بعد ثلاثة أعوام من الحرب التي أطلقها اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس عام 2019، يبدو أن الأمور لم تعد في صالحه هذه الأيام بعد التراجع الكبير في حاضنته الشعبية في المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها.

ويتعرض حفتر مؤخراً لضغوط كبيرة نتيجة تراجع فكرة الحرب في ليبيا لصالح التهدئة وبدء عملية المصالحة، خصوصاً في ظل نقص أوراق القوة التي كان يملكها في السابق. من هنا، يسعى حفتر لإنقاذ حضوره السياسي في البلاد عبر ورقة أخيرة تتمثل في ملف عودة المهجرين من الشرق.

نستعرض في هذا التقرير المستجدات المرتبطة باللواء المتقاعد خليفة حفتر وخشيته من أن يصل المشهد في ليبيا إلى الحد الذي يتحمل فيه هو المسؤولية عن الجرائم والانتهاكات التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية.

حفتر وأبناؤه

البداية من هذا التراجع الكبير في الحاضنة الشعبية لحفتر في شرق ليبيا. يعود هذا التراجع إلى عدة أسباب أبرزها ما يتعلق بتصدر أبنائه وأبناء قبيلته للمشهد في الشرق على حساب المتحالفين معه.

أشار العقيد سعيد الفارسي، نائب رئيس الغرفة الأمنية المشتركة في بنغازي سابقاً، لـعربي بوستإلى وجود حالة من التذمر بين أبناء القبائل في المنطقة الشرقية بشكل واسع وغير مسبوق، كرد فعل على سياسات حفتر تجاههم.

وذكر الفارسي أن حفتر يسعى لتوريث سلطته لأبنائه دون استشارة حلفائه، حيث يبحث منح منصب نائب القائد العام للجيش الليبي لنجله صدام، كما يسعى لحصول نجله خالد على منصب وكيل وزارة الدفاع في أي حكومة قادمة.

كما أن حفتر قام بعملية تهميش واستبعاد لكل حلفائه من أبناء قبائل المنطقة الشرقية ومن شاركه وسانده في عملية الكرامة عام 2013، سواء عسكرياً أو اجتماعياً. في المقابل، بدأ بتقريب أبناء عمومته من قبيلة الفرجان، سواء من منطقة ترهونة أو العائدين من مصر.

وأوضح العقيد سعيد الفارسي أن غالبية القبائل في شرق ليبيا بدأت تدرك أن حفتر كان يتحالف معهم من أجل استغلالهم للوصول إلى رئاسة ليبيا فقط لا غير، مشيراً إلى أن القبائل المتذمرة تنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على حفتر بسبب سياساته الحالية.

تحالف حفتر مع باشاغا

السبب الرئيسي الثاني وراء تذمر قبائل المنطقة الشرقية كان ذلك التحالف بين خليفة حفتر ورئيس الحكومة الليبية المكلف فتحي باشاغا.

إذ قام حفتر خلال عملية مهاجمة طرابلس عام 2019، بالتأكيد على أن حكومة الوفاق الوطني التي كان باشاغا يشغل فيها منصب وزير الداخلية، هي حكومة لم تأتِ بإرادة شعبية، وأنها غير معتَرف بها، وأنها حكومة عميلة أتت بقوات أجنبية ومرتزقة للبلاد وأنها تساند الإرهابيين.

بعد ذلك، فوجئ أبناء قبائل المنطقة الشرقية أن خليفة حفتر يتحالف مع أحد أبرز الشخصيات في هذه الحكومة، وهو فتحي باشاغا، مما جعلهم يشعرون بتناقض واضح، خصوصاً بعد خسارة عدد ليس بالقليل من أبنائهم في الحرب وحدوث شرخ اجتماعي كبير بينهم وبين قبائل المنطقة الغربية.

ورقة حفتر الأخيرة

تدعم مصر حالياً التوجه نحو الاستقرار في ليبيا عبر العمل السياسي وليس العسكري وتحقيق المصالحة. فقامت المخابرات المصرية بقيادة رئيسها عباس كامل شخصياً، بطلب اجتماع يحضره 10 أشخاص يمثلون مهجري المنطقة الشرقية المقيمين في غرب البلاد مع 10 من الرموز الاجتماعية في شرق ليبيا.

يهدف هذا الاجتماع لوضع رؤية شاملة للعدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية وعودة المهجرين إلى المناطق الشرقية. حالياً، تدور مداولات بهذا الشأن من أجل إتمام الاجتماع دون تحديد موعد له.

من ناحية أخرى، تدعم مصر بشكل كامل توجهات عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، وفتحي باشاغا، كرئيس للحكومة، نحو الوصول لتوافق وطني حول استقرار ليبيا، وحلحلة مشكلة المهجرين.

