ضياء نوح 

تتراجع فرص إجراء الانتخابات في ليبيا وأولوية مسار المصالحة الوطنية، مع تفاقم الأزمة واحتمال تطورها إلى صراع مفتوح بانتهاء ولاية المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز.

أحبط معسكر حكومة الوحدة في ليبيا محاولة ثانية لأنصار حكومة الاستقرار لدخول العاصمة طرابلس، بعد اشتباكات عنيفة، صباح أمس السبت 6 أغسطس 2022.

وتعد تلك المحاولة الثانية خلال أقل من 3 أشهر، لبسط سيطرة الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي، برئاسة فتحي باشاغا، على العاصمة، بعد فشل المفاوضات مع ميليشيات طرابلس في تسليم المقار الحكومية.

الجويلي يطلق شرارة اشتباكات طرابلس

اندلعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، فجر السبت، في محيط مقر جمعية الدعوة الإسلامية بمنطقة السواني، جنوب غربي طرابلس، بين ميليشيات موالية للحكومة المكلفة من مجلس النواب، بزعامة مدير جهاز الاستخبارات العسكرية، أسامة الجويلي، وميليشيا القوة الوطنية المتحركة، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية.

وتضاربت الأنباء بشأن سيطرة قوات الجويلي على  معسكر “الجبس” التابع لـ”القوة المتحركة” المحسوبة على المكون الأمازيغي والداعمة لحكومة عبدالحميد الدبيبة، إلى أن تدخلت قوات “اللواء 44” لوقف الاشتباكات العنيفة والسيطرة على المعسكر، حسب بوابة الوسط.

تطورات مقلقة

الهجوم الأخير سبقه تلويح الجويلي باستخدام القوة لتمكين حكومة فتحي باشاغا من العاصمة طرابلس، وعقب اشتباكات بين “جهاز الردع” و”ثوار طرابلس”، عقد اجتماعين لقادة الميليشيات في غرب البلاد لوقف التحشيدات وإنهاء التوتر، في حين تغيبت الميليشيات الموالية للدبيبة عن الاجتماع الثاني، نهاية يوليو 2022.

وأعلن المجلس الرئاسي، الخميس الماضي، إلغاء غرف العمليات كافة في البلاد، لمواجهة تصعيد الجويلي، الذي انتقد القرار ، وقبل ذلك بأسبوع، مساء الأحد 31 يوليو، عقد قادة  عددة ميليشيات موالية لحكومة الوحدة، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، اجتماعًا موازيًا ولكنه لم يتمخض عن أي بيانات، حسب بوابة الوسط.

الغرب الليبي خارج سيطرة الدبيبة

يعود التوتر بين أسامة الجويلي وحكومة الوحدة في أعقاب تسهيل الأول دخول فتحي باشاغا إلى العاصمة الليبية، قبل أشهر، ما دعى الدبيبة لإقالته من منصبه كمدير لجهاز الاستخبارات العسكرية، وهو القار الذي تسبب في انقسام كبير بين ميليشيات غرب البلاد.

ويشير تقرير لمجلة “فورين بوليسي” أن الجويلي يعد القائد الفعلي لألوية الزنتان مما يؤهله لتحديد زعيم ليبيا المستقبليويرى محللون أن النطاق الغربي للعاصمة طرابلس حتى مدينة جنزور، بات يخضع للمعسكر المناوئ للدبيبة، ما دفع الأخير لشراء ولاء قادة بعض الميليشيات، وتقريب عناصر “الجماعة الليبية المقاتلة” المتطرفة.

معضلة أمنية وسياسية

في ظل المشهد المعقد للنزاع بين باشاغا والدبيبة، لم تعد إجراءات حكومة الوحدة كافية لترجيح كفتها، فعلى الرغم من تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط للتقارب مع القيادة العامة للجيش الوطني في شرق البلاد، فإن منح الجيش حقائب وزارية لن يرضى المجموعات المناوئة وعلى رأسهم “الجماعة المقاتلة”، حسب مقال أستاذ العلوم السياسية، طارق فهمي، بموقع “العربية نت”.

