تسارع وتيرة الاجتماعات واللقاءات في إطار إيجاد تسوية تناسب كل الأطراف الفاعلة على الأرض للوصول إلى تسوية سياسية والتي تجريها أطراف ليبية مؤخرا في دول مختلفة بدأت من جينيف مرورا بالمغرب ثم أخيرا دولة مصر، تعبّر عن القلق الذي بدأ يلاحظه أو يستشعر به المسؤولون الليبيون والمجتمع الدولي.

هذا القلق مردّه خطورة حالة الانسداد السياسي الحادة، وما يمكن أن ينتج عنها من إنزلاق عسكري وتدهور اقتصادي، نتيجة لتحكم أطراف الصراع في مصادر إنتاج وتدفق النفط، وما يحدث من تهديد مستمر حولها، وآخرها توقف تدفق النفط من حقلي الشرارة والفيل في الجنوب الليبي، بالإضافة إلى الفراغ الذي قد يحدث بعد أنقضاء المدة الزمنية لحكومة الدبيبة يوم 21 يونيو 2022.

هذا الموعد هو أيضا أصبح ضاغطا على الأطراف السياسية في ضرورة تدارك حالة الفراغ السياسي التي قد ينشأ بتوظيف هذا التاريخ في إدخال البلد إلى حالة من الفوضى.

وكان أحد أوجه تأثير هذا الضغط هو وجود حالة تخبط وعشوائية في القرارات الأخيرة التي تصدر من حكومة الوحدة الوطنية والتي يراها كثيرون أنها تعبّر عن حالة الإنزعاج والقلق الشديد لدى فريق الحكومة. وبرز ذلك في التالي:

ـ قرار ترقية أكثر من 400 شخصية أمنية عسكرية رفيعة شملت عقداء وعمداء في وزارة الداخلية في قرار يصفه البعض من أنه محاولة لشراء ولاء قيادات أمنية وعسكرية وضمان ولاءها على مستوى الدولة، والجدير بالذكر أن هذا القرار كله بحسب بعض المتابعين جاء من أجل وترضية اغنيوة الككلي وذلك بعد رجوعه مباشرة من اجتماع القاهرة وفشل المحادثات التي كان مشاركا فيها وأراد عبد الحميد الدبيبة أن يكافئه على تمسّكه بمسار حكومة الوحدة الوطنية.
ـ قرار بمنح مدينة مصراتة رقعة جغرافية بغرض إقامة منطقة السوق الحرة تتبع المدينة مباشرة ولم يدرك الدبيبة بأنه أراد من خلاله شراء مدينة ولكنه استفز إقليما بكامله.

ـ القرارات الأخيرة بإنشاء واستحداث بلديات في عموم ليبيا وكان آخرها قرارات تتعلق بالمنطقة الجنوبية وذلك بتوسيع عدد بلديات منطقة أوباري إلى 6 بلديات وسبقه استحداث 3 بلديات في منطقة غات مما عدّه الكثيرون عبث غير مسبوق ويبدوا أنها محاولة لاستمالة نواب الجنوب.

ـ كذلك القرار المتعلّق بمنح الجنسية الليبية وهو قرار لم تستطع أي من الحكومات السابقة اتخاذ أي إجراء رسمي فيه لاستشعارها بخطورته على المدى الاستراتيجي، ولما له من أبعاد محلية وإقليمية، فمثل هذه القرارات زادت من تقدير سوء أداء الحكومة في الأوساط المحلية، وجعل مثل هذه القرارات فرصة للقنوات الإعلامية المؤيدة لباشاغا لإبرازه والتندّر والتهكّم بعبد الحميد الدبيبة وسوء أداء حكومته.

ـ كذلك الصورة التي بدت من خلال وجود مفاوضين من المنطقة الغربية في اللقاءات الأخيرة التي حدثت في دول مختلفة وهم عبارة عن قادة لبعض الكتائب والمليشيات مثل اغنيوة الككلي وأيوب بوراس ومحمود بن رجب وغيرهم.

