مجلس النواب لا يملك أصلا الخوض في هذا الأمر لأنه خارج تماما عن اختصاصه

حمدي عبد العال

في خطوة تمهد لنفق سياسي جديد في ليبيا، طالب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بتشكيل لجنة جديدة لصياغة مسودة دستور بدلا من التي أعدتها اللجنة المنتخبة عام 2017، ما يعطل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لأجل غير مسمى.

فخلال جلسة لمجلس النواب في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، طالب صالح بالعمل على “تشكيل لجنة من 30 شخصا من المفكرين، والأكاديميين، والمختصين بالقانون الدستوري، لصياغة دستور توافقي، بدلا من المضي في دستور مرفوض من شرائح عديدة” حسب زعمه.

ويتضمن اقتراح عقيلة تشكيل اللجنة من ممثلين عن أقاليم البلاد الثلاثة، على أن تساندها خبرات عربية ودولية لصياغة دستور توافقي حديث، يلبي رغبات الليبيين كافة، وقادر على تأسيس دولة ديمقراطية.

كما يشترط الاقتراح اقتصار مدة عمل اللجنة على شهر واحد تنجز فيها مسودة الدستور ولا تؤثر على إجراء الانتخابات.

معضلة تاريخية

في فبراير/ شباط 2014، انتخب الليبيون 60 عضوا في هيئة تأسيسية لصياغة الدستور، لقبت بـ”لجنة الستين”، وفي يوليو/ تموز 2017، اعتمدت اللجنة بأغلبية الثلثين مشروع الدستور.

ورغم أن اللجنة منتخبة شعبيا وأقرت مسودة الدستور إلا أن مجلس النواب سعى لعرقلة إقرار الدستور بكل السبل.

فبدلا من إصدار قانون الاستفتاء وإحالته للجنة العليا للانتخابات، أصدر قانون بشكل مخالف لمشروع الدستور، واضعا شرط حصوله على أغلبية 50 بالمئة + 1 في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة، وهي طرابلس (غرب)، وبرقة (شرق)، وفزان (جنوب).

وأزمة الدستور الليبي وإقراره تمثل معضلة تاريخية منذ عام 1969، حيث إنه يمضي من مؤقت إلى مؤقت، وكلما ظهرت محاولة لإقرار دستور، طل أصحاب المصالح من النخب السياسية لعرقلة الأمر.

ويرى محللون أن السبب الحقيقي لعدم عرض مشروع الدستور على الاستفتاء يتمثل في اعتراض الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، على مضمونه، لأنه لا يتيح له الترشح للرئاسة بسبب جنسيته الأميركية وخلفيته العسكرية.

كما يرون أنه من الصعب تنفيذ مقترح عقيلة، لكنه في حد ذاته يخدم النخبة السياسية المتحكمة بمقاليد البلاد حاليا، حيث يمد أجل بقائهم بالسلطة.

وخطوة تشكيل لجنة جديدة لصياغة مسودة الدستور ستعمل على إطالة أمد الأزمة السياسية وتساهم في تعقيدها.

فاستبدال اللجنة المنتخبة شعبيا بأخرى معينة لا تحظى بالتوافق سيفتح الباب مجددا أمام الصراعات، والمحاصصة، والخلافات التي أغلقها انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور عام 2014.

من جانبها، أعلنت هيئة الستين المنتخبة، رفضها لمقترح عقيلة وأكدت أن الإعلان الدستوري جعلها صاحبة الاختصاص الوحيدة لصياغة الدستور، لأنها السلطة التأسيسية الأصلية .

وقالت خلال بيان أصدرته في 26 يناير 2022 إن ما يحدث يعتبر “تجاوزا متعمدا وواضحا لصلاحيات رئيس مجلس النواب الذي لا يحق له أو للمجلس مجتمعا، أو لأي جهة أخرى، المساس بالوضع القانوني للهيئة التأسيسية أو المسار الدستوري”.

وتابعت أنها أنجزت مشروع الدستور في يونيو 2017 ووافق عليه 43 عضوا ممثلين للدوائر كافة ما يحقق فيه التوافق المنصوص عليه، وما يجعله ملكا للشعب، وهو صاحب الحق الوحيد في أن يقره أو يرفضه من خلال استفتاء عام عليه.

تداعيات خطيرة

وتعليقا على هذه المعضلة، قال عضو الهيئة التأسيسية للدستور، سالم كشلاف إن عقيلة لا يملك صلاحيات تمكنه المساس من مشروع الدستور أو الهيئة التي أنجزته، فهي منتخبة مباشرة من الشعب وتستمد منه شرعيتها، وتستند إلى مركز قانوني قوي.

وأضاف لـ”الاستقلال” أن الدعوة لتشكيل لجنة جديدة للدستور تخالف أحكام القضاء الليبي، حيث إن المحكمة العليا الليبية قضت في 18 فبراير /شباط 2018 بأن لا معقب على أعمال الهيئة التأسيسية ومشروع الدستور الذي أنجزته إلا من قبل الشعب صاحب السلطات عبر استفتاء عام، فله وحده أن يقبله أو يرده عليها للتعديل حسب الإعلان الدستوري.

وأوضح كشلاف أن الخطوة التي يمضي إليها عقيلة ستؤدي إلى منعرج خطير، وهو يعمل من خلالها على خلط الأوراق، لمحاولة تشكيل المشهد وفق رؤيته ولأجندته الخاصة.

