سليمان حيدر

“إذا رفض المجلس الأعلى التوافق مع مجلس النواب بشأن خريطة الطريق وتغيير الحكومة أولا سترجح كفة بقائها لفترة إضافية”

بعد أن أقر خريطة طريق حديثة، يسعى البرلمان الليبي في طبرق إلى تعيين رئيس وزراء جديد خلفا للحالي عبدالحميد الدبيبة.

يأتي ذلك وسط خلافات سياسية متشعبة ومخاوف بشأن احتمال نشوب صراع جديد على السلطة يؤدي إلى وجود حكومتين متوازيتين. 

وأيا كانت نتيجة تصويت البرلمان، بحسب تصريحات رئيسه عقيلة صالح، على تسمية رئيس الوزراء الجديد في 10 فبراير/شباط 2022 “بعد مشاورات مع المجلس الأعلى للدولة”، فإن هدف صالح من تغيير الحكومة واضح، وهو “مساومات فقط والهروب من العملية الدستورية”.

فحسب عضو المجلس الأعلى للدولة الليبية آمنة إمطير، فإن مجلس النواب دائما ما كان يحاول من خلال إجراءاته ابتزاز الحكومات لكي تكون راضخة تماما لأطماع أشخاصه وأنها لم تعد تستغرب تلك الإجراءات. 

وأكدت إمطير في حديثها لـ”الاستقلال” أن تلك الإجراءات ستواجه العديد من العراقيل وأهمها أن المجلس الأعلى للدولة يجب أن يوافق على تغيير الحكومة. ونفت عضو المجلس الأعلى للدولة الليبية وجود توافق حتى الآن بين المجلس الأعلى للدولة والبرلمان على تغيير حكومة الدبيبة.

خريطة طريق جديدة

تسبب تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الأزمة الحالية التي يعاني منها الشعب الليبي بشكل كبير بسبب الخلافات بين المكونات السياسية التي يرغب كل منها في سلوك مسار مخالف للأخرى. 

وتسببت الخلافات بين المؤسسات الليبية الرسمية بشأن قانوني الانتخابات ودور القضاء في العملية الانتخابية بفشل إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.  

وخلال جلسة في 7 فبراير 2022 أكد البرلمان أن الانتخابات لن تجرى خلال هذا العام وصوت لصالح اعتماد خريطة طريق سياسية للمرحلة المقبلة تتضمن تغيير الحكومة. 

وجرى تعيين الدبيبة وهو رجل أعمال من مصراتة، رئيسا للوزراء في فبراير 2021 كجزء من عملية سياسية بوساطة الأمم المتحدة يدعمها الغرب.

يرى المتحدث السابق باسم مجلس الدولة الليبية السنوسي إسماعيل أن ما يحدث في ليبيا حاليا هو حالة فريدة من التوافق بين الأطراف السياسية خارج إطار محاولات المعالجة الدولية للأزمة التي تكاد أن تتحول إلى نزاع مستفحل طويل الأمد؛ بحسب تعبيره.

وأشار في حديثه لـ”الاستقلال” إلى أن إجراءات مجلس النواب في تغيير الحكومة ما هي إلا جزء من خطوات خريطة الطريق الجديدة.

وهذه الخريطة توافق عليها البرلمان بصفته التشريعية مع المجلس الأعلى للدولة بصفته الاستشارية الملزمة، حسب الاتفاق السياسي الليبي الذي يمثل مرجعية المرحلة الانتقالية الحالية. 

وأوضح إسماعيل أن تلك الخريطة تشمل ثلاث خطوات أساسية أولها: “المسار الدستوري وصولا للاستفتاء على مشروع الدستور”.

على أن تكون الخطوة الثانية تحديد موعد للانتخابات حسب طلب المفوضية العليا والذي سيكون خلال 14 شهرا.

أما الخطوة الثالثة بحسب المتحدث السابق باسم مجلس الدولة الليبية فهي مسار تغيير الحكومة مع الإبقاء على المجلس الرئاسي الحالي رئيسا للسلطة التنفيذية لحين إجراء الانتخابات.

وقال إسماعيل إن أجندة جلسة مجلس النواب في 10 فبراير 2022 تتضمن استقبال ملفات الترشيح المحالة من مجلس الدولة.

