عثمان لحياني

يظهر بوضوح أن المسافة بين الموقفين الجزائري والمصري بشأن الأزمة الليبية، باعتبارهما أكبر الأطراف المعنية بهذه الأزمة من دول جوار ليبيا، بدأت تتباعد وتتباين بشكل كبير، بسبب رغبة القاهرة في فرض خيارات محددة للحل، فيما تميل الجزائر إلى الشرعية الدولية أكثر من الحسابات السياسية والإقليمية.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قال في أحد حواراته التلفزيونية، إنه لن يحدث تطبيق أي حلّ سياسي في ليبيا من دون استشارة ومشاركة جزائرية، وإن أي محاولة لإقصاء الجزائر من إنفاذ الحلول في ليبيا سيكون مآلها الفشل.

والدبلوماسيون في الجزائر يعتبرون أن إقدام القاهرة على إنفاذ مشروع انقلاب حكومي، ولو عبر مجلس النواب الليبي، ومن دون توافق مع الأطراف الليبية والإقليمية المعنية بالأزمة بشكل مباشر، هو محاولة من القاهرة لتحييد الجزائر والقفز على المعطيات التي تغيرت في الفترة الأخيرة، في علاقة بعودة الجزائر إلى الملعب الإقليمي، خصوصاً في القضايا التي لها صلة مباشرة بأمنها القومي واستقرار المنطقة.

ثمّة اقتناع تام لدى سلطة القرار في الجزائر، بأن أي تقييم للموقف السياسي، يؤكد أن غياب الجزائر في الفترة ما قبل 2019 عن الساحة الليبية (لظروف داخلية معقدة تتعلق بارتباك صنع القرار بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة منذ عام 2013) وعن مدخلات الأزمة ومفاتيحها، لم يكن في صالح الجزائر مطلقاً.

كما لم يكن هذا الغياب عاملاً مساعداً على إحداث التوازن المطلوب في ليبيا لإنجاح مسارات الحل السياسي، ووضع كهذا أتاح لأطراف إقليمية، بكثير من الأنانية، محاولة فرض خيارات وأجندات قد لا تخدم استقرار المنطقة ولا ليبيا في حدّ ذاتها.   

لقاء الرئيس تبون برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في قطر في فبراير/شباط الماضي، على هامش قمّة الغاز، كان السبب الرئيس في إلغاء قمّة ثلاثية كانت ستجمع الرئيس الجزائري والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الكويت (مع أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح)، بحسب ما تسرب في الإعلام يومها.

لقاء تبون بالدبيبة كان رسالة واضحة من الجزائر باتجاه القاهرة بشأن رفض مساعيها لتثبيت حكومة فتحي باشاغا. والزيارة الأخيرة للدبيبة إلى الجزائر، خصوصاً مع وفده الأمني، تحمل تأكيداً للرسالة السابقة، وتصب في السياق ذاته. يتعين على مصر أن تفهم المعنى وتعيد الحسابات الإقليمية بشأن ليبيا، ومثلما للقاهرة مصالح حيوية، للجزائر مثلها وأكثر، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، مع فارق أخلاقي يحكم الموقف الجزائري، ويتعلق بأولوية مصلحة الليبيين بالدرجة الأولى.

والحدة التي يتحدث بها المسؤولون في الجزائر بشأن ليبيا، والطريقة التي تدير بها الجزائر موقفها من الأزمة الليبية في الفترة الأخيرة، توحي فعلياً بأن هناك تغيراً كبيراً في محددات الدور الجزائري وإعادة قراءة أكثر صرامة للخريطة السياسية والأمنية المحيطة بالجزائر، ومراجعة التمركز الجزائري في أزمات المنطقة. ينطبق ذلك أيضاً على مالي وتونس، وعودة إلى مسافة أوسع للأمن القومي للبلاد.

قدماء الدبلوماسية الجزائرية كانوا يرددون في السابق مقولة ذات معنى: الأمن القومي للجزائر يبدأ من بنغازي وينتهي في باماكو.

.

.

.

