عبدالله الكبير

تباينت ردود الفعل على مذكرة التفاهم الأخيرة، الموقعة بين حكومة الوحدة الوطنية والحكومة التركية حول الاستثمار في النفط والغاز، تبعا للموقف السياسي المسبق، فبينما أيدها أنصار الحكومة، سارع عقيلة صالح رئيس مجلس النواب بالإعلان عن رفضها وعدم الاعتراف بها.

وهو موقف متوقع بالقياس على المواقف والإجراءات التصعيدية التي اتخذها صالح ضد حكومة الدبيبة، والموقف نفسه تقريبا أعلنه رئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا.

وبين الموقفين المتضادين ألقت الحيرة بظلالها على غالبية المتابعين والنشطاء.

من دون الخوض في الجدل داخل دوائر الاستقطاب السياسي، تُعد هذه الاتفاقية مذكرة تفاهم لاترقى إلى مستوى الاتفاقية الرسمية الموثقة قانونيا عبر المجالس النيابية، إذ تؤكد بنودها أن الإلغاء متاح لكلا الطرفين، بشرط إبلاغ الطرف الآخر قبل الإلغاء بمدة زمنية محددة.

وبما أن المذكرة الجديدة هي امتداد لمذكرة الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية السابقة، المبرمة بين حكومة السراج والحكومة التركية. فإن نفس الجدل السابق سوف يعود مجددا، وسيكرس نفس المواقف السابقة.

على المستوى السياسي

تعزز الاتفاقية الموقف التركي في البحر المتوسط في مواجهة اليونان وقبرص وفرنسا ومصر، وتؤكد حسم تركيا لموقفها من الصراع الليبي لمصلحة حكومة الدبيبة، وهو ما يمنح حكومة الدبيبة المزيد من القوة في مواجهة حكومة باشاغا.

أما الخاسر الأكبر في هذا التقارب بين حكومة الوحدة وتركيا فهو معسكر حفتر، لأن تعزيز تركيا لحضورها في الأزمة الليبية، من خلال هذه الاتفاقية والاتفاقيات السابقة، والدفع بالمزيد من التعاون العسكري مع الغرب الليبي، سينهي كل الآمال في إمكانية مد حفتر لسلطته ونفوذه إلى العاصمة، وستحول الأزمة العالمية للطاقة بينه وبين العودة لقفل النفط ومنع تصديره.

التداعيات السياسية للاتفاقية ستعمق من حالة الانقسام، وستعيد حدة الاستقطاب التى تراجعت مؤخرا، فإذا كانت مواقف أطراف الصراع المحلي معروفة سلفا، فكذلك المواقف الإقليمية والدولية لم تتأخر، إذ أعلنت الخارجية المصرية تمسكها بموقفها السابق بأن حكومة الوحدة منتهية الولاية، ولا تمتلك صلاحيات إبرام مذكرات تفاهم واتفاقيات دولية“.

وذهبت الخارجية اليونانية في نفس الموقف، واعتبرها بيان صادر عن الاتحاد الاوربيأنها جاءت على أساس مذكرة التفاهم الموقعة عام2019، وموقفنا منها لم يتغير كونها تنتهك سيادة دولة ثالثة واستدرك البيان أنهناك حاجة لمزيد من الايضاحات حول محتواها “.

 التطورات الأخيرة في الأزمة

بطرح مجموعة من نواب برقة خيار العودة للنظام الفيدرالي ودستور المملكة قبل تعديله، وإصرار رئيس مجلس النواب على تمسكه بالحكومة الموازية، وأخيرا مذكرة التفاهم الجديده بين حكومة الوحدة والحكومة التركية.

كل تلك التطورات تسبق وصول المبعوث الأممي الجديد عبدالله باتيلي، وبالتالي ستكون بمثابة مطبات جديدة في طريق مهمته الأساسية، وهي استعادة المبادرة الأممية بتسهيل التقارب بين فرقاء الأزمة، من أجل معالجة الانسداد السياسي، ووضع أسس التوافق على الانتخابات تمهيدا لاجرائها.

على المستوى الاقتصادي

تضاعف الاتفاقية فرص الاستثمار المشترك بين ليبيا وتركيا، وتعزز الشراكة الاقتصادية، وفرص زيادة الإنتاج من النفط والغاز، غير أن النتائج القريبة ستكون محدودة، فما لم يتم تجاوز حالة الصراع على حصص كل الدول المطلة على المنطقة الاقتصادية بشرق المتوسط، لن يكون هناك تقدم حقيقي في وصول عمليات التنقيب والإنتاج إلى معدلات تناسب المأمول.

كما أنها تكشف عن فداحة أزمة الطاقة في أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، فزيارة البارجة الملكية البريطانية إلى طرابلس خلال الايام القليلة الماضية، تشير إلى اهتمام بريطاني بليبيا كونها دولة تملك احتياطات نفطية وغازية، ويمكن أن تكون إحدى الخيارات البديلة عن النفط والغاز الروسيين.

ذلك ما دفع تركيا إلى المسارعة لتثبيت مذكرة التفاهم السابقة بالمذكرة الجديدة، لتؤكد حضورها ونفوذها في مواجهة بريطانيا وغيرها من الدول الأوربية.

____________

مواد ذات علاقة