“نظام روما الأساسي بحد ذاته لا يُجرّم الشريعة الإسلامية أبداً“
أكد المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله، أن عددا كبيرا من الأمور داخل نظام المحكمة متطابق مع الشريعة الإسلامية، وكل ما تجرمه القوانين الدولية اليوم محرم في الإسلام منذ أكثر من 1400 عام.
وأضاف العبدلله في حوار مع “الاستقلال“، أن القانون الجنائي الدولي بني ويبنى على أسس من الموروثات الحضارية في العالم، من بينها بالطبع الشريعة الإسلامية التي كانت من أوائل من سنوا قوانين وقواعد للحرب.
وعن الحرب الدائرة في أوكرانيا، أوضح العبد الله أن المحكمة تجاوبت مع استعداد أوكرانيا للتعاون معها في التحقيقات حول ادعاءات ارتكاب الجيش الروسي فظائع ضد المدنيين، وبناء على ذلك بدأ المدعي العام فتح التحقيقات في ذلك.
ولفت إلى أن المحكمة لن تقبل أي دليل من الحكومة الأوكرانية بشأن جرائم الحرب بدون التحقق منه.
عربيا، أشار المتحدث باسم المحكمة الدولية إلى أن المدعية العامة أعلنت أن هناك “أساسا معقولا” للاعتقاد بأن جرائم ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال حرب غزة عام 2014، وقررت فتح تحقيق بشأن الجرائم ضد المدنيين التي وقعت على أراضي فلسطين بحدود 1967.
كما لفت العبدالله إلى أن أمر القبض الصادر ضد سيف القذافي لا يزال ساري المفعول ولن يسقط بالتقادم.
وعن الانتهاكات الحقوقية بمصر واليمن، قال إنه لا صلاحية للمحكمة الجنائية الدولية على هاتين الدولتين، لذا لا تحقق بجرائم ضد الإنسانية هناك.
والعبد الله (55 عاما) من مواليد طرابلس بلبنان، وهو كاتب وحقوقي وشاعر ومحام وناقد موسيقي، وحصل على الدكتوراه في القانون من جامعة باريس الثانية، ولديه طيف واسع من العروض والكتب المنشورة.
أزمة أوكرانيا
ما موقف المحكمة الجنائية الدولية من الحرب الروسية الحالية ضد أوكرانيا وما يتردد عن جرائم حرب؟
المحكمة تجاوبت مع استعداد أوكرانيا للتعاون معها في التحقيقات حول ادعاءات ارتكاب الجيش الروسي فظائع ضد الأوكرانيين، وبناء على ذلك بدأ المدعي العام فتح التحقيقات في تلك الادعاءات.
كيف ستتعاطى المحكمة مع البلاغات من طرفي الصراع سواء أوكرانيا أو روسيا فيما يتعلق بالضحايا المدنيين؟
تحقيقات المحكمة من خلال المدعي العام تأخذ الوقت الكافي للتحقق من مدى صدق الأدلة وصلاحيتها ومدى وجود ما يمكن وصفه بجريمة من عدمه وتلك التحقيقات تتم بسرية تامة وهو ما يجعلني لا أتحدث عن أية تفاصيل بهذا الشأن.
كيف ترى تصريحات المدعي العام للمحكمة بشأن الادعاءات بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا؟
المدعي العام للجنائية الدولية قال إن لديهم قناعة بأن جرائم قد ارتكبت في أوكرانيا تدخل في اختصاصات المحكمة، وأنهم يسعون إلى العمل مع روسيا بشأن ما يجري في أوكرانيا، دون إجبار أية جهة على التعاون معهم.
وأكد أن هناك أسبابا منطقية تشير إلى ارتكاب جرائم في أوكرانيا ما قد يفضي إلى رفع المسألة للمحكمة.
