خالد خميس السحاتي

مُقـدِّمــةٌ:

شهـدت السَّـاحةُ الليبيَّةُ مُؤخَّـرًا مجمُوعةً من التَّطوُّرات المُهمَّة محلِّيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ألقت بظلالها على المسارات المُختلفة لتسوية الأزمة السِّياسيَّة المُعقَّــدة التي تشهـدُهـــا البلـدُ مُنذُ عــدَّة سنــــواتٍ

فتلك الأزمة بالأساس هي نتيجةٌ لعوامل داخليَّة وأُخرى خارجيَّة، حيثُ يُلاحظُ أنَّ العديد من القوى الإقليميَّة والدُّوليَّة أيَّدت في البداية ثورة فبراير2011 ضدَّ نظام القذافي، ثُمَّ تغيَّرت مواقفُ بعضها مُنذُ عام 2014، ومع أنَّ ليبيا شهدت عمليَّة تحوُّل ديمقراطيٍّ ملحُوظة خلال السَّنوات (2012-2014)، إلَّا أنَّ الحرب الدَّاخليّة التي اندلعت في البلاد في تلك الفترة قد زادت الأزمة تعقيدًا.

وتبدُو الأوضاعُ في ليبيا حاليًّا مُرشَّحةً للمزيد من عدم الاستقرار السِّياسيِّ رغم ما تقُومُ به حُكُومة الوحدة الوطنيَّة المُؤقتة والمجلس الرئاسيِّ من خُطواتٍ وقفزاتٍ في اتِّجاهاتٍ مُختلفةٍ، ورُبَّما مُتناقضةٍ في بعض الأحيان. تسيرُ البلادُ في طريقٍ تبدُو معالمُهُ غيرَ واضحةٍ، وهُو ما يطرحُ سيلًا من الأسئلة حول الواقع وآفاق المُستقبل القريب. في هذا الإطار، تتناولُ هذه المقالة المحاور التالية:

أوَّلًا: خصـائصُ الصِّراع السِّياسيِّ في ليبيا، ثانيًا: دورُ القـوى الكُبرى في الأزمة الليبيَّة، ثالثًا: أبرز التطـوُّرات الرَّاهِـــنَةِ للأزمة الليبيَّة.

أولًا: الخصائصُ الرَّئيسة للصِّـراع في ليبيا: وهي كما يلي:

  • الصِّراعُ الليبيُّ صراعٌ مُمْتدٌّ ومُتجذِّرٌ، وليس صراعًا فقط على السُّلطة، بل على الثروات والهويَّات الدِّينيَّة، والمناطقيَّة، والاجتماعيَّة.

  • انتشارُ القُوَّة في الدَّاخل بدُون فاعلٍ مركزيٍّ يُمكنُهُ السَّيطرةُ على قواعد اللعبة، ومنْ ثمَّ صياغةُ بناءٍ سياسيٍّ أو أمنيٍّ أو اجتماعيٍّ داخل ليبيا، وهُو ما يُقابلُهُ انتشارٌ للقُوَّة في الخارج؛ فالسَّاحةُ الليبيَّةُ تشهدُ محاور إقليميَّة مُتعـدِّدة ومُتناقضة.

  • تعثُّرُ الانتقال السِّياسيِّ لمراحل ما بعد ثورة2011 م في ليبيا، على الرغم منْ تحقيق عدَّة استحقاقاتٍ انتخابيَّةٍ مُهمَّةٍ، مثل: انتخابات المُؤتمر الوطني العام في2012 م، ومجلس النواب، ولجنة صياغة الدستُور في 2014م، كما استمرَّتْ وتيرةُ الانتخابات البلديَّة بعد 2014 م، حيثُ تمَّ انتخابُ العديد من المجالس.

  • أدَّت الأزمة الليبيَّة إلى أزماتٍ فرعيَّةٍ على المُستويات الوطنيَّة، مثل: الأزمات الاقتصاديَّة والماليَّة والإنسانيَّة والماليَّة.

  • أدَّت الأزمةُ الليبيَّةُ إلى تحالُفاتٍ جديدةٍ، وإعادة تحالُفاتٍ بين القوى الإقليميَّة والعالميَّة، على أساس المصالح المُتبادلة، وترتيباتٍ مُختلفة لتوازُن القــوى.

