التحديات المؤسسية

يخلق التنظيم المؤسسي الذي يحكم إدارة النفايات الصلبة في ليبيا دوافع لمزودي خدمة إدارة النفايات الصلبة الحاليين لمعارضة ومقاومة أي إصلاح هيكلي مثل نقل المسؤولية إلى البلدياتمن شأنه أن يهدد مصالحهم المالية أو السياسية.

وقد شهدت إدارة النفايات الصلبة في ليبيا تغييرات هيكلية وتشغيلية مستمرة على مدى العقود الخمسة الماضية، وتميزت التغييرات بكونها مدفوعة باعتبارات سياسية واعتمادها حلولا اتسمت بقصر النظر.

كانت الخدمة عموما تُقدم من جهة شركات خاصة قبل عام 1970 ، ولكن بدءا من ذلك العام تم تأميم الخدمة بالكامل وإسنادها إلى القطاع العام كما حدث مع جميع الخدمات.

وتنقلت مسؤولية تقديم الخدمة بين الإدارات المحلية والوطنية مرارا. ولكنها استقرت عام 2010 في يد الوزارات الوطنية التي لا تزال تديرها اليوم. وأدت التغييرات المتكررة في طرق إدارة القطاع إلى إضعاف القدرة المؤسسية للحكومة وإفراغها من أي خبرة تجريبية أو معرفة إدارية، ما ساهم في عجز الحكومة عن تصميم الهيكل المؤسسي الجديد لتسهيل توزيع المسؤوليات، وتؤمّن شركات الخدمات العامة هذه الخدمة حاليا.

وشركات الخدمات العامة هي شركات تابعة للدولة وهناك 23 شركة تغطي جميع أنحاء ليبيا. وتدير هذه الشركات دورة النفايات بأكملها من جمعها إلى التخلص النهائي منها وإدارة المكبّات في معظم المدن الليبية.

تلعب شركات النظافة الخاصة في المدن الكبرى دورا ً داعما لشركات الخدمات العامة، ولكن مهماتها تقتصر على إعادة جمع النفايات من الشوارع. وقد تم إدخال الشركات الخاصة إلى قطاع إدارة النفايات الصلبة في أوائل التسعينيات، حين بدأ عجز القطاع العام عن مواكبة التوسع الحضري للمدن واضحا.

وتتعاقد شركات الخدمات العامة الكبرى مباشرة مع هذه الشركات الخاصة لدعم عملية جمع النفايات باستثناء بنغازي وعدد قليل من المدن الأخرى.

ولا تطبق أي وكالة حكومية رقابة على كيفية التعاقد مع هذه الشركات الخاصة وتحت أي معايير. وتتعاقد البلدية في بنغازي مباشرة مع الشركات الخاصة لجمع النفايات من الشارع، وهو ما لم تتمكن من القيام به إلا بعد أن رفعت الحكومة المركزية سقف الميزانية البلدية لدفع بدل الخدمات.

وبهذا، تُعد بلدية بنغازي واحدة من المدن الليبية القليلة التي توفر إدارة النفايات الصلبة وفقا للقانون رقم 59 بشأن الإدارة المحلية، والذي يمنح البلديات الرقابة الإدارية والمالية على الخدمة.

تكمن مصالح شركات الخدمات العامة في الحفاظ على الوضع القائم كما هو حيث تدفع وزارة الحكم المحلي مبلغا إجماليا إلى شركات الخدمات العامة كل عام مقابل تقديم الخدمة، ولكن دون عملية تعاقد رسمية.

ويتم حساب هذا المبلغ الإجمالي بناء على معادلة تستخدم متوسطا تقديريا يقرّه البنك الدولي لتوليد الفرد للنفايات في البلدان متوسطة الدخل مضروبا في تكلفة كل طن يتم جمعه من النفايات، بدلا من الوزن الفعلي للنفايات لكل موقع في ليبيا، لأن جميع معدات الوزن تقريبا في مكبات النفايات قد تضررت.

ولذلك، لا تُقدم هذه المدفوعات مشروطة بأي أهداف أو مؤشرات للأداء. ولا يقتصر الأمر على كون وزارة الحكم المحلي لا تحاسب شركات الخدمات العامة وفقا لأي أهداف أو مؤشرات أداء متفق عليها، ولكنها تمارس رقابة ضئيلة على كيفية قيام شركات الخدمات العامة بتنفيذ واجباتها التي تحددها بنفسها نظرا لعدم وجود عقد معمول به.

دفعت وزارة الحكم المحلي لشركات الخدمات العامة نحو 410 مليون دينار ليبي عام 2019. يتم إنفاق معظم هذه الميزانية على جمع النفايات الصلبة ونقلها والتخلص منها نهائيا، ولكنها توفر أيضا خدمات أخرى مثل العناية بالحدائق والمقابر وصيانة الصرف الصحي وتزيين الشوارع.

