عماد عنان
تتجه الانتخابات الليبية المقرر إجراؤها في 24 من الشهر الحاليّ نحو مزيد من التأزيم في أعقاب التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة السياسية قبيل الموعد المحدد سلفًا، أبرزها استبعاد اللواء المتقاعد خليفة حفتر من السباق الرئاسي، الأمر الذي ينذر بسيناريوهات ربما تدخل البلاد في أتون من الفوضى الجديدة.
وقضت المحكمة الابتدائية في مدينة الزاوية (غرب) بإلغاء قرار المفوضية العليا للانتخابات بشأن قبول ترشح حفتر، واستبعاده من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية، معتبرة أن “ما أصدره المجلس الأعلى للقضاء هو قرار وليس قانونًا ما يجيز لها إمكانية استقبال الطعون والبت فيها”.
المحكمة قررت “قبول الطعن شكلًا (…) وإلغاء قرار المفوضية العليا للانتخابات رقم 80 لسنة 2021 بشأن ترشح المطعون ضده خليفة بلقاسم حفتر، واستبعاده من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية”، ما أثار الكثير من التساؤلات عن مدى قبول الجنرال لهذا الحكم والسيناريوهات المتوقعة إزاء التعاطي مع تلك التطورات.

رفض الحكم

على الراجح أن الجنرال الليبي سيرفض الحكم الصادر بحقه، ومن المتوقع أن يتحرك أنصاره في إطار الطعن عليه، استنادًا إلى عدم اختصاص محكمة الزاوية في إصدار مثل هذا الحكم، على اعتبار أن أي طعن يقدم ضد أي مرشح لا بد أن يُقدم إلى لجنة الطعون في محل تقديم المرشح، أي في بنغازي (شرق) وليس في المنطقة الغربية.’

ورغم أن المحكمة استندت في قرارها إلى القانون الخاص بالاختصاص (يسمح للمحكمة بالنظر في كل الطعون دون التقيد بنطاق جغرافي) الذي يعتبر أسمى من قرار المجلس الأعلى للقضاء الذي نص على أن الطعون ضد أي مرشح يجب أن تقدم إلى لجنة الطعون في محل تقديم المرشح، فإن “عدم الاختصاص” ستكون على رأس قائمة دفوع أنصار حفتر للطعن على هذا الحكم، ما سيدفع للدخول في جدل قانوني.وفي الإطار ذاته من المستبعد تقديم أي طعون ضد ترشيح حفتر في بنغازي، نظرًا لما تمارسه ميليشياته من ترهيب لسكان تلك المناطق، الأمر الذي يجعل من الإقدام على مثل هذه الخطوة مغامرة ربما تكلف صاحبها حياته، خاصة أن هناك عشرات الشواهد بخصوص الانتهاكات التي تمارسها تلك الميليشيات بحق المعارضين للجنرال.

ترهيب وانتهاكات

يمارس حفتر وميليشياته التي تسيطر على المنطقتين الشرقية والجنوبية، كل أنواع الترهيب ضد المرشحين المحتملين لخوض السباق الرئاسي، ما من شأنه حرمانهم من القيام بحملاتهم الانتخابية، ما يؤكد صحة تخوفات بعض الأطراف السياسية من فقدان الانتخابات للنزاهة المطلوبة في ظل أجواء التهديد والتلويح بالعنف.