ثانيًا: دورُ القـوى الكُبرى في الأزمة الليبية:

كان العـامـلُ الخـارجيُّ في الأزمة الليبيَّةمُنذُ بدايتها عام 2011- مُهمًّا ومُؤثِّرًا وحاسمًا بشكلٍ واضحٍ، فمُنذُ تدخُّل حلف (الناتو)، وإسقاط نظام القذافي، عُقدتْ كثيرٌ من المُؤتمرات الدُّوليَّة والإقليميَّة حول ليبيا، وطُرِحَتْ العديدُ من المُبادرات لحلِّ هذه الأزمة، وُصُولًا إلى مُؤتمر برلين(1) في 19 يناير 2020، وإعلان القاهرة في 6/يونيو/2020، ومُؤتمر برلين(2) في 23/يونيو/2021.. وكان هناك حالة من الشد والجذب بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يتعلق بالأزمة الليبية؛ حيث اتهمت الإدارة الأمريكية موسكوأكثر من مرةبانخراطها في تلك الأزمة إلى جانب الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، عبر إرسال بعض المُقاتلين الروس، مُعتبرةً أنَّ ذلك منْ شــأنه تـأجيج الصِّراع، وتهديد حالة الاستقرار في ليبيا، وهُو ما تنفيه موسكو بشكلٍ قــاطعٍ. وكانت الدولتان قد أكدتا موقفهما الداعي لأولوية الحلول السلمية عقب إعلان المشير حفتر في 12/ديسمبر/2019م بدء حسم معركة “طوفان الكرامة”، ودخول قواته إلى قلب العاصمة طرابلس.

موقـفُ الولايات المُتحدة من الحـوار الليبي ومُخرجـاته:

استبقت إشاراتُ إدارة الرَّئيس جو بايدن بشأن الملف الليبيِّ، مُحادثات مُهمَّة برعاية الأُمم المُتحدة في جنيف، حول ترتيبات المرحلة الانتقاليَّة في ليبيا. الدَّعوة التي وجَّهها رئيسُ البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة “ريتشارد ميلز جونيور”، بـ”الشروع فورًا في سحب القوات التركية والروسية من ليبيا.. بما فيها جميع العناصر المرتزقة والمندوبين العسكريين الأجانب”_ تعتبر تحولًا ملحوظًا في سياسة الإدارة الجديدة مقارنة بسياسة الرئيس السابق دونالد ترامب؛ ذلك لأنها دعوة صريحة لـ”جميع الأطراف الخارجية، إلى احترام السيادة الليبية والوقف الفوري لجميع التدخلات العسكرية”. وتحمل هذه الخطوة، تحريكًا للملف الليبي إلى سُلَّم أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، في الشرق الأوسط. وتأكيدًا على قلق واشنطن من تداعيات الأزمة الليبية على ملفات استراتيجية أخرى منها 🙁متطلبات أمن مناطق نفوذ حلف شمال الأطلسي، وإمدادات النفط والغاز، واستقرار منطقة الساحل والصحراء).

وعقب انتخاب عبد الحميد دبيبة، يوم 5/2/2021م، كرئيس للوزراء للفترة الانتقالية، وفوز محمد المنفي برئاسة المجلس الرئاسي، من قِبَلِ المُشاركين في الحوار بين الفرقاء الليبيين في سويسرا برعاية الأمم المتحدة، تمهيدًا للانتخابات المُقرَّرة في ديسمبر 2021، أكد سفير الولايات المتحدة لدى ليبيا “ريتشارد نورلاند” خلال اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الرئاسي_ دعم واشنطن للمجلس والحكومة الجديدة لتأدية مهامِّهما، وسبق أنْ أكد نورلاند، فور انتخاب السُّلطة الجديدة أنَّ: “تفاعُلًا أكثر قادمًا منْ واشنطن”، مُضيفًا: “في الوقت الحاليِّ نُقدِّمُ تهانينا الحارَّة لجميع الليبيين والمُشاركين في مُلتقى الحوار السِّياسيِّ الليبيِّ، والقادة القادمين والمُغادرين على التزامهم بمُستقبل ليبيا السِّلميِّ”.

وفي أواخر شهر أبريل 2021 طالبت الولاياتُ المُتحدة السُّلطات الليبيَّة بإعادة فتح الطريق السَّاحليِّ “مصراتةسرت” على الفور، كخُطوةٍ أساسيَّةٍ للتَّنفيذ الكامل لاتِّفاقيَّة وقف إطلاق النار”. وقالت السَّفارةُ الأمريكيَّةُ لدى ليبيا في بيانٍ لها: “تدعمُ الولاياتُ المُتحدةُ، إلى جانب بعثة الأمم المُتحدة للدَّعم في ليبيا، بقُوَّةٍ اللجنة العسكريَّة المُشتركة 5+5 ودعوتها لإعادة فتح الطريق السَّاحليِّ على الفور”. واعتبرت أنَّ إعادة فتح هـذا الطَّريق “خُطوةٌ أساسيَّةٌ للتنفيذ الكامل لاتِّفاقيَّة وقف إطلاق النَّار”.

من جانبه، وصف وزير الخارجية الأمريكية بالوكالة “جـوي هـــود” ليبيا بـ”الدولة الفاشلة”، مُؤكِّدًا على ضرُورة خُرُوج القُوَّات الأجنبيَّة من ليبيا، مُؤكِّدًا أنَّ بلادهُ: “تُريدُ إجراء انتخاباتٍ ليبيَّةٍ في موعـدهـــا المُحدَّد في: 24 ديسمبر2021م”، وأضاف: “اختلفنا في الكثير من الأمور، لكننا متفقون على ضرورة مُغادرة القوات الأجنبية“. كما اتضح الاهتمام الأمريكي بالشأن الليبي من خلال تمرير الكونجرس لقانون استقرار ليبيا في سبتمبر 2021، الذي يستهدف معاقبة الجهات الخارجية التي تتدخل في الشأن الليبي، مع معاقبة داعمي المرتزقة والميلشيات، ومنتهكي الحظر الأممي للأسلحة وحقوق الإنسان.