وأضاف: “حال نيلها التزكيات المطلوبة حسب لائحة البرلمان يجرى التصويت عليها في مجلس النواب وتكليف رئيس حكومة جديد بهدف تهيئة الظروف العامة في البلاد للانتخابات القادمة”.

واعتبر أن هذا التوافق الذي وصلت إليه الأجسام السياسية الليبية يأتي تتويجا للتقارب الكبير بين أطراف الصراع السابق وكسر الحواجز بينها مستفيدة من التوافق الإقليمي العربي والإفريقي والمتوسطي حول دعم الاستقرار في ليبيا مع انشغال القوى العظمى بأزمات أكثر حدة كما هو الحال في أوكرانيا وإيران وشرق آسيا.

موجة عنف متوقعة

تزيد خطوة البرلمان الليبي المخاوف من أن التصويت على اختيار رئيس حكومة جديدة قد يكرر مشهد الانقسام عام 2014 والذي شهد ظهور حكومتين متوازيتين ما أدى بالبلاد إلى الانزلاق نحو صراع مسلح. 

ويعزز تلك المخاوف إعلان رئيس الوزراء الحالي عبدالحميد الدبيبة رفضه لخطوات استبداله في البرلمان. 

واعتبر الدبيبة خلال كلمة له في 9 فبراير 2022 أن ما يفعله صالح محاولة يائسة لعودة الانقسام، وأنه لن يسمح بمراحل انتقالية جديدة وأن حكومته مستمرة في عملها حتى تسليم المهام إلى حكومة منتخبة. 

ووصف الدبيبة الطبقة السياسية المسيطرة بأنها تجر البلاد إلى الفوضى والحرب، وأنه شرع في عقد جلسات موسعة لتقديم خطة عمل محددة لتنفيذ الانتخابات والاستحقاق الدستوري تنطلق في يونيو/حزيران 2022. 

واعتبر أن البرلمان والكيانات السياسية يسعون من خلال خريطة الطريق إلى تمديد الفترة الانتقالية لسنوات وحرمان الليبيين من اختيار سلطة سياسية جديدة. 

المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، محمد شوبار اعتبر أن محاولة تشكيل حكومة جديدة تمثل عودة للانقسام والدخول في موجة عنف.

وأرجع ذلك إلى أن الحكومة الحالية لن تسلم السلطة إلا إلى أخرى منتخبة.

وقال شوبار في حديثه لـ”الاستقلال”، إن “الهدف الرئيس لمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي هو الوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة يملكها الليبيون وتعبر عن إرادتهم دون أي تدخلات خارجية”.

وهو ما أكد عليه فرحان حق نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي بالمقر الدائم للأمم المتحدة بنيويورك في 7 فبراير، محذرا القادة السياسيين الليبيين من مغبة العودة إلى المربع الأول من جديد.

ولمَّح المسؤول الأممي إلى أن قرار البرلمان تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يعيد الليبيين إلى مربع العنف والفوضى والفتنة.

وقال حق إن “بيت القصيد هو إجراء الانتخابات بحيث يكون هناك توحيد أكبر بين الشعب الليبي، دون أن نعود إلى هذا النوع من الفتنة والفوضى التي ميزت العقد الماضي”.

وناشد المسؤول الأممي الأطراف الليبية النظر إلى السنوات الماضية، وما جلبته عليهم، لكي تعرف أنه لا يوجد مستقبل لهذا النهج.

وبحسب تقرير لموقع الجزيرة القطري – النسخة الإنجليزية، في 8 فبراير، أعلنت الجماعات المسلحة في غرب ليبيا اعتراضها على تغيير الحكومة.

ودعت تلك الجماعات، الأطراف المحلية والدولية إلى المساعدة في الاتفاق على خريطة طريق ذات إطار زمني محدد لإجراء تغييرات على الدستور وتحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد الجيش.

وأكد شوبار أن المسار الذي يمضي فيه مجلس النواب بشأن تشكيل حكومة جديدة هو تنفيذ لأجندة روسية تهدف إلى الانحراف بعيدا عن الخريطة السياسية التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي وجرى تضمينها بقرار مجلس الأمن الدولي 2570 إضافة إلى العودة لحالة الانقسام التي قد تؤدي إلى موجة عنف.

