ويهدد وجود حكومتين في ليبيا المكاسب التي حققتها البلاد منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، ويزيد خطر نشوب اشتباكات أو العودة إلى تقسيم مناطق النفوذ، في ظل انشغال العالم بالتركيز على الحرب الروسية على أوكرانيا.

في 3 مارس الجاري، أدى فتحي باشاغا اليمين الدستورية رئيسا جديدا للوزراء في ليبيا أمام البرلمان الليبي في طبرق، على الرغم من إعلان رئيس الوزراء المنتهية ولايته عبد الحميد الدبيبة أنه لن يتنحى. 

كما وافق البرلمان في يناير على خارطة طريق سياسية تشمل طرح دستور معدل للاستفتاء هذا العام يعقبه إجراء انتخابات في العام المقبل.

وعلى الرغم من أن المجلس الأعلى للدولة وافق في بادئ الأمر على ما يبدو على خطط البرلمان المتعلقة بالدستور وتكليف باشاغا بتشكيل حكومة، إلا أنه رفض الأمرين في وقت لاحق.

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة البريطانية في بنغازي، أحمد المهداوي، إن تشكيل حكومة جديدة برئاسة باشاغا جاء بعد فشل الدبيبة في أداء مهامه وإجراء الانتخابات، مشيرا إلى أن الدبيبة “أصبح طرفا في الصراع ويجب إزاحته من رئاسة الحكومة”.

وأضاف المهداوي في حديثه مع موقع “الحرة” أن حكومة باشاغا ستقود البلاد لفترة انتقالية طويلة تتراوح ما بين 3-4 سنوات وليس 14 شهرا كحكومة الدبيبة.

تكريس الانقسام

من جانبه، يرى المحلل السياسي عبدالله الكبير، أن الهدف من تعين باشاغا هو “محاولة بعض الأطراف السياسية، التي تراجع نفوذها بصعود نجم الدبيبة وعودة سيف القذافي، الاستحواذ على السلطة”، بالإضافة “إلى تأجيل الانتخابات إلى أبعد مدى ممكن”.

وأكد الكبير في حديثه مع موقع “الحرة” أن هذا القرار سيكرس حالة الانقسام في البلاد، ويطيل أمد الأزمة.

وخلال الأيام الأخيرة، استقال نحو 5 وزراء في حكومة الدبيبة من مناصبهم، بحسب وسائل إعلام محلية.

وصرح المستشار الاعلامي لرئاسة مجلس النواب، فتحي المريمي، أن حكومة الدبيبة “قاربت على الانتهاء حتى بدون تسليم على اعتبار أن هناك عدد كبير من وزراء حكومته ووكلاء وزراء قدموا استقالاتهم من مناصبهم اعترافا منهم بحكومة باشاغا”.

ونعمت ليبيا بفترة هدوء نسبي نادرة منذ انهيار هجوم نفذته قوات شرق ليبيا واستمر 14 شهرا على طرابلس في صيف عام 2020، مما قاد إلى عملية سلام تدعمها الأمم المتحدة.

وشملت هذه العملية تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة الدبيبة مهمتها توحيد مؤسسات الدولة التي انقسمت على مدى سنوات بين حكومتين متنافستين في شرق البلاد وغربها والإشراف على الاستعدادات لإجراء انتخابات عامة.

لكن عملية الانتخابات انهارت في ديسمبر قبل موعد التصويت بقليل، واختلف الفريقان المتنافسان على الطريق الصحيح الذي يتعين اتخاذه لإجرائها.

وأعلن البرلمان، الذي أخذ غالبا صف الجانب الشرقي أثناء الحرب الأهلية، انتهاء تفويض حكومة الدبيبة، كما أعلن فترة انتقالية جديدة تحت قيادة حكومة باشاغا وعدم إجراء انتخابات حتى العام المقبل.

صراع غربي – غربي

ويثير تشكيل حكومتين مرة ثانية إلى عودة الصراع والاشتباكات مرة ثانية، كما حذر محللون من أن يتحول الصراع من شرقي – غربي إلى غربي – غربي.

خلال الأيام الماضية، تزايدت التوترات في العاصمة طرابلس والمدن المجاورة لها، بعد حشد العشرات من الأرتال العسكرية، وانتشارها في شوارع المدينة، بحسب الأمم المتحدة.