من ناحية أخرى، كثفت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) من تحركاتها الرامية نحو مواجهة وجود المرتزقة والقوات الأجنبية في الأراضي الليبية، على أمل أن يساهم ذلك في تجاوز فوضى السلاح. وقد أكدت “ستيفاني ويليامز” أنه: “من الناحية الجيواستراتيجية تُعدُّ ليبيا مصلحة قومية حيوية للولايات المتحدة”، لذلك تُلقي واشنطن بثقلها خلف إجراء الانتخابات في موعدها. وفي ضوء ذلك، من المرجَّح أن تسعى واشنطن لاستخدام كل أدوات الضغط الدبلوماسية والاقتصادية لطرد روسيا من ليبيا، وإبعادها عن الجناح الجنوبي لحلف الناتو، وذلك يعني أن الضغط قد يطول بعض حلفائها في المنطقة، وقد أشار”بايدن” إلى أنه سيكون أقل تسامحًا مع انخراط حلفاء الولايات المتحدة في صراعات تقوض أهداف واشنطن، وربما كان تجميد صفقة بيع طائرات “إف35” للإمارات قد جاء ردًّا على بعض التفاهمات التي تمت بين أبو ظبي وموسكو في ليبيا خلال السنوات السابقة.

وبعد تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021 عبر السفير الأمريكي في ليبيا “ريتشارد نورلاند”، عن “خيبة أمله” إزاء هذا التأجيل، مؤكدًا أنه: “يجب أن يكتسب العمل باتجاه الانتخابات أولوية، بما يتماشى مع رغبات عموم الليبيين القوية”. و”يجب على القادة الليبيين التعجيل بمعالجة جميع العقبات القانونية والسياسية أمام إجراء الانتخابات”. ممَّا يعني الانخراط الكامل منْ قبل إدارة بايدن في الملف الليبي، بعكس توجُّهات إدارة ترامب، التي آثرت الابتعــاد، والتركيز فقط على مُكافحة الإرهـــاب.

موقـفُ روسـيا من الحـوار الليبي ومُخرجـاته:

تسعى موسكو للتدخل في التفاعلات الليبية لاستعادة نفوذها، فقد تلاشى نفوذها في ليبيا عقب سقوط نظام القذافي.. وفي هذا السياق، تبرُز مساعٍ لتنشيط الدور الروسي في ليبيا، وخاصة بدعم الجيش الوطني الليبي لمُحاربة التنظيمات الإرهابية العابرة للحُدُود، ووفقًا للسِّياسة الرُّوسيَّة المُعلنَة، فإنَّ موسكو تدعمُ الحُلُول السِّياسيَّة التي يتوصَّلُ إليها أطرافُ الصِّراع الليبيِّ، وتحرصُ على ضرُورة احترام الشَّرعيَّة، وعدم الاعتراف بحُكُومةٍ لا تحظى بثقة البرلمان، أو وفاقٍ سياسيٍّ لا تُرافقُهُ تعديلاتٌ في الدستُور الليبيِّ، وخُطوات لتوحيد كُلِّ الليبيين لمُواجهة التنظيمات الإرهابيَّة في جميع أنحاء البلاد، بما فيها التيَّاراتُ السِّياسيَّةُ العنيفة.

وقد رحَّبت رُوسيا بنتائج اختيار المجلس الرئاسيِّ والحُكُومة الجديدة،
وذكرت الخارجيَّةُ الرُّوسيَّةُ، في بيانٍ، “إنَّهُ يجبُ أنْ تُصبح ثمارُ عمل مُلتقى الحوار السِّياسيِّ الليبيِّ خُطوةً مُهمَّةً ومحوريَّةً في سبيل تجـاوُز الأزمـة الحـادَّة التي طال أمـدُها في البـلاد”. وأعرب نائب وزير الخارجية الروسي المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا “ميخائيل بوجدانوف” عن دعم بلاده للمجلس الرئاسي الجديد في ليبيا، وأكد المسؤول الروسي في اتصال هاتفي مع رئيس المجلس الرئاسي الجديد “محمد المنفي” عن أمل بلاده أن يصبح انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة معلَما على طريق تجاوز الأزمة الليبية، وجدد بوجدانوف التأكيد على نية موسكو تكثيف وتعزيز التعاون الروسي الليبي متعدد الأوجه على أساس مبادئ الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة وتقاليد الصداقة.