من هذا المنطلق، ذكر مصدر سياسي مطلع لـعربي بوستأن هناك اتفاقات بين بعض كتل المهجرين في المنطقة الغربية مع عقيلة صالح حول سَن قوانين تتيح لهم العودة لشرق البلاد واستعادة حقوقهم، والبدء في حوار شامل، وإحالة منتهكي القانون والمجرمين للقضاء.

هذه التوجهات تمثل خطراً على مستقبل خليفة حفتر، وهو ما دعاه هو وأبناؤه للتحرك في المسار نفسه والتواصل مع المهجرين، ومحاولة تقديم كل الضمانات لهم لاسترجاع حقوقهم والعودة الآمنة لهم، وتحميل كل الجرائم التي ارتكبت بحقهم إلى أبناء قبائل المنطقة الشرقية ساندوا عملية الكرامة منذ انطلاقها، كورقة أخيرة لحماية مستقبله.

ويخشى حفتر من نجاح مسار المصالحة دون أن يكون هو جزء منه، لأن ذلك يجعله هو من يتحمل كافة الجرائم المرتكبة منذ انطلاق عملية الكرامة.

********

مآلات الأوضاع الليبية في حالة غياب حفتر 

الحسين الشيخ العلويباحث وأكاديمي موريتاني

خليفة حفتر شخصية جدلية بامتياز، حيث لا يحظى بإجماع داخل ليبيا، فمؤيدوه يبالغون في الرفع من شأنه (عقلية الزعيم المخلِّص)، في حين يبالغ خصومه في شيطنته حدَّ اتهامه بالعمالة الصريحة للاستخبارات الأجنبية. إلا أنه من الواضح أن الرجل الباحث عن فرصة وسط المشهد الليبي طيلة السنوات 2011–2014، والتي تم فيها تجاهله من جميع الفاعلين والمتصدرين للمشهد الليبي، استطاع في بحر ثلاث سنوات أن يغدو رقمًا صعبًا في المعادلة الليبية وأن يصبح رجل ليبيا القوي الذي لا يمكن تجاهله. لقد أحكم حفتر سيطرته على الشرق الليبي الذي يحظى فيه بشعبية كاسحة، رغم أنها بدأت تتآكل مع مطلع العام 2018 جرَّاء صراع الأجنحة داخل معسكره فضلًا عن عمليات الفساد التي انخرط فيها أبناؤه والمقربون منه 

وبغضِّ النظر عن السجال الدائر حاليًّا حول صحة المشير خليفة حفتر بين شريحة كبيرة من الليبيين سواء المؤيدون أو المناوئون له، فقد بات شبه مؤكد أنه مريض، وأن وضعه الصحي لا يزال حرجًا رغم أنه تجاوز مرحلة الخطر. فقد تواصل معه عبر الهاتف خلال اليومين الأخيرين عدة شخصيات في ليبيا من معسكره ومن خارجه، أبرزهم الاتصال الذي أجراه المبعوث الأممي، غسان سلامة، مع المشير حفتر في مشفاه في باريس والذي أوردته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تغريدة على صفحتها على تويتر.

وبناءً على الوضع الصحي الحالي لحفتر، فإنه من المستبعد أن يواصل مهامه لأشهر بل ربما لسنوات قادمة، هذا إذا وضعنا في الحسبان أنه يبلغ من العمر 75 عامًا، وأنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لوعكة صحية تقعده، حيث يقول مقربون منه إنه مرَّ بثلاث وعكات صحية خلال العامين الماضيين، وإن معظم زياراته الدورية للأردن هي لإجراء الفحوصات الطبية والاطمئنان على صحته، فإنه حتى في حالة تعافيه هذه المرة، فإن قيادته لقوات الكرامة لن تكون بذات الكفاءة كما كانت قبل مرضه. من هنا، ووفقًا للمؤشرات فإننا نرى أن المآلات الأكثر ترجيحًا في قادم الأيام في ليبيا، هي:

إحداث تغييرات جذرية في صفوف قوات الكرامة

في حالة تعافي المشير حفتر وعودته المرتقبة في غضون أسابيع قليلة لممارسة مهامه، فمما لا شك فيه أنه سيُجري تغييرات جذرية داخل صفوف الجيش الوطني الليبي (قوات الكرامة)، لضمان استمرار تماسك هذه القوات، التي رغم أن أكثر من نصف منتسبيها هم جنود وضباط صف وضباط سابقون في الجيش الليبي إبَّان حقبة النظام السابق، إلا أن هذه القوات مكونة أيضًا من متطوعين ومقاتلين تلقوا تدريبات سريعة ولا يملكون أرقامًا تسلسلية في الجيش الليبي، مما يجعل هذه القوات أقرب إلى الميليشيا منها إلى وحدات جيش نظامي يتسم بالانضباط الشديد، حيث إن التسلسل الهرمي للقيادة شكلي، وتحديدًا بين صفوف قادة المحاور ووحداتهم التي تشكِّل عماد هذه القوة.

