علي اللافي

بعد هدوء الاشتباكات نهاية الأسبوع الماضي بَدأت الأنظار تتجه مجددا للحلول السياسية عبر لقاءات ومشاورات في عدد من عواصم الإقليم (مالطاانقرة – القاهرةتونس) واضافة الى ذلك حُسم أول أمس الجمعة (2 سبتمبر/أيلول) موضوع تعيين مبعوث أممي جديد وهو وزير الطاقة والبيئة السينغالي الأسبق “عبد الله بتيالي

السيد بتيالي هو خبير ذائع الصيت أمميا وهو الذي حُضي بتوافق دولي كبير قبل وبعد تعيينه خاصة وأن بلاده هي الرئيسة الحالية للاتحاد الافريقي، ولكن السؤال الأهم هو :

هل سيدفع هذا التعيين نحو رسم حلول يقبل بها كل اللبيين وعبر خارطة طريق توافقية أم أن الخطوة الجديدة لن تُبعد بلد عمر المختار عن الصراعات والحروب والتباينات والمناكفات والتجاذب السياسي ووظيفية النخب والفاعلين الليبيين لأذرع إقليمية (والخادمة بدورها لقوى دولية طامحة في ثروات ليبيا الهائلة والنادرة)، وما هي فعليا آفاق الوضع في أفق نهاية السنة الحالية؟

حول هوية المبعوث الأممي الجديد وحيثيات تعيينه

1- أولا،أعلن الأمين العام للأمم المتحدة ”أنطونيو غوتيريس” أول أمس للجمعة وبشكل رسمي تعيين الوزير السنغالي السابق “عبد الله بتيالي”، مبعوثاً خاصاً له في ليبيا بعد قرابة تسعة أشهر من شغور المنصب، بسبب عدم اتفاق الدول الأعضاء في مجلس الأمن على عدد من المرشحين.

وقد شغل السيد “بتيالي” عدداً من المناصب رفيعة المستوى في بلاده، من بينها وزير للبيئة من 1993 إلى 1998، ووزير للطاقة من 2000 إلى عام 2001. وتولى أيضاً عدداً من المناصب رفيعة المستوى داخل الأمم المتحدة، من بينها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى، وترأس أيضا لجنة المراجعة الاستراتيجية لعمل البعثة الأممية في ليبيا.

2- ثانيا، يتقلد “بتيالي” منصبه خلفاً للسلوفاكي “يان كوبيتش”والذي استقال وأنهى مهامه رسمياً في ديسمبر/تشرين الأول الماضي وعوضته فعليا الأميركية “ستيفاني وليامز”بصفة ولافتة مستشارة خاصة لـ”غوتيريس” في ليبيا قبل أن تغادر منصبها الشهر الماضي، دون أن تشغل منصب مبعوثة خاصة للأمين العام، إذ يحتاج ذلك المنصب إلى موافقة جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

ويأتي تعيين “بتيالي” على الرغم من اعتراضات حكومة الوحدة الوطنية عليه حيث عبر السفير الليبي للأمم المتحدة في نيويورك، الطاهر السني عن اعتراض حكومة بلاده على تعيين “بتيالي” في أكثر من مناسبة بل أن السني بعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، قبل تصديق مجلس الأمن على التعيين، يعبّر فيها عن “اندهاش حكومة بلاده” المتعلق بنية غوتيرس تعيين عبد الله بتيالي ممثلاً خاصاً للأمين العام لليبيا، على الرغم من تلك الاعتراضات، بحسب ما نقلت وسائل إعلامية. وقال إن بلاده سبق أن عبّرت عن “تحفظاتها الواضحة” إزاء ذلك التعيين.

3- ثالثا،وفي وقت سابق من الأسبوع المنقضي أكد الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “ستيفان دوجاريك” أن الأمين العام قام بالمشاورات اللازمة مع جميع الأطراف، بما فيها الطرف الليبي، قبل أن يبعث برسالته إلى مجلس الأمن المتعلقة بنيته تعيين بيتالي، وتوضع رسالة الأمين العام تحت ما يسمى “الإجراء الصامت” الذي انتهت مدته مساء الجمعة بتوقيت نيويورك، وإن لم تعترض أي دولة عضو في المجلس على ذلك، يُعتمَد تعيينه رسمياً، وهو ما حدث بالفعل.

