زايد هدية

في أول بادرة لتجاوز الانسداد في المفاوضات السياسية بين مجلسي النواب والدولة الليبيين منذ بداية العام الحالي، عقد رئيسا المجلسين عقيلة صالح وخالد المشري اتفاقاً مبدئياً على أهم ملفين خلافيين على الساحة حالياً، وهما تقاسم المناصب التنفيذية وتوحيد الحكومة.

وعلى رغم أن غالب الأطراف السياسية في شرق البلاد وغربها رحبت بهذا التقارب بين الخصمين السياسيين، فإن رئيس الحكومة الموحدة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة واصل التغريد خارج السرب، برفضه فحوى الاتفاق في شقه المحسوم وهو تقاسم المناصب السيادية، والشأن المتعلق بتوحيد المؤسسة التنفيذية.

وبحسب متابعين، فقد تسبب رفض الدبيبة الاتفاق في خسارته حلفاء جدداً في الغرب الليبي، على رأسهم رئيس مجلس الدولة خالد المشري وحزب العدالة والبناءالذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ومن يدور في فلكهما من الحلفاء والمناصرين، مما يزيد في عزلته ويهدد بقاء حكومته في المشهد بشكل فعلي.

إحياء اتفاق بوزنيقة

ونشرت وكالة الأنباء المغربية النقاط الرئيسة في الاتفاق الذي توصل إليه رئيسا مجلسي النواب عقيلة صالح، والدولة خالد المشري، الجمعة في الرباط، ونص على تنفيذ بنود اتفاق بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية.

وبحسب الوكالة، نص الاتفاق على تنفيذ مخرجات مسار بوزنيقة المتعلق بالمناصب السيادية في الأسابيع المقبلة، وتحديداً قبل نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والعمل من أجل أن تكون السلطة التنفيذية واحدة في ليبيا في أقرب الآجال، واستئناف الحوار من أجل القيام بما يلزم لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق خريطة طريق واضحة وتشريعات تجرى على أساسها الانتخابات بالتوافق بين المجلسين“.

وأضافت نص الاتفاق أيضاً على استمرار التشاور في ما يتعلق بالإجراءات اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أسرع وقت ممكن، واستئناف اللقاءات التشاورية على فترات متقاربة خلال الفترة المقبلة في المغرب“.

الحكومة والانتخابات

من جانبه، قال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، إنهما اتفقا على تنفيذ الاتفاقات الموقعة في مسار بوزنيقة المتعلقة بالمناصب السيادية، قبل نهاية العام“.

وأشار صالح إلى أنه اتفق مع المشري على العمل على كل ما من شأنه أن يمهد لأن تكون السلطة التنفيذية واحدة في ليبيا في أقرب الأوقات، واستكمال الحوار لاتخاذ ما يلزم من قرارات لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفق خريطة طريق محددة، وبعد الاتفاق على تشريعات تجرى على أساسها الانتخابات“.

المناصب المستهدفة

وكشف عضو مجلس النواب، مصباح دومة، عن المناصب السيادية التي جرى الاتفاق على تغييرها في اجتماع المغرب، في تغريدة على تويتر، قال فيها إن المناصب السيادية التي اتفق على إجراء تغييرات بها في اجتماع المغرب هي المفوضية العليا للانتخابات وهيئة مكافحة الفساد“.

وكان رئيسا مجلس النواب عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري أشارا في المؤتمر الصحافي عقب انتهاء جولة مشاوراتهما من المغرب، عن اتفاقهما على تسمية اثنين من المناصب السيادية واستكمال المشاورات للاتفاق على باقي المناصب والحكومة الموحدة قبل يناير (كانون الثاني) المقبل.

الدبيبة يرفض الاتفاق

ولم تمض ساعات قليلة على الإعلان عن التوافقات المهمة، حتى بيَّن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، موقفه منها، والذي جاء رافضاً لها. وطالب الدبيبة الطرفين بالإسراع في اعتماد قاعدة دستورية وصفها بـالعادلةتجرى على أساسها الانتخابات.

وقال في بيان مقتضب على مواقع التواصل الليبيون يطالبون الجميع بالإيفاء بالتزاماتهم تجاه الانتخابات، أما الحديث عن مسارات موازية مثل تقاسم المناصب السيادية فلم يعد مقبولاً، وأنا أجدد مطالبتي للسيدين عقيلة صالح وخالد المشري بالإسراع في اعتماد قاعدة دستورية عادلة، تنهي المشكل القانوني الذي يمنع إجراء الانتخابات، كما حصل في ديسمبر الماضي“.

