د. عمر زرموح

انتخب الشعب الليبي في سنة 2012 “المؤتمر الوطني العام” للقيام باستحقاقات معينة أهمها طرح مشروع الدستور للاستفتاء إلا أنه لم يوفق في ذلك بحجة أن هيئة صياغة الدستور هيئة مستقلة وهي التي عطلت إنجاز هذا الاستحقاق.

الحاجة الملحة للتغيير

بعد مظاهرات “لا للتمديد” انتخب الشعب في سنة 2014 “مجلس النواب” لمدة سنة غير قابلة للتمديد إلا باستفتاء، وكان المفترض أن ينجز في فترة قصيرة مهمة طرح مشروع الدستور على الاستفتاء التي لم يوفق فيها المؤتمر إلا أن ما حصل هو أن مجلس النواب هو الآخر لم يوفق.

الأسوأ من ذلك هو أن مجلس النواب تجاوز النص الدستوري “بعدم التمديد إلا باستفتاء” بل تجاوز أيضاً حكم المحكمة العليا في نوفمبر 2014 ولم يعترف بالاتفاق السياسي الذي وقع عليه ممثلوه في ديسمبر 2015 فتجاهل أهم مؤسسات هذا الاتفاق (المجلس الأعلى للدولة) وفرض نفسه كأمر واقع لمدة 7 سنوات (حتى الآن) ضارباً بعرض الحائط مبدأ التداول السلمي على السلطة، وأدخل البلد، خلال هذه الفترة، في عدة حروب في عدة مدن كان آخرها الهجوم على مدينة طرابلس بتاريخ 4/4/2019 كما اختلق انقسام المؤسسات وافتعل أزمة اقتصادية حادة أدت في النهاية إلى انهيار قيمة الدينار بنسبة 70% كما لم يعتمد أي ميزانية طيلة السنوات (2016-2020) ولازالت ميزانية 2021 تنتظر رغم مضي ثلثي السنة المالية حتى الآن.

وفي تقديري، لو يحثنا ما هي الإنجازات التي حققتها السلطة التشريعية بكل أشكالها (مؤتمر، أعلى للدولة، نواب) لما وجدنا إنجازاً واحداً يستحق الإشادة به.

هذه الصورة الحزينة أكثر من كافية لإثبات الحاجة الملحة لتغيير السلطة التشريعية، وكيانها الاستشاري وهو المجلس الأعلى للدولة (وريث المؤتمر الوطني العام). أما السلطة التنفيذية فهي قد تعينت هذه السنة والوقت مازال مبكراً لتقييمها.

القاعدة الدستورية لانتخابات 24 ديسمبر

لا شك في أن القاعدة الدستورية تعد ضرورة لابد منها لإجراء أي انتخابات، ولكن هل توجد لدينا حالياً قاعدة دستورية أم لا توجد ويجب علينا أن نصنعها؟.

الإجابة عن السؤال في منتهى الوضوح، وهي أن القاعدة الدستورية موجودة منذ 03/08/2011 المتمثلة في الإعلان الدستوري وتعديلاته بما في ذلك التعديل السابع الذي أبطلت المحكمة العليا منه الفقرة 11 فقط ولم تبطله كله. لذلك لا يوجد أي مبرر للبحث عن قاعدة دستورية جديدة.

وإذا كان البعض غير مقتنع بالإعلان، فعليه ألا يقتنع بكل من انتخب على أساسه وهم (المؤتمر الذي أصبح مجلس الدولة، هيئة صياغة الدستور، مجلس النواب) إلا أن الإنكار لا يصلح إلا لإرباك المشهد السياسي وتعقيده.

ولقد رأينا من واقع التجربة أن محاولة وضع قاعدة دستورية جديدة لم تكن سوى محاولة لتفصيل نصوص دستورية على مقاس شخص معين الأمر الذي يؤكد حقيقة أن القاعدة الدستورية لن تكون إلا الإعلان الدستوري، ودون حاجة لأي تعديل.

هناك من ينادي بالاستفتاء على مشروع الدستور الذي انتهت من صياغته هيئة الدستور وعرقل طرحه للاستفتاء مجلس النواب.

وفي اعتقادي أن هذا كان جيداً لو اتخذت خطوات جادة من قبل مجلس النواب، ودون وضع أي نوع من القيود على الشعب الليبي ليقول كلمته بحرية ونزاهة، لكن مجلس النواب أبى إلا أن يصادر حق الشعب في قول كلمته، فمن يحكم في هذا المجلس الذي لا يلتزم بأي قواعد قانونية؟!.

إن الدستور قابل للتعديل بشروط وضوابط ينص عليها الدستور نفسه أي أنه قابل لتعديل بآليه من داخله. ولذلك قد يكون من الأوفق أن نطرح كل مخاوفنا ونترك للشعب ليقول كلمته دون وصاية من أحد.

