عبد الحميد صيام

في بيان رسمي صدر يوم السبت الثاني من أيلول/سبتمبر، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن تعيين الوزير السنغالي السابق، عبد الله باتيلي، ممثلا خاصا له في ليبيا ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «أونسميل» بعد خلو المنصب منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021 إثر استقالة المبعوث السلوفاكي يان كوبتش.

والممثل الخاص الجديد يحضر معه إلى المنصب خبرة تزيد عن 40 عاما شغل خلالها مناصب ضمن حكومة بلاده والعديد من المؤسسات الأكاديمية والمنظمات الإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة كان آخرها في مالي ومنطقة الساحل.

ويأتي هذا التعيين بعد خلافات عميقة في مجلس الأمن الدولي حول هوية المبعوث الخاص الذي سيخلف كوبتش. فقد أصرت الدول الأفريقية الثلاث في مجلس الأمن (كينيا وغانا وغابون) وبدعم روسي وصيني على اختيار مبعوث خاص من أفريقيا.

وقد طرح في المجلس العديد من الأسماء إلا أنها لم تكن تحظى بالإجماع كان آخرهم صبري بوقدوم، وزير الخارجية الجزائري السابق، إلا أن الاعتراض عليه جاء أساسا من حكومة فتحي باشاغا المدعومة من برلمان طبرق، وبالتالي تم استبعاده.

لكن تعيين السنغالي عبدالله باتيلي، حظي بردود فعل إيجابية على الصعيدين الإقليمي والدولي، رغم إبداء تحفظ من السفير الليبي لدى الأمم المتحدة طاهر السني في البداية إلا أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة عادت ورحبت بهذا التعيين مؤكدة دعمها الكامل لعمله «والدفع باتجاه الحل السياسي الشامل الذي يعجل بإصدار قاعدة دستورية توافقية، لإجراء الانتخابات».

وحظي المبعوث الجديد بالموافقة عليه بالإجماع داخل مجلس الأمن، كما رحب به كل من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبالتالي أزيلت كل العقبات أمام المبعوث الأممي التاسع لليبيا.

ويعد باتيلي أول أفريقي يشغل منصب المبعوث الأممي في ليبيا وهو التاسع (على اعتبار أن ستيفاني وليامز كانت مبعوثة بالإنابة ومستشارة للأمين العام وقد أنجزت أكثر من المبعوثين الخاصين) منذ تفجر الأوضاع بعد ثورة 17 شباط/فبراير 2011 التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي بعد تدخلات واسعة من حلف الناتو.

أمام باتيلي مجموعة تحديات كبرى عليه أن يواجهها مع تسلم منصبه الجدبد من مقر عمل البعثة في طرابلس:

هناك وضع متوتر بين حكومة باشاغا المعينة من البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وصل إلى حد الصدامات المسلحة في طرابلس العاصمة يوم السبت 27 آب/أغسطس أدت إلى مقتل 32 شخصا من بينهم مدنيون. إن هناك انقساما حادا حاليا بين حكومتين تتنازعان الشرعية. تهدئة الأمور وإقامة جسور حوار والعمل على إقناع الطرفين الأساسيين أن يعودا للحوار هي المهمة الأولى التي لا يسبقها أي أولوية أخرى.

تثبيت إطلاق النار في كافة المناطق الذي بدأ في تشرين الأول/أكتوبر 2020 وتفعيل فريق المراقبة الأممي الموجود على الأرض والعمل بالتعاون مع لجنة 5+5 للاستمرار في المحادثات الأمنية والعسكرية والانتقال إلى الخطوات التالية المتعلقة بدمج المؤسسات الأمنية والعسكرية.

إن مهمة انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد دون مزيد من التأخير من أصعب التحديات التي تواجه المبعوث الخاص الجديد، خاصة أن دولا كبرى، إقليمية ودولية، تقف وراء هذه المجموعات المسلحة.

واتفقت الأطراف الليبية على هامش الملتقى السياسي الليبي على إخراج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة بدءا بإعادة 300 سوري من كل طرف ثم الاستمرار في إعادة المقاتلين والمرتزقة إلى بلادهم من الجنجويد والتشاديين وصولا إلى مرتزقة الفاغنر التابعين للاتحاد الروسي رغم نفي الأخير لهذه العلاقة.

ضمان تدفق النفط وتسهيل تصديره والاستفادة من العائدات النفطية لجميع أبناء البلاد وأن تبقى المؤسسة النفطية خارج الانقسامات السياسية والحزبية.

إعادة عجلة الحوار الليبي الليبي حول القاعدة الدستورية المتعلقة بالانتخابات والعمل على تذليل العقبات الباقية. فقد توصل المجلسان، الرئاسي والنيابي في جلسات الحوار في جنيف يومي 28 و29 حزيران/يونيو الماضي إلى شبه توافق على نحو 97 في المئة من الإطار الدستوري.

وأوضحت ستيفاني وليام عندها أن المجلسين توصلا إلى توافق غير مسبوق بشأن غالبية النقاط التي كانت عالقة لأمد طويل ويشمل ذلك «تحديد مقار المجلسين وتخصيص عدد المقاعد في غرفتي السلطة التشريعية، وتوزيع الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء والحكومات المحلية، والشكل المحدد للامركزية بما في ذلك ترسيم عدد المحافظات وصلاحياتها وآلية توزيع الإيرادات على مختلف مستويات الحكم وزيادة نسبة تمثيل المكونات الثقافية».