وفي 3 مارس، نقلت وكالة رويترز عن مصدرين مقربين من رئيس الوزراء الليبي المعين من البرلمان، فتحي باشاغا، إن اثنين من وزرائه محتجزين من قبل قوة مسلحة لها صلة برئيس الوزراء الحالي، عبد الحميد الدبيبة. 

وذكر المصدران أن جماعة مسلحة تابعة لدبيبة في مدينة مصراتة الساحلية احتجزت وزيري الخارجية والثقافة في حكومة باشاغا أثناء محاولتها القيام برحلة برية من طرابلس إلى طبرق، حيث كان من المفترض أن يشاركا في تأدية اليمين.

وقالت بعثة الأمم المتحدة في 10 مارس إنها “تتابع عن كثب وبقلق التقارير المتعلقة بحشد قوات وتحركات أرتال كبيرة للمجموعات المسلحة، مما أدى إلى زيادة التوتر في طرابلس وما حولها”.

وفي 11 مارس، تحركت قافلة مسلحة تابعة لباشاغا قبل أن تعاود أدراجها، في الوقت الذي يحاول فيه البحث عن سبيل لممارسة سلطته في العاصمة على الرغم من رفض منافسه التخلي عن السلطة.

وذكرت مصادر عسكرية أن القافلة تحركت من مصراتة، لكنها لم تجد طريقا لدخول طرابلس دون مواجهة مقاومة من الفصائل الداعمة للدبيبة. وقال مكتب باشاغا إن القافلة كانت قوة أمنية لا تسعى للدخول في حرب، وإنها عادت إلى قاعدتها السابقة استجابة لمطالب أصدقاء دوليين وإقليميين.

وقال المهداوي إن الصراع الليبي أصبح يتركز الآن في مدينة مصراتة موطن رئيسي الحكومتين بعد أن كان يشمل كل التراب الليبي، مؤكدا أن رؤساء القبائل في المدينة سيحاولون إيجاد حل لمنع القتال بين أبناء المدينة الواحدة.

ولا يتوقع المهداوي أن تعود الاشتباكات، مرجعا ذلك إلى أن الدبيبة “لا يملك قوة عسكرية تستطيع مواجهة باشاغا، الذي يمتلك كتائب من طرابلس ومصراته مؤيده له”. وأضاف: “نزول باشاغا في مطار معيتقة بعد عودته من طبرق وأداء اليمن خير دليل على مدي قوة الرجل”.

وتابع: “أعتقد أن الدبيبة يبحث عن خروج آمن له وعدم المطالبة بإحالته للنائب العام بسبب ملفات الفساد المتورطة فيها حكومته، لذلك أعتقد أن التسلم والاستلام سيكون بشكل سلمي”.

من جانبه، قال المحلل السياسي عبدالله الكبير: “باشاغا كان قويا بمواقفه ولكنه فقد أسباب القوة بعد تحالفه مع حفتر ولم يعد له رصيد شعبي كما السابق وأغلب التشكيلات المسلحة في الغرب ضده”.

وأكد الكبير أن القوى الدولية تضغط لمنع أي توترات أو اشتباكات مسلحة، كما توجد مساعي للوساطة لجلب أطراف النزاع لحوار سياسي جديد. 

وأضاف: “ثمة عامل مهم لا يمكن تجاهله وهو الحراك الشعبي الواسع المطالب بإسقاط مجلسي النواب والدولة وإجراء الانتخابات فإذا واصلت الكيانات السياسية تحديها لهذا الحراك قد نشهد انتفاضة جديدة ستعجل بها الحالة المعيشية السيئة لعامة الناس”.

الموقف الدولي

أما بالنسبة للموقف الدولي، فقد التزمت القوى الكبرى في مجلس الأمن وكذلك الأمم المتحدة في اجتماع الأربعاء، حذرا كبيرا حيال الأزمة السياسية التي تهز ليبيا، من دون أن تنحاز إلى أي من الحكومتين، باستثناء روسيا التي أعلنت تأييد باشاغا.