وتتراجع فرص إجراء الانتخابات وأولوية مسار المصالحة الوطنية، مع تفاقم الأزمة واحتمال تطورها إلى صراع مفتوح بانتهاء ولاية المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، في أواخر يوليو 2022، وانقسام أعضاء مجلس الأمن الدولي على هوية المبعوث الجديد الذي سيتولى مواصلة الحوارات بين الفرقاء الليبيين.

************

الشباب الليبي محبط بسبب استمرار الانقسامات السياسية وتدهور الأوضاع المعيشية ويطالب بإجراء الانتخابات

قالت مساعِدة الأمين العام لشؤون أفريقيا، مارثا أما أكيا بوبي، لمجلس الأمن الدولي اليوم الاثنين، إن الوضع العام في ليبيا لا يزال شديد التقلّب. وحذرت من أنه على الرغم من التقدّم المحرز، يستمر الجمود الدستوري والسياسي، مما يطيل أمد البيئة الأمنية المتوترة، مع زيادة الاشتباكات في طرابلس وحولها، مشددة على أن أبناء الشعب الليبي يريدون إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.

تأتي إحاطة السيدة مارثا أما أكيا بوبي أمام مجلس الأمن الدولي في أعقاب مظاهرات شهدتها البلاد من قبل ليبيين محبطين بسبب عدم إحراز تقدم في الانتخابات وسوء خدمات الدولة، على حدّ تعبيرها.

الشباب يريد تحسين ظروفه المعيشية

في 1 تموز/يوليو، خرجت مظاهرات في جميع أنحاء ليبيا، بما في ذلك في طرابلس وبنغازي والبيضاء وطبرق. وتعرّض مبنى البرلمان في طبرق إلى الهجوم والتدمير.

وأعرب المتظاهرون، بحسب المسؤولة الأممية، عن إحباطهم إزاء استمرار الانقسامات السياسية وتدهور الأوضاع المعيشية. كما طالبوا بإجراء انتخابات سريعة وإيجاد حلول لأزمة الكهرباء ونقص الوقود في البلاد.

ومضت قائلة: “نحث الجهات السياسية الفاعلة في ليبيا على الاستجابة لنداءات الشعب وإظهار القيادة المسؤولة من خلال معالجة المظالم.”

وحذرت من أن الانقسامات السياسية المستمرة، بما في ذلك الأزمة حول المؤسسات التنفيذية والسيادية تؤدي إلى إطالة أمد البيئة الأمنية المتوترة في طرابلس وحولها.

وقالت: “مع استمرار الجماعات المسلحة في التمركز دعما إما للسيد دبيبة أو السيد باشاغا، يزداد خطر التصعيد.في إشارة إلى رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، ورئيس الوزراء الذي اختاره البرلمان الليبي، فتحي باشاغا.

وأعربت السيدة مارثا أما أكيا بوبي عن قلق بالغ إزاء الاشتباكات المسلحة التي وقعت في طرابلس ليلة 21 تموز/يوليو، والاشتباكات في مصراتة في 23 تموز/يوليو، بين الجماعات المسلحة مما أدى إلى سقوط عدد غير مؤكد من الضحايا المدنيين.

وقالت: “نجدد التأكيد على أهمية الحفاظ على وقف إطلاق النار في ليبيا، ونحث جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ومعالجة الخلافات من خلال الحوار السلمي.”

وأشارت إلى أنه بينما تظل أولوية الأمم المتحدة في ليبيا تسهيل العودة إلى العملية الانتخابية، يجب أن نستمر في دعم وتشجيع النظراء الليبيين على التركيز على معالجة فعّالة للدوافع الرئيسية للمأزق السياسي والاقتصادي، بما في ذلك تلك التي أدت إلى اندلاع مظاهرات الأول من تموز/يوليو.

وقالت: “كانت رسالة الشباب الليبي لقيادته أنه بحاجة إلى بذل المزيد لتحسين ظروفه المعيشية وأنه يريد إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن من أجل اختيار ممثله الشرعي.”