****************

الدبيبة في الجزائر على وقع الانقسام الحاد داخل المؤسسة التنفيذية الليبية

بحث مع تبون إمكان عقد مؤتمر دولي على مستوى وزراء الخارجية يغطي الخطوات المهمة التي يدعمها العالم في مجال الانتخابات

علي ياحي

انتهت الزيارة لكنها لا تزال مثار تأويلات وتساؤلات في الجزائر وليبيا، وبالتأكيد لدى جهات أخرى، هذا ما تركه التنقل المفاجئ لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى الجزائر، على رأس وفد وزاري وأمني، ولم يكن متوقعاً أن يتنقل الدبيبة، وهو قليل التحرك من العاصمة طرابلس، إلى الجزائر، بالنظر إلى الخلاف السياسي الحاد والاضطراب الأمني في ليبيا، وفي ظل سياسة استقطاب وتشابك بين مصالح القادة المحليين، وحسابات الأطراف الخارجية، إذ تعيش البلاد على وقع حكومتين تتصارعان، حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جديدة مكلفة من مجلس النواب يرأسها فتحي باشاغا، وفي ظل عدم توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، الأمر الذي خلق اضطرابات تهدد البلاد بفوضى قد تعيد الوضع إلى المربع الأول، لا سيما بعد إقدام داعمين لحكومة باشاغا على إغلاق حقول وموانئ نفطية، والمطالبة مقابل إعادة فتحها، بخروج حكومة الدبيبة من المشهد وتسليم السلطة.

سرية

ورافقت الزيارة سرية تامة، ولم يتسرب إلا ما فضل الطرفان نشرهللصحافة، وقال الدبيبة، بعد محادثات أجراها مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إنه بحث مع الرئيس الجزائري إمكان عقد مؤتمر دولي على مستوى وزراء الخارجية يغطي الخطوات المهمة التي يدعمها العالم في مجال الانتخابات في ليبيا، مؤكداً أنه تم تناول العديد من الملفات المهمة، وأهمها عقد الانتخابات، وأشار إلى أن الحكومة قدمت تصوراً لإنجاز هذا المشروع المهم، والانتقال بليبيا إلى دائرة الاستقرار واختيار الشعب الليبي، وثمّن الدبيبة الدور المهم والمأمول للجزائر في دعم هذه الانتخابات، وضرورة إجرائها في أقرب وقت ممكن، مبرزاً أنه تم بحث زيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين، بخاصة النفط والغاز والتحكم في الأسعار وتسويقها، لا سيما مع الظروف الاقتصادية العالمية الحالية، وشدد على أن حكومته ستقوم بخطوات رادعة ضد العبث بثروات الشعب الليبي، في إشارة إلى محاولات وقف إنتاج النفط في بعض المحطات والمصافي في ليبيا، وأن القرار هو للشعب الليبي، معبراً عن ارتياحه لما لقيه من دعم سياسي من قبل السلطات الجزائرية خلال الزيارة.

وفد أمني مثير للاهتمام

وأعطت الجزائر اهتماماً واسعاً للزيارة بالنظر إلى الوفد الذي استقبل الدبيبة، بمطار الجزائر الدولي، حيث كان في استقباله الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، ووزير الخارجية رمطان لعمامرة، ووزير الداخلية كمال بلجود، ووزير الاتصال محمد بوسليماني، كما حظي باستقبال رسمي من الرئيس عبد المجيد تبون، كما هي الزيارة اللغز في ظل الوفد الأمني الذي رافق الدبيبة، وفي مقدّمه رئيس الأركان العامة الفريق محمد الحداد، ورئيس جهاز المخابرات العامة محمد خليفة، ورئيس جهاز الأمن الداخلي لطفي الحراري.

وأمام تمسك الجزائر بالشرعية الدولية أكثر من الحسابات السياسية والإقليمية، وتأكيد الرئيس تبون على أنه لن يحدث تطبيق أي حل سياسي في ليبيا من دون استشارة ومشاركة جزائرية، وفي ظل استمرار ترحيبها برئيس حكومة الوحدة الوطنية، كما حدث في الدوحة بقطر، شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث التقاه الرئيس تبون على هامش قمة الغاز، ثم، هذه المرة، في الجزائر العاصمة، فإن الجزائر كشفت عن موقفها من الأزمة السياسية والأمنية الحاصلة في ليبيا.