وفي ذات السياق، التقى رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” ونائبه موسى الكوني، يوم 2/3/2021 في طرابلس، القائم بأعمال رئيس البعثة الدبلوماسية الروسية في ليبيا، “جامشيد بولتايف”، وبحث المُجتمعُون أوجُه التَّعاوُن المُشترك بين البلديْن في العديد من القضايا المُهمَّة. إذا روسيا أيدت هذه الخطوة، وهي انتخاب المجلس الرئاسي الجديد، ورئيس الحكومة، وواصلت اهتمامها الواضح بالأزمة الليبية، انطلاقًا من موقفها المتعلق بالاهتمام بالمنطقة العربية، والحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية في ليبيا.

وفي 19/8/2021 توجهت “نجلاء المنقوش” وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية إلى موسكو في زيارة رسمية، وأعرب “لافروف” وزير الخارجية الروسي في مُستهلِّ مُحادثاته مع المنقوش والوفد المُرافق لهاعن سعادته باستقبال أول امرأة تتولى منصب وزير الخارجية في تاريخ ليبيا، وشدد الوزير الروسي على أن هذا الاجتماع يأتي في لحظة مهمة جدًا يجري فيها تقرير مصير ليبيا المستقبل، وقال: “إنه من المهم جدًا لروسيا نظرًا لدورها النشط في هذه المساعي الدولية، الاطلاع على تقييمات الحكومة الليبية المؤقتة لمُستجدات الوضع في البلاد، وتطلعاتها بشأن كيفية استمرار المجتمع الدولي في الإسهام على نحو فعال في تطبيق الاتفاقات المبرمة في جنيف في الخريف الماضي”. من جانبها أكدت د. نجلاء المنقوش على تفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات السابقة مع موسكو لتعجيل عجلة الاقتصاد في ليبيا، لافتة إلى التعويل على الدور الروسي في المساعدة من أجل توحيد المؤسسة العسكرية، وأضافت أن هناك توافقًا على دفع عجلة الاستقرار في ليبيا، وتنفيذ مخرجات مؤتمري برلين الأول والثاني، وتعزيز التواصل الدبلوماسي بين البلدين.

أما الرئيس الروسي “بوتين”، فقد دعى المُجتمع الدولي إلى مُواصلة الحوار مع كل الأطراف السياسية التي تتمتع بنفوذ في ليبيا. وقال بوتين، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشارة الألمانية “ميركل” في موسكو21/8/2021، إنَّ: “مُؤتمر برلين الثاني الذي انعقد في يناير الماضي بمُشاركتهما توصَّل إلى قراراتٍ أسهمت في تحسين الأوضاع على الأرض في ليبيا”. “ونعتقدُ الآن أنَّ على المُجتمع الدَّوليِّ أنْ يُواصل الحوار مع كُلِّ القوى السياسية التي تتمتعُ بنُفُوذٍ في ليبيا للحفاظ على هذه النتائج الإيجابيَّة وتطويرها إلى المُستوى الذي لمْ يتمَّ تحقيقُهُ بعْدُ”.

وبعد تأجيل الانتخابات قال النائب الأول للممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة “ديمتري ألكسيفيتش بوليانسكي”: إن “تأجيل العملية الانتخابية، يمكن أن يهدد بعواقب وخيمة”، مشددًا على أن بلاده تعتزم مواصلة المشاركة بنشاط في الجهود الدولية لتعزيز تسوية سياسية في ليبيا، سواء من خلال العمل الهادف مع الأطراف الليبية نفسها أو في صيغ متعددة الأطراف”.

ثالثًا: أبرز التطـوُّرات الرَّاهِـــنَةِ للأزمة الليبيَّة.

رصْـدٌ مُوجزٌ لمحطَّات الأزمة السِّياسيَّة الليبيَّة في عـــام 2021: 

أدلى أعضاءُ مُلتقى الحوار السِّياسي الليبيِّ بأصواتهم صباح يوم الجمعة 5/2/2021م، على القوائم الأربعة لمُرشَّحي المجلس الرِّئاسيِّ المُكوَّن منْ: ثلاثة أعضاء ومنصب رئيس الحُكُومة، والتي قُدِّمت، واستوفت عـــدد التَّزكيـــات المطلُوبة المنْصُوص عليها في آليَّة الاختيـــار، وتتألف القائمة الفائزة من: “محمد يونس المنفي”، رئيس المجلس الرئاسي، “موسى الكوني”، عضو المجلس الرئاسي، “عبد الله حسين اللافي”، عضو في المجلس الرئاسي، و”عبد الحميد محمد دبيبة”، رئيس الحكومة.

بمُجرَّد فوز هذه القائمة، بدأت المُشاوراتُ حول تشكيل الحُكُومة الجديدة، وأعلن السيدُ رئيس الحكومة أنه سلم يوم  25/2مُقترح معايير ومشرُوع تشكيل الحُكُومة لرئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” بعد انتهاء المُهلة التي اقترحتها لجنة الحوار في جنيف لتسليم حُكُومته لمجلس النُّوَّاب لنيل الثقة.

