على رغم المؤشرات السلبية شدد على وجود فرصة حقيقية لتحسن الوضع من خلال الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط

زايد هدية

أعاد البنك الدولي في تقرير جديد له دق ناقوس الخطر في شأن الوضع الاقتصادي في ليبيا وارتفاع معدلات التضخم وتراجع المستوى المعيشي، نتيجة الانقسام السياسي في البلاد وسوء السياسات الحكومية في التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني.

وبين التقرير وجود فرصة مواتية لتعافي الاقتصاد الليبي إذا استفادت المؤسسات السياسية والاقتصادية من انتعاش أسعار النفط في الفترة الحالية، شرط المحافظة على المستويات الحالية للإنتاج التي تقترب من المعدلات الطبيعية.

وتزامن صدور هذا التقرير مع إعلان مصرف ليبيا المركزي الاتفاق مع البنك وصندوق النقد الدولي على برامج مشتركة، تنطلق بداية العام المقبل لإنعاش الاقتصاد الليبي، لم يكشف عن تفاصيلها الكاملة، ويخشى محللون اقتصاديون أن تشمل قروضاً للمركزي تدخل البلاد في دوامة الديون.

تعثر معدلات النمو

وتوقع البنك الدولي في تقريره الجديد الخاص بليبيا، تأثر معدلات النمو في ليبيا بسبب انهيار حوكمة الدولة والخسائر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الصراع السياسي، مع استمرار معاناة البلاد أيضاً من التضخم، وغلاء فاتورة الواردات، لكنه توقع في الوقت ذاته استفادة البلاد من ارتفاع أسعار النفط عالمياً، شرط المحافظة على مستوى الإنتاج الحالي من دون الانزلاق مجدداً إلى الحرب“.

وأشار التقرير إلى تأثير الأزمة السياسية على المستوى الاقتصادي، وانعكاس الانقسام الحكومي على الإنتاج الليبي من النفط بعد أن أدى حصار المتظاهرين للمنشآت النفطية إلى تراجعه إلى الثلثين، حين انخفض الإنتاج إلى 800 ألف برميل في اليوم خلال الربع الثاني من عام 2022، وقدر خسائر انقطاع عائدات تصدير النفط منذ بداية في أبريل (نيسان) 2022 بأكثر من 3.9 مليار دولار أميركي“.

تداعيات الأزمة الأوكرانية

وبين البنك الدولي وجود تداعيات كبيرة للأزمة الاقتصادية العالمية التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا على اقتصاد ليبيا، قائلاً مع مواصلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية ظهرت تأثيرات حرب أوكرانيا في ليبيا، ما ضاعف من الضغوط على الأسر الضعيفة التي عانت أصلاً من تداعيات وباء كورونا. ومن آثار الضغوط التضخمية، ارتفاع سعر سلة الحد الأدنى للإنفاق على الغذاء بمقدار بين 37 و41 في المئة على أساس سنوي في أبريل 2022، مقارنة مع 13 و15 في المئة من مستوى ما قبل الحرب التي بدأت في فبراير (شباط) 2022″.

تضخم أكبر في الغرب

وكشف البنك الدولي أن المنطقة الغربية عانت ضغوط التضخم بنسبة أعلى بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في يونيو (حزيران) الماضي، بسبب فشل جهود الحكومة على الرغم من إصدارها قراراً ينص على تشديد الرقابة على الأسعار، وحظر صادرات المواد الغذائية الأساسية، ورفع احتياطي الحبوب الاستراتيجي“.

وكشف التقرير الدولي المالي أن ارتفاع أسعار الغذاء والدخل المنخفض تسببا في انعدام الأمن الغذائي في ليبيا، حيث حصل 27 في المئة من الليبيين على دخل أقل مما هو مطلوب لتحمل النفقات الأساسية لسلة الغذاء مع نسبة أعلى في الجزء الجنوبي من البلاد“.

فرصة للتعافي

وعلى الرغم من كل المؤشرات السلبية الواردة في تقريره في شأن ليبيا، شدد البنك الدولي على وجود فرصة حقيقية لتحسن الوضع الاقتصادي، مرجحاً استفادة ليبيا من ارتفاع أسعار النفط عالمياً، إذا تمكنت من الحفاظ على المستويات الحالية من إنتاج وتصدير النفط من دون تجدد الاضطرابات الأمنية، الأمر الذي من شأنه أن يترجم إلى ارتفاع مالي في الإيرادات وتدفق العملة الصعبة، ما سيؤثر بشكل إيجابي على التجارة والحساب الجاري، وأرصدة المالية العامة“.