حالة حادة من عدم التوافق

رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد الوهاب حفيان، أن الزيارة تأتي في وقت تعيش فيه ليبيا حالة حادة من عدم التوافق، بخاصة بعد إعلان حال القوة القاهرةفي بعض موانئ التصدير النفطي في البلاد، نتيجة استيلاء جماعات مسلحة عليها للضغط على الدبيبة لتسليم السلطة لحكومة فتحي باشاغا، مشيراً إلى أن الزيارة تندرج في إطار الخرجات التسويقية التي لا هدف منها سوى كسب بعض الحشد الدولي للخطة التي يروّج لها الدبيبة لمشروع الانتخابات بعدما فشلت ليبيا في تنظيمها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وكشف أن حكومة الوحدة الوطنية تسعى لأن تكون الجزائر محل انعقاد قمة دولية، لدراسة الوضع في ليبيا، وإيجاد توافق دولي حول تصور مشترك لحلحلة الأزمة، بخاصة أمام التوافق الجزائريالمصري، والجزائريالإيطالي، كما أن التوجه نحو إيجاد مخرج للعلاقات الفرنسيةالجزائرية قد يعود بالفائدة على صعيد الملف الليبي.

أكثر من رسالة

من جانبه، قال أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي، إن الزيارة تحمل أكثر من رسالة موجهة لأطراف عدة داخل ليبيا وخارجها، وأشار إلى أن الرسالة الأولى التأكيد أن ليبيا تنتمي إلى النظام الإقليمي المغاربي الذي تشكل الجزائر محوره ونواة وجوده، وأن الأزمة الليبية يجب حلها ضمن هذا الأساس وبمشاركة المجموعة الدولية وفق ما يمليه القانون الدولي، مضيفاً أن الزيارة جاءت لتوضح موقف الجزائر من الانقسام داخل المؤسسة التنفيذية الليبية بعد انتخاب باشاغا كرئيس للحكومة من قبل برلمان الشرق، وهو التمسك بحكومة الدبيبة المعترف بها دولياً والمدعومة أممياً، والتي مهمتها تنتهي بتنظيم انتخابات عامة، كما أنها تؤكد رفض الجزائر المطلق للمغامرات الانتقالية التي تخدم مصالح ضيقة على حساب الشعب الليبي، وتطيل من أمد الأزمة ومعاناة الليبيين في ظل عالم يشهد تحولات متسارعة.

أضاف كاهي أن استقبال الدبيبة في الجزائر يأتي بالتزامن مع النقاشات الموسعة التي يخوضها برلمان الشرق في العاصمة المصرية القاهرة، ما يبعث برسالة للحاضرين هناك بأن حل الأزمة الليبية لن يكون إلا جزائرياً، ومكان ليبيا فضاؤها المغاربي وليست تناقضات ومتاهات الشرق الأوسط، إضافة إلى أنه رسالة بأن طرابلس خط أحمر، وبأن ما يخطط له باشاغا باقتحام طرابلس بالقوة لن يتم، مشيراً إلى أن الأزمة الليبية تقف وراءها أطراف خارجية، وسقوط طرابلس والسلطة المركزية معناه انهيار تام للدولة الليبية وغياب قاعدة حقيقية يبنى عليها المسار الدستوري.

البحث عن دعم وكسر العزلة

واعتبر الباحث المصري المهتم بالشؤون العربية، رئيس مركز الجمهورية الجديدةللدراسات السياسية والاستراتيجية حامد فارس، أن الزيارة تأتي في إطار البحث عن دعم جديد لحكومة الدبيبة وكسر العزلة الدولية التي فرضت عليها بعد قيام مجلس النواب الليبي بمنح الثقة لحكومة فتحي باشاغا، بخاصة أن الجزائر كانت دائماً لاعبة محايدة في المشهد الليبي، ولم تنغمس في التدخل بشؤونها الداخلية، مبرزاً أن هذه الزيارة تعتبر ورقه التوتالأخيرة التي يتمسك بها الدبيبة لاستعادة وجود حكومته في المشهد العربي والدولي، وتابع فارس أن الدبيبة يحاول إيجاد مخرج لنفسه من أزمته الخانقة التي تزداد يوماً بعد يوم، لا سيما بعد التجييش العسكري المتبادل بين الفرقاء الليبيين في ظل تمسك باشاغا بالحلول السلمية والقانونية لتسليم السلطة لحكومته، وأيضاً بعد إغلاق حقول النفط وما يمثله من ضغوط كبيرة إضافية، موضحاً أن الدبيبة يبحث في إدخال الجزائر كوسيط لحل الأزمة الحالية بعد رفض تونس التدخل.

_________________________

مواد ذات علاقة