إحراز تقدم، ولكن

منذ الإحاطة الأخيرة حول ليبيا في 27 حزيران/يونيو، تم إحراز تقدم على المسار الدستوري. وعقدت المستشارة الخاصة، ستيفاني وليامز، اجتماعا رفيع المستوى بين رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة. وعُقد الاجتماع في مقرّ الأمم المتحدة بجنيف في الفترة الواقعة بين 28 و29 حزيران/يونيو.

وقالت مساعِدة الأمين العام لشؤون أفريقيا، مارثا أما أكيا بوبي: “تغلبت قيادة المجلسين على نقاط خلافية مهمّة وأحكام معلّقة في الاقتراح الدستوري لعام 2017، واتفقتا على بعض الإجراءات الانتقالية التي من شأنها أن تؤدي إلى إجراء انتخابات وطنية.

وأشارت إلى أن الزعيمين رسما خارطة طريق، مع جداول زمنية وسلسلة من الخطوات المؤدية إلى إجراء انتخابات وطنية. لكن على الرغم من التقدم الواعد الذي تم إحرازه، إلا أن هناك قضية معلّقة حالت دون إتمام الاتفاق في جنيف.

وتابعت المسؤولة الأممية تقول: “لم يتوصل الطرفان إلى توافق في الآراء بشأن مسألة شروط الأهلية لمرشحي الرئاسة.”

هذا ولا تزال السيدة وليامز على اتصال مع الأطراف وتحثهم على سد هذه الفجوة.

وقالت المسؤولة الأممية لأعضاء مجلس الأمن: “ندعو مرة أخرى أعضاء هذا المجلس وجميع شركاء ليبيا الدوليين إلى مواصلة ممارسة نفوذهم على الزعيمين للتوصل إلى اتفاق نهائي يسمح بإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن.”

ورحبت باستئناف أنشطة اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 وعقد اجتماعات في القاهرة وطرابلس بين القادة العسكريين للجيش الليبي.

ويعتزم عنصر مراقبة وقف إطلاق النار التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) واللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والمراقبون الليبيون، الاجتماع في سرت في أوائل آب/أغسطس لوضع اللمسات الأخيرة على خطة مقترحة لانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة. ويعتزمون أيضا تفعيل غرفة العمليات المشتركة.

خفض صادرات النفط الليبية بمقدار الثلثين

أعربت المسؤولة الأممية عن قلقها إزاء الخلاف المستمر بشأن قيادة المؤسسة الوطنية للنفط. وقد استأنفت ليبيا تصدير النفط في 19 تموز/يوليو، ومنذ 16 نيسان/أبريل، أدى الإغلاق إلى خفض صادرات النفط الليبية بمقدار الثلثين وكلّف البلاد أربعة مليارات دولار من العائدات المفقودة.

وقالت مارثا أما أكيا بوبي إنه من السابق لأوانه تأكيد ما إذا كان إنتاج النفط سيستأنف بكامل طاقته وما إذا كانت التغييرات في المؤسسة الوطنية للنفط ستؤثر بشكل أكبر على إنتاج النفط وتصديره.

وقالت: “نؤكد على ضرورة أن تظل المؤسسة الوطنية للنفط محايدة ومتحررة من ضغوط المصالح السياسية.” ودعت جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة إلى تجاوز خلافاتها بهدف ضمان الاستغلال الكامل لحقول النفط في البلاد، وكررت التأكيد على أن الموارد الطبيعية الليبية ملك لجميع الليبيين، ويجب توزيع عائدات صادرات النفط بالتساوي والاستفادة منها بشكل عادل لتعزيز تقديم الخدمات.

حالة حقوق الإنسان تبعث على القلق

فقد تلقت بعثة أونسميل تقارير تفيد بأن المرافق الطبية تفتقر إلى إمدادات الأكسجين المطلوبة للعمليات الجراحية والرعاية الفائقة، وواجهت العيادات في جميع أنحاء البلاد تحديات شديدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود للمولدات.