فضلا عن أن مهمة المدعي العام للمحكمة، هي التحقق من مصداقية الأدلة بشأن ارتكاب جرائم في أوكرانيا، ويتحدث عن أدلة مادية بشأن ما يجري في أوكرانيا لا انطباعات؛ كما أنه لن يقبل أي دليل من الحكومة الأوكرانية بدون التحقق منه.
كيف تعلق على إعلان المدعية العامة الأوكرانية بدء جمع الأدلة بشأن ما وصفته بالجرائم الروسية ضد الإنسانية؟
هذه الأمور تخضع لتقدير المدعي العام للمحكمة بعد الاطلاع على تلك الأدلة، وهو المعني بالتحقق من صدق هذه الأدلة من عدمه، ومن ثم يقرر إحالتها للمحكمة أو يتم تجاهلها.
ماذا عن الادعاءات بأن روسيا ارتكبت جرائم حرب في مدينتي بوتشا وماريبول؟
أوكرانيا دولة قبلت باختصاص المحكمة، وأبدت استعدادها للتجاوب مع متطلبات التحقيق بشأن الجرائم التي وقعت على أراضيها خلال الحرب الحالية، ويمكن النظر في ادعاءات بوجود جرائم خلال العملية العسكرية الروسية السابقة في 2014 في شبه جزيرة القرم.
هل يختلف وضع التحقيق في حال كانت الدولة المعنية تمتلك حق النقض بمجلس الأمن مثل روسيا؟
اختصاص المحكمة الجنائية الدولية مكمل للمحاكم الوطنية، فهي لا تتدخل إذا كان القضاء الوطني يقوم بدوره بجدية، واختصاصها يشمل الجرائم الأكثر خطورة على المستوى الدولي، في حال وقعت على أراضي دولة منضمة إلى نظام المحكمة، أو من قبل مواطني مثل هذه الدولة العضو بالمحكمة.
ويظل الاستثناء الوحيد على هذا الشرط هو الإحالة المباشرة من مجلس الأمن، مثلما حصل في ملف دارفور مثلا، حيث يمكن لمجلس الأمن إحالة النزاع أمام المحكمة حتى وإن لم تكن الدولة المعنية منضمة إلى المحكمة.
وبالنسبة للادعاءات بخصوص ما ارتكبته روسيا في أوكرانيا لا يزال محل تحقيق سري ويخضع لتقدير المدعي العام وقضاة المحكمة بعد الاطلاع على تفاصيل الأدلة ومدى مصداقيتها.
انتهاكات دولية
إلى جانب أوكرانيا تنظر المحكمة بأكثر من اثني عشر تحقيقا أوليا، وعشرات القضايا في مختلف بؤر الصراعات في العالم، فما أهمها؟
لا شك أن مكتب المدعي العام فتح العديد من التحقيقات في مختلف دول العالم، سواء كان الأمر متعلقا بميانمار وبنغلاديش، أو فلسطين وإسرائيل، أو جورجيا، أو أوكرانيا، أو مالي، أو بوروندي، أو فنزويلا وغيرها من مواطن النزاعات.
ونؤكد على أن كل هذه القضايا مهمة بالنسبة للمحكمة؛ لأن الضحايا ينتظرون تحقيق العدالة مهما طال انتظارها وهو حقهم الطبيعي، حيث ينظر مكتب المدعي العام في العديد من التحقيقات الأولية، وأكثر من ثلاثين قضية في العالم.
هل يساهم إعلان الولايات المتحدة عن حصولها على أدلة ارتكاب سلطة الانقلاب العسكري في ميانمار جرائم حرب ضد أقلية الروهنغيا المسلمة في تعجيل المحاكمة؟
أعلنت الأمم المتحدة، على لسان المتحدثة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع لها، أنهم تمكنوا من تحديد نمط وجود هجمات مخطط لها وممنهجة ارتكبتها سلطة الانقلاب العسكري في ميانمار، قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وتم رصد قرائن بارتكاب جيش ميانمار مع مليشيات بوذية جرائم واعتداءات ومجازر وحشية ضد أقلية الروهنغيا في أراكان خلفت قتلى بالآلاف، ومهجرين بمئات الآلاف.
