المختار غميض

ينفتح المشهد الليبي مجددًا على كل السيناريوهات، أزمة جديدة بسبب تمسُّك محور خليفة حفتر، مسنودًا برئيس البرلمان عقيلة صالح، بتشكيل حكومة جديدة، أو اتفاق جديد يعيد رسكلة الوجوه المألوفة نفسها، أو ربما تعديل حكومة الدبيبة وتطعيمها بحسب مزاج عقيلة.

فعقيلة صالح باتَ يعتمد سياسة “سلطة الأمر الواقع”، ويمرِّر قرارات بالقوة وبشكل أحادي الجانب غير آبه بالآخرين، وصولًا إلى إعلانه إنهاء حكومة عبد الحميد دبيبة، متعلِّلًا بانتهاء ولايتها بتاريخ 24 ديسمبر/ كانون الأول، موعد الانتخابات التي لم تُنجَز، بل أكّد أنه سيتمّ يوم 8 فبراير/ شباط اختيار رئيس حكومة جديدة، متجاهلًا كل الأطراف الرافضة.

لا تسليم إلا لحكومة منتخَبة

في ردّه على قرارات وأقوال عقيلة صالح بشأن تسلُّم ملفات المرشحين للحكومة الجديدة، أكّد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة أن ما يفعله رئيس مجلس النواب يُعتبر محاولة يائسة لعودة الانقسام، مشدّدًا على أن حكومته مستمرة في أداء مهامها حتى إنجاز الانتخابات، ويتمّ نقل السلطة إليها.

وهنا نشير إلى أن العدد الأكبر من النواب يرفضون، مع المجلس الأعلى للدولة على لسان رئيسه خالد المشري، وأغلب السياسيين، وكذلك البعثة الأممية والدول الكبرى؛ تغيير حكومة دبيبة، وبالتالي وحده عقيلة صالح وبضعة نواب (ومن ورائه حفتر ومصر والإمارات) يتمسّكون بإنهاء حكومة دبيبة، متّكئين على سياسة الأمر الواقع.

وبناءً على ذلك، فإن الانتخابات وإن كانت مطلبًا ملحّا لكثيرين، فإن إرضاء محور حفتر والفبرايريين غربًا، يهدف إلى إبعاد شبح الحرب إلى حين التوافق على قاعدة دستورية، تكون بالتوافق بين الأطراف السياسية، وهو ما رفضه عقيلة في البداية، لذلك جرى القبول بتأخير الاستحقاق الانتخابي لتمهيد الأجواء للمصالحات وتهدئة الخواطر، خاصة بين العسكريين قبل السياسيين الذين من طبعهم الاختلاف وتحويل ذلك إلى مجلس النواب.

شبح الحكومتَين يخيّم

إذا تمسّك كل طرف -أي عقيلة ودبيبة- برأيه ولم تتدخّل أو لم تنجح البعثة الأممية ولا الأطراف الليبية في خلق حوار وتوافق بينهما، فحتمًا ستكون البلاد أمام شبح حكومة موازية مرة أخرة على غرار حكومة الثني السابقة؛ حكومة عبد الحميد دبيبة وحكومة البرلمان التي سيختار عقيلة صالح -ومَن ورائه- رئيسها، والتي يجري الحديث عن ترؤّسها من طرف وزير الداخلية في عهد حكومة التوافق السابقة فتحي باشاغا، أو نائب المجلس الرئاسي السابق، أحمد معيتيق، اللذين زارا طبرق في زيارة غير مسبوقة.

ولا شكّ أن هذه الخطوة محفوفة بالخواطر وقد تفجّر البرلمان أيضًا، وبالتالي سيكون سيناريو العودة إلى المشهد الأول؛ حكومتان وبرلمانان شرقًا وغربًا، ما يعيد ليبيا إلى النقطة صفر بعد كل الخطوات التي تمَّ قطعها في اتجاه التقارب، خاصة بعد خسارة حفتر حربه التي قادها من أجل افتكاك طرابلس وترسيخ دكتاتورية عسكرية في ليبيا.