وقد لوحظ مؤخرًا وخلال الأسبوع الثاني من شهر أبريل/نيسان 2018 زيارات ومشاورات مكثفة بين أبوظبي والقاهرة، بخصوص التطورات في ليبيا وللتحضير لما بعد حفتر، أبرز حلفائهما في ليبيا. وتذهب بعض القراءات إلى أن الإمارات ومصر تدفعان منذ فترة باتجاه أمرين بخصوص القوات الليبية بشرق ليبيا:

استحداث منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة، يتولى تلقائيًّا مهام القائد العام في حالة غياب الأخير أو عجزه عن أداء مهامه، ومن المنطقي أن مرض حفتر الأخير سيجعل هذا الاقتراح متقبلًا لدى قادة معسكر الكرامة ومجلس النواب، بعد أن قوبل هذا الاقتراح برفض كامل في الفترة الماضية.

تسعى الإمارات، التي تربطها علاقات متشابكة ومتداخلة مع قادة قوات الكرامة، إلى البحث عن بديل عن حفتر منذ أشهر، وفي هذا السياق فإن الاتصالات التي زادت وتيرتها بين الإماراتيين و(الحاكم العسكري)، الفريق عبد الرزاق الناظوري، خلال الأشهر الأخيرة، تندرج في هذا السياق، لاسيما أن الناظوري، الشخصية الثانية في فريق الكرامة، لا يقل خبرة وحنكة عن حفتر، إلا أن الأول ليست لديه تطلعات أو طموحات سياسية عكس حفتر. 

الغياب بسبب الوفاة أو العجز عن أداء المهام:

سيسعى قادة الجيش الوطني الليبي (قوات الكرامة)، إلى تعيين خَلَف للمشير حفتر، فإن كانت قواعد الأقدمية تُملي أن تسند هذه المهمة إلى الفريق الناظوري، إلا أن معلوماتنا حول طبيعة العلاقات وقوى النفوذ داخل فريق الكرامة، تجعلنا نميل بأن حظوظ الخلافة ستنحصر بين اثنين، هما: اللواء عبد السلام الحاسي (آمر غرفة عمليات الكرامة) والعميد عون الفرجاني (مدير مكتب القائد العام).

ونتوقع أن يتم الاتفاق على عبد السلام الحاسي، لمكانته العسكرية داخل صفوف قوات الكرامة من جهة، ولكونه من إحدى القبائل الكبيرة ذات الثقل الاجتماعي بالشرق الليبي من جهة أخرى. بينما نرى أن الطبيعة المتوجسة لرجل الاستخبارات الليبية، عون الفرجاني، ابن عم المشير حفتر ومدير مكتبه، قد تقلِّل من حظوظ اختياره لخلافة حفتر في حالة غيابه أو عجزه عن أداء مهامه.

اندلاع صراع أجنحة داخل قوات الكرامة:

هذا الأمر بعيد الاحتمال لكنه غير مستبعد، فتركيز السلطات والنفوذ داخل دائرة ضيقة عمادها العائلة والأقارب والمقربون، يجعله مستبعدًا، لكن هشاشة التحالفات وكم التناقضات التي تمور داخل معسكر فريق الكرامة، التي كان يغطي عليها الحضور الكاريزمي لشخصية المشير حفتر، يجعل هذا الأمر واردًا وغير مستبعد.

تفجر الخلافات المقموعة:

شهدت قوات الكرامة خلال سنواتها الثلاثة الماضية انشقاق العديد من قادتها أبرزهم آمر كتيبة 204 دبابات، المهدي البرغثي، والقيادي السابق في قوات الكرامة وآمر محور الصابري، فرج البرعصي، والناطق السابق باسمها، محمد الحجازي، وآمر جهاز مكافحة الإرهاب، فرج أقعيم.

معظم هؤلاء من قبائل كبيرة في الشرق الليبي، وتعيش تذمرًا داخلها، لا شك أن غياب حفتر أو عجزه عن ممارسة مهامه سيفتح شهية هؤلاء للمعارضة الصريحة وقد يصل الأمر إلى تصعيد مسلح محدود يفضي إلى تسويات تؤدي إلى تقاسم النفوذ في منطقة الشرق، هذا فضلًا عن أن حجم المظالم والقمع الذي مورس بحق المعارضين لمشروع الكرامة في الشرق، قد أوغر الصدور كثيرًا، وظل من المسكوت عنه، إلا أن غياب حفتر أو عجزه عن أداء مهامه قد يعجِّل من ظهور هذه التناقضات ويفجر الخلافات المقموعة.

 _________________

مواد ذات علاقة