وهذه أوصلت رسالة للمجتمع الدولي عن حقيقة من يحكم المنطقة الغربية، وأن كل الأجسام السياسية فيها غير موجودة أو أنه تراجع دورها لصالح هذه المجموعات وهو يؤكد الكلام الذي ذكره عقيلة صالح مؤخرا من أن العاصمة طرابلس مختطفة من قبل الميليشيات، الأمر الذي ربما قد يفسّر سبب عودة لجنة 5+5 العسكرية الآن لتجديد عقد مشاورات واجتماعات لاستشعارهم من إمكانية سحب البساط منهم والخوف الحقيقي من انهيار وقف أطلاق النار ومحاولة الحفاظ على بعض مؤشرات توحيد المؤسسة العسكرية واستشعارهم مدى العبث الذي يحصل بوجود مفاوضين بعدين عن المؤسسة العسكرية.

ـ من جهة أخرى لا زال المصرف المركزي يمسك بأهم خيوط اللعبة وهي الميزانية المالية التي يريد كل طرف أن يظفر بها لصالح حكومته ولهذا يضغط عقيلة صالح بصفته رئيس مجلس النواب في اتجاه حضور ليبيا المركزي إلى اجتماع حكومة الاستقرار إلى مدينة سرت لمناقشة الملف المالي للدولة.

بالمقابل فإنه قام بتقليص نفقات حكومة الوحدة الوطنية والتضييق على التوسع الذي تنشده وترغبه، وهو الأمر الذي اعتاد الدبيبة الاستعراض به بإطلاق تعهدات واسعة بمشاريع وسياسات مالية يدغدغ بها الشارع الليبي.

بالمقابل، فإن الموقف التي تصدر من باشاغا وحكومته وتصريحاته غير الموفقة في كثير من الأحيان هي مظهر من مظاهر التخبط والإنفعالات السياسية غير المحسوبة فمثلا:

ـ تأكيده في فترة سابقة على أن حكومته لن تباشر أعمالها إلا من طرابلس وأن هذا الأمر محسوم لديه وتراجعه الآن بتأكيد إمكانية مباشرة حكومته لأعمالها من سرت بداعي عدم الرغبة في إراقة الدماء في العاصمة طرابلس.

ـ بعد بيانات بعض الفعاليات المجتمعية في المناطق النفطية، بسماحهم بفتح المجال لمباشرة الإنتاج والبيع أعقبه تصريحات مكتب باشاغا من أنهم أنهوا مشكلة إغلاق المرافق النفطية لتدفق إنتاج وتصدير النفط من حقول المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية، ليتم بعدها مباشرة إعلان مجموعة أخرى عن استمرار الإغلاق ولا صحة لما قيل من أي طرف سياسي يدّعي ذلك.

ـ استمرار إعراضه عن الاستماع لمطالبات القوى المجتمعية والسياسية في الجنوب بضرورة تغيير منصب نائب رئيس الوزراء لشخصية جنوبية تمثل أهل فزان بشكل صريح وعدم تجاوبه معها وإيحاءاته بصعوبة أي إجراء آخر بالخصوص مما أوحى للجميع أن الأمر عبارة عن إملاءات وشروط فرضت عليه لاعتماد حكومته مع علمه باعتراض واسع من نواب الجنوب على ذلك وما تعرضوا له من ابتزاز وتهديد في سبيل ذلك.

ملخص محطات الحوار السياسي في التفرة الأخيرة

مر الحوار السياسي في الفترة الأخيرة أذا جاز لنا أطلاق مصطلح الحوار المتوازن بين أطراف الصراع على الأرض بثلاثة محطات كانت هذه اللقاءات بعيدة عن المؤسسات الرسمية في الدولة الليبية، وبعيدا عن المجتمع الدولي، حيث أن اللقاءات الثلاثة تمت تحت إشراف منظمة دولية غير رسمية في كلا من جنيف والمغرب ومصر لم تسفر حصيلتها عن أي مخرجات ذات بال ويمكن تلخيصها كل محطة في النقاط التالية:

ـ محطة جنيف

هي المحطة الأولى من جولات الحوار الأخيرة ولم يتم الإفصاح عن نتائج لهذه الجولة إلا أن الجولات التي كانت بعدها في دول أخرى أفصحت وبينت أن مستوى التقدم في الملفات المعروضة محدود إن لم يكن معدوم.