وتدعم هذه التوقعات الإيجابية الواردة في تقرير البنك الدولي، التقارير الأخيرة الصادرة عن المصرف المركزي الليبي، التي سجلت فائضاً مالياً لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة بمقدار 25 مليار دينار (5.20 مليار دولار)، ما يعادل 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بنهاية أغسطس (آب) 2022، مقابل 13 مليار دينار (2.7 مليار دولار) أي 7 في المئة من الناتج المحلي خلال الفترة نفسها في 2021، مدفوعاً بتحسن عائدات النفط.

في المقابل، بلغت الإيرادات الحكومية 67 مليار دينار (13 مليار دولار) أو 36 من الناتج المحلي الإجمالي، 98 في المئة منها عائدات من قطاع المحروقات، كما تجاوز الإنفاق الحكومي، باستثناء المؤسسة الوطنية للنفط، 41 مليار دينار تشمل الأجور والرواتب والإعانات والتحويلات الاجتماعية التي تمثل ما يقرب من 86 في المئة من الإنفاق، بينما نمت الواردات بنسبة 24 في المئة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

أزمة في قطاع النفط

وتزامنت المؤشرات المقلقة التي أعلن عنها البنك الدولي، مع ورود معلومات مثيرة للقلق عن الشركات النفطية المحلية، العمود الرئيس للاقتصاد الليبي، بعد أن حذرت مذكرة داخلية في المؤسسة الوطنية للنفط من الوضع المالي الحرج الذي تمر به الشركات الخدماتية التابعة لقطاع النفط والغاز، واحتمال إفلاس هذه الشركات، بعد أقل من أسبوعين على صدور بيانات رسمية تفيد بإنفاق أكثر من 15 مليار دينار (3.125 مليار دولار) لصالح مؤسسة النفط منذ بداية العام الحالي.

ونشرت وسائل إعلام ليبية رسالة من مدير عام الشؤون المالية إلى أعضاء لجنة الإدارة للمالية، وأعضاء مجلس الإدارة المالية، وشركات التشغيل والتصنيع، حذرت من تفاقم العجز النقدي لدى الشركات ما أدى إلى عدم قدرتها على أداء الأعمال المناطة بها بالشكل المطلوب نتيجة صعوبة الإيفاء بالتزاماتها المالية“.

وطالبت الرسالة بـسداد تلك الالتزامات وضرورة الالتزام بالتعليمات الصادرة في الخصوص بشكل عاجل، وحملت المسؤولية لأعضاء لجنة الإدارة للمالية، ومجلس الإدارة للمالية، معتبرة أن حالة إفلاس الشركات المشار إليها، هي نتيجة تقاعسهم عن السداد، استناداً إلى قيام المؤسسة الوطنية للنفط بتحويل المبالغ النقدية التي من ضمنها ديون تلك الشركات“.

وذكرت وزارة المالية، التابعة لحكومة الوحدة في طرابلس، قبل أسبوعين أن إجمالي النفقات العامة للدولة خلال تسعة أشهر بلغ 70 مليار دينار، من بينها 15 ملياراً خصصت كقيمة تمويل الترتيبات المالية المؤقتة الطارئة للمؤسسة الوطنية للنفط“.

نتائج مرتقبة للقاء غامض

وتزامناً مع صدور هذه التقارير الخاصة بالحالة الاقتصادية في ليبيا، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن لقاء جمع بين محافظ المصرف الصديق الكبير وصندوق النقد الدولي في واشنطن.

وأوضح المصرف المركزي في بيان، أن المحافظ والوفد المرافق له اجتمعوا مع جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والمدير التنفيذي لمجموعة ليبيا في الصندوق، وحسين حسيني وفريق الخبراء المسؤولين عن المشاورات“.

وقال المركزي إن اللقاء استعرض الأوضاع المالية والاقتصادية في ليبيا وجهود المصرف المركزي للمحافظة على الاستدامة المالية، والتقدم المحرز في برامج التعاون الفني بين مصرف ليبيا المركزي وصندوق النقد الدولي. وتم الاتفاق على إطلاق حزمة من البرامج المشتركة لعام 2023 ووضع خريطة طريق لتنفيذها، والبدء بعقد مشاورات المادة الرابعة من اتفاقية الصندوق“.

وكشف البيان عن جزء بسيط من الاتفاق الذي تم بين المصرف وصندوق النقد الدولي، قائلاً إنه تم الاتفاق على تعزيز التعاون بين صندوق النقد الدولي والمصرف وبرامج تطوير كوادر المركزي، وجهود استرداد القروض الممنوحة من الدولة الليبية قبل عام 2010″.

___________

مواد ذات علاقة