ونظراً لهذا التأخير وهذه العرقلة أمام طرح مشروع الدستور على الاستفتاء، رأى البعض العودة للدستور الأصلي (دستور 51 المعدل سنة 63) والبعض يرى العودة لدستور 51 دون تعديل، والبعض يؤيد النظام الملكي والبعض يقول أهم شيء هو العودة للشرعية الدستورية بصرف النظر عن شكل النظام. وهكذا تتعدد الآراء في تغييب كامل للشعب.

لذلك ففي تقديري إن الحاجة أكثر من ملحة وضرورية لإحداث تغيير في السلطة التشريعية، وأن يكون التغيير وفقاً للقاعدة الدستورية الجاهزة حالياً وهي الإعلان الدستوري وتعديلاته (عدا الفقرة 11 من التعديل السابع) دون حاجة لأي تعديل آخر.

انتخابات تشريعية أم انتخابات رئاسية أم هما معاً؟

حتمية التغيير التي أشرت إليها آنفاً تتمثل في حتمية تغيير السلطة التشريعية بشقيها (مجلس النواب، ومجلس الدولة) وفي إطار القاعدة الدستورية الجاهزة الآن دون حاجة لإضاعة الوقت في البحث عن قاعدة دستورية ليست ناجمة عن استفتاء شعبي.

أما الانتخابات الرئاسية فهي غير منطقية في الوقت الحالي إذ لا يوجد دستور مستفتى عنه من الشعب يحدد نظام الحكم في الدولة، فمن قال أن الدولة ستكون جمهورية حتى نتحدث عن انتخاب رئيس؟ أليس النظام الملكي مطروحاً هو الآخر؟ إن رفض الانتخابات الرئاسية يعني أيضاً رفضها منفردة أو مع التشريعية.

هل نقبل استمرار المراحل الانتقالية؟

إذا أردنا المفاضلة بين استمرار المراحل الانتقالية بشخوصها الحاليين الرافضين لمبدأ التداول السلمي على السلطة (إلا ربما القليل منهم) واستمرار المراحل الانتقالية بشخوص جديدة يختارهم الشعب مستفيداً من تجاربه السابقة في الانتخابات، فلا شكل أن استمرار المراحل الانتقالية بشخوص جديدة أفضل لأنه يخدم هدف التداول السلمي على السلطة، كما يخدم إدخال دماء جديدة والتخلص ممن ثبت فشلهم على مستوى الأداء الفردي.

إن الانتخابات التشريعية الجديدة لا تعني منع أعضاء مجلسي النواب والدولة الحاليين من الترشح ثانية لمن أراد منهم ولمن سيكون واثقاً من أدائه السابق.

أعتقد أن هذا هو الاختيار العملي المتاح الآن أمام الفترة الزمنية القصيرة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات في 24 ديسمبر (وهي 115 يوم).

أما إذا أمكن المفاضلة بين الاستمرار في المراحل الانتقالية والولوج في المرحلة الدائمة فلا شك أن المرحلة الدائمة هي الأولى، لكن المعطيات الحالية لا تبدو أنها ستجعلها ممكنة. من جهة أخرى، فإن عدم القدرة على الدخول للمرحلة الدائمة لا يبرر إطلاقاً استمرار نفس الأشخاص الحاليين دون اختبار رأي الشعب في كل منهم.

كيف يمكن ضمان عدم تغول مجلس النواب

لقد رأينا مجلس النواب كيف اغتصب السلطة وأذاق الويلات للشعب الذي انتخبه وكأنه يتمثل بما يعرف بجزاء سنمار. والسؤال كيف يمكن تجنب تكرار المشهد؟

حيث لا يوجد نص دستوري يحكم هذه النقطة، فقد أقترح أن يوقع كل مترشح على تعهد بالعمل أقصى جهده على إنجاز الاستحقاق الدستوري بعرض مشروع الدستور للاستفتاء دون أي عراقيل والتعهد بتسليم السلطة فور انتخاب جسم بديل. ومع ذلك لازالت آليات التداول السلمي على السلطة ضعيفة.

أثر تأخر انتخابات 24 ديسمبر على الاقتصاد

إن نجاح أداء الاقتصاد يتطلب تهيئة مناخ العمل والاستثمار والتجارة والأسواق بحيث تعمل كلها كمنظومة واحدة وبأقصى كفاءة ممكنة. وهذا لا يمن أن يتحقق في الظروف القائمة حالياً التي من أهم معالمها التي يعرفها الجميع خلال المرحلة السابقة:

تعدد إيقاف إنتاج وتصدير النفط، عدم اعتماد الميزانيات، تدهور قيمة الدينار، الحروب أو التهديد بها، ومن ثم استمرار التوتر وعدم الاستقرار.

لذلك ففي تقديري إن تأجيل الانتخابات (التشريعية) تعني التصديق على استمرار المناخ الاقتصادي الفوضوي غير المحابي للتنمية بل ولأي نمو اقتصادي ناجح.

***

ا.د. عمر زرموح ـ خبير اقتصادي واستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة

____________

مواد ذات علاقة