زايد هدية

أشعل رئيس حكومة الوحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة جدلاً ليبياً جديداً بشأن قرار إعادة فتح السجل العقاري المقفل منذ 2011 بتوجيهات من المجلس الانتقالي، وهو الجسم التشريعي وقتها، للحفاظ على أملاك الدولة على رغم استمرار الظروف المرتبطة بهشاشة الوضع الأمني وضعف سلطة الدولة وعدم قدرتها على الحفاظ على ممتلكاتها.

وتعرضت أملاك كثيرة للدولة الليبية لتعديات من جهات مختلفة، خصوصاً الكيانات المسلحة التي شغلت مئات المواقع الحكومية في العقد الماضي، لكن قرار إغلاق السجل العقاري منع نقل ملكيات هذه الأراضي والمواقع إلى الأطراف التي تشغلها حالياً.

وبدأت الدولة الليبية ممثلة بمكتب النائب العام في الفترة الأخيرة حملة لاسترجاع المواقع المنهوبةعلى رغم أن بعضها قسمت إلى قطع أراض سكنية وبنيت عليها مساكن لمواطنين، خصوصاً في العاصمة طرابلس.

وبدأت القصة حين أصدر الدبيبة في سبتمبر الماضي قراراً يقضي بتسمية رضوان رمضان رئيساً لمصلحة التسجيل العقاري، بدلاً من الرئيس السابق المستشار فرج علي المحمودي، وأعطى توجيهاته بإعادة فتح منظومة السجل العقاري، مما أثار تحفظات كثيرة على القرار الذي يفتح الباب لنقل كثير من أملاك الدولة إلى ملاك جدد، يسعون إلى هذا الأمر منذ أعوام.

وسبق هذا القرار بأشهر عدة قرار آخر أصدرته حكومة الدبيبة نص على اعتماد الهيكل التنظيمي لمصلحة أملاك الدولة وتنظيم جهازها الإداري، ومنح القرار رئيس مجلس إدارة المصلحة صلاحية إصدار قرار بالتنظيم الداخلي للمصلحة بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية الذي اعتبر تمهيداً للقرار المثير للجدل بشأن تغيير رئاسة السجل العقاري وإعادة تفعيله.

الرئاسي يدعم التجميد

وانضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى قائمة المعترضين على قرار الدبيبة، إذ طالبه في خطاب رسمي بـوقف جميع التصرفات الناقلة لأملاك الدولة بمصلحة التسجيل العقاري وأن يقتصر دور المصلحة في المرحلة الانتقالية على العمل الإداري فقط من دون إجراءات نقل وتوثيق وتحقيق الملكية“.

واستند رئيس المجلس الرئاسي في طلبه إلى قرار المجلس الوطني الانتقالي رقم 102 لعام 2011 بشأن تنظيم وتحديد ضوابط العمل في مصلحة التسجيل العقاري وأملاك الدولة الذي نص على تعليق جميع التصرفات الناقلة للملكية في المصلحة وعدم قبول طلبات التسجيل مع العمل على حفظ الملفات العقارية الموجودة داخل جميع فروع المصلحة وإداراتها.

شروط التجميد باقية

من جانبه اعتبر عضو المجلس الانتقالي الأسبق والناشط القانوني حالياً حسن الصغير أن الشروط والظروف التي تسببت باتخاذ قرار تجميد السجل العقاري ما زالت موجودة، قائلاً إن المجلس الانتقالي قرر عام 2011 تعليق جميع التصرفات الناقلة للملكية في مصلحة السجل العقاري وأملاك الدولة والقرار ما زال سارياً حتى اليوم والمصلحة يقتصر دورها خلال المرحلة الانتقالية على العمل الإداري فقط من دون إجراءات نقل وتوثيق وتحقيق الملكية، وعدم قبول طلبات التسجيل مع العمل على حفظ وصيانة الملفات العقارية الموجودة في جميع إدارات وفروع التسجيل العقاري، ونوه إلى أن القرار ما زال سارياً حتى الآن في ما يتعلق بهذه المادة تحديداً“.

إنشاء منطقة خضراء

ورأت بعض الأطراف التي احتجت على إعادة تفعيل السجل العقاري أن رئيس الحكومة في طرابلس يمهد بذلك لتنفيذ قراره بمنح قطعة أرض في طرابلس لسفارات أربع دول بغية إنشاء ما يشبه المنطقة الخضراء الصغيرة، بحسب المخطط الخاص بالموقع الذي منح لهذه السفارات“.

أحد الذين تبنوا هذا الرأي عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي الذي قال إن تغيير رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة لرئيس السجل العقاري هدفه نهب ممتلكات الدولة الليبية من أراض وعقارات“.

مضيفاً أن بداية استيلاء الدبيبة على ممتلكات الدولة كانت بإهدائه تركيا وأميركا ودولاً أخرى قطع أراض مساحة كل منها أربعة هكتارات وهذه تعتبر قواعد داخل ليبيا وليست سفارات لدول أجنبية“.

وأعلن أن السجل العقاري سيظل مقفلاً بموجب القانون 102 الصادر عن المجلس الانتقالي وعلى كل من يتجرأ على فتح السجل العقاري والعبث أن يتحمل المسؤولية حيال ذلك. ونحن أكدنا في جلسة البرلمان السابقة أن قرار الدبيبة بفتح السجل العقاري مرفوض ولن يطبق وتم تعميم ذلك على كل الجهات بأن لا يتم التعامل معه“.

