عائد عميرة

توقفت العملية السياسية الرامية إلى حلّ الصراع في ليبيا منذ انهيار الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول 2021 بسبب خلافات بشأن بعض مشاريع القوانين، بما في ذلك شروط الترشح للانتخابات الرئاسية وصلاحيات المرشحين، وأسباب أخرى عديدة.

لكن مع بداية السنة الحالية، شهدت البلاد حراكًا دبلوماسيًّا مكثفًا، فقد أصبحت طرابلس وبنغازي قِبلة المسؤولين الأجانب المتدخلين في الشأن الليبي، ما يُفهم منه وجود إرادة خارجية لإنهاء الأزمة في هذا البلد العربي الغارق في الفوضى وعنف السلاح منذ سنوات عديدة.

تجلّى هذا الأمر في المبادرة الأممية الأخيرة، التي تمَّ طرحها على أنظار الليبيين والأطراف المتدخلة هناك لإجراء انتخابات خلال هذه السنة، لكن السؤال المطروح الآن هو هل تنجح المبادرة الأممية أم سيكون مصيرها الفشل كالعادة؟

تفاصيل المبادرة الأممية

جاءت المبادرة الأممية بعد عجز الأطراف الليبية على رأسها كل من مجلس الدولة والبرلمان والحكومةعن وضع خارطة طريق للذهاب إلى الانتخابات، بسبب التدخلات الخارجية المتكررة وحسابات الربح والخسارة التي تغلب على مصالح الليبيين.

تنصّ مبادرة رئيس البعثة الأممية، عبد الله باتيلي، التي تمَّ عرضها خلال مؤتمر صحفي في العاصمة طرابلس أول أمس السبت، على إنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى بهدف إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال العام الجاري.

خلال عرضه للمبادرة، أكّد باتيلي أن تحديد الانتخابات لا يمكن أن يُترك بيد مجلسَي النواب والدولة فقط، مشيرًا إلى ضرورة توسيع قاعدة المشاركة والمشاورات المحلية، بهدف الوصول إلى قاعدة دستورية تنظّم إجراء انتخابات في البلاد.

ناشد الدبيبة الليبيين التحلّي بالإرادة القوية لإنهاء المراحل الانتقالية عبر انتخابات عادلة ونزيهة.

لذلك، من المرتقب أن تعمل الآلية المقترحة من الأمم المتحدة على الجمع بين مختلف الأطراف الليبية، بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية كالبرلمان والحكومة ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني والأطراف الأمنية، وممثلون عن النساء والشباب.

أما عن موعد الانتخابات، فقد أكّد المبعوث الأممي على ضرورة الاتفاق على قاعدة دستورية قبل يونيو/ حزيران القادم، لضمان إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، قائلًا في هذا الشأن إنه لا يمكن تحديد موعد للانتخابات في ليبيا قبل الانتهاء من إعداد القوانين والاتفاق عليها، ومن ثم إحالتها إلى مفوضية الانتخابات لبحث القضايا الأخرى المتعلقة بالعملية الانتخابية“.

نصّت مبادرة باتيلي أيضًا على تشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى ستقوم بصياغة مدوّنة سلوك للمرشحين، وعلى القادة الليبيين تضمينها في القاعدة الدستورية، ومن المنتظر أن يتمَّ تشكيل اللجنة بعد عملية حوار ليبيليبي، وستشارك فيها كل الأطراف الفاعلة في ليبيا، وفق باتيلي.

أشار باتيلي في المؤتمر الصحفي إلى ضرورة إجراء حوار رفيع بين الجهات الأمنية للتوصُّل إلى اتفاق لضمان أمن الانتخابات، ولا بدَّ من ضمان حرية تنقل المرشحين خلال الحملة الانتخابية في جميع مناطق ليبيا.

كما تنصّ المبادرة على إنشاء آلية بقيادة ليبية تجمع أصحاب المصلحة للاتفاق على أولويات الإنفاق، وضمان إدارة عائدات النفط والغاز بطريقة شفافة ومنصفة، لتجاوز كلّ الإشكالات وحالة الركود الحالية.

وأوضح باتيلي في أول بيان له على رأس البعثة الأممية، أن أولويته تتمثل في تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين“.

ترحيب غربي وانقسام داخلي

ما أن تمَّ عرض هذه المبادرة حتى تتالى الترحيب الغربي بها، إذ أكّدت دول أوروبية دعم مبادرة المبعوث الأممي لحلّ أزمة ليبيا وعبور نفق الانسداد في المسار السياسي، وصولًا إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وقال ممثلو فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إن زيارتهم إلى ليبيا للتعبير عن دعمهم القوي لمبادرة المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، وتأمين الدعم من الأطراف والقادة الليبيين نحو خارطة طريق تُفضي إلى إجراء الانتخابات.

