سلمان الراشدي

مع اقتراب موعد الانتخابات الليبية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، تتلقى “الساحة السياسية” ضربات محلية ودولية، وتتأرجح بين طرف عالمي يرغب في الخلاص من “ورم خبيث”، وآخر محلي يخاف من “عملية قيصرية” مشوهة.

وتهدد الخلافات بشأن “القاعدة الدستورية” (بنود قانونية تنظم إجراءها)، ومنها الأساس القانوني للتصويت وأهلية بعض الشخصيات للترشح أملا في الوصول إلى “اليوم المنتظر” للعملية الانتخابية الرئاسية، حيث يشهد مضمارها تحركات وتطورات تقلب الموازين والتوقعات كل لحظة وحين في ملف “عصيّ على الحل”.

وبين ترشح نجل الزعيم الراحل، سيف الإسلام القذافي وقبول ملفه مع رفضه بعدها، وكذلك ترشح الجنرال الانقلابي خليفة حفتر رغم الدعوات لمحاكمته، واستقالة “مفاجئة” للمبعوث الأممي يان كوبيش، واقتراح المجلس الأعلى للدولة الليبي التأجيل، يعود السؤال الأبرز إلى الأفق وهو: هل تجرى العملية الانتخابية؟ 

صورة ضبابية

ووسط التهديدات والاستقالات والمطالبة بالتأجيل، قال الخبير في الشأن الليبي، أبو بكر البغدادي، إن “الصورة حتى الآن تبدو ضبابية، كل المعطيات تقول باستحالة نجاح الانتخابات بمعاييرها الدولية في ظرف ليبيا الحالي”.

وأشار في حديث لـ”الاستقلال” إلى أن “رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة لا يستطيع الوصول إلى بعض أنحاء البلاد، وأرتال مرتزقة فاغنر الروسية تجوب الجنوب دون أن يردعها أحد، وتسيطر على مساحات واسعة من البلاد من الجنوب إلى الشمال، خاصة في سرت والجفرة وقاعدة براك الشاطئ”.

وتابع البغدادي: “من نافلة القول أن المرشحين للرئاسة لا يستطيعون التجوال في البلاد لتقديم أنفسهم للناخبين وعرض برامجهم، ثم الخلافات على القاعدة الدستورية، وحول فهم الأطراف المتنازعة وتفسيراتها المختلفة لمخرجات ملتقى جنيف (عقد في يوليو/تموز 2021)، وتأكيد المفوضية على عدم تزامن الانتخابات الرئاسية مع البرلمانية”.

وخلص إلى أن “كل هذه الأمور تجعل الانتخابات على المحك، ولعل آخر تصريحات الدول الكبرى (لم يذكرها) التي ضغطت لإنجاز الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 قد تراجعت أخيرا”.

وبين أن “آخر المؤشرات حول صعوبة الموقف تتمثل في استقالة المبعوث الأممي ورئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، يان كوبيتش في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021”.

من جانبها، رجحت عضو هيئة مشروع الدستور الليبي، نادية عمران، أن “ترضخ مفوضية الانتخابات وكذلك البعثة الأممية للضغوط الحالية، ومن ثم تأجيل العملية الانتخابية لشهور أو لأجل غير مسمى”.

وقالت لموقع “عربي 21” في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إنه “رغم التصريحات والتأكيدات الدولية، فإن مفوضية الانتخابات والبعثة الأممية سترضخان، فإما أن يتم تأجيل الانتخابات حتى يتم التوافق، أو إلغاء الأمر برمته وترك الصراعات والمناكفات”.

واعتبرت عمران أن “الصراع والمناكفات الآن من قبل الجميع، ليس هدفها الوطن، بل البقاء في المشهد فقط، والحقيقة كل ذلك كان متوقعا ومبيتا للوصول لهذا الواقع الموجود، ورغم التصريحات المؤيدة للانتخابات، لكن في واقع الأمر لا أحد يريدها”.

“مشروع ديكتاتورية”

وقبل فتح المفوضية باب الترشح للرئاسيات في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 وحتى بعد انتهاء الفترة القانونية للتقديم في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ظلت أصوات ليبية تنادي بتأجيل الانتخابات، وفي مقدمتهم رئيس “المجلس الأعلى للدولة”، خالد المشري.

وعبر مقطع مصور بثته صفحة المجلس على موقع “فيسبوك” في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حذر المشري من “خطر عظيم وكبير” في حال إجراء الانتخابات بقوانين “مطعون فيها” أمام المحكمة الدستورية.

