رمضان السنوسي

السيد عبدالله باتيلي الأستاذ الجامعي لمادة التاريخ بجامعة الشيخ أنتا ديوب (عالم فيزياء ومؤرخ وإنثروبولوجي) في العاصمة داكار ووزير خارجية السنغال السابق والموظف السامي لدى الأمم المتحدة في نيويورك والمبعوث الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة لدى أفريقيا الوسطى، هذا وقد جاء تعيين الممثل الخاص للأمين العام السيد باتيلي في الأول من سبتمبر 2022.

وقد جاء التعيين بعد تعثر سنة كاملة في القدرة على تعيين الأمين العام شخصية تلقى القبول من كل أعضاء مجلس الأمن.

ومنذ تعيينه خلع السيد باتيلي بدلته الإفرنجية والكرفتة وتركها وراءه في نيويورك. ارتدى بدلا منها الزي التقليدي السنغالي مع الشنة، وهي العنصر الوحيد المشترك بينه وبين الحالة الليبية، وهي من تأثيرات الحركة السنوسية الصوفية في أفريقيا التي عملت على نشر الإسلام بها، وعلى الرغم من ارتداء هذا الزي، فإن ذلك لن يجعله مختلفا عمن سبقه من المبعوثين الثمانية منهم العرب والعجم.

السيد باتيلي منذ توليه الملف الليبي اتبع النهج نفسه الذي اتبعه أسلافه، معتقدا أنه سيحقق نتائج مختلفة. بدأ رحلاته المكوكية وهو يجوب عواصم الدول المتدخلة في الشأن الليبي، محاولا شراء دعمها لجهوده في حلحلة الملف الليبي ببيع وهم إجراء الانتخابات التي لن تتحقق.

كما التقى على حد تعبيرهالقوى المحلية الفاعلة التي لا نعرف نحن الليبيون من هي كما راهن على جهود مجلسي النواب والدولة في التوافق. الجهود التي بدأها المبعوث السابق غسان سلامة العام 2017، التي كانت محطتها الأولى تونس ثم شرم الشيخ في مصر وأبوزنيقة بالمغرب، يصلون كل مرة إلى توافق بنسبة 89%، ثم ما يلبث هذا التوافق أن يتبخر/ فينتقل المتحاورون إلى الوظائف السيادية كمحطة لاستراحة المحارب. ظل هذا المشهد وسيظل إلى أمد لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.

قدم السيد باتيلي إحاطته إلى مجلس الأمن في الثامن والعشرين من شهر فبراير 2023 التي سماها مبادرة لإجراء الانتخابات في ليبيا مع نهاية العام الحالي، ومن المرجح أن تعاد الكرة هذه المرة لإعطاء فرصة أخرى لليوم التاريخي 24 ديسمبر.

هذه الخارطة أو المبادرة هي مجموعة أفكار غير مترابطة ولا متناسقة وليست بها محطات وتواريخ، قد كان يجوب بها على الدول الإقليمية، خاصة دول الجوار.

تواجه محاولة باتيلي معارضة في الداخل والخارج، ولم يكن عليها توافق بمجلس الأمن الذي اكتفى بإصدار بيانه الرئاسي. مبادرة المبعوث كانت لإحدى الدول الإقليمية المؤثرة في المشهد الليبي منذ اثنتي عشرة سنة، أبدت للسيد باتيلي جملة من الملاحظات والتساؤلات التي وعد بالإجابة عليها قبل ذهابه إلى مجلس الأمن، وكان ذلك عند زيارته إلى عاصمتها ولقائه بوزير خارجية هذه الدولة. لكن السيد المبعوث نقض وعده وطرح مبادرته التي توالت عليها ردود الأفعال، لعل أشدها حدة الموقف المصري في معرض رده على البيان الصادر عن مجلس الأمن.