وفعليا أعلن تعيين “بتيالي” في بيان خاص صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة. وجاء فيه: “يتمتع بتيالي بخبرة تزيد على 40 عاماً مع حكومته الوطنية والمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة. في آخر مهمة له للأمم المتحدة، عمل في عام 2021 خبيراً مستقلاً للمراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”

هل سيدعم تعيين المبعوث الاممي وضع خارطة طريق توافقية أم ستبقى ليبيا قيد الانقسامات والصراعات؟

أولا، الثابت أن لقاءات ومشاورات الأسبوع الجاريوالتي شملت كل مكونات السلطتين التشريعية والتنفيذيةقد غيّرت نسق الأحداث والتطورات بحيث بحثت التقارب وفرص التوافق وخاصة في أنقرة والقاهرة، كما أن ما جرى ويجري في الإقليم يتسم بديناميكية متطورة ومتسارعة وبناء على نسق تفاعلي .

هذا الأمر أصبح مفهوما في ليبيا ذلك أن عجز “حفتر” عن دخول العاصمة وخساراته الكبرى في مدن الساحل الغربي في ليبيا قد قلب الأوضاع سنة 2020 بل وسارع بلقاءات جنيف وما أتت به ووضع الأحداث في بداية 2021 نحو مسارات ثانية بدت للبعض يومها صعبة الحدوث. كما ان المتغيرات الجيوسياسية في نهاية 2021 وبدايات 2022 غيرت المعادلات والتوازنات في ليبيا وفي كل الإقليم (حيثيات ومخرجات القمة الخليجية 42 – التقارب التركي الاماراتي – أحداث افغانستان – انقلابات إفريقيا الخمس سنة 2021 –تداعيات اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية – التطورات في الساحل الافريقي…)

ثانيا، الأسابيع والأشهر القادمة في ليبيا ستكون حاسمة في بلورة المتغيرات على المستويين السياسي والاجتماعي وخاصة بعد تراجع حضور جماعة النظام السابق في المشهد السياسي وانحصار حضورهم في قبائل ومجموعات مناصرة وملتفة حول شخص “سيف القذافيوالذي تنعدم فرص زعامته السياسية من مدة لأخرى نتاج تحجيم قواه الاجتماعية من طرف قوات حفتر في الجنوب وسرت.

كما لا يمكن تغييب حقيقة أن ما بقي من المنظومات القديمة في دول الربيع العربي تحول فعليا الى حطب معارك لقوى جديدة إضافة الى عدم رغبة القوى الدولية في إعادة انتاجها وأن التلويح بعودتها ماهي الا خطط تكتيكية لغايات الارباك وخلط الأوراق.

ومن ناحية أخرى ستتحدد معطيات الداخل الليبي بما يجري في تونس والجزائر والمغرب من جهة وطبيعة العلاقات بين بلدانه وأيضا حول نجاح القمة العربية من عدمها (والتي يلوح البعض بتأجيلها وخاصة في ظل خطوات التقارب بين اثيوبيا والجزائر وتعذر المطلب الثالث للجزائريين وهو عودة سوريا لرحاب الجامعة عبر قمة 1 نوفمبر المرتقبة).

ثالثا، عسكريا وبعد تحجيم بعض قوى مسلحة في العاصمة وتمدد أخرى وكسبها للمساحات والدعم لا يمكن اغفال حقيقة أن الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” قد تعلم الدرس جيداً وخاصة درس خسارته المدوية لمعركة طرابلس في 04-04-2019.

وها هو يتجه ظاهرا ليلعب هو وأبنائه وفريقه المقرّب منه أوراق سياسية بعينها ولعل آخرها قطع خطوة ثانية في تحالف معلن مع “الدبيبة”( وهو تقييم خاص به وقائم على اعتبار الأخير هو من يسيطر على العاصمة)، ولكن ما يغيّبه مستشاري حفتر وبعض حلفائه في الإقليم هو أن الانتخابات قد ترسم مشهد سياسي مختلف ويعبث باحلام الكثيرين ويغيب مثلا الفاعلين الرئيسيين في الأجسام السياسية الحالية بما فيها مجالس النواب والأعلى للدولة والرئاسي.