وقال إن “الخطر القادم على الوطن عظيم وكبير في أن تجرى انتخابات بقوانين مطعون فيها أمام الدائرة (المحكمة) الدستورية”، متهما بعثة الأمم المتحدة بـ”محاولة تمرير قوانين معيبة” تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن المشري في بيان، عدم الترشح أو المشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مشيرا إلى تقديم مقترح بتأجيلها إلى 15 فبراير/شباط 2022.

من جانبه، اعتبر ملتقى لأعضاء من مجلسي “الأعلى للدولة” و”النواب”، أن إجراء الانتخابات الرئاسية بدون قاعدة دستورية “مشروع ديكتاتورية مهما كانت نتائجه”.

الملتقى الذي ضم أيضا عمداء بلديات وممثلين عن مؤسسات مجتمع مدني، بالعاصمة طرابلس في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، شدد على أن “الانتخابات يجب أن تكون على قاعدة دستورية وفق ما نصت عليها خارطة الطريق والتعامل معها وتطبيقها كحزمة واحدة”.

وعن إصرار المشري في التحذير من إجراء انتخابات بقوانين “معيبة”، قال البغدادي إن “رئيس المجلس الأعلى للدولة يعبر عن طيف واسع من الشارع الليبي، وعن طيفه السياسي الذي ينتمي إليه”.

وبين أنه “يعبر عن الجسم الذي يتولى رئاسته وهو المجلس الأعلى الذي كان من المفترض أن يشارك في صياغة القاعدة الدستورية للانتخابات وفق الاتفاق السياسي في جنيف”.

وأوضح أن “تخطي مجلس النواب لهذا الشرط (صياغة القوانين باتفاق مشترك) واستفراده بإصدار قانون الانتخابات، جعل المشري يهاجم القانون بشدة، ويمضي إلى إصدار قانون عن مجلسه. هو بالتأكيد يتضارب في نصوصه مع قانون مجلس النواب الذي لم يحصل على الأغلبية لتمريره”.

واستطرد قائلا: “إلا أن رئيس البرلمان (عقيلة صالح) وبعض الموالين له أصدروا القانون بالمخالفة، مستغلين غياب المحكمة الدستورية للطعن أمامها في صحته”.

وفي 9 سبتمبر/أيلول 2021، أقرّ صالح، قانون “انتخابات الرئيس” دون عرضه على تصويت النواب، أو استشارة مجلس الدولة، مما أثار رفضا من الأخير ومن عدد من النواب.

وأكد البغدادي أن “إجراء الانتخابات بدون قاعدة دستورية، ستكون وبالا على ليبيا، وستعيدها إلى المربع الأول، حيث كانت هناك نصوص دستورية مختلف حول تفسيرها، فما بالك بغياب هذه النصوص تماما؟”

قعقعة السلاح

وتباينت آراء المواطنين الليبيين بشأن إجراء الاستحقاقات في وقتها، وظهر ذلك جليا في استطلاع رأي لقناة “ليبيا الأحرار” (خاصة)، بين راغب في إلغاء الانتخابات بسبب الاعتراضات التي حصلت على بعض المرشحين، وآمل في انعقادها بموعدها لـ”وضع حد لهذا الكابوس والصراع” المتواصل يوميا بين الأطراف.

من جهته، شدد البغدادي على أن “التريث في إجراء الانتخابات الرئاسية مهم، فإذا كان الهدف هو الوصول إلى الاستقرار، وإنهاء الانقسام، فالانتخابات بقوانين المغالبة هذه ستعمق الانقسام، وستعيدنا إلى قعقعة السلاح”.

وتابع: “لا شيء يضمن نزاهتها، ولا إجراءها بطريقة صحيحة، ولا قوانين متوافقا عليها، ولا رغبة لأحد في قبول الخسارة، وذلك واضح من تعليقات أقوى المرشحين، التي كانت تضمنت أنهم لن يقبلوا بالنتائج إلا إذا جرت انتخابات نزيهة..”.

ولفت البغدادي إلى أن “من يتابع المشهد الليبي اليوم على مواقع التواصل، يرى أن الحديث عن التزوير طاغ، وهناك من وصل إلى يقين بأن شراء البطاقات قد جرى فعلا، فنحن أمام منعطف سيتعمق فيه الانقسام، وسنعود إلى مرحلة السلاح حتما”.

رئيس البرلمان الليبي السابق، نوري أبوسهمين، قال إن “كل المؤشرات تنبئ إلى أننا نحضر إلى شيء هزلي جدا، يكفي أن تفصل القوانين على مجرمين وسفاكين دماء في هذا البلد”، لافتا إلى أن “الأرضية فرشت لترشيح مجرمين أوغلوا في الدماء والفساد ومطلوبين للعدالة”.

