“نظرة سريعة على خرائط الشرق الأوسط توضح مدى أهمية موقع ليبيا الجيوستراتيجي”
أكد معهد أمني عبري على ضرورة تنسيق الكيان الإسرائيلي جهوده مع النظامين المصري والإماراتي، من أجل تحييد تركيا خلال عملية تشكيل مستقبل ليبيا، التي تتمتع بموقع إستراتيجي على البحر المتوسط وموارد طبيعية كبيرة.
وذكر “معهد القدس للإستراتيجية والأمن” العبري في مقال لنائب رئيسه، عيران ليرمان أن إسرائيل معنية بدعم بعض الأطراف الليبية، نظرا لتداعيات الصراع هناك على الاستقرار الإقليمي والمصالح الإسرائيلية.
ونقل عن صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أن “صدّام” نجل الجنرال الانقلابي خليفة حفتر زار إسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، لطلب دعم عسكري وسياسي مقابل مكافأة مستقبلية محتملة وهي تطبيع العلاقات بين البلدين.
أهداف إسرائيل
وقال المعهد إنه بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كان مقررا إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول 2021، تصاعد التوتر بين مراكز القوى المتنافسة في ليبيا مرة أخرى، في حلقة جديدة للصراع الدائر منذ عام 2014.
وأضاف أنه في ضوء مكانة إسرائيل باعتبارها جزءا مهما من الاصطفاف الإستراتيجي في شرق المتوسط، فإنها تجد نفسها متورطة في الصراع من أجل تشكيل مستقبل ليبيا، مما له تداعيات على الاستقرار الإقليمي والمصالح الإسرائيلية.
وأشار إلى أن إسرائيل معنية بدعم بعض القوات الليبية، ومن المهم الاستمرار في تنسيق التحركات في هذه الساحة مع مصر والإمارات.
وأردف أنه يجب أيضا على إسرائيل الإصرار على أن أي حكومة مستقبلية في ليبيا تتخلى عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع تركيا في نوفمبر 2019.
وادعى المعهد العبري أن تركيا تعمل حاليا على فتح قنوات حوار مع جميع الأطراف في ليبيا وإسرائيل، في إطار جهود التسوية بين مراكز القوى في ليبيا، وعلى رأسها المبعوثة الأممية، الأميركية ستيفاني ويليامز.
وأشار إلى أن ويليامز تعرب عن القلق إزاء احتمال الانجراف نحو صراع آخر، لكنها تأمل إمكانية إجراء الانتخابات في صيف عام 2022، وتستمر في نفس الوقت العملية المعروفة باسم نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
وتهدف هذه العملية إلى تفكيك المليشيات المسلحة التي يقدر عددها في ليبيا بالعشرات إن لم يكن بالمئات، ودمجها جميعا فيما يعرف بـ”الجيش الوطني الليبي” بقيادة حفتر.
العين على تركيا
وادعى المعهد أن ثمة تحولا طرأ على سلوك تركيا في أزمة ليبيا، فبناء على اتفاقية 2019 دعمت أنقرة حكومة الوفاق الدولي المعترف بها دوليا ضد حفتر، ما ساهم في رفع الحصار عن طرابلس.
كما نجحت تركيا في صد قوات حفتر وصولا إلى خط سيرت وسط ليبيا، وفي تلك الأثناء، نددت وسائل إعلام داعمة لأردوغان بحفتر ووصفته بأنه قاتل جماعي.
وأشار المعهد العبري إلى أنه كان من الممكن أن يؤدي التهديد المضاد من مصر بأن سرت خط أحمر في صيف 2020، إلى تدخل عسكري إذا استمرت قوات حكومة الوفاق الوطني في التقدم شرقا.
ومن ثم اندلاع اشتباكات إقليمية واسعة النطاق، لكن ذلك في النهاية ردع تقدم القوات، ومثل “نقطة توازن” في ليبيا منذ ذلك الحين .
ولفت المعهد العبري إلى أن تركيا تسعى حاليا لتحسين العلاقات مع دول “معسكر الاستقرار” في المنطقة، بما في ذلك مصر وإسرائيل.
إذ أجرى السفير التركي في ليبيا “كنان يلماز ” مؤخرا لقاءات مع رئيس الحكومة الليبية عبد الفتاح الدبيبة في طرابلس، ومع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، والجنرال حفتر في بنغازي.
وبحث مع الأخيرين إمكانية فتح قنصلية تركية في بنغازي، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة من تركيا مطروح على الطاولة.
وزعم المعهد أن هذه التحركات “تعكس سعي تركيا لتجنب المزيد من المواجهة، ولتوسيع دائرة الحوار التي تخدم مصالحها تجاه الإمارات، لكن في نفس الوقت تريد ترسيخ مكانتها كقوة مؤثرة رئيسة في الساحة الليبية”.
أهمية ليبيا
وأكد المعهد أن نظرة سريعة على خرائط الشرق الأوسط والبحر المتوسط وإفريقيا، توضح مدى أهمية موقع ليبيا الجيوستراتيجي.
فهي تمتلك أراضي شاسعة وموارد إستراتيجية، في حين أن عدد سكانها ضئيل للغاية، يقدر بنحو 7 ملايين نسمة، أي أكثر بقليل من نصف سكان الجارة تونس.
وهي أصغر بكثير من الجارتين الرئيستين في الشرق والغرب، مصر والجزائر، البالغ عدد سكانهما، 105 ملايين و 45 مليونا، على التوالي.
وليبيا تمثل مصالح حيوية للدول الأوروبية، فضلا عن مكانتها في سوق الطاقة، إذ لا تزال شركة البترول الوطنية الليبية، تحافظ بحماس على استقلالها عن السلطة، وقادرة على إنتاج حوالي 1.2 مليون برميل يوميا، على الرغم من أضرار الحرب والبنية التحتية التي عفا عليها الزمن .
ولطالما كانت شواطئ ليبيا تسبب مشاكل بقضية الهجرة إلى أوروبا، فعلى الرغم من جهود مكافحة الإرهاب والكوارث المتكررة، بقيت ليبيا الطريق الرئيسة لوصول اللاجئين والعمال المهاجرين، من إفريقيا جنوب الصحراء إلى إيطاليا، ثم إلى دول أوروبية أخرى.
ومر أكثر من 65 ألف شخص عبر ليبيا إلى أوروبا في عام 2021.
كما أن ليبيا تمثل، وفق المعهد، خطرا محتملا على استقرار مصر، بسبب ما يحدث على الحدود الطويلة والممزقة بينهما.
وفي نوفمبر 2021 تم نشر بيانات حول تورط المخابرات المصرية بدعم فرنسي في عمليات مكافحة إرهاب كلفت، وفقا لبعض الروايات، أرواح آلاف الأشخاص.
وتخفيف قبضة حفتر عن محافظات شرق ليبيا، قد يكون له أيضا تداعيات في مجالات التخريب والإرهاب.
كما أن لليبيا دورا في الكفاح ضد تنظيم الدولة والمتطرفين الآخرين، الذين يستغلون غياب الحكم في أجزاء كبيرة من ليبيا.
وبالنسبة للقوى الغربية، فإن الخطر سيزداد إذا انجرفت ليبيا إلى جولة أخرى من الحرب الأهلية، ويضاف إلى ذلك الخطر المحتمل الكامن في تسلل مسلحين من منطقة الساحل إلى الداخل الليبي.
_____________