والثابت أن “حفتر” الشخص قد انتهى وولىّ، فلا سنّه (من مواليد 1942) ولا أمراضه المختلفة، تمكنانه من أن يكون لاعبا رئيسيا مستقبليا في ليبيا ومعلوم أنه لم تعد له القابلية والحماس الاجتماعيين الذين كانايحضى بهما في شرق وجنوب البلاد بين 2015 و2019 . ومقابل ذلك لا يزال “حفتر المشروع” قائما بسند دولي وإقليمي وإن بدرجة أقل كثيرا مما كان بين سنتي 2014 و2020 ذلك أن لولديه “صدام” و”خالد” طموحات كبرى عسكريا وسياسيا بينما لباقي أبنائه طموحات أخرى سياسية ومالية ودبلوماسية.

أي مستقبل للأوضاع في أفق نهاية السنة الحالية؟ 

أولا، الثابت أن هناك سيناريوهات عدة لتطور الأوضاع بدء من عودة الاشتباكات ولو بشكل محدود الى المضي في رسم خارطة طريق توافقية جامعة وتجد أطراف الصراع فيها كثير من مطالبها، كما أن الأيام والأسابيع القادمة في ليبيا مثلما ستكون مليئة بالأحداث والتطورات والمتغيرات فإنها ستكون أيضا حُبلى بالمفاجآت.

كما أن إمكانية الذهاب للانتخابات في ديسمبر المقبل أو جوان/يونيو 2023 أمر جد وارد بل ولا مفر منه في ذهنية الفاعل الأممي وضمن فريق “بايدن” (ولدى حلفائه في الإقليم) كما أن تأجيل الرئاسية وإنجاز البرلمانية قد يكون أقرب للواقع، ذلك أن إدارة وترتيب الملف الليبي في حدّه الأدنى ستعني آليا ترتيبات عاجلة في ملفات بعض دول الجوار وفي الساحل الافريقي تحديدا.

ليبيا بلد مفتاح لكل مربعات الإقليم (متوسطيا –مغاربيا– عربيا – افريقيا – إسلاميا …) والحل في ليبيا ستكون انعكاساته الاقتصادية دراماتيكية على الوضع الاقتصادي في تونس ومصر والسودان وتشاد ومالي والنيجر، كما سيتعين أن بعض الفاعلين الليبيين الحاليين سياسيا واجتماعيا سيجدون أنفسهم خارج الحسابات السياسية مستقبلا وان اهم النتائج المرتقبة مستقبلا هي تجديد الطبقة السياسية الحالية وأنها ستتحمل وزر واعباء أخطاء السبع سنوات الماضية.

ثانيا، الخلاصة أنه بعد تعيين مبعوث أممي جديد (وإفريقي تحديدا وسينغالي خاصة)، يمكن القول أن الحل المرتقب والممكن سيكون قابلا للتجسيم على الأرض سياسيا واجتماعيا وعسكريا وخاصة أن هناك قرار أمريكي مبطن ويتمثل في تحويل ليبيا بالكامل الى بلد مستقر بالكامل وأنه سيتم تحويله – باعتبار موقعه الاستراتيجي في المنطقةالى قاعدة رئيسية للتصدي للوجود الروسي في الساحل الافريقي (ومعلوم ان ليبيا هي من ضمن 10 دول تشملها استراتيجيا الاستقرار وهي استراتيجيا مرسومة منذ سنة 2020 ).

ولكن ما سبق لا يلغي حقيقة ان الأمريكيين والأوربيين يتعاطون مع ملفات كل البلدان بناء على عاملي التعاطي والتفاعل الأمريكي مع جاهزية القوى المحلية في هندسة مشهد سياسي مستقبلي ضمن إقليم متحرك متوسطيا وافريقيا وعربيا وإسلاميا.

وذلك بناء على أن واشنطن تضع روسيا والصين وايران كملفات أولوية لها في افق نهاية العقد الحالي، وان خطوطها الحمراء الثلاث هي :

  • انسياب النفط والغاز

  • محاربة التنظيمات الإرهابية

  • عرقلة أي تواجد عسكري روسي

***

علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

___________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة