وسط “ضبابية” تغلف المشهد السياسي في ليبيا، انطلقت بلدان إقليمية وأوروبية وغربية تفتش عن حل ينتشل البلد الأفريقي من سيناريوهات “كارثية“.
محمد بصيلة
وقبل يومين من المشاورات المرتقبة التي ستستضيف العاصمة المصرية القاهرة الجولة الثانية منها في 15 مايو/أيار الجاري، كانت مدينة مونترو السويسرية، على موعد مع محطة من المشاورات حول العملية السياسية في ليبيا.
مشاورات انطلقت مساء الخميس، من الدولة الواقعة في قلب أوروبا، غاب عنها ممثلو الحكومتين (المقالة برئاسة عبدالحميد الدبيبة) وحكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، فيما اجتمع على مائدتها قادة المليشيات الرئيسية والتشكيلات المسلحة لغرب ليبيا.
وبحسب وكالة “نوفا“، فإن المشاورات التي يستضيفها مركز الحوار الإنساني، دُعي إليها ممثلون عن المجلس الرئاسي ومجلسي النواب وما يعرف بـ“ا
ومركز الحوار الإنساني هو منظمة غير حكومية تتخذ من سويسرا مقرا لها، وتساعد في الوساطة بين الأطراف المتنازعة، تحت رعاية البعثة الأممية إلى ليبيا، التي استعانت به لاستضافة حوارات سابقة لليبيين.
مقترحان على الطاولة
وأوضحت الوكالة، أن مقترحين مطروحين على الطاولة هما: إما إعلان دستوري جديد ذي “طبيعة مؤقتة“، يبدأ عمليا من الصفر، وإما الموافقة على المشروع الذي وضعته في 2017، الجمعية التأسيسية، إلا أنها قالت إن الخيار الثاني يتطلب خطوة لاحقة، وهي استفتاء شعبي بنصاب غير محتمل: 50 + 1 من أصوات كل من المناطق: طرابلس وبرقة وفزان.
ووصفت الاجتماع “المختلط” بـ“المهم“، خاصة أنه يُعقد قبل اجتماعات مجلسي النواب و“الأعلى للدولة” المزمع عقدها في مصر في 15 مايو/أيار الجاري، والتي تخصص بشكل خاص لبحث القضايا الخلافية المتعلقة ببعض مواد مشروع الدستور.
وعن تلك الاجتماعات قالت عضو مجلس النواب الليبي أسماء الخوجة، في تصريحات صحفية، إن اجتماعات البرلمان مع الأعلى للدولة، تركز على مشاورات المسار الدستوري في القاهرة، مشيرة إلى أن المجلسين لم يناقشا موضوع المشاركة في الحوار الذي دعا إليه مركز الحوار الإنساني.
وأضافت أن الدعوات التي وجهت إلى بعض أعضاء مجلسي النواب و“الأعلى للدولة“، هي دعوات شخصية فقط.
سر التوقيت
وحول سر توقيت عقد تلك المشاورات، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ“العين الإخبارية“، إنه يكمن في التحضير لمناورة جديدة تقضي بـ“قطع الطريق” على أي محاولة ليبية – ليبية لإنتاج حل دائم في ليبيا، والبحث عن جسم جديد وبشخوص جديدة لتولي الحكم في ليبيا تحت اسم جديد.
وأوضح المحلل الليبي، أن التسريبات الأخيرة تشير إلى أن مركز الحوار الإنساني جهز قبل المشاورات التي ستستمر نحو أسبوعين، قائمة أولية بحكومة جديدة ستكون بقيادة أحد القضاة من مدينة مصراتة.
أما عن أهمية هذا المركز وتأثيره كي يعد قائمة بحكومة جديدة، قال إن “الحوار الإنساني” تديره شخصيات “مشبوهة“، أغلبهم من ذوي الماضي الاستخباراتي في البلدان الغربية، بالإضافة إلى بعض سماسرة المال والسياسة من الشخصيات العربية المقيمة في المهجر.
وأوضح المحلل الليبي، أن “هذا المركز هو المسؤول عن تجنيد شخصيات ليبية والدفع بها إلى مراكز القرار في ليبيا“، مشيرًا إلى أن كل الشخصيات الليبية التى قادت ليبيا إلى “كارثة الدولة الفاشلة“، منذ عام 2011، كانت من ترشيح هذا “الوكر“، على حد قوله.
أسباب تجاهل “الحكومتين“وأشار إلى أنه من خلال تجربة السنوات العشر الماضية، مع هذا المركز ومخرجاته حول ليبيا، فقد كان الهدف “ليس تحقيق نجاح لمصلحة استقرار ليبيا“، بقدر استمرار المراحل الانتقالية على مستوى الشخصيات الحاكمة في ليبيا وتغيير من استُهلك، بشخصيات جديدة لا تختلف عن السابقة.