   
ويمكن قراءة تلك التخوفات وحالة الترهيب التي يفرضها الجنرال عبر استطلاع خريطة المرشحين، فمن بين أكثر من 95 شخصًا تقدموا بأوراق ترشحهم للانتخابات الرئاسية، هناك 12 مرشحًا فقط من المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها حفتر، بجانب 13 آخرين بالمنطقة الجنوبية، مقارنة بأكثر من 70 مرشحًا من المنطقة الغربية.
وسبق أن مارست تلك الميلشيات ممارسات ترهيبية بحق المرشحين، كالذي حدث في درنة قبل فترة، حين اعتدى أنصار حفتر على المرشح الرئاسي المحتمل إسماعيل الشتيوي (رجل أعمال ورئيس فخري لنادي أهلي طرابلس)، وأجبروه على مغادرة المدينة، الواقعة تكررت مرة أخرى في الجنوب، حيث الهجوم على محكمة الاستئناف بمدينة سبها الليبية في اليوم التالي لقبول أوراق ترشح سيف الإسلام القذافي الذي استبعد مؤخرًا من السباق.

أعمال العنف التي تشهدها الساحة الليبية، جراء الممارسات العدوانية لميليشات حفتر تذهب إلى تأجيل الانتخابات لحين تخفيف حدة هذا التوتر

فبعد تقديم نجل القذافي أوراق ترشحه اقتحمت مليشيا طارق بن زياد، التابعة لحفتر (قرابة 150 عربة مسلحة) مكتب مفوضية الانتخابات بسبها، كذلك منزل مدير أمن المدينة العميد محمد بشر، وتشير وسائل إعلام محلية ليبية، أن الميليشيا كانت تود اعتقاله، فيما أشارت أخرى إلى محاولة اغتياله.التهديد تجاوز المرشحين الخصوم إلى الحلفاء، إذ تشير بعض المصادر الليبية إلى تهديد حفتر بعرقلة جمع صديقه، رئيس مجلس النواب بطبرق عقيلة صالح، للتوقيعات اللازمة للترشح (5 آلاف توقيع) حتى لا ينافسه على أصوات برقة التي يهمين عليها الجنرال، وفق ما ذكرت وكالة “الأناضول”، الأمر الذي يجعل من إجراء الانتخابات في تلك الأجواء مسألة في غاية الصعوبة.

السباق الانتخابي.. 3 سيناريوهات

الحكم الصادر بحق حفتر وردود الفعل المتوقعة إزاء التعاطي معه،  يقود إلى 3 سيناريوهات محتملة للمشهد خلال المرحلة المقبلة:’

