سهاد حسن

قضت الدائرة الأولى إرهاب، في محكمة الجنايات، المنعقدة في طرة، برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، بإعدام ثلاثة متهمين في القضية المعروفة إعلامياً بـالتخابر مع داعش ليبيا“.

وشملت تلك الجرائم، اختطاف مواطنين مصريين وتعذيبهم بدنياً، للحصول من ذويهم على أموال، كفدية لإطلاق سراحهم، والاتّجار بالبشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى ارتكابهم جرائم مثل إمداد الجماعة بالأموال، والمعلومات.

وباشرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية تحقيقاتها، في ما أسفرت عنه تحريات هيئة الأمن القومي من اضطلاع المتهم الأول محمد رجب عبد الواحد حسن (مصري الجنسية)، بالعمل في مجال الهجرة غير الشرعية، بالاتفاق مع بعض العناصر البدوية القائمة على تسلل المهاجرين غير الشرعيين، عبر الحدود الغربية للبلاد، إلى دولة ليبيا، وتخابره مع عناصر تنظيم داعش الإرهابي، وقائد كتائب قوة الردع، والمتهمون الليبيون هم (عماد أحمد عبد السلام الورفلي، ومفتاح أحمد عبد السلام الورفلي، وعياد أحمد عبد السلام الورفلي، ومروان الغريب)، لإمدادهم بالمعلومات من داخل البلاد، في شأن المصريين المسافرين، والمقيمين، في ليبيا.

وكشفت تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، من خلال اعتراف المتهم محمد رجب عبد الواحد حسن، والتسجيلات الصوتية المأذون بها، وشهادة المجني عليهم، وذويهم، عن تردد المذكور على دولة ليبيا للعمل فيها، وارتباطه عقب اندلاع الأحداث الليبية، بالمتهمين الليبيين، العناصر في تنظيم داعش الإرهابي، واتفاقه معهم على اختطاف أحد المواطنين المصريين، للحصول على فدية مالية كبيرة، فضلاً عن تمكنه، بالاتفاق معهم، من خطف 14 مصرياً آخرين، في بداية العام 2017، وقيام أعضاء التنظيم بتعذيبهم، وتهديد ذويهم بقتلهم، لإرغامهم على دفع الفدية.

وقد نجم عن تلك الأعمال الإرهابية، وفاة المجني عليه محمد جاد حامد الشربيني. وتولى المتهم رجب، بمعاونة متهمين آخرين، استلام الأموال من ذوي المخطوفين، ونقلها إلى أعضاء الجماعة، إذ سلموا أعضاءها قرابة الثلاثة ملايين جنيه مصري، أي ما يعادل 191 ألف دولار تقريباً.

مات من التعذيب

لم يعلم محمد جاد (62 عاماً)، من محافظة دمياط في دلتا مصر، ويعمل نقّاشاً، أن رحلته إلى دولة ليبيا التي دخلها بطريقة غير شرعية، ستكون محفوفة بالمخاطر. خرج وبرفقته عدد من أبناء محافظته، سعياً وراء الرزق، ودفع كل واحد منهم خمسة آلاف جنيه للسمسار، ظناً منهم أن رحلتهم ستكون سعيدة، وسيحصلون على المال اللازم، ليعيشوا وأسرهم حياة رغيدة، ولم يعلموا أنهم سيقعون لا محالة في أيدي عصابة اختطفتهم، وأذاقتهم صنوف العذاب كلها، من ضرب، وإطفاء سجائر في أجسادهم الهزيلة.

ظلت معاناتهم مستمرة، طوال خمسة أشهر، باعت خلالها أسرهم الغالي والنفيس، من أراضٍ وخلافها، ليدبروا مبلغ الفدية للعصابة التي اختطفت ذويهم، وخيّرتهم بين الدفع والقتل. وقد مات المصري محمد جاد بعد وصلة تعذيب على يد عصابة داعش، ليُدفن في صحراء ليبيا، بينما يحاكَم أعضاء الجماعة أمام القضاء المصري، فيما عاد رفاق جاد الـ13، وكلهم من محافظات دمياط الوجه البحري، وصعيد مصر، بعد أن دفع ذووهم نحو ثلاثة ملايين جنيه، للسمسار المصري، أحد أعضاء داعش، ووصل رفاق جاد وأجسادهم منهكة من التعذيب، و الألم، والجوع، والحسرة التي غطت وجوههم.

يروي وئام محمد جاد، تفاصيل مقتل والده، على أيدي أفراد داعش، في ليبيا، إبان عام 2017، لرصيف22، قائلاً: سافر والدي برفقة عدد من أبناء بلدتنا في محافظة دمياط، إلى دولة ليبيا، بصورة غير شرعية، مقابل خمسة آلاف جنيه، أي ما يعادل 318 دولاراً للفرد. وأضاف: اعتاد والدي السفر للعمل في دولتي ليبيا والإمارات العربية المتحدة، في الفترة الممتدة من 2002 حتى 2017.

ولكن، قبل واقعة الخطف بثلاثة أيام فقط، كان قد سافر للعمل هناك، ولم يكن يتخيل أنه سيقع في يد عصابات داعش، التي اختطفته ومن معه من أبناء دمياط، بالإضافة إلى تسعة من أبناء الصعيد، وظلوا محتجزين خمسة أشهر، ذاقوا خلالها أنواع العذاب كافة، من خلع ملابسهم، وضربهم بالكرابيج والسلاسل، وسكب مياه باردة في فصل الشتاء عليهم، وحرمانهم من الطعام فترات طويلة، فضلاً عن تسييح مواد بلاستيكية على أجسادهم. وكانوا قد اختطفوهم من طبرق، واحتجزوهم في بني وليد، وذلك لدفع مبلغ 120 ألف جنيه مصري فدية، عن كل فرد منهم.

وتابع وئام: اضطررت حينذاك إلى بيع قطعة أرض نمتلكها، وأشياء أخرى، بعد أن تواصلت معي العصابة، وأرسلت صوراً لتعذيب والدي العجوز، لتدبير المبلغ. لكن للأسف، مات والدي نتيجة التعذيب المبرح الذي ذاقه، لأشهر، لتقوم العصابة بدفنه في الصحراء، خاصةً بعد أن علموا بإبلاغي الأجهزة الأمنية في مصر، والقبض على أعوانهم المصريين، بعد أن قمت بدفع مبلغ 32 ألف جنيه، أي ما يعادل 2،037 دولاراً، ليقوموا بإخلاء سبيل بقية المصريين المختطفين، ولتتحول رحلة والدي سعياً وراء رزقه، إلى رحلة لتعذيبه، وقتله، ودفنه في الصحراء، بعيداً عن ذويه.

***

سهاد حسن ـ صحافية مصرية عملت في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، وتهتم بالتحقيقات والقصص الإنسانية والصحافة العلمية.

___________

مواد ذات علاقة