الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي

منذ سنة 2011 الي سنة 2020 تمثل سنوات التأزم العربي، وهي سنوات الأزمات العربية والاحتضار السياسي. في تلك السنوات ذاكرة العالم سوف لن تنسي مآسيها، وثوراتها الخارجية، وانقلابها الاجتماعي والسلوكي والاقتصادي، واضطرابات عواصم بعض دول الإقليم.

بدءا من برامج الديمقراطية، والمؤامرة التي تدفقت على المنطقة العربية في غفلة من ساكنيها، ومن أزمة كوريا الشمالية والملف النووي الإيراني، والأزمة الأوكرانية، إلى التأزيم السوري واليمني، والليبي، وجائحة القرن كورونا وارتداداتها، وصولا الي الانقلاب العالمي للنظام الدولي بالعملية العسكرية الروسية في اوكرانيا ، كلها ملفات تأزم تبقي في نهاية أفق 2022 مواد مشتعلة للمزيد من الابتزاز السياسي، والاستغلال الغير بريء، وهي أيضا ينبغي إن تشكل هاجزا لدي هذا الجيل الذي عاصر تلك السنوات العجاف في المنطقة العربية.

السؤال ماذا سوف يتوقع هذا الجيل الذي لا يزال يعيش وقع الصدمات؟

السؤال ماذا سوف يتوقع هذا الجيل الذي لا يزال يعيش وقع الصدمات، والحرمان، والتسيب الدولاتي، منذو سنة 2011؟ وما هي التطورات التي يمكن إن تفاجئه في غفلة من الحكام العرب؟   وما طبيعة التحديات التي سوف تواجه الإقليم العربي المنكوب؟ وهل هناك من آفاق وفرص لسنة 2022 توفرها لهذا الإقليم وأجياله؟

 تدهور الثورات والاضطرابات، والانفلات الاجتماعي والسياسي في الإقليم سوف يؤرخ لها التاريخ بأنها مشروع ” بزنس” في غير توقيته ومكانه. لأنها مشروعات وافدة نُفذت بأيدي محلية وإدارة خارجية. فالأزمة الأوكرانية، والليبية، والفلسطينية، والدولة الإسلامية، والقتال الحوثي / اليمني، وكذلك وباء كورونا الذي لا يختلف عن الأوبئة السياسية لأنها جلبت إلى الإقليم العربي المنكوب، وتأرجح الملف النووي الايراني.

هذا التأزم في الإقليم العربي سوف تكون لهُ جذوره، والتي سوف تجعل منهُ مجالا لتحفيزه نحو المزيد من الاضطرابات في الإقليم لسنوات قادمة إضافية، خدمة لنظرية ” التعطيل العربي”وبالنتيجة، وعلى هذا المنوال فالعالم سوف يعيش مرة أخري حالة عولمية مختلفة بعدما تدحرجت الاولي، وبنفس التوتر والمستوي. فانفصال الإقليم العربي المنكوب وبثوراته واضطراباته، والسبب يكمن في تلك المغامرة الجورج بوشية لغزو العراق، 2003، وفرض الحصار على الشعب الليبي من (1993 الي 2022)، وتأمر الميديا العالمية في تغذية مشاعر العداء بين الدولة وشعبها في الإقليم سنة 2011، وعملية الحزم من طرف عربي ضد عربي اخر، وبين الغرب والشرق، تحت مسميات “الديمقراطية والحرية والثوار، والرفاهية الاقتصادية”.

وكذلك الاعتقاد الغربي إن دولا في الإقليم في طريقها إلى الاضمحلال بسبب قيامها بقهر شعوبها، الأمر الذي قاد الغرب إلى قتل أهم رئيسين أثنين في الإقليم، الأول بالغزو والشنق، والثاني من خلال حرب إبادة شاركت فيها 48 دولية أطلسية استمرت لمدة ثمانية شهور في ليبيا.

التدخل الخارجي خلال تلك السنوات العجاف في التعجيل بإنهاء أنظمة بالقوة من خلال دعوة تفعيل نظريات الديمقراطية والمؤامرة، واستبدالها بهويات سياسية مجهولة المعتقد والهدف والتوجه، عزز حالات التشرذم. سنوات كانت تتخذ من تغيير الأنظمة المجتمعية وفقا لأسس نظريات المؤامرة، لان حتى الديمقراطية هي منتجع خصب لإنتاج فصول متنوعة من المؤامرات. هذا السيناريو والذي سوف يستقبله عام 2022/2023 سوف يستمر محملا معه معاناة شعوب ، ولعدة سنوات قادمة. السؤال هل أزمات الإقليم العربي المنكوب من اليمن إلى العراق وسوريا وليبيا والسودان سوف تزداد سوءً قبل أن يُعتقد أنها سوف تتحسن؟

تونس، كمثال وليس للحصر، يعتقد الإقليم وخبرائهُ بأنها حققت تقدما ايجابيا سنة 2022، بتجميد الدستور وحل البرلمان التونسي، ولكن التطرف ومعالم الدولة الإسلامية في تونس، مشروع حزب النهضة، سوف تكون ظلاله قائمة في أفق سنة 2022، بالرغم من أي تقدم ديمقراطي يُحرز في هذا البلد، ومؤشراته في جبل الشعابني جليه للعيان، إضافة إلى توتر الأوضاع الحدودية مع الجارة المنقسمة على نفسها ليبيا. ومن غير المأمول أن تونس سوف تحقق أي نوع من الاستقرار الاقتصادي، أو الأمني أو السياسي في نهاية أفق سنة 2022/2023، لان مفهوم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لا تتم قراءته أو توقعه من خلال صناديق الانتخابات، أو الترشح، خصوصا أن مقومات الاقتصاد التونسي تعتمد على الهبات والمنح الخارجية.