السيناريو الأول: تأجيل الانتخابات برمتها، لحين الوصول إلى مسودة متفق عليها بشأن إجراءات العملية وسياقاتها القانونية خاصة مع تصاعد الطعون بحق المرشحين البارزين، أبرزهم رئيس الحكومة الحاليّ عبد الحميد دبيبة، ونجل القذافي، وأخيرًا الجنرال المتقاعد.وقد شاب الانتخابات منذ الإعلان عنها الكثير من الجدل القانوني والدستوري بسبب ازدواجية القوانين المنظمة لها، فهناك قانون أقرته حكومة الشرق في مقابل قانون آخر اعتمده مجلس النواب في طبرق.
ولعل أبرز نقاط الخلاف بين القانونين المادة 12 المثيرة للجدل، من قانون الانتخابات الرئاسية الصادر عن البرلمان التي تنص على أنه “يُعدّ كل مواطن، سواء كان مدنيًا أم عسكريًا، متوقفًا عن العمل وممارسة مهامّه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله وتُصرف له مستحقاته كافة”.المادة بهذا النص فُسرت على أنها جاءت “مفصلة” لتمكين الحليفين، اللواء حفتر وصالح، من الترشح للرئاسة، في حين استبعدت أقوى منافسيهم رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، بذريعة أنه لم يلب شرط الاستقالة من منصبه، في الموعد المحدد (قبل 3 أشهر من انطلاق الانتخابات) كما تنص المادة المذكورة.
أعمال العنف التي تشهدها الساحة الليبية، جراء الممارسات العدوانية لميليشات حفتر، أو تلك المتوقعة من أنصار سيف الإسلام القذافي في الجنوب، فضلًا عن حالة الفوضى التي تخيم على المشهد بسبب تضييق الخناق على المرشحين وعدم السماح لهم بإدارة حملاتهم في هذا الجو المرعب، كلها مؤشرات تذهب إلى تأجيل الانتخابات لحين تخفيف حدة هذا التوتر.
السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات على تلك الوضعية، التزامًا بأحكام القضاء، وفي تلك الحالة من المحتمل أن تتحول الساحة إلى شلالات من الدماء، حال تدخل ميليشا حفتر لمنع إجراء الانتخابات بقوة السلاح، ما قد يستفز القبائل الداعمة لاستكمال الماراثون الانتخابي، ما ينذر بنشوب مواجهات ربما تذهب بالبلاد إلى حرب أهلية حامية الوطيس.وفي المقابل قد لا تنظر المفوضية المشرفة على الانتخابات لأحكام القضاء الخاصة بمنع بعض المرشحين من خوض السباق، واعتماد الأسماء المقبولة ابتداءً، وعليه إجراء الانتخابات في موعدها، وهنا ربما تواجه نتائج هذا الاستحقاق طعونًا دستوريةً، الأمر الذي قد يهدد شرعيتها ويدفعها نحو الإلغاء مرة أخرى.
السيناريو الثالث: صفقة سياسية بين الجنرال والقوى الداعمة له إقليميًا، تقضي بالتزامه بالحكم القضائي بمنعه من خوض السباق، وتوجيه كل الدعم لحليفه صالح، على أن يتولى هو منصبًا سياسيًا داخل السلطة القادمة يسمح له بالبقاء على نفوذه قدر الإمكان، مع توفير الضمانات الكافية له بعدم ملاحقته قضائيًا أو أمنيًا، خاصة أن هناك أحكامًا باتةً صادرةً بحقه لتورطه في جرائم حرب خلال السنوات الأخيرة الماضية.
يرجح أن تشهد الأيام القادمة، وقبيل الموعد المحدد ليوم الانتخابات (24 ديسمبر/كانون الأول) صراع محموم بين أروقة الحكم في ليبيا، غير أن هذا السيناريو ربما يصطدم بطموح الجنرال السياسي في اعتلاء عرش السلطة، وهو الحلم الذي يحارب لأجله طيلة السنوات الستة الماضية، وفي سبيله أراق الكثير من الدماء وتحالف مع كل القوى، وعليه فمن المتوقع أن يرفض أي صفقة من شأنها أن تنحي حلم السلطة جانبًا، خاصة أنه يملك العديد من أوراق الضغط الخاصة بالوضع الأمني واستقرار البلاد السياسي، محتميًا بالميليشيات التابعة له.
الموقف السلبي للمجتمع الدولي إزاء تطورات الوضع داخليًا ربما يصب في صالح الجنرال، فقد اكتفت البعثة الأممية في ليبيا ومعها سفارة أمريكا في طرابلس، بإدانة العنف المرتبط بالانتخابات والتحذير من عرقلة السباق، دون توجيه الانتقاد صراحة إلى الانتهاكات التي يمارسها حفتر وميليشياته، الموقف الذي يحمل الكثير من الدلالات بشأن ما وصل إليه الوضع ميدانيًا من فوضى وعدم استقرار.
في ضوء ما سبق.. يرجح أن تشهد الأيام القادمة، وقبيل الموعد المحدد ليوم الانتخابات (24 ديسمبر/كانون الأول) صراعًا محمومًا بين أروقة الحكم في ليبيا، سياسيًا وقضائيًا وأمنيًا، مع الوضع في الاعتبار أهمية المحور القبلي في رسم ملامح المرحلة المقبلة، هذا بجانب الدور المحتمل للقوى الدولية المؤثرة في الداخل الليبي، ليبقى المشهد السياسي فوق فوهة بركان قابل للاشتعال في أي وقت، ومفتوح على كل السيناريوهات.
***
عماد عنان – محرر صحفي في نون بوست
_____________

 

 

 

مواد ذات علاقة