درة الرابحي

يبدو أن الرئيس قيس سعيّد، في وضعية لا يُحسد عليها. فحديثه مؤخراً عن حقّ تونس في تقاسم حقل البوري النفطي مع ليبيا، قد يعمّق عزلته الداخلية، ويعزّز حظوظ الرافضين له، بشحذ العزائم ضدّه.

وليس مستبعداً أن تكون لهذه التصريحات تداعيات على عصب سياسته الخارجية التي تعاني أصلاً من علّة الرعاش الديبلوماسي.

تونس لم تحصل سوى على الفتات

بالعودة إلى فحوى تصريحاته، وخلال زيارته للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية، في 16 آذار/ مارس 2023، قال الرئيس قيس سعيّد، إن تونس لم تحصل سوى على الفتات القليل من حقل البوري، وأشار إلى أن النية كانت تتجه عام 1975، إلى تقاسم هذا الحقل مناصفةً بين البلدين باقتراح من وزير الخارجية الليبي آنذاك، علي عبد السلام التريكي.

إلا أن تعمّد ليبيا سنة 1977، حسب التصريح الرئاسي، فرض شركة أمريكية كانت مهددةً بالإفلاس، على الحقل، والسماح لها بوضع منصتها لاستخراج النفط، وتّر العلاقات التونسيةالليبية، وتالياً تم العدول عن مقترح القسمة.

تونس لم تحصل سوى على الفتات القليل من حقل البوري، تصريح للرئيس سعيّد بخصوص الحقل النفطي أثارت غضبا في أوساط المسؤولين الليبيين، وأعادت قصة النزاع حول ملكيته، الذي حُسم لصالح ليبيا، إلى الواجهة

في محاولة لإيجاد أرضية للتفاهم، تقدّم أمين عام جامعة الدول العربية محمود رياض، في تلك الحقبة، لتولّي دور الوساطة، وتم الاتفاق على عرض القضية أمام محكمة العدل الدولية التي حسمت الحكم لصالح الطرف الليبي، وهو ما عزاه سعيّد إلى عدم اعتماد المحكمة للمقاييس التي كانت تعتمدها سابقاً بالنسبة إلى تحديد الجرف القاري، بل اعتمدت مقاييس أخرى من بينها الاتفاق الضمني بين تونس وليبيا.

الجرف القاري الليبي

يحدّد الخبير النفطي والمستشار حالياً في إحدى الشركات التابعة للمؤسسة الوطنية الليبية للنفط نجيب الأثرم، الموقع الجغرافي للبوري النفطي، قائلاً إنه تم اكتشاف هذا الحقل الواقع في البحر المتوسط على بُعد نحو 130 كيلومتراً شمال الساحل الليبي عام 1976، وبدأت عمليات الإنتاج فعلياً منه عام 1988، ويحوي 39 بئراً، ويشغّل أكثر من 90 في المئة من العمالة الليبية“.

يضيف الخبير في حديثه إلى رصيف22، أن شركتَي مليتة للنفط والغاز، وإينيالإيطالية، تتوليان اليوم مهمّة إدارة الحقل الذي تُقدَّر كميات إنتاجه بنحو 23.5 ألف برميل نفط يومياً، وهو من الحقول التي تعتمد عليها ليبيا خلال الأزمات التي تشهد غالباً توقّفاً في عمليات الإنتاج في الحقول البرية من قبل الميليشيات“.

وفي سبعينيات القرن الماضي (1978)، رفع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، قضيةً أمام محكمة لاهاي الدولية، طالب فيها بأحقية تونس بهذا الحقل بعدما رفض مقترح نظيره الراحل معمّر القذافي الذي كان يفضّل تقاسم ثروات الجرف القاري دون الذهاب إلى المحاكم الدولية.

وبعد مضي خمس سنوات، أصدرت المحكمة قراراً جرّدت فيه تونس من أي نصيب، مقابل التأكيد على السيادة الكاملة لليبيا على الجرف القاري، وهو ما لم تقبله تونس طبعاً.

وكردّ فعل على الأمر، تقدّمت تونس بطلب لمحكمة العدل الدولية لإعادة النظر في الحكم بهدف تعديله. ولكن في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1985، صدر حكم نهائي يقضي برفض الدعوى القضائية، وتقبّلت تونس الحكم للمرّة الثانية.

لماذا خسرت تونس المعركة؟

عن أسباب خسارة تونس للقضية، قال الخبير التونسي في مجال الطاقة والبترول والطاقات مصطفى العيساوي، في تدوينة له، إن اللجنة التي ترأسها العميد الصادق بلعيد، والديبلوماسي نجيب البوزيري، اختارت أن تستند في دفاعها إلى التاريخ والجيومورفولوجيا والحقوق التونسية في صيد الإسفنج، فيما اعتمدت الجماهيرية الليبية على الجيولوجيا وتحرّك الطبقات الأرضية، وهي مبررات رأت المحكمة أنها عقلانية وقضت بالحكم لفائدة ليبيا.

ويضيف العيساوي، أن هذا الحكم قد أثار حفيظة العميد آنذاك، واتهم رؤساء المحكمة بالانحياز والعمل لفائدة بلدان لها مصالح إستراتيجية وسياسية واقتصادية في ليبيا.

_______________

مواد ذات علاقة