وأضاف في حديث مع قناة “الجزيرة مباشر” القطرية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أن “المشهد السياسي في الدولة جرت تهيئته لصراعات إقليمية حيث أصبحت تتداعى الدول على ليبيا وباتوا يؤسسون لمرحلة خطيرة تؤدي إلى انقسام خطير”.

وأشار أبو سهمين إلى أن “الدول الخمس العظمى تدخلت في ليبيا خلال عدة مراحل، وكان تدخلها سلبيا في أغلب المراحل”.

وقال إن هناك دولا -لم يسمها- دعمت “من قتل الأبرياء، وأعد خطة للدخول إلى طرابلس”، في إشارة إلى هجوم عسكري فاشل شنته مليشيات حفتر، على طرابلس، في 4 أبريل/نيسان 2019.

ويتهم كثيرون في غرب ليبيا، حفتر بارتكاب “جرائم حرب” خلال هجومه الذي استمر 14 شهرا على طرابلس، وقتل مليشياته 26 طالبا في قصف جوي استهدف الكلية العسكرية بالعاصمة في يناير/كانون الثاني 2020.

مرحلة مفصلية

ونشر الباحث في معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، بن فيشمان، مقالا عبر مجلة “ناشونال إنترست” في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حذر فيه من انعقاد الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر//كانون الأول 2021.

وقال إن “رفض المفوضية العليا للانتخابات ترشيح سيف الإسلام، يدفع أنصار النظام السابق لمقاطعة الانتخابات، أو استخدام العنف وتخريبها، ونفس الدينامية ستحدث لو رفض أو قبل ترشيح أمير الحرب في منطقة الشرق، حفتر، ومن الحكمة أن يتم تأجيل الانتخابات لفترة معينة حتى تحل جميع المشاكل، نظرا لمناخ الاستقطاب العالي”.

وذكر بن فيشمان أن “هناك ثلاثة أسئلة مهمة يجب على الليبيين التوافق عليها، أي المؤسسات التي يجب انتخابها؟ وبأي تسلسل؟ ومن سيسمح له بالترشح؟”

وأشار إلى أن “ممثل الأمم المتحدة وافق على قانون عقيلة صالح، دون أن يناقش محتوياته مع بقية المكونات السياسية الليبية المؤثرة، وبخاصة من الغرب (طرابلس)”.

ولفت بن فيشمان إلى أن “الغائب في المعادلة هنا هو دستور متفق عليه، ويدعو قانون الانتخابات الحالي إلى نظام رئاسي ببرلمان ضعيف، وسيتمتع الرئيس بالسلطات التنفيذية، وسيعين الحكومة، ويتولى قيادة الجيش”.

من جانبه، لخص الخبير الليبي، البغدادي، المعيقات الأساسية التي تحول دون إجراء انتخابات “سليمة” في عدة نقاط.

أولها أن “القانون معيب، سواء في صياغته أو في إصداره، أو في الجهة التي يجب أن تصدره، والثاني أن رقعة جغرافية واسعة من البلاد خارج سيطرة الحكومة، بل وخارج سيطرة المتمردين على الحكومة، فهي محتلة فعليا من مرتزقة فاغنر”.

المعيق الثالث، صعوبة مراقبة الانتخابات وتأمينها من قبل السلطة التنفيذية، “التي نعلم جميعا أنها لا تبسط سيطرتها على المنطقة الشرقية ولا الجنوبية”.

وتابع أن “هناك معيقات أخرى غير ظاهرة، كالتداخل الدولي في المشهد الليبي، والذي سيحاول توجيه الانتخابات باتجاه فوز مرشحيه، أو إفشالها في حال عجز عن ذلك”.

وعن تداعيات فشل إجرائها في موعدها، قال البغدادي إن “المرحلة مفصلية، والبلاد اليوم على شفا حرب جديدة، قد تؤدي إلى تقسيم ليبيا، سواء جرت الانتخابات أم أجلت بحكم الأمر الواقع”.

وأكد أن “ليبيا اليوم تمر بمرحلة صعبة، وأسوأ ما فيها أن أغلب أوراق اللعبة إن لم نقل كلها في الخارج، والدول المتصارعة على الأرض الليبية قد لا يضيرها كثيرا انقسام البلد إلى دولتين أو دويلات، ولن نعول على الشارع الليبي، فهو يعاني من استقطاب حاد، وسيكون من الصعب عليه التأثير في هذه المرحلة”.

وختم البغدادي حديثه لـ”الاستقلال” بالقول: “باختصار إذا لم تتوافق الدول الكبرى وبغطاء مجلس الأمن، فنحن على شفا انهيار ليبيا ككيان”.

_____________

مواد ذات علاقة