وحول أسباب عدم دعوة أي من الحكومتين “المقالة” والحالية، قال إنه لن تدعى الحكومتان إلى “عرس عزلهما” وإبعاد شخوصهما، معتبرًا تلك المشاورات بالون الاختبار لمعرفة ردود فعل الأطراف المحلية الليبية والإقليمية.
_______________
التشكيلات المسلحة.. سطوة على الأرض وصوت مؤثر في كواليس الحل السياسي
تتسابق الأطراف السياسية على كسب ود التشكيلات المسلحة التي تفرض سياسة الأمر الواقع في العاصمة طرابلس وعموم البلاد، مع نجاحها في تشكيل هياكل أمنية وعسكرية شبه مستقلة بتبعيات صورية لوزارات ومؤسسات حكومية، وتمكنها من نسج تحالفات واسعة داخلياً وخارجياً أسهمت في تهميش سلطة الدولة وعطلت مشاريع وخطط الاستقرار في البلاد الغارقة في دوامة العنف منذ العام 2011.
نفوذ متعاظم لهذه التشكيلات أرسى قناعة متزايدة لدى الأطراف المحلية بأهميتها المحورية في الإمساك بمقاليد السلطة في العاصمة طرابلس، وهو ما ظهر جلياً في التنافس الأخير بين حكومتي الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة والحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا، حيث لجأ الدبيبة إلى تخصيص مبالغ مالية لدعم بعض التشكيلات التي أنشئ من خلالها قوة عسكرية “لحماية الانتخابات والدستور”.
أظهرت وثائق حصلت عليها 218 تخصيص مبالغ قياسية لدعم هذه التشكيلات جرى استقطاعها من باب الطوارئ، وهو ما حاول باشاغا مجاراته بعقد اجتماعات مكثفة في تونس مع قيادات وشخصيات نافذة على الأرض في المنطقة الغربية وطرابلس، لتشكيل نواة تحالفات تضمن دخول الأخير للعاصمة ومباشرة مهامه منها، وهو ما كاد أن يوصل البلاد لخطر الانزلاق للعنف.
دور بدأت تعترف به أطراف دولية تعتبر التعامل معها واحتواءها أحد مفاتيح الحل للأزمة الليبية، حيث أكدت وكالة نوفا الإيطالية أن عدداً من قادة التشكيلات المسلحة من شرق وغرب البلاد حضروا اجتماعاً نظمه مركز الحوار الإنساني الذي يتخذ من جنيف مقراً له، الخميس، رفقة ممثلين عن المجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة لمناقشة تصورات الحل، بعد مطالبات سابقة من خبراء محليين ودوليين مختصين في الشأن الليبي لإشراك قادة التشكيلات المسلحة في الحوار بتمثيل أعلى، بالتزامن مع الإعداد لانطلاق الجولة الثانية من المشاورات الليبية التي ستحتضنها القاهرة في 15 مايو الجاري.
وتواجه مسألة دمج أو احتواء التشكيلات المسلحة تحديات حقيقية تتعلق بالتركيبة البنيوية لها والخلفيات الأيديولوجية التي تنطلق منها، والتي تفرض عليها تحالفات متباينة وولاءات مختلفة، الأمر الذي يُعقّد مسألة انصهارها في المؤسسات الشرعية للدولة، بالإضافة لكيفية التعامل مع الملفات المثقلة بانتهاكات وتجاوزات هذه الجماعات والموثقة في الغالب بتقارير المنظمات الحقوقية، على رأسها منظمة العفو الدولية التي اتهمت صراحة جهاز دعم الاستقرار المتحالف مع الدبيبة بالضلوع في انتهاكات مروعة بحق مهاجرين ومواطنين، بالإضافة لأجهزة أخرى شبه رسمية كالأمن الداخلي وخفر السواحل.
ورغم كل ذلك تظل هذه التشكيلات رقماً صعباً في الخارطة الليبية وأمراً واقعاً يُمكنها من لعب أدوار متباينة، يزيد من تعقيدها الفشل السياسي والضبابية المصاحبة لأفق الحل مع انفتاح الأزمة الليبية على مسارات متعددة ومتصادمة تجتمع في غاياتها التي تصب في إطار تمديد المراحل الانتقالية، وترحيل المشاكل التي باتت تتزايد حجماً وتأثيراً مع الوقت ككرة الثلج، منتجةً تغولاً غير محدود للتشكيلات المسلحة التي تهدد مستقبل الدولة.
_____________________