ـ محطة المغرب

انتقلت الأطراف الليبية إلى دولة المغرب بعد جولة الحوار الذي عُقد في جنيف وضم الاجتماع قيادات عسكرية وأمنية عن منطقة الغرب الليبي وممثلين من الشرق.

وكل اللقاء تناول مقترحات تتناول ترتيبات أهم سمات المرحلة القادمة وإمكانية الانتقال إلى مرحلة جديدة تتجاوز عبد الحميد الدبيبة، وفتحى باشاغا لصالح حكومة مصغرة جديدة تشارك فيها القوى العسكرية بالمنطقة الغربية والمؤسسة العسكرية في الشرق والجنوب بحكم سيطرتهم على تلك المناطق.

وتعتبر المغرب نفسها دائما هي الراعي الرسمي للحوار الليبي وجعلت من نفسها قريبة من المحطات السياسية التي تشهدها الساحة الليبية ولا شك أن ثقل نجاح مفاوضات الصخيرات رسم لها دور لا تريد أن تبتعد عنه وهو أن الملف الليبي أولوية بالنسبة إليها وأنها معينة به بشكل كبير.

ثم أن الظروف المحيطة جعلت منها مقرا لإقامة العديد من القيادات العسكرية والسياسية أو حتى قادة الميليشيات مع تواجد لمصالحهم الاقتصادية والمالية في بنوك المغرب، وكذلك امتلاكهم لعقارات ومصالح جعل هذا الأمر يسجّل قوة ضغط معتبرة لدولة المغرب لعدة أسباب من أهمها:

ـ إرتماء وتسليم من قادة المليشيات لمعظم أموالهم المنهوبة وأملاكهم واستقرار عائلاتهم وشؤونهم ومستقبلهم في الأراضي المغربية.

ـ جعلهم عرضة لاحتمالية السقوط والابتزاز من دوائر المخابرات المغربية، وذلك من خلال الاطلاع على حجم مدخراتهم وحجم أنشطتهم وطبيعة علاقتهم في الساحة المغربية، مما سهل عليها اختراقهم وبالتالي انصياعهم لما تطلبه وتمليه المخابرات المغربية عليهم.

ـ توظيف ما هو متاح للسلطات المغربية الرقابية والمحاسبية في إجراءات تجعلها تصف حجم هذه الأموال بما يعرف بـ غسيل الأموال، وما يترتب عليه من فتح قضايا أو ملفات في دوائر أجهزة الأمن المغربية وهذه ورقة مهمة للضغط.

ـ قدمت قيادات هذه الميليشيات خدمة كبيرة للسلطات المغربية في جعل الحضور المغربي متقدم عن أي تفاعل أو تقارب أو حضور جزائري في الملف الليبي، وهو ما تطمح إليه الدولة المغربية في إطار الحالة التنافسية التي بينها وبين الحكومة الجزائرية . هذا الامر لا شكل أنه محل متابعة واستهجان من قبل السلطات الجزائرية والتي ترى في نفسها أنها دولة مجاورة لليبيا ويهمها الشأن الليبي، بالتكييف الذي يناسب طبيعة العلاقة بين الدولتين، ويناسب بعض القضايا المتعلقة بالملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية المشتركة.

ـ محطة مصر

شهدت مصر آخر لقاء حصل بين طرفي الصراع في ليبيا، وكان هذه المرة بحضور شخصيات رسمية مثل عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، بالاضافة إلى نفس الشخصيات التي حضرت في اللقائين الفائتة التي لم يخرج منها شيئ إلا تمسك عقيلة بحكومة الاستقرار ورئيسها السيد فتحي باشاغا، وأن هذا الأمر خط أحمر على حد قول عقيلة، مما جعل الممثلين للمنطقة الغربية الانسحاب من اللقاءات.

