ا. د. محمد بالروين

عندما يتأمل المرء فيما يدور حوله هذه الأيام، في المشهد السياسي الليبي، لا يملك إلا أن يسأل نفسه، هل نحن مواطنون أم رعايا؟

وهل وصلنا إلى دولة المواطنة؟

أم إنها لاتزال مجرد شعار من الشعارات الجوفاء التي ترددها النخب الحاكمة لتخدير أبناء الشعب البسطاء والتظاهر بأنها مثقفة؟

وما الفرق بين “دولة الرعايا” و”دولة المواطنة”؟.

لكي نعرف الإجابة على هذه الأسئلة، لعله من المناسب، التفريق بين مصطلحي: الرعايا والمواطنون.

أولاً: الرعايا

هم أبناء الشعب المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وليس لهم كيان مستقل في الحقوق عن هوى الحاكم وظلمه واستبداده، ويتجنبوا الخوض في أي أمور سياسة.

بمعنى، هم أبناء الشعب الذين لا مشاركة لهم في الحكم، ولا ضمانات دستورية لحقوقهم، ولا اعتبار لآرائهم وحاجاتهم وتوجهاتهم.

وأن مفهوم الدولة التي يعيشون فيه، يعني بالنسبة لهم دولة الحاكم بأمره، سواء أن سُمى هذا الحاكم نفسه قائدا أو سلطانا أو زعيما أو أميرا أو ملكا أو شيخا أو إماما أو رئيسا.

وهو الذي وصل إلى مكانته ليس بالانتخابات، ولا بالتعيين، ولا بالاختيار، وإنما بالغلبة والقوة والتسلط، وليس مطلوبا من هؤلاء الرعايا إلا تنفيذ أوامره وطاعته والاستماع له في كل شيء، وعدم الخروج عليه، والولاء المطلَق لحُكمه.

بمعنى آخر، الحاكم ودولته بالنسبة للرعايا ليست مجرد حكومة أو نظام سياسي فقط، وإنما هو كل شيء في الدولة، ولا وجود حقيقي لهم خارج هذا الإطار الذي يعتبر لهم الحل الشامل والمرجعية النهائية في تحديد ـ أهدافهم وحقوقهم وواجباتهم.

فالرعايا يحملون جنسية دولة الحاكم بأمره، ويتمتعون بالحقوق التي يمنحها لهم، وأن حريتهم مرتبطة بمشيئته.

وبالتالي على الرعايا تجنب الخوض في أي أمور سياسية، وإذا حاولوا أن يجادلوه أو يثوروا عليه، استخدم ضدهم كل ما يملك من قوة لقطع دابرهم بالسجن والتنكيل لإصلاح اعوجاجهم واستردادهم (إن استطاع) إلى حظيرة الطاعة التي يملكها لوحده لتحقيق أطماعه.

ثانياًالمواطنون

أما المواطنون فهم أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية دون تمييز بينهم.

فالمواطنة مصطلح يرتكز على مجموعة من القيم والمبادئ لعل من أهمها:

  • حرية الاختيار،

  • والمساواة السياسية،

  • وتكافؤ الفرص،

  • والمشاركة في اتخاد القرار،

  • والمسئولية الاجتماعية،

  • والتوزيع العادل للثروات،

  • والمرجعية القانونية.

بمعنى المواطن هو إنسان حر، مستقل في قراراته ومشاركته في الحياة السياسية، وما الحاكم إلا مجرد خادما أو راعيا لحقوقه، بمعنى المواطن هو سيد النظام السياسي وليس عبدا له، وولاءه لما يؤمن به وليس لمن يترأس النظام السياسي في دولته.

بمعنى آخر، كل مواطن في الدولة حر ومسؤول، وعليه واجبات وله حقوق، ويمتلك حق صناعة مستقبله وتقرير مصيره، وكل ذلك تحت سقف سيادة الشعب وقوانين الدولة.

ولعل الجدول (1) الآتي يوضح أهم الفروق بين المواطنون والرعايا:.

الخلاصة

بناء على ما ذكرته أعلاه، يمكن القول أننا كليبيين قد كنا خلال الفترة من 1969 إلى 2010، ضحايا لذهنية نخبوية مستبدة واقصائية وظالمة انتجت “عقلية الرعية”، وبالرغم من أن الشعب الليبي قد انتفض على تلك الحقبة في ثورة 17 فبراير2011، واسقط النظام المستبد، إلا أنه للأسف الشديد لم يستطع حتى الآن تحقيق دولة المواطنة التي حلم بها وثار من أجلها المواطن الصادق البسيط!

وأن النخب التي سيطرت على المشهد السياسي منذ قيام الثورة لا تزال مُفلسة وحائره وعاجزة على تعريف نفسها وتحديد موقعها على الخارطة السياسية، وقامت باستغلال سلبية الشعب وصبره.

إن التحدي الرئيسي الذي يواجه النخب السياسية هذه الأيام هو كيف يمكن الانتقال من هذه الحالة المأسوية أي “عقلية الرعية” إلى “عقلية المواطنة”؟

وما هي القرارات والخطوات التي يجب اتخاذها، لتغيير هذه الذهنية الاستبدادية واستبدالها بذهنية وطنية حرة ديمقراطية وعادلة؟.

في اعتقادي المتواضع، أن بداية الحل تكمن في السعي نحو بناء نظام حر ديمقراطي لامركزي وعادل، يكون فيه الإنسان هو البداية… وهو الوسيلة… وهو الهدف.

بمعنى أن يكون الإنسان هو بداية الانطلاق، وهو الوسيلة لإعادة البناء وإعمار الدولة، وهو الهدف لتحقيق التنمية والسعادة والحلم الوطني المنشود.

بمعنى آخر، ضرورة السعي الجاد لتحقيق نظام سياسي يعيش فيه الليبيون جميعا ـ أحراراً وأعزاء وكرماء في وطنهم، ولا يحق لأي مسؤول – مهما كانت مكانته – أن يستهتر بحقوقهم ومطالبهم وحاجاتهم.

وعليه، على المواطن الكريم أن يدرك بأن المخاض عسير، والمعركة من أجل التحول إلى دولة المواطنة صعبة، والطريق طويل ويحتاج إلى جهدٍ وصبرٍ كثير،

وأن يعي أن عقلية الرعية التي تمارسها النخب الحاكمة هذه الأيام لن تستطيع الوصول إلى دولة المواطنة التي يحلم بها،

وعليه أن يدرك أيضا أن مجرد وجود دولة ودستور وقوانين مكتوبة لا يعني تحقيق دولة المواطنة.

وعليه أن يدرك بأنه طالما ظل الشعب سلبي ولا يدرك قيمة استقلاليته وكفاءته وقدراته العقلية والذاتية، وطالما استمرت هذه النخب المتصدرة للمشهد السياسي مُستهترة في تصرفاتها، ومُعتمدة على سلوكياتها القديمة وانتماءاتها القبلية والجهوية والعرقية، فحتما سيظل الشعب الطيب المُغيب مجرّد رعايا لا مواطنين مهما رفعت هذه النخب من شعارات.

وفي الختام, تبقى هذه الأسئلة:

هل في الإمكان تحقيق ما يحلم به أبناء الشعب في أسرع وقت ممكن؟

وهل في الإمكان التخلص من “عقلية الرعية” والعمل على ترسيخ “عقلية المواطنة”؟

هذه هي الأسئلة التي تتطلب من الجميع مناقشتها ومحاولة الإجابة عليها، ويبقى المستقبل هو الحَكم والوطن هو الحلم.

ولن يكون هناك خيار أمام المواطن إلا العمل لكي يصبح المستقبل وطن.

________________

المصدر: صفحة الكاتب على وسائل التواصل الاجتماعي

مواد ذات علاقة