إرباك جديد للمشهد

المحلل الاقتصادي سليمان الشحومي رأى من جانبه أن حكومة الدبيبة مهتمة بتوزيع العقارات على السفارات وفتح السجل العقاري وإرباك المشهد بشكل كبير، وقال إن مهمة حكومة الدبيبة الأساسية كانت الوصول إلى الانتخابات، لكن يبدو أن هذا ليس في سلم أولوياتها فالتسجيل العقاري مغلق منذ عام 2011 والحكومة التي طالبت بفتحه لا تحظى بشرعية على كامل البلاد“.

مشيراً إلى أن فتح التسجيل العقاري سيكون في منطقة محدودة جداً في ليبيا بسبب الانقسام والصراع السياسي. فالتسجيل العقاري وظيفته توثيق ونقل الملكيات والحقوق في ما يتعلق بالأراضي والعقارات وربما في ظل هذه الظروف يستخدم في غير إطاره الصحيح“.

ولفت الشحومي إلى وجود خلل قانوني في القرار يبطله من أساسه، إيقاف التسجيل العقاري تم بإجراءات قانونية وإرجاعه لا بد من أن يتفق عليه من خلال سلطة تشريعية تأذن بعودته، فإعادة فتح التسجيل العقاري في ظل الانقسام الحاصل حالياً يضع الحكومة أمام كثير من علامات الاستفهام والشبهات في ظل هذا التخبط، وكثير من الملكيات قد يحدث فيها تزوير ونقل غير صحيح في ظل الانفلات الإداري الحالي“.

مغامرة خطرة

كذلك صرح عضو مجلس نقابة المحامين في طرابلس علي مروان بأن محاولة رئيس الحكومة الموحدة إعادة تفعيل التسجيل العقاري في هذا الوقت هي مغامرة خطرة جداً ومن الممكن أن تسبب كارثة على المواطن والدولة، مشدداً على أنه سيتم الطعن في مثل هذا القرار أمام المحكمة الإدارية إذا تم تفعيل التسجيل العقاري باعتباره قراراً صادراً عن جهة تنفيذ وسيسبب ضرراً، وأن قرار إيقاف تفعيل التسجيل العقاري صادر عن جهة تشريعية، أي المجلس الانتقالي“.

وأضاف أن فتح التسجيل العقاري في هذا الوقت مع استمرار الفوضى الانتقالية سيمكن كثيراً من الذين استولوا على أملاك الغير من تسجيل هذه الأملاك ونقل ملكية العقارات بشكل نهائي، ومسألة إلغاء الشهادات العقارية ليست أمراً سهلاً حتى إن كانت مزورة“.

تعديات بالجملة

وتعرضت أراض كثيرة مملوكة للدولة الليبية في الأعوام الماضية لتعديات جمة وعمليات نهب باشرت النيابة العامة بالتحقيق في بعضها واتخاذ إجراءات قانونية في حق المتهمين بها، كان آخرها حين أمر النائب العام الصديق الصور الجهات الضبطية بمباشرة إجراء منع الدخول إلى قطعة الأرض المملوكة للدولة الليبية التي تبلغ مساحتها خمسة هكتارات، الموسومة بـمزرعة نقابة الفلاحين غوط الشعال، موجهاً وكلاءه بمباشرة التحقيق في ظروف وملابسات واقعة التصرف فيها من قبل أشخاص عاديين ليس لهم حق التصرف.

المكتب الإعلامي للنائب العام قال وقتها إن إجراءات التحقيق أسفرت عن إثبات واقع ارتكاب الجناة لجرائم تزوير مستندات رسمية وإجراء تغيير على استعمال المخطط المعتمد بالمخالفة لأحكام التشريعات النافذة“.

توضيح من حكومة الوحدة

في المقابل أوضح وزير الشباب في حكومة الوحدة وعضو اللجنة الوزارية لمبادرة الإقراض السكني فتح الله الزني وجود مشكلة في المبادرة بسبب توقف منظومة السجل العقاري، واجهنا مشكلة حقيقية في السجل العقاري بخصوص أصحاب طلبات القروض لاستكمال منازلهم، إذ قال السجل إن الجزء الأكبر منهم هم أصحاب بنايات خارج المخطط“.

وأضاف أيضاً والد الشاب الطالب للقرض لن يتمكن من نقل الملكية بسبب التشريعات الصادرة عام 2011 في هذا الشأن، لذا نسعى إلى توجيه المبادرة للاستفادة من أراض سكنية مملوكة للدولة بتوجيهها إلى شركة التهيئة العمرانية، ثم يشتريها مصرف الادخار والاستثمار العقاري“.

وأشار إلى أنه في الشأن ذاته طالب المصرف بشراء الشركة أو جعل مرجعيتها له لتسيير الإجراءات وإتمام عملية الإقراض، وحتى إمكان جعل الإقراض في شكل إسكان جاهز وبنماذج معينة بما يتناسب مع الأسر محدودة الدخل والشباب المقبلين على الزواج“.

أما الخبير القانوني محمد الزحاف، فاعتبر أن توقف المصارف عن إعطاء القروض للمقترضين بسبب تعذر الحصول على عقود رهن عقاري أدى إلى شلل الاقتصاد في ليبيا، وقال في تصريحات تلفزيونية إن الاقتصاد الوطني مصاب بالشلل نتيجة قرار المجلس وتوقف السجل العقاري، ورأى أنه يمكن اللجوء إلى نظام التأمين الخاص عبر الشركات الليبية لإبرام عقود إعادة تأمين لدى شركات دولية كبرى على القروض الممنوحة من المصارف في الداخل.

ويمكن اللجوء أيضاً إلى هيئة ضمان عامة مملوكة للدولة أو الاعتماد على الصندوق الليبي لضمان الإقراض الذي أنشئ قبل خمسة أعوام ليتولى إعطاء الضمانات إلى المصارف الليبية، بالتالي عودة النشاط الاقتصادي في البلاد“.

______________

مواد ذات علاقة