وحذرت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، في بداية الجلسة من أن “السلطة التنفيذية الليبية تواجه أزمة يمكن أن تؤدي، إذا لم يتم حلها، إلى زعزعة الاستقرار وإلى حكومات موازية في البلاد”.

وقالت إن “الأمم المتحدة تبذل جهودا كبيرة لحل هذه الأزمة” من أجل “الاتفاق على أساس دستوري لإجراء انتخابات ما إن يصبح ذلك ممكنا”، مشيدة بعمل الأميركية ستيفاني وليامز المستشارة الخاصة للأمين العام للمنظمة الدولية.

وتابعت روزماري ديكارلو أنه إذا لم يتحقق ذلك، فإن الخطر يتمثل في تقسيم جديد للمؤسسات “وإلغاء المكاسب التي تحققت في العامين الماضيين”.

وأكد الكبير أنه رغم الانشغال بأوكرانيا إلا أن القوى الدولية لم تهمل الملف الليبي لأنه ساحة صراع جيوسياسي بين روسيا والدول الغربية. فضلا عن التهديدات الأمنية التي يمكن أن تطال أوربا إذا لم يتم احتواء الأزمة.

وأضاف المهداوي أن المجتمع الدولي يخشى من أن الحرب في أوكرانيا “قد تنتج نظام دولي ثنائي القطبية من جديد” وهو ما سيؤثر على الأزمات في ليبيا وسوريا؛ لذلك يسعي المتجمع الدولي لدعم مسار جديد واستحداث لجنه حوار جديد ينتج عنها انتخابات في القريب العاجل 

كانت مستشارة الأمم المتحدة بشأن ليبيا ستيفاني وليامز، دعت في 4 مارس، مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة إلى تسمية ستة ممثلين عن كل مجلس “لتشكيل لجنة مشتركة مكرسة لوضع قاعدة دستورية توافقية”.

وحثت وليامز الفصائل على حفظ الأمن والاستقرار وتجنب التصعيد، وأضافت “حل الأزمة الليبية ليس في تشكيل إدارات متنافسة ومراحل انتقالية متواترة”.

التزمت القوى الكبرى في مجلس الأمن الدولي وكذلك الأمم المتحدة في اجتماع الأربعاء، حذرا كبيرا حيال الأزمة السياسية التي تهز ليبيا، من دون أن تنحاز أي منها – باستثناء روسيا – لإحدى السلطتين المتنافستين في هذا البلد.

ويفترض أن يمدد مجلس الأمن مهمة الأمم المتحدة السياسية في ليبيا في نهاية أبريل وهو موعد نهائي يتزامن مع انتهاء العقد القابل للتجديد لستيفاني وليامز. وشدد الدبلوماسي الروسي على ضرورة تعيين موفد جديد للأمم المتحدة “في أسرع وقت ممكن”.

ومنذ استقالة السلوفاكي يان كوبيس، في نوفمبر، لم يتم تعيين مبعوث للأمم المتحدة لليبيا.

والخميس، أجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مكالمة هاتفية مع فتحي باشاغا، وفق ما أعلن المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك.

وقال ستيفان دوجاريك إن “الأمين العام وباشاغا بحثا آخر التطورات في ليبيا”. وأضاف أن أنطونيو غوتيريش “أعرب عن قلقه العميق إزاء الاستقطاب السياسي المستمر في ليبيا والذي ينطوي على مخاطر كبيرة على الاستقرار الذي تم تحقيقه بشق الأنفس”.

كما رفض دوجاريك فكرة أن هذه المكالمة تعني الاعتراف بوزير الداخلية السابق والتخلي عن دعم عبد الحميد الدبيبة.

ويرى الكبير أنه مع استمرار الصراع بين روسيا والغرب “لن يتم تعيين مبعوث جديد”. وتوقع أن تستمر ستيفاني وليامز في وظيفتها كمستشارة ربما عاما آخر.

ويعتقد المهداوي أن مهمه المبعوث الجديد لن تكون سهلة، لأن الملف الليبي “معقد جدا” والأطراف الليبية “غير متوافقة”.

وأكد أن ما تحتاج إليه ليبيا هو “كسر الجمود المحلي وإنهاء حكم الأوليغاروشية المتسلطة التي تعتبر العائق الأساسي لإجراء الانتخابات”.

مواد ذات علاقة