ماتيو كولومبو و نينكي هوكيلينجن

بعد أكثر من عشر سنوات على الإطاحة بالقذافي، لا تزال الشرطة الليبية التابعة لوزارة الداخلية تكافح من أجل القيام بواجباتها بفعالية في جميع أنحاء البلاد.

بالاعتماد على 25 مقابلة أجريت مع خبراء وضباط شرطة ليبيين وموظفين حكوميين بوزارة الداخلية وضباط من الاتحاد الأوروبي بين يونيو و أغسطس 2022.

وجد بحثنا أربع عقبات رئيسية تواجه قوة الشرطة الليبية في غرب ليبيا.

وهي:

1) انتشار الجماعات المسلحة ؛

2) الانقسامات داخل النخبة الحاكمة ؛

3) سوء الإدارة الإدارية في نظام الأمن.

4) وجود آليات بديلة لحل النزاعات.

كما تبين أن كل منطقة تأتي مع تحدياتها الخاصة. على هذه الخلفية ، تطرح هذه الورقة إلى تغيير سياسات الاتحاد الأوروبي. وتقترح أن تتماشى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع أهداف محددة وقابلة للقياس وأن تتخذ نهجًا أكثر تكيفًا وتدريجيًا.

وبشكل أكثر تحديدًا، يمكن أن ينظر الاتحاد الأوروبي في تحديد مجموعة من الأهداف القابلة للقياس والتحقيق وتكييف سياساته مع السياقات المختلفة التي يعمل فيها، وتكييف أولوياته وجداوله الزمنية وفقًا لمواقع مختلفة.

مقدمة

بعد أكثر من عقد من سقوط القذافي، من الأفضل وصف قطاع الأمن الليبي بأنه مختل. حيث تضم ليبيا عددًا لا يحصى من الجماعات المسلحة التي تتنافس على السلطة والنفوذ، وخسرت الدولة احتكار استخدام القوة منذ فترة طويلة ، وغالبًا ما تتم إدارة الشرطة والأجهزة الأمنية بشكل سيء.

بُذلت جهود مختلفة لتحسين الهيكل الأمني في ليبيا بما في ذلك جهود الاتحاد الأوروبي. على سبيل المثال، أنشأ الاتحاد الأوروبي بعثة الاتحاد الأوروبي المتكاملة للمساعدة الحدودية في ليبيا في عام 2013.

تركز البعثة الأوروبية حاليًا على مساعدة السلطات الليبية في بناء هيكل أمني للدولة وإدارة الحدود بكفاءة. وقوة الشرطة الوطنية الليبية هي إحدى الركائز التي تستهدفها بعثة المساعدة الحدودية (إيوبام)، ولكن على الرغم من الجهود الكبيرة، لم يتحقق تحسن كبير.

ومع ذلك ، فإن الشرطة الليبية تستحق الاهتمام المستمر لسببين:

أـ توفر قوة شرطة محترفة توفر بشكل جيد الأمن والعدالة للسكان، ستكون شرطاً أساسياً للانتقال من الحياة العسكرية إلى الحياة المدنية عندما يحين الوقت.

ب ـ تعزيز قوة الشرطة الليبية هي أقل تسيساً من مشكلة الجماعات المسلحة، وبالتالي يكون متاحا العمل عليها من قبل الاتحاد الأوروبي.

مع وضع هذين السببين في الاعتبار، يسعى هذا التقرير إلى معالجة القيود الخارجية التي تؤثر على الشرطة الليبية واستكشاف كيف يمكن للاتحاد الأوروبي مساعدة الحكومة الليبية في مواجهة تلك التحديات.

نظرًا لأن الدولة منقسمة فعليًا بين إدارات متنافسة في الشرق والغرب، ولأن الاتحاد الأوروبي يتمتع بعلاقة أقوى في المنطقة الغربية، فقد ركز البحث في المقام الأول على التعاون المحتمل مع حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليًا التي تسيطر على جزء من غرب ليبيا.

يتناول الجزء الأول من الأقسام الأربعة في هذا التقرير مقدمة تاريخية للبنية التحتية الأمنية الليبية.