وتمَّ اختيارُ مدينة سرت لعقد جلسة البرلمان المُخصَّصة لمنح الثقة للحُكُومة، وبالفعل تمَّ عقدُ الجلسة يوم 8/3/2021م. وقد تمَّ تأجيلُ التَّصويت مرَّتان؛ بسبب طلب البرلمان من رئيس الحُكُومة إجراء تعديلاتٍ عليها، منْ جهته تعهَّد الأخيرُ بإجراء التَّعديلات المطلُوبة، واستكمال تسمية الحقائب الشاغرة. وبالفعل، أعلن رئيس الوزراء أسماء حُكُومة الوحدة الوطنية أمام مجلس النواب، مُطالبًا بمنحها الثقة للعمل على إعادة توحيد المُؤسَّسات، مُشيرًا إلى أنَّ الحُكُومة مُؤلَّفةٌ من(26 وزارة و6 وزراء دولة ونائبين)، وأعلن الدبيبة أنَّهُ جرى الاتفاق مع المجلس الرئاسي أنْ يتولَّى وزارة الدفاع رئيس الحُكُومة مُؤقتًا؛ نظرًا لوُجُود صراعٍ مُحتدمٍ على هذه الحقيبة.

وفي10/مارس، عقد مجلسُ النواب جلسته برئاسة رئيس المجلس، وتمَّ التَّصويتُ على منح الثقة للحُكُومة بأغلبيَّة 132 صوتًا، وبذلك نالت حُكُومة الوحدة الوطنية الثقة. وقد أدى رئيس حكومة اليمين الدستورية أمام البرلمان في ذات التاريخ المُشار إليه في مدينة طبرق، المقــرِّ المُؤقَّت للمجلس.

ورُغم إخفاقه المُتكرِّر في إقرار قانُون الميزانيَّة العامَّة للدَّولة 2021، عقد مجلسُ النُّوَّاب جلسةً مُهمَّةً لمُساءلة حُكُومة الوحدة الوطنيَّة يوم 8/9/2021م، وشملت نقاطُ الاستجواب عددًا من الملفَّات؛ بينها (الكهرباءُ، وجائحةُ كورونا، وتوحيدُ المُؤسَّسات، وإخراجُ المُرتزقة، وقطاعُ النفط الليبيِّ)، وسلطت المُذكَّرةُ المُحالةُ من مجلس النُّوَّاب إلى الحُكُومة_ الضَّوء على استمرار انقطاع الكهرباء لفتراتٍ طويلةٍ، فضلًا عن عدم الوفاء بالتَّعهُّدات المُتكرِّرة لحلِّ تلك المُشكلة، ووجَّهت لجنة الدفاع والأمن القومي أسئلة حول “إجراءات تسمية وزير الدفاع”، والتي طالب بها البرلمانُ مُسبقًا.

يُشار إلى أن الخلاف على الميزانية التي فشل البرلمان في تمريرها بعد ثماني جلسات، يشكل عنصرًا أساسيًّا في التوتر المتزايد بين الأطراف السياسية في ليبيا، حيث يتهم الدبيبة البرلمان بـ”التعمد” في تعطيل عمل الحُكُومة، مُوضِّحًا أنَّ مُبرِّرات النواب بعدم المُوافقة على مُقترحاته المُتكرِّرة للميزانيَّة “غير حقيقيَّة وواهية”، وأنَّ حُكُومتهُ أعدَّت “برنامجًا تنمويًّا منْ أجل ليبيا، لكنَّ البرلمان عطَّل بشكْلٍ مُتعمَّدٍ خُططها”، كما أعلن رفضهُ تهديدات البرلمان بسحب الثقة من الحُكُومة التي يقُـودُهــا. وفي جلسة استجواب الحُكُومة 8/9/2021، أكَّد الدبيبة احترامه المساءلة، والالتزام بالشفافيَّة، وفي ملف “إخراج المُرتزقة” قال الدبيبة: “نحنُ كليبيين لا نقبلُ بهم، لكن نحنُ كحُكُومةٍ تسلَّمْنا وهُم موْجُودُون، لمْ نأْتِ بهم، لكن لا نقبلُ بهم في كُـلِّ رُبُـوع ليبيا”.

وفي يوم 21/9/2021 م، أستأنف مجلسُ النُّوَّاب جلستهُ الرَّسميَّة، التي خُصِّصتْ للتَّصويت على سحب الثقة من الحُكُومة، بناءً على الطلب السَّابق من 45 نائبًا، وبعد تنفيذ القانون رقم (4) لسنة 2014 من خلال الاستماع لجلسة المُساءلة للحُكُومة، وبعد توفُّر النِّصاب في الجلسة تمَّ التَّصويتُ على سحب الثقة من الحُكُومة بأغلبيَّة (89 صوتًا) منْ أصوات أعضاء المجلس الحاضرين فعليًّا في الجلسة، وهُمْ 113 نائبًا، لمْ يتم احتسابُ 11 صوتًا آخر مُطالبين بسحب الثقة من النواب الذين لمْ يتمكَّنُوا من الحُضُور، وبالتالي، “استمرت الحُكُومة بعد سحب الثقة في تصريف وتسيير الأعمال اليوميَّة”