وقد سبق أن حذّرَ رئيس المجلس الأعلى للدولة من خطورة العودة إلى الانقسام، في حال الذهاب إلى إقرار تشكيل حكومة جديدة، مع حديثه عن ضرورة التركيز على القاعدة الدستورية للانتخابات المنتظرة.

العبور عبر مصراتة

بعد عجز حفتر ومن ورائه رئيس البرلمان عقيلة صالح (ومن يدعمهما خارجيًّا) عن دخول طرابلس عسكريًّا، فإنهما يسعيان حاليًّا إلى دخولها بواسطة شخصية من الغرب، وخاصة من مصراتة، أي فتحي باشاغا، بعد “إسقاط” حكومة دبيبة.

وهنا يشير متابعون للشأن الليبي تغيُّر فتحي باشاغا منذ أول لقاء جمعه بالمخابرات المصرية عام 2020 ثم زيارته لمصر، والذي اكتسب في فترة إدارته لوزارة الداخلية زمن السراج شعبية كبيرة بين الليبيين خاصة في الغرب، لكن سرعان ما عبّر كثيرون عن خيبة أملهم به، فتهاوت بالتالي هذه الشعبية التي ربما مرشحة لتهاوٍ أكبر، وعندها قد يكون أكبر الخاسرين وراء سعيه في مجاراة حلف حفتر وعقيلة ومخابرات مصر، ما سيجعله مجرد ورقة محترقة دون أية صلاحية.

وضمن الحراك القائم حاليًّا، أي التقارب الذي حصلَ مؤخّرًا بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، فإن جوهره لا يجب أن يكون إسقاط حكومة الدبيبة، بل فقط من أجل مشروع “الدستور” وضرورة تركيزه في أقرب وقت، وقد اضطر الأعلى للدولة إلى بعض التنازلات من أجل ذلك، ومن هذه التنازلات إمكانية النظر في مصير الحكومة، شرط أن يكون ذلك بعد إرساء الدستور لا قبلها.

وعلى هذا الأساس، لا يزال مجلس الدولة يرى أن مشروع الدستور يجب أن يتمحور حول النسخة الجاهزة منذ عام 2017، التي تحتاج فقط إلى استفتاء الشعب أو تعديل بسيط، لكن الأمر برمّته معطَّل بسبب الخلافات، خاصة من المحور الموالي لخليفة حفتر الذي انقلبَ على الإعلان الدستوري عام 2014، ويريد حاليًّا تفصيل دستور جديد بعد تشكيل لجنة في الغرض.

عمومًا، كل الأطراف غير مقتنعة بالعودة إلى الحرب، لذلك يبقى الحوار هو الحل الوحيد لبلوغ توافق شامل يستأنف خارطة طريق تونس وجنيف، سواء تشكّلت حكومة جديدة أو حدثت وساطة على غرار ما اقترحه نائب الدبيبة، حسين القطراني، الذي دعا عقيلة والدبيبة إلى نبذ الخلاف والاتفاق على وضع خارطة واضحة للخروج من الأزمة.

ومن بعدها يتمّ التأسيس لدستور وقاعدة انتخابية، يليه إجراء انتخابات حرة نزيهة يتم توفير مناخها اللازم، ومن ثم استكمال توحيد المؤسسات السيادية وخاصة المؤسسة العسكرية ورعاية المصالحات الوطنية.

كما من المهم الإشارة إلى دور المبعوثة الأممية، الأمريكية التي عادت مؤخّرًا إلى منصبها بعد تأخير الانتخابات، ستيفاني وليامز، والتي أعربت عن استعدادها للوساطة بين مجلسَي النواب والدولة للتوصُّل إلى أساس دستوري للانتخابات، ودعت البرلمان إلى البدء بأقرب وقت في عملية ذات مصداقية، تجيب عن سؤال الليبيين بشأن مصير الانتخابات.

***

المختار غميض ـ كاتب تونسي

_____________

مواد ذات علاقة