من أجل البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وتجاوز مسألة الانتخابات والاستفتاء على الدستور بحجة وجود لجنة جديدة تعكف على صياغة دستور.

كما أبدى تخوفه من تداعيات مقترح عقيلة بخلق جسم مواز للهيئة التأسيسية للدستور، ما قد يؤدي للعودة إلى المربع الأول وإحداث جمود سياسي ودستوري، يحدث انقساما حادا بين مؤسسات الدولة الليبية.

وربما يصل الأمر إلى تجدد المواجهات العسكرية، خاصة أن هناك قطاعا كبيرا من الليبيين يرى ضرورة الذهاب إلى الاستفتاء على مشروع الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية في أسرع وقت، وفق عضو هيئة الستين.

وتابع كشلاف أن الكل أصبح يدرك أن عقيلة يناور من أجل البقاء في المنصب في ظل إدراكه أنه لا يملك حظوظا تمكنه من العودة حال إجراء انتخابات شعبية في وقت قريب.

في 23 يناير 2022، أكد رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ضرورة بناء “دستور حقيقي” قبل إجراء الانتخابات العامة في ليبيا (الرئاسية والبرلمانية).

وقال خلال ندوة بعنوان “الدستور أولا” إن مشكلة البلاد تتمثل في عدم وجود قاعدة دستورية تبنى عليها العملية الديمقراطية .

توقيت خاطئ

وبينما يرى سياسيون صياغة الدستور ضرورة لتكون قاعدة أساسية سليمة تبنى عليها الاستحقاقات الانتخابية كافة وتمضي بالبلاد نحو الديمقراطية، يعتبر آخرون أنه جاء في التوقيت الخاطئ ليكون بمثابة حق يراد به باطل، وبدلا من الخوض في معركة الدستور من جديد، الأولى تنظيم الانتخابات بعد أن تم تهيئة البلاد لإجرائها .

وهذه المجموعة ترى أن الانتخابات ستمكن الشعب من إزاحة الطبقة السياسية الحالية التي لا تسعى للحلول بقدر مساعيها للبقاء في السلطة على وقع دوامات من الخلاف غير منتهية.

ويفسر أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس الهادي بوحمرة أمر تشكيل لجنة جديدة للدستور بأنه “محاولة لفرض إرادة خارجية تتوافق مع إرادة بعض التوجهات في ليبيا لفرض رؤية معينة، لم يتمكنوا من فرضها على الهيئة التأسيسية التي أنجزت مشروع دستور ليبي وطني خالص”.

وقال لـ”الاستقلال” إن دعوة أي جسم سياسي لتشكيل لجنة غير الهيئة التأسيسية أو حلها أو استبدالها يعد انتهاكا لإرادة الشعب الليبي الذي اختارها وتألفت بموجب الانتخاب المباشر، وقد يدخل ليبيا في متاهة من الصعب الخروج منها.

وأضاف أن الفكرة من أساسها مخالفة تماما للإعلان الدستوري، ولا يملك مجلس النواب الخوض فيه لأنه خارج تماما عن اختصاصه، فالمسار الدستوري يعتمد بالكامل على الإرادة الشعبية ابتداء، التي اختارت الهيئة التأسيسية عبر صندوق الانتخاب، وانتهاء عبر صندوق الاستفتاء.

ومن ثم فلا حاجة للجنة جديدة حتى لا تدخل البلاد في فوضى مؤسساتية .

وبشأن مدعي أن مسودة الدستور الحالي لا تحظى برضى المكونات الليبية كافة، أوضح بوحمرة أن من يقرر ذلك هو الشعب عبر صندوق الاستفتاء، ولا يملك أي فرد أو مؤسسة القطع بذلك.

واعتبر أن منع الاستفتاء استنادا على أن البعض يرفض مشروع الدستور هو وجه من وجوه الاستبداد، وإفساد للمسار التأسيسي الديمقراطي، وهو ما تسعى له البعثة الأممية ووراءها دول خارجية لها مصالح في ليبيا.

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي الليبي إسماعيل القريتلي أن المقترح بتشكيل لجنة جديدة قد يفهم منه أنه محاولة لكسب الوقت لمد سلطة البرلمان أطول فترة ممكنة.

وأردف لـ”الاستقلال” أنه من المهم جدا أن يتم التوافق بين مجلس النواب ومجلس الدولة على التعديلات الممكنة في الدستور ومن ثم عرضه على الاستفتاء إلا أنه يرى أن مسألة الاتفاق صعبة جدا.

وقال إن التوافق يصعب لأن الخلافات بشأن مسودة الدستور مرتبطة بضغوط المناطق ومن يمثلون كل إقليم، ووجهة نظرهم في نظام الدولة السياسي والمالي وموارد الدولة والعاصمة.

وبالتالي فإنه لا يتصور علاج هذه الخلافات بسهولة، فهي ممتدة لعقود وما قبل ثورة فبراير 2011.

وأكد القريتلي أن استمرار الخلاف وعدم التوافق يؤدي لعدم الخروج من المرحلة الانتقالية والبقاء في نفس الدائرة التي لم يستطع الليبيون الخروج منها منذ 2011. 

_______________

مواد ذات علاقة