الاستحقاقُ الانتخابيُّ في 24 ديسمبر 2021، وإشكاليَّاتُ التأجيل والتعثر:

رغم ما يبدُو منْ إجماعٍ ودعمٍ دوْليٍّ لإجراء الانتخابات في موعدها، فإنَّ السِّياقات السَّائدة تعكسُ التَّوجُّس وعدم الثقة بين الأطراف، وتضاؤُل احتمالات جلاء القُوَّات والمُسلَّحين الأجانب من البلاد، وبينما اتَّفق مُلتقى الحوار السياسي الليبى على أنَّ أولى مهام السلطات: التمهيد لإجراء الانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة، فقد اقتصر دورها على الكلام دون الأفعال، بينما تؤكد مصادر مختلفة سعيها تمديد فترة ولايتها إلى عامين على الأقل، كما أن المجلس الرئاسي الذى أوكلت له مهمة تحقيق المصالحة الوطنية انشغل في الزيارات الخارجية، ولم يتمكن من ممارسة دور القائد الأعلى للقوات المسلحة. هكذا يبدو واضحًا أن جوهر العوائق سياسي بالدرجة الأولى، ويرتبط بالصراع الدائر بمشاركة خارجية منذ 2011 م.

لقد عجز مُلتقى الحوار السياسي عن وضع قاعدة دستورية للانتخابات، فعاد مجلس النواب للمُداولة، وأعد مشروع قانون لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، على أن يقوم بوضع قانون مشابه لانتخاب البرلمان القادم لاحقًا، لكن الفاعلين والديناميات المشار إليها سلفًا، عادت لتفعل فعلها، لتزيد المشهد إرباكًا وتُعزِّز التَّأزُّم. هكذا، وضمن هذه الأجواء أصدر رئيسُ البرلمان قانُونًا لانتخاب الرئيس أعلنت مُفوضيَّة الانتخابات استلامها لهُ، تمْهيدًا للعمل الفعليِّ، ورحَّبت به البعثة الأمميَّةُ في ليبيا وعددٌ من الدُّول، لكنَّهُ لقي مُعارضة عددٍ من النواب لمُخالفته اللوائح الدَّاخليَّة، إضافةً إلى اعتراض مجلس الدَّولة الاستشاريِّ وأطرافٍ سياسيَّةٍ مُختلفةٍ. ومع احتمال أن يعيد مجلس النواب النظر في القانُون المذكُور ليحظى بقبُول كُلِّ الأطراف تبقى العقبة الكأْداءُ هي أنَّ الأطراف الحاليَّة تخْشى أنْ تُحيلها تلك الانتخاباتُ إلى “التَّقاعُد الإجباريِّ”، أي الخُرُوج من المشهد نهائيًّا؛ ولذلك تسعى إلى العرقلة بحُججٍ مُخْتلفةٍ. وبصرف النَّظر عن ذلك فإنَّ هُناك أسبابًا للاختلاف بين الأطراف، بدْءًا من الهدف من الانتخابات، وما إذا كانت تتضمَّنُ الاستفتاء على مُقترح الدستُور الدَّائم الذي أنجزتهُ، وسط مُعارضةٍ وشُكُوكٍ مُتعدَّدةٍ، الهيئةُ التَّأسيسيَّةُ لصياغة الدستُور، أمْ إجراء انتخاباتٍ لهيئةٍ تشريعيَّةٍ أو برلمانٍ جديدٍ، أم انتخابُ رئيس للدَّولة وبرلمانٍ جديدٍ في آنٍ واحدٍ، وانتهاء بالعلاقة بين السُّلطات وتحديد اختصاصاتها.

الأزمةُ الليبيَّةُ: واقترابُ مرحلة الحسم السِّيــاسيِّ:

إنَّ المراحل الانتقاليَّة المُتعاقبة التي عاشتها الدولة الليبية مُنذُ سُقُوط نظام القذافي عام 2011م، تسبَّبتْ في هدر كثيرٍ من الوقت والجُهد والثَّروات (المادِّيَّة والبشريَّة) لهذا البلد، وأدخلتهُ لمرَّاتٍ عديدةٍ في أتُون حُرُوبٍ شرسةٍ، لعبت فيها الأطرافُ الإقليميَّةُ والدَّوليَّةُ أدورًا بارزةً، ومع فشل تحقيق الاستحقاق الانتخابي المنتظر تتزايد التحديات المحدقة بالدولة الليبية، وتدخل هذه الأزمة مرحلة جديدة مليئة بملامح الإخفاق، ومشُوبة بخيبة الأمل من تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ووفقًا لهذا السِّياق، فإنَّ صراعات المحاور تبْدُو أكثر حدَّةً في المشهد الرَّاهن؛ لسببٍ جوْهريٍّ يصعُبُ تفاديه، وهُو “تعارُضُ المصالح”، فالأطرافُ المعْنيَّةُ بصياغة قواعد العمليَّة السِّياسيَّة، عبر البرلمان أو المجلس الأعلى للدَّولة، أو المُشاركين في منْحها صكَّ المشْرُوعيَّة عبر المُلتقى السِّياسيِّ، هُمْ أنفُسُهُم مُرشَّحُون أو مُمثلُون للقوى التي ستترشَّحُ في الانتخابات المُقبلة، وبالتَّالي يسعى كُلُّ طرفٍ إلى هندسة المُخْرجات لصالحه، وهُو ما يُفسِّرُ صُعُوبة التوافُق على القاعدة الدُّسْتُوريَّة، لاسيما ما يتعلَّقُ بتراتُبيَّة الاستحقاقات: (الاستفتاءُ على الدستُور– الانتخاباتُ الرِّئاسيَّةُ والتَّشريعيَّةُ بالتَّزامُن أم بشكلٍ مُنفصلٍآليَّةُ انتخاب الرَّئيس وصلاحيَّاته). 