ويناقش القسم الثاني القيود الهيكلية والخارجية التي تتحدى عمل الشرطة الليبية في غرب ليبيا.

ويستكشف القسم الثالث جهود الاتحاد الأوروبي التي استمرت عشر سنوات لمساعدة (إعادة) بناء قطاع الأمن الليبي، مع التركيز على الشرطة الليبية.

وأخيرًا، في القسم الرابع، يطرح التقرير بعض الافكار في كيفية قيام الاتحاد الأوروبي بإعادة التفكير في مقاربته.

ضباط عاجزون: الشرطة في سياق التاريخ الليبي الحديث

كانت قوة الشرطة جزءًا من البنية التحتية الأمنية لنظام القذافي، وإن لم تكن ذات صلة كبيرة. فلم تحصل الشرطة على رواتب جيدة أو تحظى باحترام كبير أو تتمتع بموارد جيدة في ظل نظام القذافي، حيث كانت قوات الأمن الداخلي المقربة من القذافي هي الأكثر إحكامًا وهي السلطة الحقيقية.

علاوة على ذلك ، كان لدى الشرطة الليبية في عهد القذافي عدد كبير بشكل غير متناسب من الضباط ذوي الرتب العالية ولكن عددًا قليلاً نسبيًا من الجنود والعاملين، مما أدى إلى نقص ضباط الدوريات النشطين في الشوارع.

وعندما اندلعت الاحتجاجات قبل الحرب الأهلية مباشرة في عام 2011 ، كانت قوات الشرطة من بين أوائل المستجيبين، ومعظمهم انحازوا إلى الوضع الراهن (النظام القائم) بدافع الملاءمة أو القيود.

عندما اندلعت الثورة، اختفى الضباط تدريجياً من شوارع المناطق التي يسيطر عليها الثوار ولم يعد بعضهم إلى مناصبهم إلا في نهاية الصراع. وسرعان ما ملأت الجماعات المسلحة الفراغ.

في ذلك الوقت، أرادت القوى الدولية تجنب أخطاء العراق، حيث تم تفكيك البنية التحتية الأمنية بالكامل. كما أن السلطة الليبية المشكلة حديثًا المجلس الوطني الانتقالي لم ترغب في تفكيك البنية التحتية الأمنية السابقة.

النتيجة: ظلت قوة الشرطة الليبية مؤسسة مجزأة، وموزعة على مديريات الأمن على المستوى المحلي.

قرر المجلس الوطني الانتقالي أن معظم ضباط الشرطة الذين خدموا في عهد القذافي يمكنهم الاحتفاظ بمناصبهم السابقة، لكن بعد أن يتم تدريبهم مرة أخرى تحت إشراف دولي لضمان ممارسات تحترم القانون.

في نفس الوقت نفسه، جندت حكومة المجلس الانتقالي ضباطًا جددًا لتعزيز الابتعاد عن سياسات النظام السابق. وجاء معظمهم ضمن اللجنة الأمنية العليا، التي تشكلت في محاولة لإضفاء الطابع المؤسسي على الجماعات المسلحة السابقة والمناهضة للقذافي.

في ديسمبر 2011، أصبحت قوات أمن الدولة رسميًا مؤسسة جديدة للأمن يشرف عليها وزير الداخلية. وبلغ عدد أعضاء اللجنة الأمنية العليا 130 ألف عضو في دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 6 ملايين مواطن للحفاظ على الأمن الداخلي.

في نهاية عام 2012، أخذت السلطة الليبية منعطفًا جذريًا في سياستها المتعلقة بقطاع الأمن وبدأت في تفكيك اللجنة الأمنية العليا تدريجياً. من عام 2012 إلى عام 2014 ، انضم 80.000 من أعضاء اللجنة الأمنية العليا إلى قوات الشرطة .

أسفرت العملية على ظهور شرطة غير مدربة تدريباً جيداً، وقوة تحول فيها المقاتلون السابقون إلى ضباط لكنهم حافظوا في كثير من الأحيان على علاقات مع جماعاتهم المسلحة القبلية أو الدينية أو غير الرسمية.