سنة 2014 شاهدت تقدم أنصار الدولة الإسلامية في العراق وفي سوريا وليبيا واليمن، ذلك التطور المفاجئ والذي لم يعرف مصدر دعمه إلي ألان، وبسبب هذا الصعود الجديد للدولة الإسلامية التأزم العراقي والسوري سوف يزداد سوءً. الغرب سوف يستمر في دعمه لمواجهة الدولة الإسلامية من خلال إعادة تسليحه للجيش العراقي والفئات السورية المتحالفة معها من فتح جبهات جديدة، وبؤر تأزم في الإقليم، كل ذلك سوف يستمر باسم التعايش والديمقراطية والدفاع عن الأقليات العرقية والدينية في الإقليم ؟ !

وفي منطقة الخليج السيناريو المحتمل لديها سوف يكون معتمدا على أسعار النفط خلال سنة 2022 ومساهمتها في تمويل الاقتصاد الغربي، بمعني، إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض او الارتفاع فأن ذلك سوف ينعكس على التمويل الخليجي للغرب.

والسؤال الأخر لنهاية سنة 2022 هل الحركات الجهادية في الإقليم ( العراق وسوريا وتونس) سوف تستمر في النمو والحراك المسلح؟  أنها سوف تنمو من حيث المكانة، والقوة المادية والتمويل، بالرغم من مقاومة الغرب لنموها وتوغلها في الإقليم

بمعني سوف تستمر الحركات الجهادية في نشر العنف الجغرافي، أي التمدد والتوسع في الإقليمأو هذه الحركات تتحول من المركزية الجهادية إلى الإطراف الجهادية على نسق تنظيم القاعدة. الإقليم وقراءته تشير إلى أن دول مثل لبنان وليبيا واليمن وسوريا حيث ضعف سيطرة الدولة المركزية وضعف الحكامة وانعدام الشفافية سوف تسهم في الانتشار والتوسع لمعظم الحركات الجهادية في الإقليم، وقد يكون هذا الانتشار بمساعدة خارجية.

ما هي طبيعة المفاجئات التي من الممكن أن يحملها  نهاية عام 2022 معه إلى العالم؟ إحدى المفاجئات تكمن في استمرار وتكرار الإحداث المهمة لتلك السنوات، وتزداد عنفا وقوة ومواجهة مع القوي التي هي من خارج الإقليم سنة 2022، ويمكن أن تكون قضية الدولة الإسلامية في الإقليم والمواجهه الروسية والصينية لسياسات الولايات المتحدة ( في اوكرانيامن أهم القضايا الساخنة التي تولد مشاعر العداء للغرب. أما وباء كورونا سوف يلتهم العديد من الأرواح في الإقليم، حيث من المتوقع أن هذا الوباء يصل الي عشرة ملايين مصاب عبر دول العالم بنهاية سنة 2022.   الدولة الإسلامية أيضا سوف تستمر في قتالها في المناطق التي تسيطر عليها، في سوريا والعراق والمناطق الحدودية مع تركيا وإيران ولبنان. وليبيا.

الاقليم العربي  وموقعه في التأزم العالمي

 ، الحرب الحالية بين الناتو وروسيا  ليست حرب بين دولتين جارتين ولكنها حرب ابعد من ذلك وهي تدخل في حروب لعبة مكسبمكسب، لاستكمال صورة النظام الدولي الجديد. ايضا العمل علي اندماج الطرف الاوروبي / الامريكي في قطب واحد، بالرغم من الانشقاق الاوروبي حول السلوك الامريكي.

فمن يسيطر علي مصادر الطاقة يسيطر علي العالم الي ان ياتي البديل،  مع تصاعد حروب الهوية والنموذج الامريكي/ الروسي نموذجا في مونباس. هذا التطور سوف يحول اوكرانيا الي منطقة نفوذ روسي بامتياز، ايضا ارتباط النموذج التاواني بالنموذج الاوكراني لاعادة صياغة نظام دولي بديل.

فلصراع الحالي بين الجارتين  سوف يستمر في اطار حروب العملات النقدية، ومن تسود عملته يسيطر علي الاقتصاد العالمي، حيث اعلنت روسيا والصين وبلاروسيا القبول التجاري لعملتهم الوطنية، وهذا في حد ذاته انكسار دولي للعملة الورقية الاميريكية، والتحول الي تشكيل نظام مالي جديد بديلا للدولار.

وهذا السيناريو لما بعد الحرب الاوكرانية / الروسية هناك خرائط سياسية جديدة تبرز في الافق، وخصوصا في مناطق مصادر الطاقة، والتوازن الدولي لن يتحقق الا بالتضحية بالدول الفاشلة والهشة والضعيفة، وذلك بتحول اوكرانيا الي دولة محايدة وخالية من اسلحة الدمار الشامل.خريطة الطوق الروسي.

والسؤال هل الاقليم العربي يملك اوراق يستطيع بها ان يكون لاعب دولي في ظل التوحش الغربي علي الموارد العربية خصوصا الطاقة والفوائض النفطية التي لا يتمع بها شعوب الاقليم،

وأخير، أن أهم ما سوف يواجه به عام 2022 مفاجئته للعالم بمجموعة من الكوارث الكبرى مثل الهجمات الالكترونية الضارية، والمعرقلة لعديد الاقتصاديات العالمية ونتائج كارثية، وارتفاع اسعار المواد الغذائية والقمح والغاز والنفط، واستمرار حالات الغضب والكراهية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم العربي المنكوب، وكوارث مناخية تصاحبها خسائر بشرية ومادية على نطاق كوني واسع، واستمرار انخفاض أسعار النفط والتي تؤدي إلى حالات كبيرة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في الإقليم العربي المنكوب.

___________________

مواد ذات علاقة