الأمم المتحدة تصنف مسلمي الروهنغيا بأنهم الأقلية الدينية الأكثر اضطهادا في العالم.
وفي قضية الروهنغيا وقع جرم التهجير على أرض بنغلاديش وهي دولة منضمة للمحكمة؛ لذلك قبلت الجنائية الدولية بالدعوى وأحالتها المدعية العامة فاتو بنسودا للتحقيق، ووافق قضاة المحكمة لوجود ولاية قضائية لها، والشروط متوفرة في قضية الروهنغيا.
ما موقف المحكمة من قضية أقلية الإيغور في الصين وما يتعرضون له؟ وهل هناك قضايا منظورة أمامها بهذا الخصوص؟
الصين ليست عضوا بالمحكمة، الأمر الذي يصعب ملاحقتها حيث لا ولاية للمحكمة عليها.
فالمحكمة الجنائية أنشئت باتفاقية دولية تعرف بـ“نظام روما الأساسي” منذ عام 1998 خلال مؤتمر دبلوماسي دولي برعاية الأمم المتحدة في روما، ودخلت حيز النفاذ مطلع يوليو/ تموز 2002.
والمحكمة أنشئت باتفاقية دولية ونحن نحترم بشكل مطلق اختيارات كافة الدول، ونسعى لإثبات مهنية وجدية المحكمة لإقناع كافة الدول بفائدة الانضمام للمحكمة، لكن في النهاية هذا قرار يرجع لاختيار كل دولة والنخب الموجودة بها.
ويتيح نظام روما للمحكمة أن تلاحق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان، إذا ارتكبت هذه الجرائم على أراضي دولة منضمة إلى نظام روما أو قبلت بهذا النظام، أو ارتكبت على أيدي مواطنين من هذه الدولة.
الاستثناء الوحيد على هذا الشرط هو عندما يحيل مجلس الأمن الوضع إلى المحكمة بقرار ملزم وفقا للفصل السابع، مثلما حصل في شأن دارفور في السودان وليبيا.
هل للمحكمة ولاية على الشخصيات التي تتمتع بحصانات كرؤساء دول أو حكومات أو وزراء؟
وفقا لنظام روما وللقانون الدولي فإنه لا حصانة لأحد أمام المحكمة الجنائية الدولية متى توافرت شروط اختصاصها، ويكون هناك أوامر بالقبض على الشخصيات التي يتم إدانتها حتى لو تعلق الأمر برؤساء دول، فليس هناك حصانات في مسألة الجرائم المرتكبة حال ثبتت.
الشرق الأوسط
هل ما تزال ملاحقة سيف القذافي قائمة رغم ترشحه لرئاسة ليبيا؟
فيما يتعلق بالجرائم التي ارتكبها سيف القذافي في ليبيا وتحققت منها المحكمة الجنائية ووجهت بشأنها اتهامات، لا يزال أمر القبض الصادر ضده ساري المفعول ولن يسقط بالتقادم.
كما أن أوامر القبض على عدد من الأشخاص لا تصبح علنية إلا عندما يكون هنالك وسيلة لتنفيذها.
كما أنه لا يتم إصدار الحكم بناء على المناصب التي يتولاها شخص معين في إطار زمن ما أو تنظيم ما، ولكن بناء على الأدلة التي تربطه بالجرائم المرتكبة.
ثم يبت به القضاة ويصفونه بكونه جريمة أم لا، وهل هي ثابتة بحق الشخص الملاحق كونه هو المسؤول عن هذه الجرائم أم لا، وهو ما تم في حالة سيف القذافي.
في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين، ما موقف المحكمة الجنائية؟
كما هو معلوم فإن تحقيقات المحكمة وآليات عملها تأخذ الكثير من الوقت بحيث توفر أكبر قدر من العدالة الممكنة للضحايا.