ونظرا للتضخم، وبما أن تكلفة معالجة طن من النفايات المجمعة قد تم تحديثها آخر مرة عام 2013 ، تعاني شركات الخدمات العامة نقصا كبيرا في التمويل مقارنة بالسنوات السابقة.

على سبيل المثال، دفعت وزارة الحكم المحلي 500 مليون دينار مقابل إدارة النفايات الصلبة عام 2012 . ومع ً ذلك، نظرا لأن شركات الخدمات العامة لا تقدم أي تقارير مالية إلى وزارة الحكم المحلي، من الصعب على وزارة الحكم المحلي معرفة كيف تم إنفاق الأموال بالضبط.

وتشير تقديرات إلى أن ثلثي هذا المبلغ على الأقل يصرف كرواتب للموظفين. وتعاني شركات الخدمات العامة تلك من فائض كبير في عدد الموظفين، ما يؤدي إلى تحويل الأموال التي ينبغي ذهابها لصيانة المعدات ومكبات النفايات إلى رواتب الموظفين الذين لا يعملون، إلى جانب مشاكل أخرى.

كما تقوم وزارة الحكم المحلي بدفع هذا المبلغ من الباب الرابع من الموازنة الحكومية الذي يمثل الدعم ولا يخضع لأي عملية تدقيق. ويعد هذا الترتيب وصفة مضمونة للفساد وسوء الخدمة.

تقتضي مصلحة شركات الخدمات العامة منع أي محاولة لنقل مسؤوليات إدارة النفايات الصلبة من وزارة الحكم المحلي إلى البلديات خشية عجز البلديات عن تأمين الموارد المالية لتغطية تكاليفها، وألا تتمكن من الاستمرار دون وجود عقد مع الوزارة، وهي مخاوف لها مبرراتها.

في الواقع، استأنفت شركة الخدمات العامة في طرابلس مرتين أمام المحكمة ضد قرارات الحكومة بنقل مسؤوليات إدارة النفايات الصلبة إلى البلديات. كسبت شركة الخدمات العامة كلا القضيتين بالاستفادة من التشريعات القديمة التي لا تزال سارية ضد الإطار القانوني للإدارة المحلية غير المكتمل، سيتم شرح الحالتين فيما يلي.

يؤثر سوء الخدمات سلبا على المواطنين الليبيين، ولكن التنظيم المؤسسي الحالي لا يوفر قناة لمشاركة المواطنين أو ملاحظاتهم.

كما يفتقر المواطنون إلى الوعي وإدراك مدى عمق مشكلة النفايات الصلبة.

فحين تستمر النفايات في التراكم سيحرقها المواطنون بغية إيجاد »حل« ً سريع. علاوة على ذلك، ونظرا لأنها الجهة الوحيدة التي تقوم بجمع النفايات في معظم المدن الليبية، تنعدم المنافسة وبالتالي لا تجد شركات الخدمات العامة دافعا لتحسين الخدمة.

وكذلك، لأن الخدمة تؤمّنها شركات الخدمات العامة وتموّلها وزارة الحكم المحلي مباشرةً ، لا يجد المواطنون دافعا للتواصل مع مسؤولي البلدية المنتخبين بشأن خدمة لا تأثير لهؤلاء المسؤولين عليها.

ومع ذلك، في حال تولت البلديات إدارة النفايات الصلبة وتمويلها في جميع أنحاء البلاد، سيتمكن المواطنون من قياس الجودة النسبية لإدارة النفايات الصلبة في مدينتهم ومساءلة مسؤولي البلدية عن تقديم خدمات دون المستوى.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن تحسين إدارة النفايات الصلبة في ليبيا إذا تولت البلديات إدارتها بشكل مباشر لأنها ستساعد في توضيح تقسيم مسؤوليات وأدوار إدارة النفايات الصلبة بين المؤسسات المختلفة، ولإيلاء الاهتمام لجوانب أخرى مهملة مثل معالجة النفايات.

ذلك سيسمح للبلديات بتحصيل رسوم الخدمة من المواطنين بغية تغطية تكاليف خدمات جمع النفايات والتخلص منها، وبالتالي الإسهام بتخفيف قيود ميزانيات البلديات.

يتبع

______________

المصدر: “الدليل الإصلاحي للخدمات العامة في ليبيا من تأليف (محمد المجبري، هبة الشيخ، لميس بن عياد، ريما حميدان). الدليل صادر عن مؤسسة فريدريش إيبرت .

مواد ذات علاقة