما يؤكد هذا، عدم إدانة جرائم الحرب التي ارتكبها حفتر وأنصاره في البلاد بعد مؤتمر برلين الأول، في المؤتمر الذي عقد في 23 يونيو/ حزيران 2021″.

على صعيد آخر، يعتقد المركز التركي أن فرنسا حافظت على موقفها المناهض من تركيا في السياسة الليبية منذ البداية.

وأنها منزعجة من علاقات أنقرة بالحكومة الشرعية في طرابلس، وتعتقد باريس أن هذا التحالف يعيق مصالحها، وهي لذلك تحاول منع دول الاتحاد الأوروبي أيضا من التعاون مع تركيا في ملف ليبيا“.

وفي معارضته لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، دعا ماكرون ليبيا للتوافق مع الاتحاد الأوروبي، والاعتراف بالحدود البحرية غير الموافقة للقانون الدولي مع اليونان وقبرص اليونانية.

اليونان

ويعتبر الباحثان تيلجي وشفقاتلي أن سياسات اليونان تجاه ليبيا تشكلت بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

وكانعكاس لتنافسها مع تركيا على شرق البحر المتوسط، دعمت اليونان حفتر بعد الاتفاق مع حكومة الوفاق الوطني، وأبدت استعدادها للانضمام لجميع التحالفات السياسية والاقتصادية المعادية لتركيا لعرقلة مكاسبها.

وتماشيا مع هذه السياسات، تم طرد محمد المنفي، سفير ليبيا في أثينا آنذاك، ودعي رئيس المجلس الرئاسي ومقره طبرق إلى أثينا في ديسمبر/ كانون الأول 2019.

وجاء في التصريحات بعد المفاوضات، أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني الشرعية ليست اتفاقية شرعية

ليوقع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد ذلك على مسودة اتفاقية خط أنابيب الغاز الطبيعي إيستميدفي 2 يناير/ كانون الثاني 2020، مع نظيره القبرصي اليوناني والإسرائيلي.

بجانب هذا، فإن عملية إيريني، التي نفذها الاتحاد الأوروبي لمراقبة حظر الأسلحة المفروض من قبل الأمم المتحدة تبرز في سياق معارضة تركيا، إذ يسهل تتبع وتفتيش شحنات الأسلحة عبر البحر، الأمر على حفتر الذي يتلقى الدعم بالبر والجو.

كما وأن استهداف المساعدات التي تقدمها تركيا إلى حكومة الوفاق الوطني الشرعية يحفز اليونان إلى المشاركة بنشاط في هذه العمليات.

ويرى الباحثان أن جهود اليونان واضحة في إعادة تمديد مدة عملية إيريني التي انتهت في 31 مارس/آذار 2021″.

ومع أن اليونان بنت سياساتها في ليبيا على معارضة تركيا، إلا أنها أظهرت رغبتها في فتح صفحة جديدة مع الجهات الفاعلة الجديدة، وترك قضايا الخلاف جانبا، وسرعت اتصالاتها الدبلوماسية مع ليبيا، وفق المركز.

وأوضح أنه في 6 أبريل/ نيسان 2021، قام رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس بزيارة ليبيا والتقى رئيس الوزراء دبيبة ثم بمحمد المنفي، الذي تم طرده عندما كان سفيرا في أثينا“.

ميتسوتاكيس، الذي افتتح القنصلية اليونانية في طرابلس خلال زيارته، أكد أنهم ضد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا وأنه ينبغي إلغاؤها.

وعلى غرار فرنسا، شدد ميتسوتاكيس على أن إخراج القوات الأجنبية من البلاد عنصر أساسي لإحراز تقدم في العلاقات بين ليبيا والاتحاد الأوروبي.

من ناحية أخرى، أكد دبيبة أن ليبيا منفتحة على جميع أنواع الاتفاقيات مع مراعاة المصالح الوطنية لكل من اليونان وتركيا.

فيما تظهر لقاءات دندياس التي قام بها في بنغازي، إلى أن أثينا لا تزال تحتفظ بالبدائل الحالية على الطاولة، وأنها لم تتخل عن سياساتها السابقة التي تضر باستقرار ليبيا.

أخيرا، تتمثل الأولوية الرئيسة لليونان في إبعاد حكومة دبيبة عن تركيا باستخدام تأثيرها المحدود في شرق البحر المتوسط، وفق رؤية المركز التركي.

 وتابع: بينما تحاول اليونان تشويه صورة تركيا الموثوقة في ليبيا، ترى اليونان أن تشكيل حكومة موالية لتركيا في ليبيا، يشكل تهديدا خطيرا على مصالحها الاقتصادية في شرق المتوسط“.

____________

مواد ذات علاقة