وفلسطين انضمت لنظام روما منذ عام 2015، وتقدمت بطلب للتحقيق في عدد من الوقائع التي حدثت ضد المدنيين الفلسطينيين من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
والمدعية العامة للمحكمة فودابنسوتا، قررت أن تفتح تحقيقا أوليا وأن تسأل القضاة عن الإطار الجغرافي الذي تمارس المحكمة الولاية القضائية عليها في فلسطين.
وبالتالي القضاة بتوا في طلب المدعية العامة بأنه بالاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة فإن فلسطين كعضو مراقب بالأمم المتحدة أصبحت منضمة للمحكمة الجنائية، وبأن جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية تخضع لولاية المحكمة الجنائية الدولية.
هل يسهل ذلك ملاحقة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الفلسطينيين بأثر رجعي، أم تسقط تلك الجرائم بالتقادم حال ثبوت ارتكابها؟
المدعية العامة أعلنت أن هناك “أساسا معقولا” للاعتقاد بأن جرائم ارتكبت من جانب أفراد من القوات الإسرائيلية خلال حرب غزة عام 2014، وقررت فتح تحقيق بشأن الجرائم التي وقعت على الأراضي الفلسطينية ضد المدنيين.
هل هناك جديد من قبل المحكمة الجنائية بخصوص الادعاءات على نظام عبد الفتاح السيسي في مصر والحوثيين والتحالف السعودي الإماراتي في اليمن بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟
المحكمة الجنائية الدولية لا يجوز لها ملاحقة أي جريمة وقعت على أرض الدول التي لم تنضم إليها بعد، وهو ما ينطبق على الوضع في مصر واليمن وغيرهما كثير، ما يغل يد المحكمة في بدء أية تحقيقات في هكذا ادعاءات.
الشريعة الإسلامية
ما حقيقة التصريح المنسوب إليكم بأن عددا كبيرا من الأمور داخل نظام المحكمة الجنائية متطابق مع الشريعة الإسلامية؟
بالطبع في رأيي القانون الجنائي الدولي بني ويبنى على أسس من الموروثات الحضارية في العالم، من بينها بالطبع الشريعة الإسلامية التي كانت من أوائل من سنوا قوانين وقواعد للحرب.
ومعظم ما تجرمه القوانين الدولية اليوم أيضا محرم في الإسلام، سواء ما يتعلق بإساءة معاملة الأسرى، أو حماية المدنيين، أو احترام دور العبادة وغير ذلك.
كما أن نظام روما الأساسي بحد ذاته لا يجرم الشريعة الإسلامية أبدا؛ بل بالعكس حين نرجع إلى أصول القانون الجنائي الدولي سوف نجد أن هناك عددا كبيرا من العناصر التي أتت من داخل الشريعة الإسلامية.
والثابت أنه في غزوات الرسول الكريم وكذلك وصية الخلفاء الراشدين من بعده النهي عن قتل أي أسير أو تعذيبه، وكذلك تجريم الاعتداء على النساء والأطفال أو على العجائز الطاعنين في السن، أو على أي شخص مسالم لا يحمل السلاح.
فإن ألقى السلاح فهو آمن، وكلها تتوافق مع روح الشريعة الإسلامية وكذلك نظام روما الأساسي.
بل إن الشريعة تنص على ما هو أبعد من ذلك؛ فلا ينبغي على المقاتل أن يسمم بئرا أو يقطع شجرا، وبهذا نرى أن الشريعة تضمن عدم ارتكاب جرائم، لذلك هناك عدد كبير من الأمور داخل نظام روما الأساسي بالمحكمة الجنائية متوافق مع الشريعة.
فمثلا الإكراه على البغاء أو قتل الأبرياء أو غير ذلك من اعتداءات على المدنيين، كل ذلك أمر مدان ومجرم في الشريعة الإسلامية كما هو مدان في نظام روما الأساسي، وذلك يؤكد أن نظام روما يتوافق إجمالا مع الشريعة الإسلامية.
_____________________