كما تلقت البعثة تقارير عن اعتقال عشرات المشاركين في مظاهرات 1 تموز/يوليو بشكل تعسفي من قبل الجماعات المسلحة.

وقالت إن الأمم المتحدة تدعو إلى إطلاق سراح جميع من اعتُقلوا تعسفيا.

كما دعت إلى إدانة تزايد حوادث العنف ضد المرأة خلال العيد، بما في ذلك مقتل ست نساء على الأقل – بينهم فتاة – في بنغازي شرقي البلاد، وعين زارة ومدينة غريان غرب ليبيا.

بالإضافة إلى ذلك، يستمر فرض القيود التعسفية على منظمات المجتمع المدني، ويتم استهداف النساء والرجال الذين يدافعون عن حقوق الإنسان بخطاب الكراهية والتحريض على العنف، مما يهدد سلامتهم وأمنهم.

وتابعت تقول: “لا نزال نشعر بالقلق إزاء استمرار احتجاز تسعة من العاملين في المجتمع المدني والعاملين في المجال الإنساني بين تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وشباط/فبراير 2022 لممارستهم السلمية لحقهم في التعبير.

كما واصلت البعثة تلقي تقارير عن مزاعم خطيرة بالتعذيب ضد الليبيين والمهاجرين وطالبي اللجوء في مرافق الاحتجاز والسجون. ولاحظت البعثة موجة من التمييز والطرد والاعتقالات التعسفية للمهاجرين أثناء احتفالهم بالعيد في مدن زوارة والزاوية وطرابلس ومصراتة وصبراتة غربي ليبيا.

وقالت: “يجب على السلطات الليبية التحقيق في جميع مزاعم التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.”

السني حذّر من انفلات الأوضاع

في إحاطته أمام مجلس الأمن، حذر الطاهر السني، مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، من انفلات الأوضاع في أي لحظة ما لم يتم إيجاد حلول جذرية للأزمة بعيدا عن التدخلات الخارجية والمناورات السياسية على حدّ قوله.

وقال: “هذه الأحداث والتي كان آخرها للأسف الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس منذ أيام، مواجهات روّعت الأهالي وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى بينهم مدنيون من أطفال ونساء.”

وأشاد بتدخل القيادات الوطنية الفاعلة، سواء القيادات السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية، ومساعيها للتهدئة، وإلا كانت الأوضاع قد تفاقمت أكثر.

إحباط عام

أشار الطاهر السنّي إلى أن مجلس الأمن يقف عاجزا نتيجة الانقسام الذي يعانيهوقال إن الجلسات كلها مكررة ودون فاعلية.

وأضاف: “حتى الآن، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، منذ بدء الأزمة في ليبيا، تم عقد أكثر من 172 جلسة في مجلس الأمن، وصدر 27 تقريرا أمميا، و19 تقريرا لفريق الخبراء، و23 تقريرا للمحكمة الجنائية الدولية! وما هي النتيجة؟ لا شيء.”

وتساءل أيضا: “بالنظر للأحداث منذ 2011 وحتى اليوم، لا ندري بصراحة هل ليبيا هي التي تهدد السلم والأمن الدوليين – أم الدول المتدخلة والمتصارعة على أرضها هي مصدر هذا التهديد.”

وانتقد عدم التوصل إلى توافق على تمديد البعثة الأممية ولا توافق على تعيين ممثل الأمين العام الجديد، المبعوث التاسع خلال 11 عاما، على حدّ قوله.

واستطرد قائلا: “لقد سئم المواطن الليبي كما سبق وأشرنا مرارا، من حالة التشظي الدولي والصراعات الداخلية اللانهائية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حياته اليومية وعلى الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد.”

ودعا إلى ترك الليبيين وحدهم للتوافق حول المسار الدستوري وتوحيد المؤسسات لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال، انتخابات حرّة ونزيهة، تحقق المشاركة السياسية دون إقصاء وتضمن الحد الأدنى من التوافق الوطني.”

_______________

مواد ذات علاقة