يسود هدوء عام في ليبيا هذه الأيام على غير عادة سير الأحداث خلال الأسابيع الأخيرة، رغم أن الملفات العالقة لم تحل بعد، وفي مقدمتها الخلاف حول الانتخابات، واستمرار تنازع الحكومات.

ولم تتمكن الأمم المتحدة من حل الخلاف الحاصل بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول شكل وموعد وقوانين الانتخابات، على خلفية رفض مجلس الدولة خريطة طريق اعتمدها مجلس النواب، نهاية فبراير/ شباط الماضي، تقضي بإجراء تعديلات على مشروع الدستور (أقرته الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور منذ 2017)، وإجراء الانتخابات في مدة لا تزيد عن 14 شهرا، إضافة لتكليف حكومة جديدة خلالها لتسيير الأعمال.

وفيما تصاعد الخلاف بين المجلسين على خلفية عدم اتفاقهما على كيفية التعديل الدستوري، زاد حجم الخلافات بعد تكليف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، إذ أصر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على عدم تسليم السلطة إلا لسلطة منتخبة.

ودفعت المخاوف من عودة الانقسام السياسي إلى الواجهة، المجتمع الدولي إلى التدخل عبر مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، حيث قدمت الأخيرة مبادرة للمجلسين تتخطى مسألة تعديل مشروع الدستور، وتتجه لصياغة وإقرار قاعدة دستورية توافقية من قِبل لجنة مشتركة من المجلسين، على أمل إجراء الانتخابات في موعد أقرب.

وفيما لاقت المبادرة ترحيبا ومشاركة من مجلس الدولة، لا يزال مجلس النواب متحفظا عليها، حيث أكد عضو مجلس النواب، جلال الشويهدي، استمرار تمسك مجلس النواب بالخريطة التي أقرها في فبراير/ شباط الماضي، وقال لــ “العربي الجديد”، إن “المعلوم أن عقيلة صالح اختار لجنة من 6 أعضاء بالمجلس، ومثلهم من الخبراء خارجه”، مشيرا إلى أن تشكيل هذه اللجنة جاء بناء على خريطة الطريق التي أقرها مجلس النواب.

وأكد الشويهدي أن لجنة مجلس النواب لن تنصاع لمبادرة وليامز، مضيفًا أنه لا توجد نية للجنة للاجتماع في الوقت الحاضر. وفي إشارة إلى إصرار مجلس النواب على ضرورة المضي في مسار التعديل الدستوري عبر لجنة مشتركة مع مجلس الدولة ضمن خريطة الطريق التي اعتمدها، قال: “سننتظر لجنة مجلس الدولة، فاللجنة الدستورية لن تجتمع بشكل فردي كما أنها لن تجتمع خارج البلاد، ومن الضروري وجود خبراء من خارج المجلسين ضمن اللجنة الدستورية”.

وفي ذات السياق، أكد المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب، فتحي المريمي، نية المجلس الاستمرار في خريطته، وقال لــ”العربي الجديد”، “إن الدولة الليبية حرة ومستقلة وذات سيادة، وتستند إلى الإعلان الدستوري، وإن خريطة الطريق أصبحت جزءاً منه بعد إجراء التعديل الدستوري الثاني عشر الذي تم بوجود مجلس الدولة”.

من جهته، سارع مجلس الدولة إلى انتخاب لجنته ضمن مبادرة وليامز، التي بادرت بدورها، وعقدت اجتماعين تشاوريين مع لجنة الدولة في تونس بنهاية مارس/ آذار، من أجل التباحث حول اللمسات الأولية للقاعدة الدستورية، دون انتظار للجنة المناظرة من مجلس النواب.

وأبدت وليامز أملها في لحاق مجلس النواب بالركب، وفي إطار هذا الانتظار، أجرت الأخيرة خلال الأيام الماضية حواراً مجتمعياً افتراضياً دعت إليه جميع الراغبين، وتناول بحث واستطلاع الآراء حول أفضل السبل للخروج الآمن من المأزق السياسي الحالي والوصول إلى الانتخابات.

وركز الحوار بحسب تغريدة لوليامز، على أولوية الإجراءات الانتخابية بين “الاستفتاء على الدستور، أو إعداد قاعدة انتخابية والتوجه نحو الانتخابات”، كما سلط الضوء على المفاضلة بين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة، أو تأجيل الرئاسية ليتكفل بها البرلمان القادم مع استكمال مشروع الدستور.

وطلبت وليامز آراء الحضور حول أفضل سبل التصرف في حال “عدم توافق المجلسين على قاعدة موحدة للانتخابات”، الأمر الذي يُظهِر إلى السطح سيناريوهات أخرى يصفها مراقبون بأنها “حلول بديلة” لا تزال في جعبة وليامز، خاصة مع توقع عدم وصول المجلسين إلى صيغة تفاهم مشتركة.

ويفترض محللون إمكانية الاستعانة بالمجلس الرئاسي في فرض قوانين الانتخابات بمراسيم رئاسية، فيما تذهب سيناريوهات أخرى إلى إكمال المشوار نحو الانتخابات عبر تكليف رئيس المحكمة العليا برئاسة الدولة، واختيار حكومة، وإسقاط كل الأجسام السياسية الحالية بانتهاء مدة خريطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، نهاية يونيو/ حزيران القادم.

بدورها، بادرت حكومة الوحدة الوطنية إلى تشكيل لجنة خبراء، وسلمتها، الأربعاء الماضي، مسودة قانون انتخابات أعدّتها سابقا لجنة وزارية مختصة.

وستتولى لجنة الخبراء الحكومية إعداد خطة تفصيلية في أول اجتماع لها لتوضيح آلية تنفيذ أعمالها، كما ستقوم بإجراء حوار وطني موسّع لمناقشة مسودة القانون وجمع الملاحظات عليها لتعبّر عن أكبر شريحة ممكنة، بحسب بيان للحكومة.

يأتي كل ذلك بعد فشل إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واستمرار تنازع الحكومتين على السلطة، وانتظار اتفاق غائب بين المجلسين قد يخلق استمراره حالة من الانسداد السياسي، تُبعِد أمل الاقتراع الذي ينتظره 2.5 مليون ليبي استلموا بطاقاتهم الانتخابية.

_________________

مواد ذات علاقة