ـ من المتوقع أن تعود الأطراف الليبية إلى جولة حوار أخرى، بحضور عقيلة صالح، ونفس الشخصيات من المنطقة الغربية في المغرب، ويعتقد أن اللقاء سيكون في نفس إطار اختيار حكومة انتقالية جديدة وظيفتها الأساسية هي العمل على تحقيق الاستحقاق الانتخابي.

***
ـ روسيا، ومن مصادر مطلعة وقريبة من التواجد الروسي في ليبيا، تؤكد أنها كانت تفكّر جديا في إعادة تقديرها لمشروع عودة سيف القذافي من جديد، ويؤكد المصدر أيضا أن هناك تقدير جديد للموقف الروسي يتحدث عن انطباعات تكونت حول مزاجية وسوء أداء سيف في الفترة القصيرة التي سمح له فيها الإقامة خارج السجن وأن الأمر الآن يميل إلى البحث عن شخصية أخرى محسوبة على النظام السابق وتكون من المنطقة الغربية يمكن الاعتماد عليها والبناء على حضورها وثقلها وشخصيتها من أجل استمرار الحضور الفاعل للدولة الروسية في المشهد الليبي، وبما يتناسب مع سرعة تطور الأحداث السياسية الدولية.

ملاحظات عن أحداث في سياق تسارع وتطور المشهد السياسي والأمني والعسكري الليبي:

ـ إعلان السفيرة البريطانية عن إعادة فتح السفارة البريطانية في ليبيا بشكل رسمي وتزامنه مع تصريح تم نقله عن الحكومة الروسية، أعلنتا فيها أن سفاراتهما في طرابلس ستبدأ العمل قريبا من داخل الأراضي الليبية، بعد أن ظلت تعمل من تونس منذ 2014، لأسباب أمنية، مما يعكس توجه دولي وترتيبات جديدة تخص الشأن الليبي مرتبطة بالأبعاد الدولية.

ـ أخبار من داخل قاعدة مصراتة الجوية، تتحدث عن وصول تجهيزات ومعدات عسكرية، وعن تواجد عسكري لخبراء إنجليز وطليان وأمريكان. الأخبار تقول بأن هناك تجهيز للتقدم نحو الحقول النفطية، وربما محاولة لضرب التواجد الروسي، في المنطقة العسكرية الجفرة وما حولها.

ـ صدور بيان من منطقة سوق الجمعة التي تعتبر ثقل اجتماعي في طرابلس عسكريا وسياسيا، أعلن فيه عن دعمها لمصطفى قدور، ورفضهم التام لإقالته على خلفية دعمه لدخول حكومة باشاغا لطرابلس.

ـ إعلان اللواء (777 قتال) التابع للمنطقة العسكرية طرابلس عن انشقاقه عن حكومة الدبيبة وتضامنه مع ضرورة بقاء مصطفى قدور في منصبه (آمر كتيبة النواصي).

ـ الاعتداء بالضرب على المستشار إبراهيم دغدنة، من قبل مجموعة مسلحة مجهولة الإنتماء والاستيلاء على سيارته، وتزامن ذلك مع صدور قرار بإحالته للتقاعد. مع العلم بأن إبراهيم دغدنة هو أحد خيارات خارطة الطريق الجديدة، لتشكيل حكومة ثالثة، ويقال أن يحظى بدعم بعض الأطراف الدولية التي وصلت إلى قناعة بضرورة تجاوز الأطراف السياسية الحالية.

ـ وبعيدا عن العاصمة، وفي جنوب منطقة القطرون، تعرض آمر السرية الثانية بكتيبة شهداء أم الأرانب الضابط بركة كوصو لمحاولة اغتيال فاشلة، وهو آمر لبوابة وقاعدة الويغ الاستراتيجية، التي تقع في المدخل الجنوبي لبلدية القطرون، ويقال بأنها المحاولة الثانية في مدة زمنية وجيزة، ويبدو أن هناك أيادي خفية تحاول إزاحة شخصيات عسكرية لصالح حسابات وترتيبات معينة.

_____________

مواد ذات علاقة