ولم يبق إلا موضوع المواصفات والشروط التي يجب أن يتمتع بها المرشح للرئاسة. إذن هناك العديد من نقاط التوافق التي يمكن البناء عليها.

ومن المسلم به أن يتابع المبعوث الخاص موضوع الحوار الوطني الشامل، وإجراء عملية مصالحة تهدف، من جملة الأمور، إلى تشكيل حكومة ليبية موحدة مؤقتا قادرة على الحكم في جميع أنحاء البلاد وتمثيل الشعب الليبي بأكمله. وأثبت الشعب الليبي أنه تواق للمصالحة والحرية وحل الخلافات بالطرق السلمية والتوجه نحو صناديق الاقتراع.

وما المظاهرات التي انطلقت في تموز/يوليو الماضي في عديد من المدن في كافة المناطق من بينها طبرق وطرابلس إلا تعبيرا عن نفاد صبر الناس بتصرفات النخب السياسية وانقساماتهم.

التدخلات الإقليمية والدولية

المسألة في حل المشكلة الليبية لا تكمن فقط في وجود مبعوث خاص أو غيابه. فقد تقلب على البعثة التي أنشئت مبكرا مندوبون خاصون من عدة دول عربية وغير غربية ولم يحققوا الاختراق المطلوب.

لكن من المنصف أن نقول إن الإسباني برناردينو ليون أنجز في كانون الأول/ديسمبر 2015 الاتفاق السياسي الليبي أو ما يسمى باتفاق الصخيرات، وهو الذي أسس لحكومة الوفاق الوطني الشرعية.

كما أن المبعوث السادس غسان سلامة توصل إلى خريطة الطريق ذات المسارات الثلاثة السياسي والاقتصادي والأمني، وأن ستيفاني وليامز أنجزت وقف إطلاق النار في تشرين الأول/أكتوبر 2020 وأنشأت الملتقى الليبي الذي نتج عنه انتخابات حكومة الوحدة الوطنية. لكن المعضلة الليبية تظل أكبر من المبعوث الخاص ومن توافق أو اختلاف أعضاء مجلس الأمن.

المسألة الليبية، في رأينا، من أعقد القضايا المطروحة على جدول أعمال الأمم المتحدة. فهي بلاد شاسعة وعدد سكان قليل وثروات نفطية هائلة جعلتها محط أطماع القوى الإقليمية والدولية.

وفيها حكومة معترف بها في طرابلس وبرلمان شرعي في طبرق. أي أن هناك تنازعا بين شرعيتين. وقد تركت 41 سنة من الحكم الفردي المطلق بلادا لا مؤسسات فيها ولا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا جيش مهني ولا قوة شرطة متماسكة.

فدلفت البلاد مبكرا نحو الفوضى وتشكلت الميليشيات العديدة التي اقتطعت لنفسها منطقة نفوذ وقفز جنرال متقاعد تم تأهيله في الخارج ليلملم بقايا وحدات عسكرية أطلق عليها جيش ليبيا الوطني وفرض على برلمان طبرق تأهيله ورفع رتبته إلى مشير وشبّك علاقات مع دول الجوار مبكرا لضمان وصول السلاح والمال. وبدأ مشواره في إخضاع البلاد بالقوة المسلحة.

ولولا الاتفاق بين حكومة الوفاق الوطني والحكومة التركية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 والتي ساهمت في تثبيت الدولة في طرابلس لاستطاع حفتر أن يدخل طرابلس بالقوة المسلحة حتى لو أدى ذلك إلى ارتكاب مجازر بشعة.

لقد أصبحت ليبيا منطقة نزاع إقليمي ودولي حيث تحول النزاع من ليبي ليبي إلى صراع محاور إقليمية ودولية. واستمر مجلس الأمن يصدر القرارات والبيانات الرئاسية تقريبا بالإجماع ولكن على مستوى الممارسة تقوم بعض دول المجلس دائمة العضوية بدعم طرف ضد الآخر وتقوم دول الإقليم بشحن السلاح للأطراف المتحاربة حتى وصل الانقسام إلى ما هو عليه الآن.

قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة أمام الليبيين ليلملموا مواقفهم ويتفقوا على إطار دستوري ويحددوا موعدا للانتخابات تشرف عليها حكومة تسيير أعمال يرضى عنها الليبيون مهمتها فقط إنجاز الانتخابات.

نحن نعرف أن الأمور ليست سهلة وهناك من سيعمل على تعطيلها لكن القرار في النهاية لليبيين أنفسهم وعليهم التوجه نحو الانتخابات على قاعدة دستورية واضحة لا يتم تفصيلها على مقاس شخص بعينه وإلا ستعود الدوامة من جديد ويستقيل المبعوث الخاص من منصبه بعد أن يصل إلى الحائط المسدود الذي ارتطم فيه غسان سلامة ويان كوبتش وستيفاني وليامز من قبل، لأن مفتاح الحل قد لا يكون في طرابلس أو طبرق بل في بعض العواصم العربية والأجنبية.

***

عبد الحميد صيام الأستاذ في جامعة رتغرز الأميركية بولاية نيوجرزي، أكاديمي، عمل في الأمم المتحدة، وتولى مسؤوليات متعددة، شملت العمل ناطقا لبعثات الأمم المتحدة في مناطق عدة.

_______________

مواد ذات علاقة