البرلمانُ الليبي وملامحُ “خارطة الطريق”:

أصدرت هيئة رئاسة مجلس النواب الليبي 23/12/2021 م، قرارًا بتشكيل لجنةٍ مُكوَّنةٍ منْ عشرة أعضاء بالبرلمان للعمل على إعداد مُقترحٍ لخارطة طريق ما بعـد 24 ديسمبر، بعد أنْ لاحت في الأفق ملامحُ الإخفاق في تحقيق ذلك الاستحقاق الانتخابي. وكانت المُفوَّضيَّة العُليا للانتخابات في ليبيا اقترحت تأجيل الانتخابات شهرًا آخرًا، وإجراء الاقتراع يوم 24 يناير المُقبل، بعد تعثُّر مرحلة الطُّعُون بسبب النزاعات القانُونيَّة والسِّياسيَّة، وهُو ما أدَّى إلى استحالة إجرائها في موعدها المُقرَّر. كما سيطرت الأجواءُ المُتوتِّرةُ على الميدان بعد تهديد ميليشيات مُسلَّحةٍ بمنع الانتخابات، ما أثار مخاوف من إمكانيَّة أنْ يُؤدِّي إجراؤُها إلى ضرب الاستقرار وتهديد عمليَّة السَّلام في البلاد.

وكان رئيس مجلس النواب المستشار “عقيلة صالح” في جلسة 7 فبراير، أعلن اعتماد المجلس “خارطة الطريق”، التي تنص على أن تُجرى الانتخابات خلال 14 شهرًا من تاريخ تعديل الإعلان الدستوري.

وفي 10/2/2022م عقد البرلمانُ جلستهُ الرَّسْميَّة، حيثُ تمَّ التَّصْويتُ على إقرار التَّعديل الدستُوريِّ الثاني عشر، (بعد إقراره منْ لجنة خارطة الطريق بالبرلمان وكذلك لجنة المجلس الأعلى للدَّولة المُختصَّة بهذا الصَّدد والتَّوافُق على هذا التَّعْديل)، وكانت نتيجة التصويت: إقرار التعديل بـ(126) صوتًا من أصل النواب الحاضرين، الذين تجاوز عددُهُم 147 نائبًا. وجاء في المادة الأولى من التعديل المشار إليه: تُعدَّلُ الفقرة (12) من المادَّة (30) من الإعلان الدُّستُوريِّ بحيثُ يجري نصُّها على النَّحْو التَّالي:

  • تشكل لجنة من 24 عُضوًا من الخُبراء والمُختصِّين مُمثلين بالتساوي للأقاليم الجغرافية التاريخية الثلاث، يتم اختيارهم من قبل مجلسي النواب والدولة مُناصفةً، مع مُراعاة التنوع الثقافي، تتولى مراجعة المواد محل الخلاف في مشروع الدستور المُنجز من قبل الهيئة التأسيسية، وإجراء التعديلات المُمكنة عليه، ولها في سبيل إنجاز مهمتها الاستعانة بمن تراه مناسبًا.

  • في أول اجتماع لها خلال أسبوعين من تاريخ إصدار هذا التعديل أو برئاسة أكبر الأعضاء سنًّا تنتخب بطريق الاقتراع السري رئيسًا لها ونائبًا ومُقرِّرًا، وتضع اللائحة الداخليَّة المُنظمة لعملها.

  • تنتهي اللجنة من إجراء التعديلات خلال خمسة وأربعين يومًا بدءًا من أول اجتماع لها خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ صدور هذا التعديل، ويحال مشروع الدستور المعدل مباشرة إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات للاستفتاء عليه، وإذا تعذر إجراء التعديلات بعد انتهاء هذه المدة تتولى لجنة مشكلة من مجلسي النواب والدولة خلال مدة أقصاها شهرإعداد قاعدة دستورية وقوانين انتخابية ملزمة للطرفين لدورة رئاسية وبرلمانية واحدة، ويحال النظر في مشروع الدستور المنجز من قبل الهيئة التأسيسية إلى السلطة التشريعية الجديدة.

  • يصدر مجلس النواب قانون الاستفتاء وقوانين الانتخابات العامة بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة وفق الأساس الدستوري. يعاد تشكيل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ويصحح وضعها القانوني، وتتولى إجراء الاستفتاء والانتخابات العامة تحت إشراف القضاء الوطني وبمراقبة محلية ودولية.

  • تعتمد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات، وتعلنها وتباشر السلطة التشريعية الجديدة عملها بعد مضي ثلاثين يومًا من إعلان نتائج الانتخابات النهائية، وفي أول جلسة لها يحل مجلس النواب والدولة وتقوم السلطة التشريعية الجديدة بأداء مهامها وفقًا للدستور([35]).

كما تمَّ في هذه الجلسة التَّصويت على منح الثقة للسيد فتحي باشا آغـا، بإجماع النواب الحاضرين، وذلك بعد أن استمع إلى برامج المترشحين لرئاسة الحكومة، وعددهم اثنان، ممن استوفوا متطلبات الترشح

وكان رد فعل الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية هو رفضه لتسليم السلطة لرئيس الحكومة الذي تم منحه الثقة من البرلمان، بحجة أنه سوف يسلم السلطة لجهة منتخبة. وأنه لايزال يمارس عمله وفق مدد خارطة الطريق المحددة بـ18 شهرًا، وقال باشا آغا: “نحن اليوم نبدأ صفحة وطنية جديدة عنوانها السلام والمحبة لا مكان فيها للأحقاد وسأعمل على أن أكون عند حسن الظن”.

وفيما استعرضت ميليشيات موالية لرئيس حكومة “الوحدة” الوطنية، عبد الحميد الدبيبة_ قوتها في العاصمة طرابلس، دافع رئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري” عن قرار مجلس النواب تنصيب فتحي باشا آغا لرئاسة حكومة الاستقرار الجديدة في البلا،. وقال المشري في بيان متلفز: “إن تنصيب باشا آغا تم بالتوافق مع مجلس النواب والنص المصاحب للتصويت بمنح الثقة في مارس الماضي لحكومة الدبيبة، على أن تنتهي مدتها في 24 ديسمبر 2021 م”.

من جانبها، سعت المبعوثة الأممية الخاصة “ستيفاني ويليامز” إلى الوساطة؛ حيث اجتمعت مع الدبيبة بمقر حكومته في طرابلس، وأوضحت أنهما استعرضا العملية الجارية، لافتة إلى أنها أكدت مجددًا أهمية أن تعمل جميع الأطراف الفاعلة والمؤسسات ضمن الإطار السياسي وأن تحافظ قبل كل شيءعلى الهدوء على الأرض من أجل وحدة ليبيا واستقرارها، كما أكدت ويليامز في اجتماعها مع من وصفته برئيس الوزراء المكلف “فتحي باشا آغا”، ضرورة المضي قدمًا بطريقة شفافة وتوافقية من دون أي إقصاء، مشيرة إلى أنها شددت على الحفاظ على الاستقرار في طرابلس وفي جميع أنحاء البلاد، وأنه يتوجب مواصلة التركيز على إجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة وشاملة في أقرب وقت ممكن.

الخـاتمـة:

نخلُصُ ممَّا تقدَّم إلى أنَّ الأزمة السِّياسيَّة الليبيَّة (المُعقَّدة ومُتعدِّدة الأبعاد) مرَّت بعدَّة محطَّاتٍ مُهمَّةٍ( سياسيَّةٍ، ودُستُوريَّةٍ،…)، وتباينت حولها رُدُودُ الأفعال الإقليميَّة والدوليَّة، تبعًا لمصالح الأطراف المُختلفة التي انخرطت في هذه “الأزمة” عبر مراحلها المُختلفة، وعلى ما يبدُو فإنَّ التَّوافُقات الهشَّة بين الفُرقـاء الليبيين، والحوارات السِّياسيَّة المُتتالية، برعايةٍ أُمميَّةٍ ودوْليَّةٍ، لمْ تُثمر حُلُولًا سياسيَّة ناجعةً، ولمْ تُحقِّق توافُقًا سياسيًّا حقيقيًّا، فما يزالُ تناقُضُ المصالح، وصراعُ المحاور، والبحثُ عن الغنائم من الكعكة الليبيَّة هُو سيِّدُ الموقف حتَّى هذه اللحظة.. وأمام معطيات ما بعد منح الثقة للسيد باشا آغا كرئيس للحكومة الجديدة، وسيره قدمًا نحو تشكيل حكومته، ورفض عبد الحميد الدبيبة تسليم السلطة لهذه الحُكُومة تُشيرُ كُلُّ الدَّلائل إلى أنَّ هذه الأزمة ستشهــدُ مزيدًا من التَّطوُّرات المُهـمَّة في الفترة القريبة المُقبلة.. 

_______________________

مواد ذات علاقة