أسامة المبروك

في زمن صار التنازل عن المبادئ صناعة ومهارة!

وركوب الأمواج حنكة ودهاء!

هنا.. يقالُ للثابت والصابر المحتسب واهٍ واهَا.

***

صحَّ عن نبينا قوله: “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر

وعند قراءة وتأمل هذا الحديث، والنظر في واقع التقلبات! والنقولات الصيفية والشتوية! لا بُدَّ أن يرتعبَ العاقل ويشتدَّ حذرُهُ؛ لأنَّ هذا الحديث الشريف يبيِّنُ لنا قُوَّةَ الابتلاء الذي قد يتعرض له المؤمنُ العاقلُ في مسيرة حياته، وعند اختلاف الأزمنة وتقلب الأحوال.

فالزمانُ –بما يحمله من فتن وتقلباتقادمٌ لا محالةَ، كما في الحديث النبوي: “يأتي على الناس زمانٌ، وإنما المدح والنجاة فيه للـ (القابض على الجمر) المتمسك بالمبادئ والثوابتوالتي صارتْ عند البعض اليوم سُبَّةً وقدحاً.. في مقابل أصبح الانفلاتُ والتقلباتُ! وبيعُ الذمم حذاقةً وشطارةً!!

ففي خضم هذه الأحوال والتقلبات يخبرنا الصادق المصدوق : “الصابرُ على دينه كالقابض على الجمر فكما أنَّ القبضَ على الجمر شيءٌ صعبٌ، فالثباتُ حينها أمرٌ شاقٌّ، لا يقدر عليه إلا المُوفّقُ؛ لغلبة العصاة والمعاصي، وانتشار الفسق، وضعف الإيمان، وكثرة التقلبات، وانتشار الفتن والإغراءات، بحجة مسايرة الزمان، وبحجة: هكذا تريدُ عصبة الأمم! والمجتمع الدولي

فلا يُتصوّرُ أن يصبر عاقلٌ على التمسك بالجمر إلا لأمر أعظم منه في النفوس، فحينها نقول له: واها!

فأن يكون السَّاسة ثابتون على مبادئهم أمرٌ عسيرٌ نادرٌ نفيسٌ –بغض النظر عن الوسائل والآليات المتجددة والمتغيرة، بما لا يصادم الحق، ويقضم الدين! فساستُنا المخضرمون يوم ذات اليمين، وآخر في أقصى الشمال! يميل مع ملئ الجيوب! وبقاء الهيبة والمكانة والوجاهة! لا مقام لمعيار الدين، ولا المبادئ والقيم، ولا مصلحة الوطن.

حتى إنَّ أحدهممن أكابر المنظرينصارت سهامه وأقلامه ونقده لا يطال إلا الثابتين! غمزاً ولمزاً لهذا الوصف! الذي لا يحمل إلا المدح معاني النجاح والفلاح! كل ذلك بحجة (الاجتهاد) وأنني أرى ما لا ترون!

فترى لهم اجتهادات وتأويلات (ومماحكات) ما تنوء بحمله الجمال والجبال! دعك من المغموسين في الغواية أولاً وآخراً! فذاك له بابٌ آخرُ!

بل المشايخ والدعاة! يقلون أمام موجهات غضب الدهماء! وينحنون أمام هالة وضجيج الإعلام!! فيقلون عند الفزع! ويختفون عند المحن! ويتوسطون بحياد وحذر عند الفتن! يتربصون ويتتبعون هوى الناس! ويخطبون وُدَّ البشر! في لبوس شرعي! إلا مَنْ رحم ربي، وقليلٌ ما هم، فواهٍ لهم واها!

والمقاتلون الأشدّاء .. تطول بهم الطريق! فتضعف الهمم، فيجلسون على موائد اللائم! علَّهم يجدون مغنما! أو يصيبون مكرمة!

وهكذا.. دواليك

يأتي على الناس زمانٌنعم، الزمان يتغير! غير زمان النبوية وصفاء النية، وتتغير معه النفوس حاشا النفوس الأبية المرضية!

ولهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من تغير الزمان ليتأهب المؤمن الصادق كي لا ينحني أمام رياح التغير السيئة! ويضع نفسه وَقفْاً لما يطلبه الهواة والمستمعون! بل قابضاً على جمر مبادئه ودينه وثوابته.