وبعد دقائق، رد رئيس مجلس الدولة الاستشاري على تصريح الدبيبة، في تغريدة على تويتر، هاجم فيها رئيس الحكومة، قائلاً سيد عبدالحميد كفى بيعاً للأوهام للشعب، عليك بتوفير العلاج لمرضى الأورام والكتاب المدرسي لأبنائنا الطلبة، ولا علاقة لك بما هو ليس من اختصاصك ولا صلاحياتك، فقط قم بعملك“.

اتفاق نهائي

في اليوم التالي، أدلى رئيس مجلس الدولة خالد المشري بتصريحات جديدة مهمة في شأن الاتفاق الموقع مع البرلمان في المغرب وفحواه، أنتنظيم الانتخابات في ليبيا يستدعي توحيد الأجسام والمؤسسات السيادية في البلاد، ولذلك إجراء تغييرات في جميع المناصب السيادية أمر حتمي ولا رجوع عنه“.

وحسم المشري التكهنات بخصوص بعض المناصب السيادية الحساسة مثل محافظ المصرف المركزي، بقوله إذا كان الصديق الكبير شخصاً جيداً فالبلد انتفع به 11 سنة في منصبه، وإن كان غير جيد فتكفيه هذه المدة“.

واعتبر المشري أن حكومة الدبيبة لا تستطيع إجراء الانتخابات، وهنالك شبهات كثيرة جداً تحوم حولها، كما أن عدداً كبيراً من وزرائها إما استقالوا أو في السجون ولديهم مشكلات قانونية“.

اتفاق للبقاء في السلطة

واعترض المستشار السياسي السابق لمجلس الدولة صلاح البكوش، على اتفاق رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح والدولة خالد المشري. وطالب بـألا ينخدع الليبيون بمماحكات عقيلة والمشري، التي تهدف إلى تقاسم المناصب السيادية وتشكيل حكومة جديدة“.

واتهم البكوش عقيلة والمشري بأنهما يريدان البقاء لسنوات أخرى في السلطة، وترك قرابة ثلاثة ملايين ناخب ينتظرون عبثاً تنظيم الانتخابات“.

الحاجة إلى الدعم

أما عضو مجلس الدولة أحمد لنقي، فرأى أنه يجب دعم أي تقارب بين مجلسي النواب والدولة، وحثهما على بذل مزيد من الجهود لإنقاذ البلاد من انقسام مؤسسات السلطة التنفيذية وتوحيدها وكذلك المؤسسة العسكرية“.

وأضاف لا يمكن أن يقبل الليبيون بوجود حكومتين في وقت واحد لأنه يمنع الاستقرار ويكرس الفوضى والفساد، ولا بد من وجود حكومة واحدة قوية تبسط نفوذها على كامل البلاد“.

خرق في جدار الأزمة

واعتبر الكاتب السياسي عبدالحكيم معتوق أن التقدم الذي حصل في تلك المباحثات يمكن أن يحدث اختراقاً في جدار الأزمة الليبية، ويفضي إلى تفاهمات“.

وأكد أن ليبيا لا تزال تعيش تحت رحمة الصراع على السلطة والثروة بين الفرقاء السياسيين“. وحذر من التدريبات العسكرية التي تجري في مناطق مختلفة من البلاد، التي تبقي سيناريو المواجهة العسكرية قائماً، لا سيما مع انشغال المجتمع الدولي بأزمة الطاقة، والصراع في أوكرانيا“.

تفاعل وتنازلات

في المقابل أشار المحلل السياسي سامي الأطرش إلى أن اتفاق المغرب بين البرلمان ومجلس الدولة يبقى في حاجة إلى تفاعل إيجابي من كل الأطراف القائمة لضمان نجاحه، بمعنى أن هذا الاتفاق يتناغم مع ضرورة أن يكون هناك حراك أو تفاعل من السلطات القائمة لدعمه“.

وشدد على أن المطلوب من المسؤولين كافة أن تكون لديهم خطوات فعلية لا مجرد الوقوف مكتوفي الأيدي للبقاء فترة أطول في السلطة، لا سيما مع انطلاق مهمة المبعوث الأممي“.

وخلص قائلاً من الأولويات حالياً وضع نظام دستوري ومنهجية متفق عليها، لإنقاذ المسار الانتخابي الذي يفترض أن يكون هو الهدف المنشود من كل حراك سياسي في المرحلة المقبلة“.

________________________

مواد ذات علاقة