بشكل عام، واجهت قوة الشرطة تحديين كبيرين في استعادة السيطرة على البلاد:.

الأول كانت حملة الاغتيالات التي نفذها مجهولون واستهدفت عدة أفراد في منطقة بنغازي بينهم ضباط شرطة.

والثاني هو قانون العزل السياسي الذي منع الأشخاص المرتبطين بالمؤسسة السابقة من تولي المناصب العامة، مما أثر على تركيبة الشرطة الليبية.

كان لموجات التوتر السياسي المختلفة وكذلك الحرب الأهلية من 2014 إلى 2020 تأثير سلبي ومستمر على الشرطة الليبية في ثلاثة جوانب حاسمة.:

الأول: سيطرة سلطتان متنافستان على جزأين من البلاد

ـ المؤتمر الوطني العام في طرابلس، والذي أصبح فيما بعد المجلس الاعلى للدولة، الذي يسيطر على معظم الغرب.

ـ مجلس النواب في طبرق، الذي يسيطر على الجزء الشرقي من البلاد ثم تدريجياً على بعض المناطق في الجنوب والغرب لحظة وصول قوات حفتر إلى أبواب طرابلس.

في هذا السياق، تدهورت الأوضاع الأمنية مع عودة مجموعات مسلحة في الغرب إلى التجمع حول المواجهة بين قوات حفتر وحكومة الوفاق الوطني، حتى أن البعض غير ولاءه بالانحياز إلى حفتر.

أدى التقسيم الفعلي للبلاد إلى وضع متناقض لضباط الشرطة في الشرق، الذين عينتهم ودفعت معاشاتهم الوزارة في طرابلس ولكنهم يعملون في منطقة يسيطر عليها حفتر وهو العدو الرئيسي للحكومة المتمركزة في طرابلس.

الثاني، الصعوبات المتزايد التي واجهت الشرطة التي كان مصدرها الجماعات المسلحة القوية أثناء قيامها بواجباتها.

نظرًا لأن المتنافسين السياسيين اعتمدوا في نهاية المطاف على دعم الجماعات المسلحة للاحتفاظ بالسلطة، فقد وجهوا الموارد بعيدًا عن الشرطة لتزويد الجماعات المسلحة المفضلة بأفضل المعدات والتدريب. وبعبارة أخرى، فاق عدد الجماعات المسلحة تدريجياً عدد أفراد الشرطة الليبية وكانوا أفضل تسلحا .

الثالث، تمكين الجماعات المسلحة من مناصب مؤسسية من قبل القادة السياسيين وبشكل متزايد وخاصة تلك التي قدمت خدمات الحماية والأمن لهم لتعزيز ولائهم.

دخلت ليبيا مرحلة سياسية جديدة في يونيو 2020، عندما انتهى تبادل إطلاق النار بين قوات حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس وتلك الموالية لحفتر ومجلس النواب.

اتسمت هذه المرحلة الجديدة بصدامات متقطعة بين تحالف الجماعات المسلحة التي تدعم رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة وأولئك الموالين لفتحي باشاغا، رئيس وزراء الحكومة الموازية (المسماة بحكومة دعم الاستقرار)، المعيّن من قبل مجلس النواب، والمتحالف مع حفتر.

ومع ذلك، لم يتغير أي شيء يذكر ولا تزال الشرطة تواجه صعوبات في أداء واجبها تجاه الشعب الليبي وفي تأكيد نفسها في مواجهة الجماعات المسلحة المحلية.

يتبع

***

ماتيو كولومبو ـ باحث مبتدئ في وحدة أبحاث النزاعات، ويركز عمله على الديناميكيات السياسية المحلية والدولية الحالية في بلاد الشام وتركيا ومصر وليبيا.

نينكي هوكيلينجن ـ تعمل في وحدة الاتحاد الأوروبي والشؤون العالمية. بصفتها زميلة أبحاث ، يدور عمل نينكي بشكل أساسي حول العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بالإضافة إلى دور تركيا وتأثيرها في منطقتها.

_______________


مواد ذات علاقة