وشدّد ممثلو هذه الدول في كافة لقاءاتهم مع القادة الليبيين، وفق بيان مشترك، على أنه عليهم تقديم التنازلات اللازمة للتحرك بسرعة لوضع مسار نحو الانتخابات، حتى يتسنّى للشعب الليبي تحقيق تطلُّعاته في اختيار قادته“.

أما داخليًّا، فقد تباينت ردود الفعل تجاه المبادرة، حيث رحّب بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وفي تغريدة على تويتر، أشاد الدبيبة باستجابة الأمم المتحدة لطلب رفع مستوى التنسيق والدعم المقدَّم في مسار التحضير والاستعداد للانتخابات.

ترى موسكو أنه تمَّ إقصاؤها من مشاورات المبادرة الأممية الأخيرة، رغم أنها كانت الداعم الأبرز لتولي شخصية أفريقية لمنصب المبعوث الأممي في ليبيا.

ناشد الدبيبة الليبيين التحلي بالإرادة القوية لإنهاء المراحل الانتقالية عبر انتخابات عادلة ونزيهة، مؤكدًا أن موقف البعثة الأممية يتّسق مع موقف حكومته منذ البداية، بأن مشكلة الانتخابات هي قصور الجهات التشريعية في إيجاد قوانين قابلة للتنفيذ وعادلة ونزيهة في الوقت نفسه“.

بدوره، قال رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، أن هناك إرادة سياسية قوية لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تعطّلت بسبب الانقسامات الداخلية، قبل نهاية العام، بقوانين انتخابية تراعي القوانين المنظمة للعمل السياسي والجنسية وتنظيم القوات المسلحة وتعهُّدات ملتقى جنيف.

مع ذلك، لم يرحّب خالد المشري صراحة بالمبادرة الأممية، ويبدو أنه يرفضها، فخطوته بالمصادقة على التعديل الدستوري، رغم عدم توفر نصاب في جلسة مجلس الدولة، تبيّن رفضه مبادرة باتيلي، ويؤكد وجود انقسام بشأن المبادرة بين أعضاء مجلس الدولة.

من جهته، أبدى مجلس النواب المنعقد في طبرق شرق البلاد اعتراضه على المبادرة، ووجّه إليها نقدًا بُني أساسه على أحقية مجلسَي النواب والدولة فقط في دعوة لجنة الحوار إلى الانعقاد، استنادًا إلى المادة 64 من الاتفاق السياسي.

وتقول المادة 64 إنه في حال وجود انسداد سياسي تتمّ العودة إلى ملتقى الحوار السياسي، وتنصّ المادة على أن مجلسَي النواب والدولة هما من يتوليان دعوة هذا الملتقى للانعقاد، لكن المبعوث الأممي بنى مبادرته الجديدة على هذه المادة.

جدير بالذكر أن أحد أسباب تعثُّر الانتخابات وتأجيلها إلى موعد لاحق لم يحدَّد بعد، هو تعنُّت مجلس النواب الذي أقرَّ قوانين تنظّم الانتخابات دون الرجوع إلى المجلس الأعلى للدولة، وسمح بترشح مرشحين مطلوبين للعدالة، وساهمَ في مزيد من الانقسام في البلاد.

دور روسي لإفشال المبادرة

جاء الرفض من قبل روسيا أيضًا، الدولة الداعمة لبرلمان طبرق وجماعة الشرق، إذ حذّرت روسيا من التسرُّع في إجراء الانتخابات في ليبيا، وطالب مندوب موسكو في جلسة الإحاطة الأممية إعطاء الليبيين الوقت الإضافي للتوافق.

ترفض روسيا عملية إقصائها من الجانب الأمريكي فيما يخصّ الملف الليبي، إذ ترى موسكو أنه تمَّ إقصاؤها من مشاورات المبادرة الأممية الأخيرة، رغم أنها كانت الداعم الأبرز لتولي شخصية أفريقية لمنصب المبعوث الأممي في ليبيا.

وتخشى روسيا فقدان نفوذها في ليبيا، وبروز شخصيات جديدة لا تكنّ لها الولاء، لذلك رفضت المبادرة، فهي ترفض إجراء أي انتخابات في الوقت الحالي لعدم ضمان نجاح حلفائها في الوصول إلى المراكز السيادية في الدولة.

تعلم روسيا أن إنجاز انتخابات تشريعية ورئاسية يعني بناء دولة قوية قائمة على القانون والمؤسسات، لذلك ترفض الذهاب إلى الشعب وترى ضرورة تواصُل الفوضى والعنف في هذا البلد العربي، حتى تواصل استثمارها في الأزمة كعادتها.

***

عائد عميرة ـ محرر في نون بوست

_____________

مواد ذات علاقة