مبادرة السيد المبعوث أربكت المشهد السياسي واستثارت الأطراف الرئيسية التي رأت فيها تهديدا لوجودها وانفرادها، ليس ذلك فقط، بل ذهب تفكيره إلى إقحام القبيلة وزعماء القبائل في المشهد السياسي وجعلها طرفا في الصراع القائم، وقد قام بتصنيف القبائل الليبية إلى قبائل مؤثرة وقبائل غير مؤثرة، وهذا استحضار للتصنيف الذي أطلق بعد نهاية الأحداث في العام 2011 القائل بأن هناك مدنا منتصرة ومدنا مهزومة.

القبيلة كمكون اجتماعي كانت دائما مهمة في أعمال المصالحة لما يتوفر لديها من قوة التأثير الاجتماعي في محيطها، فهي يعول عليها لرتق النسيج الاجتماعي الذي ضرب في مقتل نتيجة الاصطفاف الذي سببته الحرب الأهلية.

وصفة الأمم المتحدة ثلاثية الأبعاد التي يتم وصفها للبلدان التي شهدت حروبا أهلية، وهي الدستور والانتخابات وإعادة الإعمار لن تجدي مع الحالة الليبية المعقدة.

فالانتخابات، ورقة المبعوثين منذ وطأت أقدامهم هذه الأرض، أضحت هدفا في حد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق الديمقراطية.

أن تجرى الانتخابات في بلد يعاني من الانقسام السياسي والمؤسسي رأسيا وأفقيا لن تجدي في مجتمع تكدست به كل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وملأت كل حي، ناهيك عن المال الفاسد الذي سيؤثر في مجريات هذه الانتخابات ونتائجها ومن لم ترضِه النتائج فسيحتكم إلى السلاح المنفلت.

السيد باتيلي، لم يفلح أسلافك من المبعوثين الدوليين، لأن ليبيا حالة معقدة على رأي أحد الدبلوماسيين الأجانب، بأنه يتطلب من السفير البقاء ما لا يقل عن عقد ونيف حتى يمكنه فهم هذه الحالة كما فعل سفير الكونغو لدى ليبيا، الذي ظل سفيرا لبلاده قرابة الثلاثة عقود، وانتهى به الأمر بأن دخل الإسلام وتعلم اللغة العربية وتزوج من ليبية، كل ذلك ولم يصل إلى فهم صحيح لهذه القارة التي تحاصرها الصحراء الكبرى من الجنوب والبحر المتوسط من الشمال.

ومنذ إعلان استقلال ليبيا في العام 1951، أي منذ سبعة عقود، لم يتفق الليبيون على كيف سيعيشون معا، وما زالت جذور المشكل الليبي تُرحَّل من نظام إلى نظام، ولعل أهم هذه التحديات هي المركزية المقيتة وسردية التهميش والتوزيع غير العادل لما أطلق عليه ثروة.

ما لم تتصدَّ الفاعليات السياسية والنخب الوطنية والمجتمع المدني عبر حوار وطني هادف يتم فيه إقرار ميثاق وطني للعيش السلمي المشترك يكون الحكم المحلي أهم ركائزه، والإدارة الكفؤة والعادلة لعوائد الموارد الطبيعية.

غير ذلك فهو هراء كمبادرة باتيلي التي لم نرَ إلى الآن إلا نسخة منشورة منها تحتوي على غير ما يصرح به صاحبها عبر لقاءاته الانتقائية التي يحدد من يحضرها موظفو البعثة الذين اندمجوا وانصهروا في حالة الفساد الليبية، التي أتت على الأخضر واليابس.

مبادرة السيد باتيلي النصية وزعت على أعضاء مجلس الأمن وبعض الدول الإقليمية ولم تنشر بعد، ومن حقنا نحن الليبيزن أن نطلع عليها من مبدأ حق الوصول إلى المعلومة الذي تكفله كل المواثيق. عدم نشر المبادرة يزيد من حالة عدم التيقن والإرباك.

أرجو ألا يكون مصيرك، سيد باتيلي، كمصير سفير الكونغو السابق لدى ليبيا الذي تاه في صحراء هذه القارة ليبيا وأضاع بوصلة العودة إلى وطنه.

وعلى الليبيين انتزاع المبادرة عبر ممارسة الضغط على كل الأطراف المحلية والدولية وعدم التعويل على الحل من الخارج الذي لن يأتي.

____________

مواد ذات علاقة