وشدد شوبار على أن القوات الروسية المتواجدة في الشرق الليبي تسيطر على مجلس النواب بشكل كامل وتهيمن على المشهد السياسي والعسكري هناك.

دور المجتمع الدولي

لعب المجتمع الدولي دورا كبيرا في إنجاز المسار السياسي الليبي عبر دعم وإقامة العديد من الفعاليات والمؤتمرات سواء داخل ليبيا أو خارجها.

ويعول كثيرون على الضغوط الدولية التي يمكن أن تمارس على المكونات السياسية الليبية من أجل الوصول إلى حل للأزمة المتصاعدة.

وفي هذا الإطار يؤكد شوبار أن المجتمع الدولي في ظل هذه الظروف لن يقف موقف المتفرج مما يحدث في ليبيا

واعتبر شوبار أن كل ما يفعله القادة السياسيون من محاولات لإطالة أمد أزمة الشرعية في ليبيا هو محاولات للاستهلاك ولن تجد أي آذان صاغية من المجتمع الدولي.

وأكد أن المسار الوحيد لنجاح العملية السياسية في ليبيا هو الذي تسيره بعثة الأمم المتحدة للدعم ويدعمه المجتمع الدولي. 

وبين أن اللقاءات التي تجريها المستشارة الأممية ستيفاني وليامز هي بداية للوصول إلى حل للانسداد السياسي الذي يرجع سببه إلى رغبة الطبقة السياسية في البقاء بالسلطة أطول فترة ممكنة، بحسب تعبيره. 

وأضاف شوبار: “الدليل على ذلك نيتهم تشكيل حكومة جديدة وذلك لن يحدث إلا عبر المسار الذي ترعاه الأمم المتحدة”.

وبالعودة إلى عضو المجلس الأعلى الليبي آمنة إمطير، فترى أن العملية السياسية في ليبيا معقدة جدا بسبب تدخل دول عديدة في القرار الليبي، وعدم جدية الأمم المتحدة في العمل على إيجاد حل.

وشددت إمطير على أن ذلك واضح منذ اللحظة الأولى بعد تنحية طارق متري الممثل الخاص لأمين عام الأمم المتحدة في ليبيا في الفترة ما بين 2012 وحتى 2014.

وجرى وقتها تعيين “برناردينو ليون” مكانه، إذ شغل المنصب من أغسطس/آب 2014 حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وهو معروف بانحيازه للشرق الليبي وبرلمان طبرق. 

ومن بين الأسباب الأخرى بحسب عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي، تهميش اللجنة المنتخبة من الشارع الليبي والتي وضعت الدستور وجعلته جاهزا للاستفتاء. 

المحلل السياسي الليبي بدر شنيبة، أكد أن هناك تحالفات سياسية نشأت بعد فشل خريطة الطريق في 24 ديسمبر 2021.

وقال شنيبة في تصريحات لقناة “9” التي تبث من إسطنبول: “كل طرف يحاول أن يضع سيناريو يناسب رؤيته ومصالحه في الواقع السياسي الليبي”. 

وأشار إلى وجود انقسامات جديدة داخل البرلمان الليبي وداخل المجلس الأعلى للدولة.

وأضاف: “هناك بعض الأعضاء وأطراف أخرى في المجلس الاعلى للدولة يحاولون عرقلة عمل مجلس النواب أو تمرير خريطة طريق وتغيير الحكومة”.

ولفت إلى أن حكومة الوحدة الوطنية لديها مجموعة ضغط أو لوبي في كلا المجلسين. 

وذكر أن التحالفات الأخرى ممثلة في فتحي باشاغا وغيره من الأطراف الأخرى لديها أيضا اللوبي الخاص بها في كلا المجلسين وهم يحاولون الدفع بتغيير الحكومة. 

وأكد المحلل السياسي أن المجلس الأعلى الآن يمتلك “شعرة معاوية” وأنه إذا رفض التوافق مع مجلس النواب حول خريطة الطريق وتغيير الحكومة أولا، سترجح كفة بقائها لفترة إضافية.

وهو ما يعرقل خريطة الطريق التي تتضمن تغيير الحكومة كونها الشريك السياسي مع البرلمان.

______________

مواد ذات علاقة