نحن نرى ونُتابع اليوم سيلاً عارماً من الشبهات تخطف المسلم عن دينه، وأبواباً متنوعةً من الشهوات تلاحق المسلمين والمتمسكين بدينهم، يقودها شياطينُ الإنس من خلال الفضائيات والصحف وبعض المواقع الإلكترونية:

تارةً تُلبسُ بلبوس الدِّين! من أناس باعوا دينهم بدنياهم، فيشككون المسلم في عقيدته وثوابت دينه وأحكام شرعه، كعقيدة الولاء والبراء، وترك نصرة المستضعفين والوقوف بجانب الظلمة المستبدّين.

وتارةً تُلبسُ بلبوس التقدم والتحضر! فيطعنون في أحكام الأسرة القطعية منها، بل والفطرية، ويسعون جاهدين لتفكيك الأسر بعبارات منمقة، كحرية المرأة وحرية الطفل، وسفر المرأة بلا محرم، ووجوب الحجاب الشرعي، وخروج المرأة في المحافل ومخالطتها للرجال بداعي الترفيه والرياضة! وغيرها من الفتن المضلّة.

وتارةً تُلبسُ بلباس الاجتهاد وإكراهات السياسة! وأنَّ الدين لا علاقة له بالسياسية! فيرتعون ويجوبون الجبهات كلها! مع النقيضين في آنٍ واحد! تارةً مع الشرق، وتارةً مع الغرب! أينما يجدون مغنما أو مقعداً أو مصلحةً فذاك الوطن!

والمسلم الصادق الأبي (سياسياً، أو عسكرياً أو شيخاًإلخ) مطالبٌ في هذه الفتن والمحن بالتمسك بدينه وشرع ربه، ولا يخوض مع الخائضين، ولا يغره كثرة الهالكين المنحرفين، ولا تتسلل إليه الشبهات، وينغمس في الشهوات، بل يجبُ على المسلم تحصين نفسه وأهله ومجتمعه منها، وما أنْ تَزلَّ قدمُهُ بذنبٍ إلا وبادر بالتوبة والإنابة، ويصبر على ذلك –وهنا بيت القصيدإذ إنَّ مَنْ يقبض بيده على جمرة مشتعلة سيحس بلسع النار في راحة يده، وهو شعور مؤلم جدا، وسيبادر إلى إلقاء الجمرة بسرعة حتى يسلم من إحراقها، ولن يبقيها في قبضته إلا أن يرى في بقائها منفعة يهون في سبيلها الألم، فلنْ يلقيها مَنْ آمنَ –وتيقَّنأنَّ في إلقائها ضرره البالغ وهلاكه القاطع.

القابض على الجمر وهو يتألمُ يستشعرُ جميل العاقبة، بجنة عرضها السماوات والأرض، وأنَّ العاقبة للمتقين.

القابض على الجمر يستحضر جهاد الأنبياء، وصبر المجاهدين، وعبادة الطائعين العابدين، فيتأسى بهم رجاء اللحاق بهم يوم القيامة.

القابض على الجمر لا يغره كثرة الهالكين، ولا يتأسى بالمنحلين والخانعين، ويعبد ربه حَتَّى يَأتِيَه اليَقِينُ.

القابض على الجمر يوطّنُ نفسه على عبادة ربِّه في السَّراء والضَّرَّاء، واضعاً نصب عينه قول ربِّه جلَّ في عُلاهُ: “ونَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.

القابضون على الجمر لا يتقلبون وفق هوى الساسة! ولا يبيعون بلادهم مع تُجَّار النخاسة، ولا يتلونون تلون مُدَّعي المشيخة ذوي الخساسة!

القابضون على الجمر لا يعيشون في الرمادي! يساوون بين الحق والباطل، والظالم والمظلوم

القابضون على الجمر يعاديهم الناس لتمسكهم بدينهم ومبادئهم، وعينهم على رضا ربهم والفوز باليوم الآخر، فتهون عليه عداوة المنافقين، وترخص في عينهم الدنيا الفانية

وكلُّ كَسـرٍ فإنَّ الدِّينَ يَجْبُـرُهُ *** وما لِكَسْرِ قَنـاةِ الدِّيـن جُبـرانُ

______________

مواد ذات علاقة